الجامعة اللبنانية في بعلبك.. اختصاصات محدودة لسنة واحدة فقط!

ما الّذي تغيّر في واقع بعلبك-الهرمل بعد تاريخ 16-تموز-2003 أيّ تاريخ إصدار المرسوم 522 الّذي قضى بتحويلها إلى “محافظة”؟ بقي هذا المرسوم شكليًّا لسنوات إذ أنّ بعلبك-الهرمل لم تأخذ من سمات المحافظة الكثير. فالمدينة الّتي تبلغ مساحتها 3.009 كم2 يقتصر وجود الجامعات الرّسميّة فيها (الجامعة اللّبنانيّة) على بعض الاختصاصات، لكن لسنة واحدة فقط. إضافة لوجود جامعة خاصّة وبعض المعاهد الجامعيّة الّتي يفوق قسطها قدرة تحمّل معظم العائلات البعلبكيّة.

يتناقض الواقع الّتعليمي الجامعي اليوم مع تاريخ التعليم في بعلبك الّذي يعود إلى الحضارات الأولى. في العصر الروماني، كانت بعلبك مركزًا للتعليم والثقافة، فشهدت بناء معابد ومسارح ومدارس. كما كانت واحدة من أهم المدن الرومانية في المنطقة، وسُمِّيَت هيليوبوليس أو مدينة الشمس. في العصور الوسطى، تأثر التعليم في لبنان بالحضارات الإسلامية والصليبية والمملوكية والعثمانية، وظهرت مدارس دينية ولغوية وفلسفية في بعلبك.

اليوم، في ظلّ الإهمال والواقع المتهاوي والخيارات المحدودة، تُصبح أجيال في بعلبك بلا تعليم أو إهتمام تربويّ، أو جامعة الّتي هي الشرط الأساسي لدخول سوق العمل في لبنان أو في الخارج، وبغياب الجامعة تبقى كلّ الشّهادات الّتي يحصّلها أبناء بعلبك مجرّد شهادات شكليّة دون تتمّة. وبذلك يلجأ معظم الشباب إلى سبل أخرى (شرعيّة أو غير شرعيّة) من أجل العمل، وتتولّد أجيال بلا تعليم أو ثقافة نتيجة هذا الإهمال الفادح.

بعلبك الّتي تبلغ مساحتها 3.009 كم2 يقتصر وجود الجامعات الرّسميّة فيها (الجامعة اللّبنانيّة) على وجود بعض الاختصاصات، لكن لسنة واحدة فقط. إضافة لوجود جامعة خاصّة وبعض المعاهد الجامعيّة الّتي يفوق قسطها قدرة تحمّل معظم العائلات البعلبكيّة

لذلك، فإن معظم طلّاب بعلبك-الهرمل اليوم لم يحصلوا على حقّهم من التعليم الجامعيّ واكتفوا بالشهادة الثّانويّة، ومنهم من درس في الجامعات الخاصّة، ومنهم من قضى ساعات وهو يتّجه صباحًا إلى الجامعة الأقرب في زحلة الّتي تبعد عن بعلبك مسافة 40 كلم2 ، ومنهم من قرّر الهجرة.

هاجروا ونجحوا

مِن أبناء بعلبك الّذين هاجروا وتعلّموا ولمع نجمهم في الخارج، مخترع العين الثالثة البروفسور محمد صوان، مواليد عام 1959 من بلدة مقنة البقاعية. اضطر صوّان إلى الهجرة لبدء دراسته الجامعية في الهندسة الكهربائية، فحصل على دكتوراه في اختصاص الإلكترونيات الدقيقة، ودخل من خلالها عالم الطب، فتوصل إلى طرق مكنته من ترجمة الحركة العصبية الدماغية إلى لغة مفهومة. وعلى أساسها أبدع عام 2020 وقبل ذلك التاريخ في كندا، بابتكار رقائق إلكترونية دقيقة تُسهل إعادة تأهيل أعضاء جسم الإنسان المعطلة.

تضم بعلبك اليوم 9 مدارس رسمية يلتحق بها حوالي 1600 طالب وطالبة، و26 مدرسة خاصة تحتوي على 12500 تلميذ وتلميذة. الأمر الذي يوضح التراجع الكبير في المدارس الرسمية بسبب الازمات الاقتصادية والاضرابات المتكررة. في هذا الإطار يقول رئيس اللجنة الثقافية والتربوية في بلدية بعلبك الأستاذ سامي رمضان لـ “مناطق نت” إن التعليم في بعلبك شأنه شأن التعليم في لبنان، ويمكن القول إنه لا بأس به نسبة للوضع الاقتصادي، وذلك بسبب كفاح الاساتذة وكفاءتهم في المدارس الرسمية والخاصة، رغم تدني اجورهم مقارنة بالمناطق اللبنانية الاخرى.

تضم بعلبك اليوم 9 مدارس رسمية يلتحق بها حوالي 1600 طالب وطالبة، و26 مدرسة خاصة تحتوي على 12500 تلميذ وتلميذة.

يتابع رمضان “لكن المشكلة الاساسية أن الدولة، لا تعامل بعلبك على أنها محافظة مستقلة، بحيث يجب أنّ تضمّ مراسيم تطبيقية ووزارات ودوائر رسمية وجامعات حكومية الخ.. وهذا يعني غياب اللامركزية الادارية التي تدّعي دولتنا تحقيقها”.

اختصاصات بسنة واحدة!

أما من ناحية الجامعات ففي سنة 2005 افتتحت البلدية فرع المعهد العالي للعلوم التطبيقية والإقتصادية في بعلبك، والذي يضم اختصاصات كإدارة الأعمال والهندسة والمعلوماتية والمدنية، وذلك في محاولة لتحسين الواقع التعليمي. ومن ثم في العام 2009 أُلحقت به كلية العلوم التابعة للفرع الرابع في الجامعة اللبنانية في زحلة، إلا انها منذ تأسيسها الى اليوم لا يدرس فيها طلّابها إلّا سنة واحدة فقط (سنة أولى) من الاختصاصات الخمسة (علوم طبيعية، فيزياء، كيمياء، رياضيات وعلوم الكمبيوتر) التابعة للكلية.

تقول الدكتورة “باسمة شقير” مديرة كليّة العلوم في بعلبك، لـ “مناطق نت” إن الكلية تطالب منذ سنوات، خاصة بعدما أصبحت بعلبك-الهرمل محافظة مستقلة عن زحلة، بافتتاح السنوات الباقية لتصبح فرعًا مستقلًا، لكن للأسف لا يوجد دعم سياسي كافٍ لتحقيق هذه المطالب، رغم عدد الطلاب الكبير الذي يضطر يوميًّا إلى تكبد عناء الطريق ذهابًا وإيابًا الى زحلة، أو يختار النزوح إلى بيروت، أو الهجرة.

تضيف شقير أنه في السنة الدراسية الفائتة تسجّل حوالي 300 طالب وطالبة، إلا أن مّن حضر منهم شكّلوا حوالي 25% من المتسجّلين، وذلك بسبب الأزمة الإقتصادية وغلاء المواصلات. حتى أن بعض الطلاب اضطروا إلى العمل لتأمين كلفة المواصلات ليتمكنوا من الحضور إلى الجامعة.

ماذا يقول الطلاب

أثّر واقع الحال بشكل مباشر على الأداء الأكاديمي للطلاب في الجامعة اللبنانية ووقَف في طريق متابعة دراستهم. تقول حنين ابنة بعلبك، الحاصلة على إجازة في العلوم الطبيعية، بعد أن درست أول سنة لها في بعلبك في كلية العلوم ثم اضطرت الى استكمال سنتها الثانية والثالثة في زحلة “على مدار سنواتي الجامعية وخاصة في زحلة كان يومي النموذجي هو النهوض صباحًا، الذهاب الى الجامعة في زحلة التي تبعد ساعة من بيتي في بعلبك، ثم عند عودتي أعطي دروسًا خاصة طيلة فترة بعد الظهر حتى ساعات الليل، وذلك كي أتمكن من الذهاب الى الجامعة في اليوم التالي، الأمر الذي أدى الى تراجع أدائي الجامعي، مقارنة بالسنة الاولى ومنعني من استكمال دراساتي العليا”.

في السنة الدراسية الفائتة تسجّل حوالي 300 طالب وطالبة، إلا أن مّن حضر منهم شكّلوا حوالي 25% من المتسجّلين، وذلك بسبب الأزمة الإقتصادية وغلاء المواصلات

يُذكر أن الجامعة الخاصة الوحيدة الموجودة في بعلبك هي الجامعة الاسلامية، والّتي تأسّست عام 2014، وتضم مختلف الكليات مثل كلية إدارة الأعمال والهندسة والقانون وغيرها. إلا أن وجودها لا يلغي الضرورة الملحّة لوجود جامعة لبنانية شاملة في بعلبك.

لا شكّ أنّ الواقع التعليمي في بعلبك يحتاج الى ترميم جذري بعد الأزمات التي تكاثرت في السنوات الأخيرة. فأهل المدينة يعيشون في حرب يومية لتأمين لقمة العيش ومتابعة التعليم كونه حقّ أساسيّ من حقوقهم الطّبيعيّة. ورغم التجاهل التام من قبَل الدّولة والأطراف المسيطرَة، إلا أنّ أهل بعلبك-الهرمل ما زالوا قابضين على الأمل من خلال النزوح إلى العاصمة أو الهجرة إلى الخارج لإكمال التعليم والبحث عن المكان والمكانة في المجتمع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى