الجنوبيون يهجرون زراعة التبغ.. والتراجع يتجاوز السبعين بالمئة

على غير العادة، لم يكن سهلي بلدتي رميش وعيترون، في قضاء بنت جبيل، مكسوان بالأخضر الداكن، وهو لون أوراق التبغ، التي لطالما بقيت في عز الحروب والأزمات، عوناً لابناء المناطق المرتفعة على امتداد الجنوب.

لون هذا العام مختلف تماماً، في هاتين البلدتين تحديدًا، اللتين تعدان في المرتبة الأولى بزراعة التبغ في لبنان، بمعدل يقارب الألف مزارع في كل منهما، ويشكل دخل أبنائهما السنوي مليارات الليرات، يوم كان الدولار ب ١٥٠٠ ليرة. فأكثر من سبعين بالمئة من مزارعي التبغ في البلدتين، وميس الجبل وعيتا الشعب وراميا وصديقين وعدشيت وبرعشيت وزبقين وزوطر وحوالي ١٩٠ بلدة وقرية جنوبية، لم يزرعوا حقولهم المخصصة للتبغ، فمنهم من استبدلها بزراعة القمح والشعير والعدس والحمص ومنهم من أبقاها بوراً، حتى لا يتكلف ثمن حراثتها وتسميدها.

سهل بلدة رميش الجنوبية ويبدو واضحاً انحسار زراعة التبغ هذا العام

هذا التحول الخطير، بمستوى زراعة التبغ، التي تنتج سنويًا أكثر من خمسة ملايين كيلو غرام تتسلمها إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) بمعدل مئة كيلو غرام عن كل دونم، ويعمل بها ما يقارب ١٥ ألف عائلة، مرده هذا العام تحديداً وقبله بنسبة أقل، إلى انهيار بدل أسعار التبغ، وارتفاع الكلفة إلى عشرات الأضعاف، لا سيما وأن مزارعي التبغ، محكومون بتسليم إنتاجهم إلى الريجي التي تأسست في العام ١٩٣٦ من القرن الماضي، ولا يمكنهم بيع إنتاجهم إلى أي طرف في الأسواق سواء المحلية او الدولية، لكي يعوضوا التكاليف الباهظة للإنتاج، المتمثلة بارتفاع استئجار الأراضي والأسمدة والأدوية والمياه والمحروقات والنايلون والخيش والخيطان وأجور العمال وغيرها.

تبلغ كلفة الدونم الواحد لزراعة التبغ أكثر من عشرة ملايين ليرة، فيما يسلم إنتاجه بنصف الكلفة، إذا ما اعتمدت أسعار العام الماضي (٤٠ ألف ليرة) وبالتالي انخفاض الانتاج السنوي إلى أقل من مليوني كيلو غرام . ما يتسبب بخسارة الخزينة اللبنانية أموالاً طائلة، التي تجنيها من مردود هذه الزراعة سنوياً.
ففي بلدة عيترون الملاصقة للحدود الفلسطينية وتعاني كغيرها من بلدات المنطقة من ندرة المياه، سجلت البلدية تراجعًا واضحًا في زراعة التبغ، وتراجع أعداد المزارعين من ألف مزارع إلى أقل من ثلاثماية مزارع.

وتؤكد مصادر في البلدية، أن زراعة التبغ في عيترون، انخفضت إلى ما دون ال٣٥ في المئة، نتيجة التكاليف العالية والعوامل المناخية التي أضرت بالموسم، الذي يتهيأ للقطاف.

على بعد كيلو مترات من عيترون، كان سهل رميش الواسع لوحة خضراء، لكنه هذا العام أشبه بالأرض البور، التي تلونها حقول صغيرة من التبغ. ويعمل في هذه البلدة حوالي ألف مزارع، يعتاشون من مردود زراعة التبغ، منذ عقود طويلة.

وبحسب المزارع شربل العميل، فإن زراعة التبغ في رميش أنحدرت بين ستين إلى سبعين بالمئة كحد أدنى جراء الأسعار المتدنية، التي حصل عليها المزارعون العام الماضي من إدارة الريجي ولم ترد جزء من الأتعاب والكلفة المرتفعة نتيجة ارتفاع سعر الدولار والمواد الزراعية والأجور والمياه والمحروقات.
وقال ل “مناطق نت”: في الموسم الماضي زرعت خمسة عشرة دونمًا، وهذا الموسم لم أتجرأ على زرع سوى ثلاث دونما ت، على أمل أن تكون الأسعار متناسبة مع أتعاب المزارعين وإلا فإن أحدًا لن يقدم بعد هذا الموسم على زراعة التبغ.

حقل تبغ في الجنوب

الأمر هو نفسه في ميس الجبل كبرى بلدات الجنوب، فمن أصل ٣٥٠ مزارعاً، زرع أقل من خمسين حقولهم، كذلك الحال في بلدة زبقين القريبة من صور، حيث تراجعت الزراعة سبعين بالمئة.

ويقول المزارع عبدالله بزيع إن زراعة التبغ تعيش ظروفاً مأساوية خصوصاً هذه السنة، بسبب التكاليف المرتفعة للزراعة، بدءاً من البذور والنايلون وصولاً إلى الأسمدة والحراثة وأجور العمال وغيرها. وأضاف أنا كمزارع قديم، زرعت الموسم الماضي ٢٥ دونماً، بينما لم ازرع هذا الموسم سوى بعض الدونمات خوفاً من الخسائر الكبيرة، التي يمكن تكبدها في حال لم يعط المزارعون حقوقهم وأتعابهم.

وفي بلدة زوطر الشرقية قرب النبطية، يشدد المزارع مصطفى عمار وهو أحد أعضاء تجمع مزارعي التبغ في الجنوب على أن زراعة التبغ تنهار كلياً، نتيجة سياسات الدولة وعدم إعطاء المزارعين أتعابهم كما حصل في الموسم الماضي. مضيفاً “زرعت في العام الماضي سبع دونمات، وهبطت الكمية هذا الموسم إلى أقل من ثلاثة داعياً إلى زيادة أسعار التبغ، بما يتناسب مع كلفة الزراعة الحقيقية.

يؤكد رئيس نقابة عمال مزارعي التبغ، نائب رئيس الاتحاد العمالي العام حسن فقيه ل “مناطق نت” التضامن الكامل مع المزارعين والعمل المتواصل على تحقيق المطالب المحقة لآلاف المزارعين الصامدين في بلداتهم وقراهم.

مشاتل التبغ قبل زراعتها في الحقول (تصوير: أحلام محمد جابر)

ويكشف فقيه أنه في آخر لقاء مع مدير عام إدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي) المهندس ناصيف سقلاوي تم تناول موضوع زيادة أسعار التبغ الذي تتسلمه الريجي من المزارعين والتوجه إلى (دولرة) الأسعار أو مراعاة أكلاف الإنتاج بالحد الأدنى. مضيفاً نحن على مرمى أشهر من تسلم المحاصيل (تشرين) وإلى ذلك الحين سنواصل اتصالاتنا مع المعنيين والعمل الجاد على تحسين الأسعار، وهو حق من حقوق المزارعين المتثبثين بأرضهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى