الحرب تطيح بتفاح اليمونة وتتلف آلاف الأشجار

يُصنّف تفّاح بلدة اليمّونة الواقعة غرب بعلبك، بأنّه من أجود أنواع التفّاح الجبليّ الفاخر المرويّ من مياه ينابيع البلدة العذبة، وهو يُعدُّ أكثر شهرة سواء من حيث الاستهلاك المحلّيّ أو لناحية التصدير إلى الخارج. هذه الشهرة جعلت زراعة التفّاح في البلدة من الزراعات الأساسيّة التي يعتمد عليها أبناء اليمّونة كمصدرٍ رئيسٍ للرزق. إذ تبلغ المساحات المزروعة بالتفاح في البلدة بمئات الدونمات، تنتج عشرات آلاف أطنان التفاح.
التفّاح والحرب
بيد أنّ موسم التفّاح في اليمّونة لم يسلم من الحرب الإسرائيليّة التي شنّتها بلبنان، ونالت منطقة غرب بعلبك حصّة كبيرة منها، إذ طاولته خسائر جسيمة أدّت إلى تدمير القسم الأكبر منه، إن من ناحية الموسم الذي حالت الغارات الإسرائيليّة المتواصلة على المنطقة، من تمكين أصحاب الرزق من قطف مواسمهم، فبقي التفّاح على أمّه، أو من ناحية يباس الآلاف من الأشجار لحرمانها القسريّ من الريّ في عزّ الحاجة إلى ذلك، فاضطرّ أصحابها إلى اقتلاعها من جذورها كونها صارت في عداد التلف.
وللوقوف على واقع قطاع زراعة التفّاح في اليمّونة التقت “مناطق نت” عددًا من المزارعين، وسجّلت الشهادات الآتية:
يشير مختار اليمّونة محمّد شريف إلى إنّه يملك بستانًا يضمّ نحو 900 شجرةٍ من التفّاح يعتمد عليه كمصدرٍ أساس للرزق “إذ كنت أقطف منه في الموسم السنويّ، نحو 4000 صندوقة، أيّ ما يوازي ثمانية أطنانٍ من التفّاح، وهو إنتاج جيّد ويعود عليّ بالأرباح الوفيرة، ويؤمّن لنا احتياجاتنا ومصاريفنا اليوميّة طوال السنة.”

يتابع المختار شريف لـ “مناطق نت”: “أمّا في موسم سنة 2024 والذي يبدأ كالعادة في أواخر شهر أيلول (سبتمبر)، فكانت الكارثة الحقيقيّة حيث بدأت الحرب في بداية أيّام القطاف، ولم يعد بالإمكان الخروج من المنازل، وبالتالي صار من المؤكّد أن يتهدّد مصير البستان بالموت، وفقدان الأمل بنجاته خصوصًا بعد أن بدأت حدّة الغارات والقصف على المنطقة ترتفع يومًا بعد يوم”.
يضيف “في حينه بات من المستحيل ذهاب العمّال إلى البستان لأنّ الطائرات كانت تقصف كلّ متحرّكٍ على الأرض، الأمر الذي أبقى التفّاح على الأشجار مدةٍ طويلةٍ، ممّا زاد من مستوى نضوجه ثمّ سقوطه على الأرض من دون أن يجرؤ أحد على التقاط تفّاحةٍ واحدةٍ منه”.
تلف وخسائر
ويشير إلى “أنّ محصوله من التفّاح وبسبب تركه قسرًا من دون قطافٍ سبّب ذلك في تلف الموسم بأكمله ولم ينجُ منه صندوقة واحدة “فكانت الخسارة فادحةً ولا قدرة لنا على تحمّلها. حتّى إنّنا لم نستردّ الكلفة الكبيرة التي تكبّدناها طوال شهورٍ في خدمة البستان الذي فقدنا إنتاجه بطرفة عين.”
وإذ يقدّر شريف خسارته من التفّاح بسبب الحرب بنحو 7000 دولار، يطالب الجهات الرسميّة في الدولة بتحمّل مسؤوليّاتها تجاه المزارعين ممّن فقدوا “الحيلة والفتيلة” ولم يبقَ لديهم ما يعينهم على ظروف الحياة، وزيارة اليمّونة للوقوف على الأضرار الزراعيّة عن كثب.
يقدّر المختار محمد شريف خسارته من التفّاح بسبب الحرب بنحو 7000 دولار، ويطالب الجهات الرسميّة في الدولة بتحمّل مسؤوليّاتها تجاه المزارعين ممّن فقدوا “الحيلة والفتيلة” ولم يبقَ لديهم ما يعينهم على ظروف الحياة
لا يختلف وضع المزارع حسن شريف الذي يمتلك بستانًا من 1000 شجرةٍ من التفّاح عن جاره المختار محمّد شريف، فقد أصيب بنكبةٍ زراعيّةٍ قاتلةٍ جرّاء الحرب كمّا عبّر لِـ “مناطق نت” حيث خسر نحو 650 شجرة تفّاح من أصل مجموع بستانه “إذ يَبست وتحطّمت في أرضها فعملت على اقتلاعها من جذورها لموتها وعدم قابليّة عودتها إلى الحياة من جديد.”
غيتب كامل للدولة
وحول قيمة خسائره المادّيّة نتيجة ما أصابه في موسمه يقول “كانت قيمة إنتاج بستاني سنويًّا، تقدَّر بنحو 12 طنًّا من التفّاح وبقيمةٍ ربحيّةٍ تفوق الـ 15 ألف دولارٍ، وبسبب الحرب خسرت الموسم كاملًا إذ تلف الإنتاج على أمّه ولم نتمّكن من قطافه. إلى جانب خسائر في الأشجار التي لا يمكن تعويضها قبل سنواتٍ طويلةٍ، حيث تحتاج شجرة التفاح لكي تعطي إنتاجًا وفيرًا حوالي الثماني سنوات.
ويشير شريف إلى خسائر أخرى تكبدها بسبب “موت” موسم التفّاح لديها تتمثّل بكُلف الخدمات الزراعيّة الضروريّة الكبيرة لأشجار التفّاح من رشّ مبيداتٍ حشريّةٍ وأسمدةٍ واستهلاك مادّة المازوت وأجرة عمّال، “فكلّ هذا تتجاوز قيمته الـ 5000 آلاف دولارٍ ذهبت هباءً مع الرياح لتزيد خسائرنا وتجعلنا عالحديدة”.

وفي ظلّ غياب كامل لدور الدولة بكلّ مؤسّساتها المسؤولة عن القطاع الزراعيّ في البقاع يناشد شريف “منظّمة الفاو العالميّة” التي تعنى بالشؤون الزراعيّة الإطّلاع على أوضاع المزارعين في البقاع وما أصابهم من أضرار وخسائر جسيمة في زراعاتهم بسبب الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان، وتقديم ما يلزم من دعمٍ على جميع الصعد الزراعيّة، والتعويض المادّيّ “رحمةً بعائلات المزارعين الذين لا حول لهم ولا مصدر للرزق سوى مردود زراعاتهم”. مختتمًا مناشدته بوجوب منع الدولة اللبنانيّة من أيّ دور لها في تقديم المساعدات الدوليّة “لأنّ الحرامي لا يؤتمن على المال.”
لا تعويضات ولا من يحزنون
وبعد مُضي أكثر من شهرين على انتهاء الحرب وإطلاق الوعود للتعويض عن الخسائر والأضرار الزراعيّة من جانب المعنيّين “لم يكلّف أحد نفسه ويقم أقلّه بزيارةٍ تفقّديّةٍ إلى بلدتنا للوقوف على ما حصل من كوارث زراعيّة أصابت المزارعين في صميم رزقهم واقعدتهم بلا عملٍ ولا إنتاج”، بحسب ما يشير علي شريف لِـ “مناطق نت”. ويتابع أنّ “الحديث عن الخسائر بالكلام فقط لم يعد يجدي نفعًا ولا يقدّم لنا أو يؤخّر، فأنا مثلي مثل كثيرين من المزارعين في البلدة أُصبت بكارثةٍ زراعيّةٍ نتج عنها، إلى جانب خسارة الموسم، يباس مئات أشجار التفّاح التي كانت بالنسبة لي العمود الفقريّ لرزقي، وبتدميره ضاع الرزق وضاع المصدر”.
ويؤكّد أنّ “كلّ ما قيل عن التعويض الماليّ للمزارعين ما زال كلامًا بكلامٍ؛ فحتّى الآن لا تعويضاتٍ ولا من يحزنون. لأنّنا منذ القِدَم متروكون لمصيرنا. لا بالحرب محسوبون من لبنان ولا بالسلم؛ والبقاع تحوّل بفعل إقصائه عن خدمات الدولة من “أهراءات روما” في القمح بفضل سهله الفيّاض بالخير إلى صحراء قاحلةٍ يموت فيها حتّى الحجر”.
ويرى شريف انّ السياسة الزراعيّة الرسميّة المعتمدة في البقاع تهدف إلى ضرب هذا القطاع. “فإذا كان المعنيّون والمسؤولون عن أحوالنا في المنطقة غائبين عنّا في هذا الوقت العصيب فمتى يكونون إلى جانبنا ونحن نرى المواسم الزراعيّة مدمّرة أمام أعيننا؟”. داعيًا إلى إطلاق صرخةٍ جماعيةٍّ واحدةٍ من جميع المزارعين في المنطقة بوجه كلّ المسؤولين “لعلّهم يشعرون بنا وينقذوننا من مصيبتنا”.

