اللجوء السوري في بعلبك مجتمع جديد أم أزمة في الأفق؟

الجغرافيا أم السياسة أم الإثنان معًا؛ أو ربّما القدر حطّ رحاله هنا وجعل من منطقة بعلبك شاهدة على أكبر عمليّتي لجوء حصلتا خلال 14 عامًا، وكانا لهما أثر كبير على تلك المنطقة النائية والمهمّشة، التي يغيب اسمها عن نشرات الأخبار في السلم، لتعود وتحضر على شكل مأساة في الحروب والأزمات.

كان اللجوء الأوّل في العام 2011 إبّان الأحداث في سوريّا، حيث شهدت بعلبك ومنطقتها موجة لجوء ضخمة لم تشهدها من قبل، والثانية في أواخر كانون الأوّل (ديسّمبر) الماضي إثر سقوط نظام الأسد، إذ شهدت المنطقة موجة لجوء معاكسة، تبدّلت معها خريطة اللاجئين ومناطقهم ووجهاتهم، فغصّت بهم مدينة بعلبك والبلدات المجاورة لا سيّما النبي شيت والسعيدة وبدنايل واللبوة والهرمل وغيرها.

تغيّرات فرضها اللجوء

فجأة ومن دون سابق إنذار، وجدت المدينة نفسها أمام موجة لجوء غير مسبوقة، لم تعد معها بعلبك كما كانت في السابق، الشوارع التي كانت بالكاد تستوعب أهلها، أصبحت اليوم تعاني الاكتظاظ الدائم نتيجة الحركة المستمرّة للاجئين الجدد، والتي لا تنتهي قبل ساعات متأخّرة من الليل.

‎في تقديرات أوّليّة لأعداد اللاجئين يقول أحد المعنيّين بهذا الملف حماد عواضة لـ “مناطق نت”: “إنّ التقديرات تشير إلى أنّ أعداد من فرّوا من سوريّا واستقرّوا في بعلبك والمناطق المجاورة لها ناهزت السبعة آلاف عائلة”. وإذا ما احتسبنا عدد أفراد كلّ عائلة بخمسة أشخاص كمعدّل وسطيّ، فيبلغ العدد الإجماليّ للاجئين حوالي 35 ألف لاجئ، وهو رقم كبير لمدينة صغيرة كبعلبك ولمنطقتها، والتي تعاني أصلًا من تردٍّ في مستوى الخدمات التي ستزداد الضغوط عليها، وهو ما يطرح تساؤلات عن قدرة المدينة على تحمّل ذلك وكيف ستتعامل مع الوضع الجديد؟

حماد عواضة: تشير التقديرات الأوليّة أنّ أعداد اللاجئين ممن فرّوا من سوريّا واستقرّوا في بعلبك والمناطق المجاورة لها ناهزت السبعة آلاف عائلة

حصار فنزوح فلجوء

يتحدّث أبو زينب وهو أحد اللاجئين إلى بعلبك فيقول: “إنّ السنوات الأخيرة لم تكن سهلة على سكّان بلدتي كفريّا والفوعة الواقعتين في محافظة إدلب، إذ عاشوا حصارًا طويلًا”. ويتابع في حديثه لـ “مناطق نت”: “منذ العام 2017، بدأت مرحلة المعاناة القاسية، وأسفرت عن سقوط أكثر من 5000 ضحيّة تحت القصف المستمرّ والاشتباكات العنيفة”.

ويروي أبو زينب رحلتيّ النزوح من كفريّا والفوعة واللجوء إلى بعلبك فيقول: “نتيجة اتّفاقيّات دوليّة تمّ إخلاء البلدتين، ثمّ جرى ترحيل سكّانهما على دفعات إلى حمص، ثمّ إلى مراكز إيواء استحُدثت في الحرجلة، فيما استقر معظمهم في السيّدة زينب بريف دمشق”. ويضيف أبو زينب: “مع سقوط النظام في الثامن من كانون الأوّل الماضي، وجد العلويّون والشيعة أنفسهم في مواجهة واقع جديد، دفع عديدًا منهم إلى الهروب مجدّدًا، فلجأوا إلى بعلبك في لبنان”.

مخيم للاجئين السوريين جانب مقام السيدة خولة في بعلبك
ألف لاجئ في المقام

بعد رحلة طويلة، وصل عديد من اللاجئين إلى لبنان، حيث كانت لهم مدينة بعلبك والمناطق المجاورة لها أبرز محطّات الاستقرار. وعلى الرغم من الظروف الاقتصاديّة الصعبة التي يعيشها لبنان، فتحت المدينة أبوابها للوافدين الجدد، وكان مقام السيّدة خولة في بعلبك أحد أوائل الأماكن التي احتضنت ألف نازح.

يقول يزن وهو أحد الناجين من الأحداث “لم يكن لدينا خيار آخر، هُجّرنا من بيوتنا وتعرّضنا للإهانة والسطو، وأصبحت العودة إلى إدلب أو دمشق شبه مستحيلة”. ويتابع في حديث لـ “مناطق نت”: “وجدنا في بعلبك الأمان، فالشعب هنا لم يقصّر معنا، قدموا لنا المساعدة على رغم إمكانيّاتهم المحدودة، وشعرنا هنا بأمان أكبر ممّا كنا نشعر به في الشام بعد الأحداث”.

لم يقتصر اللجوء على بعلبك فحسب، بل شمل بلدات وقرى محيطة بالمدينة، منها بلدة السعيدة التي استقبلت نحو 300 نازح، وجرى تخصيص مركز إيواء خاصًّا لهم بتمويل من أحد أبناء البلدة، إذ تمّ تأمين مكان مناسب لإقامتهم. إلى جانب ذلك، قامت منظّمة أطبّاء بلا حدود بتقديم المساعدات اللازمة، شملت توزيع وجبتين غذائيّتين يوميًّا، بالإضافة إلى توفير بطّانيّات ووسائد لضمان الحدّ الأدنى من الراحة في مواجهة الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون.

اللاجئون السوريون داخل مقام السيدة خولة في بعلبك
‎تحدّيات اجتماعيّة واقتصاديّة

ثمّة تحدّيات كبيرة يفرضها واقع اللجوء إلى بعلبك، منها ما يواجهه اللاجئون من مصاعب في التكيّف مع الوضع الجديد. وبحسب عواضة، فإنّ “العدد المتزايد للاجئين يؤدّي إلى ضغط هائل على الموارد المتاحة في المدينة، وبخاصّة في مجالات العمل والتعليم والخدمات الصحّيّة وتأمين الاحتياجات الأساسيّة للأطفال من حليب ودواء وملابس وغيرها”.

‎ويشير عواضة إلى أنّ “الوضع حسّاس للغاية، فنحن نتحدّث عن نحو سبعة آلاف عائلة لاجئة في مدينة تعاني أصلًا من تحدّيات اقتصاديّة، ما يعني أنّ أيّ اضطراب ربّما يؤدّي إلى توتّرات اجتماعيّة بين السكّان المحلّيّين والوافدين”.

‎في موازاة ذلك تحاول بعض الجمعيّات الأهليّة والمنظّمات الإنسانيّة (منها أطبّاء بلا حدود) التدخّل لتقديم الدعم، من خلال توفير حصص غذائيّة ومساعدات عينيّة وحليب للأطفال، لكنّ هذه المبادرات تبقى غير كافية في ظلّ تزايد أعداد اللاجئين والتدهور الاقتصاديّ الذي يشهده لبنان.

بين المجهول والأمل بالعودة

يعبّر كثر من اللاجئين عن إحساسهم بالأمان مقارنةً بالتجارب التي عاشوها في سوريّا، لكنّهم يواجهون تحدّيات مستقبليّة غير محدّدة، منها أوضاعهم القانونيّة، ممّا يعقّد من وضعهم. وبينما يعمل البعض على التأقلم والتأسيس لحياة جديدة، يتمسّك آخرون بالأمل في الرجوع إلى مدنهم التي اضطرّوا إلى مغادرتها. ومع ذلك، تظلّ إمكانيّة العودة مسألة غير مضمونة، والزمن وحده قادر على تحديد ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى