المؤتمرات الاغترابية: دفق في الأفكار والمشاريع واستجابات ضعيفة من الدولة

زهير دبس

الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يعيشها لبنان والتي تؤدي إلى هبوط حاد في منسوب التفاؤل وأيضاً في أرقام المؤشرات السياسية والخدماتية لم تمنع العديد من منظمو المؤتمرات الاقتصادية والاغترابية تحديداً من المضي في تنظيم مؤتمراتهم، بغية تلمس فرص الاستثمار في لبنان والإضاءة عليها، وهي تطرح سؤالاً كبيراً حول جدوى هذه المؤتمرات التي تبقى بمثابة صرخة في برية الله الواسعة، في ظل الأزمات المستعصية التي يعيشها لبنان ويدفع فيها اقتصاده وناسه أثماناً باهظة، تدفع بالكثير من المستثمرين وتحديداً المغتربين من تبديل وجهات استثماراتهم نحو مناطق أخرى أقل توتراً وأكثر جذباً للاستثمارات.

على هامش المؤتمر الذي نظمه «المجلس الاغترابي اللبناني للأعمال» تحت عنوان «رؤية المغتربين الجديدة للتنمية الاقتصادية» وحضره حشد كبير من رجال الأعمال المغتربين والمقيمين، التقت «مناطق نت» عدداً من المغتربين وحاورتهم حول علاقتهم بلبنان ونظرتهم إليه وأيضاً الجدوى من تنظيم تلك المؤتمرات وتأثيرها في العلاقة معهم. الجدير ذكره أن المؤتمر سلط الضوء على عدد من القطاعات الاستثمارية الواعدة من خلال جلسات حوارية عدة تحدث فيها عدد من الخبراء والاقتصاديين.

الإعلامية راغدة درغام التي حضرت المؤتمر والتقتها “مناطق نت” قالت في معرض ردها على سؤال حول جدوى هذه المؤتمرات والاهداف المرجوة منها؟ أن «هذه المؤتمرات مهمة جداً لانها تجمعنا وتوقظ فينا الرغبة للعمل، ويصدر عنها أفكار خلاقة إبداعية». واعتبرت درغام أن التواصل الشخصي مهم، وأن مؤتمرات كهذه يجب أن لا تنتهي بمجرد انعقادها ويجب أن تكون نقطة بداية وليست محطة نهاية. وأشارت درغام إلى أن أهداف المؤتمرات ليس تحقيق العناوين المرفوعة فيها، وإنما طرحها ووضعها أمام من هم في السلطة وتسليط الضوء عليها.

عن العناوين التي طرحت في المؤتمر ومدى أهميتها قالت درغام: «كل عنوان يتناول القدرات البشرية بشكل عام والشبابية بشكل خاص هو جيد. أنا مؤمنة بأهمية المؤتمرات شرط أن لا تكون «اجترارية».

«ما نراه هنا في المؤتمر براق وجميل لكن في الخارج الواقع مختلف تماماً، أليس في ذلك من تناقض»؟ سؤال وجهناه إلى درغام التي أجابت: «إطلاقا ليس كذلك، فالواقع في الخارج ليس من مسؤولية المؤتمرات التي تنحصر مهمتها في تسليط الضوء على الواقع، فيما المسؤولين وصنّاع القرار هم من يجب توجيه الاسئلة لهم ومحاسبتهم.

من جهته اعتبر انطوان منسى وهو رئيس المجلس الاقتصادي في الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، أن معظم المؤتمرات التي تُنظم وبالرغم من أهميتها في جمع المغتربين ورجال الأعمال إلا أنها تعيد تكرار نفسها سواء من حيث الأشخاص أو الكلام، وتنتهي مفاعيلها عند انتهاء النهار الذي نُظمت فيه. واعتبر منسى أنه يجب أن يحصل تحوُّل في أهداف المؤتمرات عموماً، بحيث تتضافر جهودها ويكون لديها رؤية وأهداف قابلة للتحقّق من خلال عرضها على من هم في موقع القرار وأيضاً متابعتها وصولاً إلى تحقيق العناوين التي طُرحت فيها. وطرح منسى فكرة توحيد المؤتمرات في إطار واحد يتسع للجميع وان يُعمل بأفكاره ومقترحاته.

وأشار منسى إلى أن توصيات «مؤتمرية» عديدة «تقدمنا بها إلى من يعنيهم الأمر إلا أن مصيرها كان الأدراج المغلقة والنتيجة أن كل الأعمال التي تقوم على أفكار خلاقة لا يُؤخذ بها».

«وضع البلد مزري إلا أن ذلك لا يمنع المغترب من القدوم إلى البلد»؟ سؤال وجهناه إلى منسى الذي قال «المغترب يأتي بهدف السياحة وقد يقوم ببعض الاستثمارات الصغيرة كبناء عمارة أو شراء قطعة أرض ولا يمكن اعتبار هذا استثمار، فالمغتربون اختبروا الاستثمار في وطنهم الأم لكنهم عادوا خائبين وغادروا بعد أن خسروا أموالهم إلا قلة من المحميين سياسياً». أضاف منسى «لست متشائماً لكن قد يمر وقت طويل قبل أن يصبح لبنان وجهة جاذبة لاستثمار أبنائه المغتربين».

وختم منسى بالدعوة للحفاظ على الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بالرغم من كل المشاكل والعثرات التي تمر بها، كونها «بيت الاغتراب اللبناني» والإطار الرسمي الجامع للمغتربين. واعتبر منسى المادة 12 في قانون الجامعة بمثابة الضمانة والضامن للجامعة في علاقتها بالدولة وهي تشكل الغطاء الرسمي لها تحميها وتحصنها، لكن للأسف هناك من يدعو لإلغاء تلك المادة، بغية إيجاد آطار آخر بديل عنها وهذا جريمة بحق الاغتراب وبحق الجامعة التي تشكل الإرث الغني للاغتراب.

بدوره اعتبر وزير الاقتصاد والسياحة السابق في جزيرة كوراساو اللبناني المغترب ناصر الحكيم أن أهمية هذه المؤتمرات تكمن في جمع المغتربين وهذا بحد ذاته إنجاز وينتج عنه شبكة مهمة جداً للبنان، فمعظم الوجوه الموجودة في المؤتمر هي وجوه مؤثرة في بلاد الاغتراب وموجودة في مراكز صنع القرار». تابع حكيم «مع وجود هذه الوجوه لسنا بحاجة الى قوة ضغظ أو ما يسمى بـ lobby اللبناني، المطلوب فقط من الدولة وضع الخطط ونحن جاهزون لتنفيذها». عن جذب استثمارات المغتربين إلى لبنان يقول حكيم: «المطلوب تأمين مناخ ملائم للاستثمار أولاً وتوجيه هذه الاستثمارات في مشاريع مجدية تعود بالنفع على الوطن ككل ثانياً».

المؤتمر يحمل عنوان «رؤية المغتربين الجديدة للتنمية الاقتصادية»، وضمن هذا العنوان هناك كلام عن قطاعات اقتصادية واعدة لكن في المقابل هناك واقع مأساوي في البلد، فالمؤتمر في مكان والواقع في مكان آخر كلياً، إذاً كيف سيأتي المستثمر؟

وفي هذا الإطار يقول حكيم أن الشرط الاول لتشجيع الإستثمار هو الشفافية، لكن للأسف هذا الشرط غير متوفر في لبنان. يتابع حكيم «بالإضافة إلى الشفافية هناك حق الحصول على المعلومة وهذا قانون أقرّه مجلس النواب لكن لم يطبق، وهو يفتح الأبواب للشفافية والمحاسبة ويحفز المغترب للاستثمار في البلد. ومن دونه لا يستطيع المستثمر خوض مغامرة دون الحصول على أرقام وإحصائيات، فالحصول على المعلومات يذلل العديد من العقبات».

وأشار حكيم إلى ضرورة فتح الأسواق وكسر الاحتكار وعدم حصر قطاعات في شركات محددة. ودعا حكيم إلى إخراج السياحة من النمط التقليدي وتطويرها، فالسياحة التقليدية أصبحت عبئاً على لبنان وهي تُكلف أكثر مما تنتج. ودعا لتغيير مفهوم السياحة والتوجه إلى أنواع جديدة  يُعتبر لبنان رائداً فيها كالسياحة الطبية والتعليمية وغيرها. وختم «أنا لا أؤمن بالسياحة بل أؤمن بمفهوم الضيافة فهي مجدية أكثر».

من جهته يقول ميشال ناصيف وهو أستاذ جامعي يقيم في تورونتو كندا ويملك شركة عقارية أن جذب المغتربين لا يتم من خلال عقد المؤتمرات بالرغم من أهميتها، فالمغتربون لديهم رؤية مغايرة تماماً للمجيء إلى بلدهم والاستثمار فيه، وهذه الرؤية تقوم على تحسين أوضاع البلد وتأمين بيئة جاذبة للاستثمار للبنانيين وغير اللبنانيين وهذا بيت القصيد. يتابع ناصيف « هناك دائماً صراع داخل كل مغترب حول المقارنة بين بلده الأم والبلد المضيف ودائماً تكون الغلبة للبلد المضيف ويكون لبنان خاسراً في تلك المقارنة. لكن بالرغم من ذلك هناك رابط قوي يجمع اللبناني ببلده من العائلة والذكريات والجذور».

عن الأمور التي يجب على الدولة القيام بها لجذب المغتربين للاستثمار؟ يقول ناصيف: «الأمور بديهيّة ومعروفة أهمّها البنُية التحتية، الكهرياء، المياه، الطرقات واحترام القوانين».

عن تفسيره لقدوم المغتربين كل عام إلى بلدهم بالرغم من وجود تلك الشوائب يقول ناصيف: « المغتربون يأتون إلى لبنان ليس للاستثمار بل بهدف السياحة ولقاء الأهل والأقارب فجذورهم هي التي تشدهم لذلك».

عبد المولى الصلح، سفير في الامم المتحدة بدأ عمله في العام 1973 وتنقّل في دول عدة والآن هو متطوع في المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة .

يقول الصلح: «دون أدنى شك من أن تنظيم أيّ مؤتمر في لبنان يعدّ أمراً مهماً جداً بحيث يجمع المغتربين ببلدهم ويفتح آفاقاً جديدة وأفكار خلاّقة كالتي طرحت هنا، لذلك أي مؤتمر يُنظم هو لصالح لبنان وليس من السهل تنظيم مؤتمرات بهذا الشكل.

عن أبرز المهام التي تترتّب على الدولة لتحفيز المغتربين للقدوم الى لبنان يقول الصلح: «هناك عقبات كثيرة تعترض ذلك والرحلة لا زالت طويلة، نحنا بحاجة أولاً لتغيير وتعديل في الأنظمة والاساليب التي تتبع في لبنان.

عن المناخ الإستثماري في لبنان وعما إذا كان جاذباً للمستثمرين يقول الصلح: «الآن المناخ غير مناسب، والمشكلة تكمن في الانظمة والبلد بالاضافة الى ذلك يوجد مؤسسات مسؤولة عن الاستثمار لا تقوم بواجباتها كما يجب.

ريان كنعان التي ولدت وعاشت وتعلمت في فرنسا وهي الآن مديرة في شركة total النفطية، تحبذ المشاركة في المؤتمرات التي تعقد في لبنان وتحاول قدر الإمكان حضورها وتقول: «تكمن أهمية هذه المؤتمرات بلقاء الجالية اللبنانية بعضها ببعض وهي أيضاً تجذب الوجوه اللبنانية البارزة في الخارج وتأتي بمغتربين قد لا يزورون البلد إلا من خلالها، فوجود هذه الوجوه يساهم بإنماء البلد.

«كلبنانية مغتربة منذ الولادة ماذا يعني لك لبنان»؟ سؤال وجهناه لكنعان التي أجابت: «شخصياً أنا متمسكة جداً ببلدي الأم فهو  يعني لي الأهل والأقارب وتتعدى زيارتي له سنوياً السبع مرات. أسعى أيضاً للعودة وتأسيس عمل هنا، لأن موطني وجذوري هنا. أرجو أن تنتج هذه المؤتمرات وعلى الدولة الأخذ بالتوصيات واستخدام الطاقة الإيجابية وتوظيفها في المكان الصحيح».

أنطوان مقوم (مستشار مالي لشركات ومؤسسات بين فرنسا والخليج) لا يعتبر  نفسه مغترباً، فمعظم وقته يمضيه في لبنان وهذه المرة الثالثة التي يشارك فيها بهذا المؤتمر.

عن الدافع لمشاركته في المؤتمرات التي تُعنى بالمغتربين يقول مقوم: «يهمني التعرف على المغتربين الذين يصنعون الإقتصاد في بلدنا وبلدان الإغتراب».

عن جدوى عقد هكذا مؤتمرات وعما إذا كانت تؤدي إلى نتيجة يقول مقوم: «منذ سنوات وحتى اليوم لم يتغير شيء، ولم نسمع سوى خطابات ولقاءات. واعتقد أننا على الصعيد الشخصي نعمل أكثر مما تعمل الدولة». تابع مقوم: الوضع الإقتصاي مزري والقطاعات الإنتاجية متوقفة وأهمها القطاع العقاري الذي يشكل 70 % من المنصة الإقتصادية». أضاف «لا نستطيع أن ننكر الجهد الكبير الذي تقوم به هذه المؤتمرات، فنحن نشجعها ونشجع تواصل المغتربين وقدومهم للاستثمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى