المدارس الخاصة تزج الأساتذة في مواجهة مع أهالي الطلاب
مجددًا يدفع الأساتذة، وهذه المرة أساتذة القطاع الخاص، ثمن جشع المدارس الخاصة وسوء سياسات الدولة، ويجدون أنفسهم في وسط الصراع بين الادارات التي فرضت زيادات جديدة على الأقساط، غير تلك التي أقرتها في بداية العام الدراسي 2020-2021 متذرعة بزيادة بدل النقل الذي أقرته الدولة للقطاعين الرسمي والخاص.
معظم إدارات المدارس الخاصة كانت قد رفعت أقساطها قي بداية العام الدراسي الحالي، بنسب تراوحت بين 30 إلى 50 في المئة رغم التدهور المالي والاقتصادي الذي يعيشه البلد والناس، حيث وضعتهم تلك الإدارات بين خيارين أحلاهما مر، وهما إما التوجه نحو التعليم الرسمي الذي يواجه مصاعب بنيوية عميقة ستطيح بما تبقى من مستوى أكاديمي في المدارس والثانويات الرسمية من جهة، وإضرابات أساتذة القطاع الرسمي الذي لا تكاد تنتهي لتبدأ من جديد، أو الدفع من اللحم الحي.
وهكذا وجد أهالي الطلاب أنفسهم مضطرين للرضوخ والالتزام بدفع الزيادات، خوفًا من ضياع عام دراسي ثالث على أولادهم بعد عامين دراسيين سابقين أعرجين حفلا بالتعطيل والتعليم عن بعد بفعل أحداث ١٧ تشرين وجائحة كورونا. لكن طمع إدارات المدارس الخاصة لم يتوقف عند هذا الحد، فقبيل عطلة رأس السنة أرسلت معظم هذه المدارس إنذارات للأهالي تطالبهم بدفع مبالغ إضافية متذرعة بزيادة المصاريف التشغيلية بعد تدني قيمة العملة الوطنية والارتفاع الكبير في أسعار المحروقات وحتمًا الحجة الأكثر إقناعًا، وهي زيادة رواتب الأساتذة كي تضمن إدارات المدارس عدم توقفهم عن العمل أي اللجوء إلى الإضراب.
زيادة الأقساط 100 %
بعد اعتراض أهالي الطلاب وقيامهم بتحركات على مداخل بعض المدارس، رمى أحد المسؤولين الكرة في ملعب وزارة التربية، التي إتهمها بفرض زيادات للأساتذة وصلت إلى حدود الـ 30 في المائة من قيمة القسط مما اضطرهم لزيادة 40 في المائة على الأقساط، الأمر الذي رفع نسبة مجموع الزيادات خلال العام الدراسي الحالي إلى حوالي 100 في المائة، وذلك من دون التنسيق مع ادارات المدارس الخاصة.
من المؤكد أن كل زيادة أقساط تقرها المدارس الخاصة، هي محاولة منها لزج الأساتذة في واجهة الصراع وتحويل غضب أهالي الطلاب بدلاً من أن يكون في وجه إدارات المدارس، فيكون في وجه الأساتذة. وهذه سياسات خبيثة لا تنفك إدارات مدارس الجشع الخاص تمارسها بشكل ماكر ومستمر، والنتيجة أن الاساتذة في هذه المدارس لا يصلهم من هذه الزيادات المتتالية إلا أقل من القليل، هذا إذا استطاعوا الحصول على زيادات، لأن معظم عقود التعليم بين الأساتذة وإدارات المدارس وبعد التدقيق ببنودها أقل ما يقال فيها، إنها غير منصفة ولا توازي تعب وجهد الأساتذة في الأيام العادية، فكيف بها في زمن الانهيار، حيث التعسف الذي تمارسه معظم إدارات المؤسسات التربوية الخاصة بحق الاساتذة والمعلمين لديها، ومحاولاتها الدائمة لقضم حقوقهم يلغي حجة التعويض على الأساتذة ودفع الزيادات المنصفة لهم مما يثبت أن غاية المدرسة الخاصة هو الربح وحماية الأرباح ومضاعفتها ويبينون بكل وضوح أن معظمها مؤسسات تجارية تبغى الربح ليس إلا.
نفوذ أصحاب المدارس الخاصة عبر ممثليهم في مجلس النواب لا يقل شأنًا عن نفوذ أصحاب المصارف
إضافة إلى جشع إدارات المدارس الخاصة ومراكمتها الأرباح خلال العقود المنصرمة نتيجة الأقساط المرتفعة والتي كانت تصل أحيانا إلى آلاف الدولارات، فإن نفوذ أصحاب هذه المدارس عبر ممثليهم في مجلس النواب لا يقل شأنًا عن نفوذ أصحاب المصارف. إذ إن رئيسة لجنة التربية النيابية النائب بهية الحريري، وهي المهندس المؤتمن على صياغة مشاريع قوانين تصب دائمًا في مصلحة التعليم الخاص وإدارات هذه المؤسسات، تملك شبكة كبيرة من المدارس وغيرها من النواب في المجلس، فمعظمهم ممثلين وناطقين باسم أكبر المؤسسات “التربوية” في لبنان وبالطبع سيعملون على تمرير إدخال تعديلات على المادة 2 من القانون 96/515 خلال الجلسة النيابية المزمع عقدها الأسبوع المقبل، من دون وجود بنود تضبط السقوف المالية وتحددها كما فعلوا مع قانون ال 500 مليار الذي سيتم توزيع حوالي 350 مليار منها لصناديق المدارس الخاصة كي تقوم بتسديد متأخراتها لصندوق التعويضات وتسديد الدرجات الست والتي هي حق للمعلمين منذ سنوات، حيث امتنعت معظم المدارس الخاصة الكبيرة عن دفعها بحجة العجز المالي، وعدم نية تحميل أولياء الطلاب عبء هذه الدرجات وليس كما تمت عنونة القانون بأنه قانون مساعدة أولياء الطلاب.
دفع الأساتذة إلى الاضراب
تلعب إدارات المدارس الخاصة حاليًا ومن خلال بعض النواب على وتر الضغط على مجلس النواب لإقرار تعديلات على المادة 2 من القانون 96/515 وذلك من دون ضوابط، عبر التهويل بعدم قدرتها على تسديد مستحقات الأساتذة والعاملين لديها، والتهديد بإمكانية خسارة العام الدراسي عبر دفع الأساتذة إلى الاضراب، متخذين منهم خط دفاع أول عن حماية مصالح وأرباح أصحاب هذه المدارس، وبمواجهة أهالي الطلاب الذين باتت احتجاجاتهم شبه يومية على أبواب المدارس، في وقت يعاني قطاع التعليم الرسمي من أزمات لا تعد ولا تحصى نتيجة إهمال الدولة لهذا القطاع، وتدميره لصالح القطاع الخاص وسياسات وزارة التربية العشوائية وقراراتها الاعتباطية الزبائنية، التي اعتمدت في التوظيف في هذا القطاع.
كل هذا يقودنا إلى تساؤلات كبيرة وخطيرة بمؤشراتها ودلالاتها ومنها هل سيصبح التعلم واكتساب المعرفة في لبنان حكرًا على أبناء الطبقة الميسورة فقط؟ وهل كانت سياسات ضرب المدرسة والجامعة الرسمية مخططًا لها من قبل السلطة الحاكمة، لتجهيل الطبقات المتوسطة والفقيرة بعد تجويعها لإعادة انتاج نفسها؟ القادم من الأحداث كفيل بإعطاء الاجوبة.