المستشفيات الحكوميّة جنوبًا تستنفر طواقمها وتتأهّب للطوارئ

منذ مطلع الحرب على غزّة في السابع من الشهر الفائت (تشرين الأول/ أكتوبر) وتعرّض المناطق الحدوديّة الجنوبيّة اللبنانيّة للاعتداءات، سارعت وزارة الصحّة في لبنان إلى تفعيل خطط الطوارئ في القطاع الطبّيّ، خوفًا من انهيار هذا القطاع في حال توسّع الحرب، على نحو ما حصل في غزّة، خصوصًا بعد تعرّض مستشفى المعمدانيّ فيها لقصف إسرائيليّ، فتقلّصت الإمدادات الطبّيّة، الأمر الذي أجبر الأطباء في غزة على إجراء عمليّات جراحيّة للمصابين من دون استعمال مادّة التخدير بعد فقدانها.

هذه التفاصيل أثارت هلعًا في صفوف اللبنانيّين، وتصدّرت خطّة الطوارئ واجهة النقاشات، بغية التأكّد إذا ما كان القطاع الصحّيّ في لبنان قادرًا على معالجة جميع المصابين في حال حصول حرب مع إسرائيل.

الأوضاع المستجدة بسبب الحرب، أُضيفت إلى المعاناة التي يعيشها أصلاً القطاع الصحّيّ في لبنان، جرّاء الإنهيار الذي ترزح تحته البلاد منذ العام 2019، والذي أدّى إلى تعثّر المشافي ماليًّا، وتقلّص عدد موظفيها بعد هجرة أكثر من ألف طبيب بين العامين 2020 و2021، وأكثر من ألف وثلاثمائة ممرّض وممرّضة. ناهيك عن فقدان أدوية الأمراض المستعصية، وعجز المرضى عن دفع “الفاتورة المدولرة”، التي باتت عبئًا ثقيلًا عليهم، حتّى صار الاستشفاء في لبنان حكرًا على الميسورين والأغنياء فقط، خصوصًا بعد عجز الضمان الاجتماعيّ عن تقديم التغطية الصحّيّة والاستشفائيّة.

لم ينجح القطاع الصحّيّ بعد مرور خمس سنوات على تجاوز هذه المحنة، إذ لم تنتهِ أزمة القطاع الصحّيّ بعد، والمعاناة مستمرّة وتتمدّد. لكنّ المفارقة، أنّ هذا القطاع المستنزف ما أن يخرج من أزمة حتّى يدخل في أخرى، إذ يعاني حاليًّا من أزمة مستجدّة كبيرة تتعلّق بجهوزيّة المشافي، تحسّبًا لأيّ عدوان إسرائيليّ محتمل على لبنان.

خطّة طوارئ بانتظار الطوارئ

“خطّة الطوارئ” هي خطّة استثنائيّة تهدف إلى تقييم المشافي وتصنيفها، ورفع جهوزيّها لتكون مستعدّة لاستقبال الجرحى، وتوزيع المساعدات المخصّصة، ومتابعة بيانات المصابين من داخل وزارة الصحّة، وتأمين تغطية كاملة لجرحى الحرب على الأراضي اللبنانيّة.

وصلت مساعدات طبّيّة متنوّعة من منظّمة الصحّة العالميّة في دبيّ، تسلّمتها وزارة الصحّة من أجل دعم القطاع الصحّيّ، وجرى توزيعها على المستشفيات لتغطية احتياجات أكثر من ألف مصاب. ووفقًا لوزير الصحّة في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور فراس الأبيض، في حديث لـ”مناطق نت” فإنّ “عدد المشافي الخاصّة يبلغ 120 مشفى، أمّا الحكوميّة فيبلغ عددها 30 فقط”.

ويضيف: “إنّ خطّة الطوارىء تضمّنت تجهيز المشافي القريبة من أماكن النزاع لتصبح جاهزة لاستقبال الجرحى ومعالجتهم، وأيضًا بعض المشافي في بيروت، كالمشافي الجامعيّة التي تمكّنت من معالجة آلاف من المرضى في الرابع من آب 2020”. وأكّد أنّ عدد الإمدادات الطبّيّة المتوافرة (أيّ المستلزمات من أدوية ومحروقات وغيرها) ستكفي لحوالي شهرين.

وزير الصّحّة فراس الأبيض: خطّة الطوارىء تضمّنت تجهيز المشافي القريبة من أماكن النزاع لتصبح جاهزة لاستقبال الجرحى ومعالجتهم، وأيضًا بعض المشافي في بيروت، كالمشافي الجامعيّة.

وُزّعت الإمدادات على بعض المشافي في جنوب لبنان، خصوصًا تلك القريبة من أماكن النزاع على الحدود اللبنانيّة- الفلسطينيّة، ولكن وبالرغم من خطّة الطوارئ الصحّيّة والتجهيزات المستمرّة للقطاع الصحّيّ ومدّه بالمستلزمات الطبّيّة، إلّا أنّ الجدليّة الكبرى بقيت حول قدرة المشافي على استقبال الجرحى في خلال الحرب. فالمؤكّد أنّ التجهيزات الطبّيّة الموزّعة لن تسدّ احتياجات جميع المشافي، ولن تكفيها، إنما جرى تأمين ما تيسّر منها.

جهوزية المشافي وقدراتها

تواصلت “مناطق نت” مع مدير مستشفى بنت جبيل الحكوميّ، الدكتور توفيق فرج، للاطّلاع على جهوزيّة المستشفى الحكوميّ هناك، فأشار إلى “أنّ الطواقم الطبّيّة المؤلّفة من مسعفين وممرّضين وأطبّاء، سبق وأن خضعت لدورات تدريبيّة مكثّفة ومستمرّة لمواجهة الحالات الطارئة في ما لو تفاقمت الأوضاع الأمنيّة، وهم جاهزون لأيّ مستجدّ”.

يضمّ مستشفى بنت جبيل أقسامًا خاصّة لغسيل الكلى، الولادة، والجراحة. ويؤكّد فرج “أنّنا جاهزون لاستقبال ما بين 80 إلى 100 مصاب، إذ إنّ عدد الأسرة يبلغ نحو 100 سرير. أمّا قسم غسيل الكلى فيستقبل حوالي 40 مريضًا. لكنّ مخزون الأدوية الخاص بالمشفى فيكفي لشهر ونيف تقريبًا”.

مستشفى النبطية الحكوميّ

في حديث لـ”مناطق نت” مع الدكتور حسن وزنة، مدير مستشفى النبطية الحكوميّ، يقول: “إنّ عدد الأسرّة هو 164 سريرًا. ثمّة أقسام متنوّعة في المستشفى قادرة على تلبية احتياجات المرضى وأهمّها: قسم عناية خاص، قسم عناية بالأمراض القلبيّة، عناية فائقة، وعناية خاصّة بكورونا، وعناية للأطفال”.

أمّا في حال نشوب الحرب “فهذا المستشفى سيكون قادرًا على استقبال عدد كبير من الجرحى، وسيحدّد عدد الأسرّة وفقًا لحالة المصاب، لكنّ المستشفى لن يكون قادرًا على استقبال أكثر من 25 جريحًا من ذوي الإصابات البالغة في داخل قسم العناية، إلّا أنّنا قادرون على استقبال العدد الأكبر وتوزيع المصابين بين الغرف وفقًا لأوضاعهم الصحّيّة”.

ويشير الطبيب وزنة إلى أنّ “إدارة المستشفى وضعت خطّة خاصّة للطوارئ، بالتزامن مع عمليّة طوفان الأقصى، وجرى التنسيق مع فرق الدفاع المدنيّ والصليب الأحمر، وفرق الإسعاف المتواجدة في منطقة النبطية”.

في ما يخصّ الإمدادات الطبّيّة، يستحضر وزنة “تجربة حرب تموز 2006، وهي لمّا تزل حاضرة في أذهاننا، لذلك سارعنا إلى تعبئة مخزون الأوكسيجين، وتأمين المحروقات لتشغيل المستشفى، وتزوّدنا بالأمصال وأكياس الدم والمستلزمات الخاصّة بالجراحة وغيرها، بما يكفي نحو 45 يومًا”.

وتشمل الخطّة إقامة متواصلة لبعض الطواقم الطبّيّة في داخل المستشفى، وذلك “ليتمكّنوا من معالجة المصابين نهارًا وليلًا، فالتنقّل تحت القصف لو حصل، سيصبح خطيرًا عليهم وعلى المرضى”.

تسلّم المستشفى حصّته من المستلزمات الطبّيّة من وزارة الصحّة، المخصّصة للعمليّات الجراحيّة، وطُلب إليهم عدم استعمال أو فتح صناديق هذه المستلزمات إلّا في حال نشوب الحرب، “أيّ أنّها مخصّصة للحرب فقط. كذلك تمّ تحضير الأطبّاء للتعاطي مع حالات التعرّض لمادة الفوسفور الأبيض التي تقصف من قبل الجيش الإسرائيليّ بطرق عشوائيّة في جنوب لبنان” يضيف وزنة.

تسلّم مستشفى النبطية الحكومي حصّته من المستلزمات الطبّيّة من وزارة الصحّة، المخصّصة للعمليّات الجراحيّة، وطُلب إليهم عدم استعمال أو فتح صناديق هذه المستلزمات إلّا في حال نشوب الحرب.

في حال وقوع الحرب، ثمّة مشكلة قد تطرأ، وتكمن في متابعة حالات مرضى غسيل الكلى ومرضى السرطان، “إذ إنّ بعضهم بحاجة إلى أكثر من ثلاث جلسات غسيل كلى أسبوعيًّا، وبالتالي من الصعب عليهم التنقّل تحت القصف للوصول إلى المستشفى، والأمر عينه بما يخصّ مرضى السرطان، فمن الممكن أن تعجز المشافي عن تأمين أدويتهم اللازمة لتلقّي جلساتهم الكيميائيّة، لذلك سيحاولون تأجيل مواعيد جلساتهم وهذا الأمر سينعكس سلبًا على أوضاعهم” يختم وزنة.

صور الحكوميّ خارج الطوارئ

حول وضع مستشفى صور الحكوميّ، حصلت “مناطق نت” على معلومات تفيد بأنّه يحتاج إلى إعادة تأهيل وليس جاهزًا للحرب، ومن الممكن أن يواجه صعوبات كبيرة لناحية استقبال أعداد كبيرة من المرضى، إذ يفتقد المستشفى إلى جهاز التصوير الشعاعيّ scanner. أمّا قسم العناية الفائقة فبحاجة إلى تجهيزات عدّة وهو خارج الخدمة حاليًّا. إنّ عدد الأسرّة المتوافرة فيه تبلغ خمسين فقط، وهي مخصّصة للمصابين بجروح خفيفة. وهذا الوضع يسود المستشفى برمّته، إذ لا قدرة له على استقبال إصابات بالغة في أقسامه جميعها.

لا تنحصر أزمة مستشفى صور في الإمدادات الطبّيّة فحسب، بل إنّه يفتقد إلى سيّارات الإسعاف لنقل المرضى والمصابين في الظروف الحسّاسة، فسيّارة الإسعاف الخاصّة بالمشفى معطّلة وبحاجة إلى تصليح. في ظلّ هذا الوضع القائم، تواصلت إدارة المشفى مع إدارة الكوارث في منطقة صور لمساعدتهم في الحالات الطارئة.

أمّا مخزون الأدوية فيكفي لأدنى من شهر. وتلقّى المشفى هبة من أكياس مصل مقدّمة من الصليب الأحمر اللبنانيّ، مع بعض “حمّالات” نقل المرضى. وأفيد عن أنّ بعض الجهات الحزبيّة وعدت إدارة المستشفى في إمداده بالمحروقات وبمستلزمات طبّيّة في حال نشوب حرب واسعة.

يوضح المدير التنفيذيّ للمستشفى اللبنانيّ الإيطاليّ في البرج الشمالي (صور) المهندس يوسف جعفر، أنّ “مستشفانا تلقّى بعض المساعدات الطبّيّة من وزارة الصحّة لزيادة جهوزيّته، ونحن في صدد تلقّي الدفعة الثانية من المساعدات الطبّيّة هذه، وهي عبارة عن مستلزمات طبّيّة للعمليّات الجراحيّة”.

ويؤكّد في حديث إلى “مناطق نت” أنّ “عدد الأسرّة المتوافرة هو ثلاثين فقط”. ووفقًا لكلامه فإنّ “المشفى اعتمد خطّة الطوارئ التي صرّح عنها وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض. مع الإشارة إلى أنّ الطواقم الطبّيّة تلقّت تدريبات مفصّلة ومخصّصة للتعامل مع الحالات الاستثنائيّة”.

40 من 120 مستشفى خاص جاهزة للطوارئ

من الواقع المرير في مناطق الأطراف، أنّ جهوزيّة المشافي تعتمد فقط على التطوّرات العسكريّة التي قد تحصل في لبنان، وخطورة هذا الأمر تكمن في أنّ العدد الأكبر منها لن يكون جاهزًا ومجهّزًا لاستقبال المصابين. كما أن نسبة الأسرّة المتوافرة قليلة في هذه المشافي، وهذا يجعل قدرتها محدودة جدًّا.

في حديث مع سليمان هارون، نقيب المستشفيات الخاصّة في لبنان لـ”مناطق نت” يؤكّد أنّ “عدد المستشفيات الخاصّة التي تجهّزت لاستقبال المصابين هي 40 من أصل 120 فقط، لكن باقي المشافي قد تكون قادرة على استقبال مجموعة محدودة من المصابين، في الحالات الضروريّة ليس أكثر”.

ووفقًا لكلام هارون، فإنّ المشافي “تجهّزت في حال نشوب حرب إسرائيليّة، وستكون قادرة على معالجة المصابين في ما لو كانت الحرب المقبلة شبيهة بحرب تموز 2006، لناحية عدد الجرحى وما إلى هنالك، ولكن، إن تعرّضت المشافي لقصف إسرائيليّ، فمن المؤكّد أنّ القطاع الصحّيّ سينهار ولن يتمكّن من معالجة المصابين”.

سليمان هارون: عدد المستشفيات الخاصّة التي تجهّزت لاستقبال المصابين هي 40 من أصل 120 فقط، لكن باقي المشافي قد تكون قادرة على استقبال مجموعة محدودة من المصابين، في الحالات الضروريّة ليس أكثر.

ثمّة مشكلة أساسيّة تكمن في عدم جهوزيّة جميع المستشفيات لمعالجة المصابين بالحروق، إذا ما تعرّضوا للإصابة بمادة الفوسفور الأبيض، إذ إنّ عدد المشافي المخصّصة لمعالجة الحروق هي اثنتان فقط في لبنان. كما أنّ متابعة مرضى غسيل الكلى ستكون عائقًا كبيرًا على المستشفيات في بيروت وجنوب لبنان. ويشير هارون “إلى أنّ المشافي لن تتمكّن من استقبال مرضى غسيل الكلى إذا ما قرّروا النزوح من أماكن النزاع في جنوب لبنان والتوجّه نحو المستشفيات في بيروت لتلقّي علاجهم”.

حتّى اليوم، لم تتجاوز المستشفيات في لبنان مشاكلها الاقتصاديّة والماليّة منذ العام 2019، عام انهيار الوضع الاقتصاديّ برمّته، “لذلك فإنّ عددًا من المستشفيات لم يتمكن من شراء احتياطيّ إضافيّ من المستلزمات الطبّيّة والأدوية، لذلك فإنّ مخزون الأدوية والمستلزمات الطبية يكفي لنحو شهرين ليس أكثر إذا ما وقعت الحرب، في أربعين مستشفى، أمّا باقي المشافي فمخزونها لن يتخطّى الشهر الواحد” يختم هارون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى