المعوّقون في مخيمات اللجوء.. واقع مأساوي وصعوبات قاسية
تتّسم حياة الأشخاص ذوي الإعاقة في معظم الدول العربيّة بالصعوبات والقسوة، بعضها يصل إلى درجة الكارثيّة. وتندر المراكز المتخصّصة بهم، إذ لا برامج دامجة لهم، ولا مساعي لوضعهم على خطط التنمية إن وُجِدت أصلًا، فما بالنا باللاجئين السوريّين من ذوي الإعاقة في مخيّمات تفتقد إلى أدنى معايير العيش الإنسانيّ.
ممنوع العمل ولو بشهادة لبنانيّة
أحمد طراد ابن بلدة “قارة” في القلمون السوريّ، عمره 37 عامًا، أب لثلاثة أطفال صغار، بُتِرت ساقه اليسرى في حادث تفجير، يقول في حديث لـ”مناطق نت”: “كأنّ مأساة التهجير وترك أرضنا لم تكن كافية، هربنا من الموت لتلحق بنا التفجيرات الإرهابيّة، تَحَوّلْتُ في لحظة واحدة، بقرار من مجرم قاتل إلى إنسان مُعوّق غير قادر على شيء، أنا اليوم على قدم واحدة وعُكّازَيْن، لا أستطيع تركيب طرف صناعيّ لأنّني خضعت إلى بتر حوض”.
عن عمله يضيف طراد: “أيّ عمل؟ أردت تحويل إعاقتي القسريّة إلى فرصة، عُدْتُ إلى دراستي الجامعيّة، ظننت أنّ الشهادة ستكون طوق نجاتي، حصلت على شهادة ماجستير من الجامعة اللبنانيّة في علم الآثار بتفوّق على رغم كُلّ المرارات والصعوبات التي واجهتني، لكن المضحك المبكي أنّ من أعطاني شهادة جامعّية بدرجة جيّدة يمنعني من العمل بها فقط لأنّني سوريّ”.
لاتّفاقيّة عربيّة ناجعة
أمّا عن معاناته كشخص من ذوي الإعاقة فيُخْبِرنا طراد: “بعد إكمال دراستي الجامعيّة، شَرَعْتُ في المشاركة بجميع الأنشطة التي تخصّ ذوي الإعاقة، في المؤتمرات والندوات والاحتجاجات وكُلّ ما شابه، كنت متحَمّسًا لحقوقنا، لكن بعد دعوتي إلى المشاركة في حملة احتجاج بهدف تطبيق القانون اللبنانيّ الخاصّ بذوي الإعاقة المعروف بقانون 220/2000 أدركت في حينه ألّا جدوى، فهل ستترك الدولة اللبنانية المعوّق اللبنانيّ وتهتم بمعوّق سوريّ أو غيره؟”.
ويتمنّى أن تلتزم كلّ الدول العربيّة “باتّفاقيّة الأشخاص ذوي الإعاقة، وتعمل على تنفيذها فعليًّا وليس مجرّد توقيع شكليّ برتوكوليّ لا يُطعِم مٌعوَّقًا ولا يَستُر مُشَرَّدًا”.
يختم طراد: “أنا متابع مثابر لكلّ ما يحصل في العالم، أعرف أنّ المُنَظّمات العاملة في شؤون إغاثة اللاجئين تعاني شحًّا في التمويل، ونقصًا في الموارد، لكنّني أناشدها وأتمنّى عليها، أن تقدّم يومّا ما برامج عمل جادّة هادفة، تتعلّق بذوي الإعاقة؛ برامج تحفظ كرامتنا وتحافظ على إنسانيّتنا بدلًا من تحويلنا إلى شحّادين، فنحن فاعلون ومنتجون وناجحون إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا”.
أحمد طراد: حصلت على شهادة ماجستير من الجامعة اللبنانيّة في علم الآثار بتفوّق على رغم كُلّ المرارات والصعوبات التي واجهتني، لكن المضحك المبكي أنّ من أعطاني شهادة جامعّية بدرجة جيّدة يمنعني من العمل بها فقط لأنّني سوريّ
اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة
في العام 2006 ، وبعد جهود حثيثة لحقوقيّين ومناضلين إنسانيّين، من مختلف دول العالم، شهدت الساحة الدوليّة ولادة “اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة” فُتِحَ باب التوقيع عليها في أذار العام2007 ودخلت حَيِّزَ التنفيذ في شهر أيّار 2008 وبحلول العام 2020 بات عدد الدول المُوَقِعّة عليها 180 دولة.
وضعت الاتّفاقيّة تعريفًا للأشخاص ذوي الإعاقة، ونَصَّتْ في كُلِّ موادها على حمايتهم ودعمهم وتأمين حياة لائقة بهم، فالمادّة الخامسة منها نصّت على “المساواة وعدم التمييز على أساس الإعاقة”، فيما أكّدت المادة العاشرة “ضرورة تَمَتُّع الأشخاص ذوي الإعاقة بالحقّ في الحياة”، بينما ددعت المادة الـ11 كٌلّ الدول الأطراف إلى “اتّخاذ جميع التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يوجدون في حالات تتّسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النزاع المُسَلَّح”.
“أبيع كليتي لأنقذها”
سيما شحادة طفلة ذات خمس سنوات، تعاني مرض نقص أوكسيجين الدماغ، ما يُؤثّر في قُدراتِها الحَرَكِيّة والتحكّم بها، هي بحاجة إلى عمليّة جراحيّة مفصليّة، على حدّ قول طبيبها عصمت غانم، الذي أكّدَ “وقوف الطفلة على رجليها وتخطّيها الإعاقة بعد سنة ونصف من حصول التدخّل الجراحيّ”.
فاطمة والدة الطفلة وكفيلتها بعد اختفاء والدها، حائزة على إجازة أدب عربيّ من الجامعة اللبنانيّة، تقول بحسرة وحُرقَة لـ”مناطق نت”: “بين الشِفَاء والطفولة السليمة لسيما، وبين الإعاقة والمرارة، مبلغ 4000 دولار فقط لا غير، لكن من أين أحصل عليه وأنا أعيش مع طفلتين من بطاقة الأمم فقط؟”.
فاطمة: بين الشِفَاء والطفولة السليمة لسيما، وبين الإعاقة والمرارة، مبلغ 4000 دولار فقط لا غير، لكن من أين أحصل عليه وأنا أعيش مع طفلتين من بطاقة الأمم فقط؟
وتؤكّد أنّ “فُرَص العمل معدومة وممنوعة. راجعت عدة مُنَظّمات وجهات إغاثيّة وصحّيّة، ساعدتني مشكورة بتأمين كلفة العلاج الفيزيائيّ، لكنّه غير كاف على رغم أهمّيّته، حتّى أنّ مساعدتها أتت من باب الشفقة وليس وفق برامج وخطط لرعاية المعوّقين، هناك برامج مثلًا لكفالة الأيتام، فلماذا إهمال ذوي الإعاقة؟ عندما قلت إنّني جاهزة لأبيع كِلْيَتي كي أنقذ ابنتي سخروا منّي، الحمد الله على كلّ شي، أملي بالله كبير وبأهل الخير وأنّني سأتمكّن من علاج ابنتي وإنقاذها”.
نحتاج إلى مركز مُتَخَصّص
تترك زيارة مركز عرسال للعلاج الفيزيائيّ، في القلب غصّة، فالقائمون عليه يجاهدون لأجل البقاء والاستمرار، وسط غياب كامل للمؤسّسات الرسميّة واهتمامها.
يقول رئيس المركز الدكتور عدنان الحجيري لـ”مناطق نت”: “ما نفعله هو عمل أخلاقيّ قِيَمِيّ، يلتزم إنسانيًّا ومعنويًّا بكلّ اخلاقيّات الطبّ النبيلة، لم نُقفل بابنا يومًا بوجه مريض، ولن نفعلها حتمًا، مهما كانت جنسيّته وهويّته أو انتماؤه الدينيّ أو السياسيّ، فكيف إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة؟ الخدمة المجّانيّة في مركزنا متاحة للجميع دون تمييز، نقوم بما نستطيع لجميع الحالات التي تَفِدُ إلينا”.
يتابع الحجيري: “نحن في مركز للعلاج الفيزيائي، نقدّم الخدمة سواء بعد العمليّات الجراحيّة أو الإصابات الرياضيّة، وأوجاع العمود الفقريّ، نستقبل ذوي الاحتياجات الخاصّة بالتأكيد، لكنّنا لسنا مركزًا متخصّصًا بهم، يلزمنا مركز مثله بالتأكيد وهو أكثر من ضروريّ، شرط أن يكون متكاملًا، من العلاج الفيزيائيّ إلى التقويم والنطق، والدعم النفسيّ الاجتماعيّ، إلى التأهيل والدمج”.
ويضيف: “نتمنّاه أن يُوّفر للمُعَوّق الأجهزة المساندة كالعكّاز والكراسي المتحرّكة والأطراف الصناعيّة والسمّاعات والحفاضات وغيرها، ويوفر كذلك مراحل تطوّر العلاج وفق آليّة عمل ثابتة برعاية فريق بشريّ مؤهّل. لكن للأسف، الدولة غائبة من الأساس، ووزارة الشؤون لا نعرف ماذا تعمل أو تقدّم، والبلدية (قبل انحلالها) لم تكن لديها رؤية علميّة حقوقيّة لهذه الفئة من الناس، ومع ذلك نتطلع إلى التغيير مستقبلًا، لكن حاليًّا هذا هو واقعنا المٌحزِن”.
وزارة “التسَوّل” الاجتماعيّ
اللافت في زيارة مكتب وزارة الشؤون الاجتماعيّة في عرسال “إذا حالفك الحظّ ووجدت بابه مفتوحًا” لا يُوجَد من يُجيب عن أيّ سؤال، وندخل في متاهة الصلاحيّات، لكن المؤسف فعلًا، أنّه لا يَضمّ في طاقمه البشريّ أيّ موظّف من ذوي الإعاقة، بل يوظّف الميسوريّن من ذوي الحظوة و”الواسطة القويّة”.
وعلى رغم ذلك لا يُقَدّم أيّ خدمة للمُعَوّقين، لا صحّيّة ولا اجتماعيّة ولا إغاثيّة، ويقتصر عمله على لوائح برنامج العائلات الأكثر فقرًا، مع أنّ هذه اللوائح تشوبها مئات الملاحظات. ويبقى أكثرها غرابة أنّها لا تشمل السواد الأعظم من المُعَوّقين. إنّها كما ينعتها السيّد ق. خ. “وزارة التسَوّل الاجتماعيّ، وزارة الوسايط والمحاسيب والعصبيّات العائليّة، وجودها عار عليها أكثر من غيابها”.
قصور في الرعاية الصحّيّة
أقامت جمعيّة “مؤشّرات تنمويّة” يومها السنويّ، الأحد في11 آب (أغسطس) الجاري في بلدة عنجر البقاعية، ضَمّ مشاركين لبنانّيين وسوريّين وفلسطينيّين وعراقيّين. يقول رئيسها الناشط فايز عكاشة في حديث لـ”مناطق نت”: “اللاجئون ذوي الإعاقة من سوريّين أو غيرهم، يواجهون تحدّيات كبيرة، عديد منهم يعاني نقصًا في الحصول على الخدمات الصحّيّة الضروريّة، على رغم وجود بعض المبادرات المحلّيّة لدعمهم، إلّا أنّ هناك قصورًا في توفير الرعاية الصحّيّة الملائمة وفي الأدوات المساعدة في التأهيل”.
إضافة إلى “صعوبات في التنقّل والوصول إلى البنية التحتيّة المجهّزة لهم، كذلك نقص في الدعم النفسيّ والاجتماعيّ، وفاقم الوضع الاقتصادي في لبنان من هذه التحدّيات، ممّا جعل الحصول على الخدمات أكثر صعوبة لكلّ المعوّقين، لبنانيّين وسوريّين” والكلام لعكاشة.
سيما شحادة وأحمد طراد، عَيِّنَة من مئات المعوّقين، ممّن يعيشون في مخيّمات اللاجئين السوريّين في بلدة عرسال اللبنانيّة، من دون أيّ برامج علميّة تستهدفهم خارج حدود الشفقة والإحسان، بل إنّ بعض الممارسات الخاطئة لأهاليهم يفوق ضررها نفعها.
في زمن القرية الكونيّة والتطوّر التكنولوجيّ الرقميّ الهائل، وانتشار أجهزة التواصل والاتّصال، يجب على كلّ الدول، سواء عبر حكوماتها المركزيّة أو السلطات المحلّيّة، الالتزام الكامل باتّفاقيّة الأشخاص ذوي الإعاقة، بهدف تحسين واقع هذه الفئة وتحويلها إلى طاقات منتجة ذات كفاءة وحرفيّة عالية، وإشراكها في صناعة القرارات السياسيّة والاقتصاديّة والتربويّة وفي كلّ القطاعات المفيدة للبشريّة.