النبطية وقراها قبل 500 عام.. اقتصاد رأسمالي عصري وتجارة حرّة

منذ أكثر من 500 سنة اشتهرت النبطية التحتا بسوقها التجارية.. كما اشتهرت كفررمان بمعصرة زيتها وكروم زيتونها المعمّر

من يغصْ في أعماق وثائق الطابو تحرير دفتري العثمانية، ويكتشف مكنوناتها ويحلّ أحجيتها اللغوية والإحصائية، عليه أن يعيد النظر في المرويّات التاريخيّة، وحتّى في قراءات بعض الباحثين والمؤرّخين لذاكرة منطقته، ارتباطًا بجغرافيّتها الطبيعيّة والإداريّة والسياسيّة، وتبعيّتها للسلطنة العثمانيّة حتى العام 1914، عام نشوب الحرب العالمية الأولى. فالإدارة الماليّة العثمانيّة التي كانت تقوم بالإحصاء الدوريّ لكلّ ما هو منتج، قسّمت مناطق سيطرتها جغرافيّاً، بما يتوافق مع امكانية الوصول، إلى كلّ قرية ومزرعة مهما صَغُرَت، بدون أيّ عائق طبيعيّ أو مناخيّ، في مواعيد الإحصاء والجباية.

وهكذا بما أنّ طريق القوافل التجارية وطريق الحج كانتا تمرّان من اسطنبول فحلب فحمص فالشام (دمشق) فدرعا فعمّان فالقدس فمكّة. لذا كان لا بدّ من تقسيم الولايات لتكون في خدمة الحجّ ووصول الحجّاج بسلام إلى الحرمين الشريفين، وفي خدمة الجباية الضريبيّة الميسّرَة. من هنا لم يكن للتقسيم أيّ علاقة بالمذاهب الدينيّة، أو بالتجمّعات العشائريّة والإثنية، أو بالمصالح الانتخابيّة لهذا الزعيم أو ذاك، كما يحصل في وقتنا الحاضر.

ولكن، بالرغم من إتباع إقليم التفّاح وجبل الريحان وصيدا ونواحي جزين وصور، بلواء الشام، لم نعرف ما هي الحكمة في إلحاق نواحي الشقيف وتبنين بني بشارة، منذ العام 1519 إلى تاريخ إنشاء ولاية صيدا العام 1660، بلواء صفد!

النبطية العام 1885 (أرشيف كامل جابر)
السكان    

في هذه الورقة الموجزة سنتناول ناحية “شقيف” سكّانيًا واقتصاديًّا، بالاستناد إلى الطابو تحرير دفتري رقم (Ttd686)، لسنة 1005هـ. 1596م، (ص 132-149)، حيث كانت ناحية شقيف في إحصاء تلك السنة تضمّ 11 قرية مأهولة، أكبرها عددًا بالسكان نباطيّة التحتا (النبطية) 168 ذكرًا بالغًا أو نفرًا، منهم 125 متزوّجًا (خانة) أي ربّ أسرة (74.4%)، و41 عازبًا مجرّدًا (24.6%) وإمامٌ واحد وخطيبٌ واحد، وشخصٌ واحد معفى من الضرائب والرسوم، وبالتالي لم يدخل في إحصاء الذكور المُنتجين والمكلّفين بدفع الضرائب.

يلي النبطية كفررمان بـ 83 نفرًا 53 خانة أو متزوّجًا (63.8%)، و30 مجرّدًا عازبًا (36.2%)؛ ثمّ كفرتبنيت 62 ذكراً بالغًا (42 متزوجًا (67.74%) و20 عازبًا (32.26%)؛ ثمّ ديركير (احتمال دير الزهراني) 58 نفرًا 38 خانة (65.5%)+19 مجرّدًا (32.75%)+ إمام؛ ثم كفور 51 نفرًا منهم 37 متزوجًا (72.55%)، و13 عازبًا (25.5) وإمام واحد؛ ثمّ كل من جرمق، ويحمور (أو يحمر) 50 نفرًا 35 متزوّجًا (0%)، و15 عازبًا (30%) في كل منهما؛ ثم قعقعة (قعقعية الجسر حاليًا) 46 نفرًا 32 ذكرًا متزوجًا (69.6%)، و14 عازبًا (30.4%)؛ ثم شريطة (يمكن أن تكون الشرقية حاليًا) 14 نفرًا 9 متزوجين (64.3%)، و5 عازبين (35.7)؛ ثم متريت التي بلغ عدد ذكورها سبعة متزوجين فقط؛ وأخيرًا قرية لوطريه (يرجّح أن تكون زوطريه أي زوطر) كان فيها 4 أسر فقط.

وهكذا يكون عدد ذكور ناحية شقيف البالغين العام 1596 ميلادي، نحو 600 ذكرًا منهم 423 متزوجًا (70.5%) و177 عازبًا مجرّدًا (29.5%). وبذلك يمكن تقدير العدد الإجمالي للسكان، آنذاك، بنحو 3000 نسمة (وذلك بضرب عدد الذكور برقم 5). ولكن الملفت لأي متصفّح لدفتر الطابو العثماني هذا، أنّ نسبة العازبين كانت مرتفعة، حيث قاربت ثلث عدد الذكور المسجّلين، مع العلم أن مجتمع ناحية شقيف كان مجتمعًا زراعيًا بامتياز، والكلّ يعلم أهمّية المرأة (الأمّ) والأولاد في العمل الزراعي إلى جانب ربّ الأسرة، كأيدي عاملة مجانية مساندة بقوّة لعمل أيّ فلاّح في الريف.

هذا إلى جانب غياب أيّ إشارة إلى أديان ومذاهب سكان شقيف آنذاك، لأنّ السلطنة العثمانيّة بكونها سلطة رعيّة كان لا يعنيها التفريق بين مذاهب وفرق المسلمين، بقدر ما يعنيها أنْ تُسدِّد كلّ قرية، بالتكافل والتضامن بين أهاليها، ما يتوجب عليها من رسوم وضرائب في أوقاتها المحدّدة.

بلغ عدد سكان ناحية شقيف العام 1596 ميلادي، نحو 3000 نسمة، ولكن الملفت لأي متصفّح لدفتر الطابو العثماني هذا، أنّ نسبة العازبين كانت مرتفعة، حيث قاربت ثلث عدد الذكور المسجّلين
التحصيلات العثمانيّة الضريبيّة

يتبيّن من خلال قراءة هذا السجّل الضريبيّ العثماني أنّ ناحية شقيف كانت غنيّة اقتصاديًا، وكثيفة بإنتاجها من الزيت والزيتون والعنب والدبس إلى جانب زراعة القمح والشعير والعدس والخضار الصيفيّة والشتويّة، وتربية الماعز والأبقار والنحل وإنتاج العسل الفاخر، وذلك يظهر من قيمة الرسوم والعائدات التي كانت تجبيها الإدارة العثمانيّة المتمثّلة آنذاك، بأمير لواء صفد، تحت إسم خاص شاهي، أو شاهاني، على أساس قسم من الربع، يتراوح بين عُشر وربع الغلّة، أيّ خراج المقاسمة المقطوع.

تلك القيمة المجبيّة بلغت في العام 1596، نحو 165322 أقجة، أي ما يمكن شراؤه بها، آنذاك، نحو 1102 غرارة قمح (كان ثمن الغرارة في تلك السنة 150 أقجة)، أو 79344 مدّا، أو 1428192 كلغ، أيّ 1428.192 طنًا (الغرارة تساوي 72 مدًا والمدّ 18 كلغ). وهذه الكمّية من القمح كان بأمكانها أن تغذّي سنويًا نحو 7934 شخصًا، أيّ 2.65 ضعف سكّان ناحية شقيف لعام 1596م، باعتبار أنّ كلّ شخص كان يحتاج في السنة إلى 10 أمداد قمح (180- 200 كلغ) لمؤونته كمعدّل وسطي.

فكيف إذا عرفنا أنّ القيمة النقديّة الفعليّة لإنتاج ناحية شقيف كانت تبلغ أكثر بكثير من 673720 أقجة، ما عدا إنتاج الماعز والنحل والأشجار المثمرة، ومبيع الأسواق التجاريّة والقصّابين في كلّ من النبطية وكفررمان، أيّ ما يمكن شراؤه بهذه القيمة تقريبًا نحو 4492 غرارة قمح أو 323424 مدًّا (5822 طنًا تقريبًا)، وما يؤمّن الغذاء بهذه المادّة الأساسيّة سنويًا لنحو 32342 نفرًا، أيّ لأكثر من عشرة أضعاف سكان منطقة شقيف آنذاك.

وبالمقارنة مع أسعار اليوم يتبيّن أنّ كلّ فرد كان يحتاج آنذاك سنويّاً إلى 20 أقجة لشراء مؤونة غذائه من القمح، بينما اليوم يحتاج إلى 54 دولارًا أو خمسة ملايين ليرة لبنانية لشراء الكمية نفسها (على سوق القمح بالجملة اليوم في لبنان). وبالتالي تكون القيمة الشرائيّة لإقجة العام 1596م، كأصغر عملة عثمانيّة توازي 250000 ليرة لبنانية أو 2.7 دولار أميركيّ اليوم.

قلعة الشقيف العام 1933 (أرشيف كامل جابر)
اقتصاد ناحية شقيف العثمانيّة

أمّا كيف توزّعت تلك التحصيلات النقديّة للعام 1596، في ناحية شقيف، فكانت من قسم الربع والخراج المقطوع على القرى المأهولة، بقيمة 77500 أقجة، مع العلم أن قريتي كفور ولوطريه لم تدفعا، في تلك السنة أي أقجة كرسم ربع القسم والخراج المقطوع، دون أن يُسجّل الكاتب أيّة ملاحظة عن ذلك، ومن الخراج المقطوع عن قسم الربع على الأراضي الزراعيّة الخراجيّة في المزارع المُفتلحة المنتجة للخضار الصيفيّة والشتويّة بقيمة 76380 أقجة يضاف إليها، أيضًا، مبلغ 1452 أقجة كرسوم الأشجار المثمرة في مزرعة صيد القصبة (أي القصيبة). فتكون بذلك القيمة الشرائيّة لمنتوجات المزروعات الصيفيّة والشتويّة من الخضار تقدّر بمبلغ يفوق الـ 335520 أقجة، (كانت السلطنة العثمانيّة تتقاضى رسومًا سنوية تتراوح بين العشر وربع قيمة الغلّة المنتجة فعليًا).

ولقد بلغ عدد مزارع هذه الناحية نحو 60 مزرعة بالإضافة إلى قطعتي أرض وحصّة في كلّ من قريتي حمصية ووادي الريحان ومزارع حقور وعرمتى وعزة، ما يدل على أنّ الملكيّات الزراعيّة لقرى ناحية شقيف كانت متداخلة مع أراضي قرى النواحي المتجاورة، بحيث يصعب تعيين حدود واضحة المعالم لكلّ ناحية، وهذا ما كان يولّد الخلافات والعداوات بين الفلاحين والمزارعين والمتعهّدين بجباية الرسوم في كلّ ناحية.

ومن الملاحظ، أيضًا أنّ رسوم خراج بعض المزارع كمزرعة مادية (ماويه) (6500) وحديف ودير العيس (6000) ودميان التحتا والفوقا وعدقون (4500) ودميان التحتا والفوقا (4000) وكل من عين دبين وعلويه ودوير وبرعوس (3000)، فاق رسوم بعض القرى المأهولة كشرطيه (4420) ومترين (2700) ولوطرية (2020).

بلغ عدد مزارع ناحية شقيف نحو 60 مزرعة بالإضافة إلى قطعتي أرض وحصّة في كلّ من قريتي حمصية ووادي الريحان ومزارع حقور وعرمتى وعزة، ما يدل على أنّ الملكيّات الزراعيّة لقرى ناحية شقيف كانت متداخلة مع أراضي قرى النواحي المتجاورة

رسوم إنتاج الحنطة: بلغت حصّة أمير لواء صفد، كممثلٍ للإدارة العثمانيّة، نحو 11550 أقجة أُخذت نقدًا كثمن لـ 77 غرارة، بينما الإنتاج كان فعليًا بين أربعة وعشرة أضعاف هذه الكمية أيّ بين 308 و770 غرارة، باعتبار أن الخراج هو قسم من الربع، أيّ ما بين 22176 – (399168 كلغ، أو 399.16 طنًا) و55440 مدًا (997920 كلغ، أو 998 طنًا تقريبًا)، وهي كمّيّة محترمة جدًا في ظلّ بدائيّة الأساليب والأدوات الزراعيّة آنذاك.

لذا ما يمكن تسجيله أنّه لو أعيد استثمار تلك الأراضي الزراعيّة الخصبة بأحدث الأساليب والأدوات الزراعيّة الحديثة المعاصرة، فكم كانت لتنتج قمحًا وخضارًا وزيتًا وفاكهة؟ وبالتالي توفّر، مع غيرها من المناطق اللبنانيّة الإكتفاء الذاتي للسوق المحليّة بمادة غذائية أساسية أقلّه القمح.

رسوم انتاج الشعير: قدّرت رسوم إنتاج ربع موسم الشعير في العام 1596، بـ 3000 أقجة بثمن تراوح بين 60 و90 أقجة للغرارة الواحدة، وفقًا لجودة المحصول ونوعية حبة الشعير المُنتجّة.

المغالق

المطاحن: بلغت رسوم المطاحن نحو 1380 أقجة، بمعدل 60 أقجة كرسمٍ على كلّ حجر طاحون في السنة، وتوزّعت هذه المطاحن المائية كما يلي: مطحنتين في مزرعة مطروا (كفروة) التي كانت تتبع قرية دير كير (دير الزهراني)، كل طاحون على حجرٍ واحد، ومطحنة بحجرين في قرية لوطرية (زوطر)، ومطحنة بحجرين في مزرعة ماديه (ماويه) (تتبع قرية جرمق)، ومطحنة بحجرٍ واحد في مزرعة كفرسيم (تتبع قرية وادي الريحان)، ومطحنة بحجر واحد في مزرعة رحمانية (تتبع جبل برمية)، وطواحين ناحية الشقيف الثمانية، منها خمسة على نهر الزهراني وثلاثة على نهر الليطاني. وهكذا بلغ عدد مطاحن ناحية شقيف 14 مطحنة، منها تسعة بحجرين، وخمسة بحجرٍ واحد.

المعاصر: بلغ عدد معاصر الدبس في ناحية الشقيف نحو 22 معصرة، برسم سنوي على كلّ منها 12 أقجة. بينما لم يكن في ناحية شقيف سوى معصرة زيتون واحدة في قرية كفررمان، كان يملكها مصطفى لالا باشا الوالي المصريّ الشهير قبل أن يوقفها وقفًا عامًا إلى أهالي كفررمان، وناحية شقيف.

دواليب الحرير: كان هناك فقط دولابان في قرية جرمق، رسم كل منهما السنوي 60 أقجة، كرسم الطاحون بحجر واحد.

رسوم أسواق القصابين (النحرة)، والكيالة وبازار قرية النبطية التحتا التي بلغت قيمتها 4000 أقجة

لوحة زيتية لجسر القعقعية (المصدر: مركز الفقيه العاملي)
تربية المواشي والنحل

بلغت رسوم رؤوس الماعز والنحل بدون الفصل بينهما نحو 5950 أقجة، بمقدار أقجة واحدة على كلّ رأسين ماعز، ومثلها على كلّ قفير نحل (خليّة). ولم يكن هناك تربية للأبقار إلاّ في قرية شريطة (الشرقية) فقط، حيث بلغ رسمها السنوي 200 أقجة، تحت إسم رسم الجاموس، وبمعدل 6 أقجات على كلّ بقرة حلوب، فيكون عددها نحو 33 بقرة.

رسوم وخراج الأشجار: قُدِّرت رسوم أشجار الزيتون الروماني والإسلامي، آنذاك، بنحو 9452 أقجة، وبما أنّ الرسم على الشجرة كان بمقدار أقجة واحدة في سنة الإقبال أو في سنة المحل، لذا توزّعت هذه الأشجار كما يلي: 2000 شجرة في قرية كفور، و5400 شجرة في كفرتبنيت، و600 شجرة في لوطرية، و1452 شجرة في مزرعة صيد القصبة (القصيبة)، بالإضافة إلى بستان زيتون كبير كان قد وقفه والي مصر مصطفى لالا باشا وقفًا عامًا على أهالي ناحية شقيف. ومن الملاحظ أيضًا أن قرية يحمور كانت تدفع رسم إنتاج الفحم الغليظ من أحراج السنديان فيها.

أوقاف ناحية شقيف: بلغت حصّة أوقاف ناحية شقيف من الرسوم الخراجية نحو 27872 أقجة، وهذا المبلغ كان بإمكانه، في العام 1596، شراء نحو 186 غرارة قمح أيّ 13392 مدًّا أو 241056 كلغ (241 طنًّا)، وبذلك كان هذا المبلغ يمكنه أن يؤمّن التغذية السنويّة بمادّة القمح لنحو 1339 شخصًا. وهكذا كانت أراضي أوقاف ناحية شقيف مفتلحة وخصبة، مزروعة بأشجار الزيتون وكروم العنب والتّين والرّمان، لتدفع مثل هذه الرسوم كخراج مقاسمة مقطوع (يتراوح بين العُشر وربع الغلّة).

وأهمّ هذه الأوقاف: وقف النبي شعيب، عليه السلام (وقف عام) وكانت حصّته 7900 أقجة، ووقف محمد هوشقدم وأبنه ناصر الدين (عام) كان حاصل خراجهما 17500 أقجة، ووقف مصطفى لالا باشا العام الذي كانت حصّته عينًا نصف إنتاج معصرة الزيت ونصف بستان الزيتون في كفررمان بالإضافة إلى مبلغ 1089 أقجة من كامل حاصل مزرعة صيد القصبة (القصيبة). ووقف محمد محمود دويداري (1000 اقجة)، ووقف أولاد زين الدين محمد محمود الله وأم غضيه شرف الدين (300 أقجة).

ماذا يعني الوقف العام؟ هو وقفٌ صحيح لأنه أوقف من أرض مملوكة ملكة خاصة وتامّة الحقوق، وهو للمنفعة العامّة الخيريّة لجميع الفقراء والمعوّزين بدون استثناء. ولكن السؤال الأساسيّ هنا: هل ما زالت تلك الأوقاف العامّة موجودة ومنتجة حتّى اليوم أم اضمحلّت؟ وإن كانت غير موجودة، فمن صادرها واستولى عليها، وحرم فقراء منطقة شقيف والعاطلين عن العمل من خيراتها التي كان تؤمّن لهم العمل والغذاء بالقمح كمادة أساسية لأكثر من 1339 شخصًا في السنة، مع أساليب وأدوات زراعية بدائية؟

الخلاصة

ما يمكن ملاحظته من مطالعة الدفتر طابو رقم 686، لسنة 1596، أنّ أراضي قرى ومزارع ناحية شقيف كانت متداخلة مع أراضي قرى النواحي المجاورة كجبل الريحان وتبنين بني بشارة وصيدا وشومر وغيرها، فعلى سبيل المثال اعتبر الكاتب أنّ وادي الريحان وبلاط وخيام ودفنه ودمشقية ومرجعيون هي من قرى شقيف مع أنه لم يذكرها مع قرى هذه الناحية.

لم يُعهد في هذه الناحية إلى أيّ تيمارجي بجباية رسوم وضرائب قرى الناحية إلاّ رسوم مزرعتي عيزوز ومروج (صروح) التي كانت بعهدة صاحب تيمار وادي الريحان، بالمقابل كانت جباية رسوم وقرى شقيف بعهدة إمام كلّ قرية، ما سمح لبعض الأئمّة بالغنى وتكديس الثروات النقديّة من خلال اقتطاع نسبة 2% من الأموال المجبيّة كحق شرعيّ يسمح به نظام الالتزام العثماني.

كانت جباية رسوم وقرى شقيف بعهدة إمام كلّ قرية، ما سمح لبعض الأئمّة بالغنى وتكديس الثروات النقديّة من خلال اقتطاع نسبة 2% من الأموال المجبيّة كحق شرعيّ يسمح به نظام الالتزام العثماني.

وهكذا قام رجال الدين المحلّيين بوظيفة المقاطعجيّ المملوكيّ القديم في الوقت الذي لم تشر فيه التسجيلات العثمانيّة إلى أيّ مقاطعجي ملتزم الجباية في كامل ناحية شقيف التي كانت تتبع لواء صفد في الحقبة التي كان فيها أمير هذا اللواء هو فخر الدّين المعنيّ (1630 – 1585) الذي كان يقمع بالقوة كلّما دعت الحاجة لذلك، كلّ من يتخلّف عن سداد رسومه وضرائبه من سكان قرى الناحية، ما سمح لبعض الباحثين والرواة بقراءة الأحداث التأديبيّة للمتقاعسين والمتأخرين عن تسديد رسومهم من قبل هذا الأمير الدرزيّ المذهب بأنّها حروب مذهبيّة وطائفيّة.

أخيرًا، إنّ ناحية شقيف كغيرها من المقاطعات العثمانيّة، كانت تنعم بالرفاهيّة والازدهار الاقتصادي، طالما كان المقاطعجيّون المحليّون المتناحرون على الفوز بالتزام جباية عائداتها، بعيدين عن المنافسة في ما بينهم، بمزايدات مُرهقة لإنتاج قرى ومزارع الناحية. لذا تنبّهت الإدارة الماليّة العثمانيّة إلى هذه المسألة، وأبعدت هؤلاء المقاطعجيّين عن عهدة جباية رسوم ناحية شقيف، بعد أن كلّفت إمام كلّ قرية بالجباية من قريته والمزارع والأراضي الوقفيّة التابعة لها.

إنّها فرضيّة تستحق الدراسة في ظلّ ما درسناه وقرأناه من مرويات وسرديّات إقطاعيّة، تحتاج إلى التدقيق وإعادة النظر فيها، باعتبار أنّ الأراضي الزراعيّة المُفتلحة والمتاجر والمعاصر والطواحين وغيرها من كلّ ما يُنتج ويخضع للرسوم والضرائب كان ملكًا خاصًّا حرًّا لأصحابها من سكان ناحية شقيف وأوقافها؛ وكأنّهم في نظام اقتصاد رأسماليّ عصريّ، فلهم الحرّيّة في استثمار أشجارهم وزراعة حقولهم بشتّى أنواع الخضار والمزروعات الصيفيّة والشتويّة دون أيّ تدخّل من إدارة لواء صفد، أو الإدارة العثمانيّة المركزيّة.

وما يؤكّد هذه الفرضيّة أنّ الرسوم كانت تُجبى أموالاً نقديّة وليس موادًّا عينيّة. كما كان اقتصاد السوق والعرض والطلب اقتصادًا مهيمنًا وسائدًا في معاملات ومبادلات سكان تلك الناحية، مع سكان النواحي المجاورة ومع أسواق كلّ من صفد ودمشق الشام.

ملحق رقم (1) أسماء عائلات ناحية شقيف

من الأسماء التي استطعنا قراءتها، ما زالت تحملها بعض العائلات في منطقة شقيف جنوبي لبنان بشكل خاص، وفي لبنان منذ العام 1596، هي:

(أ): أسعد- ابراهيم- ابو الحسن – ابو حيدر – أبو دغمان- أبو رجال – ابو ريش- أحمر- اروك -أسد – اسماعيل – اسوح – اسود – اسومي – اقرع – أماديه – أمين بك.
(ب): البدوي- براق – بلوس (بلوز) – بيطار.
(ت): تركماني (تركمان).
(ج): جبر – جبق – جبلان (حبلان) – جفال – جمال – جمعه – جويدي – جيلا.
(ح): حاج سليمان- حاج علي- حاج محمد – حبال – حبلوس (حبلوص) – حجه (حجي) – حسن – حسونه – حسين – حفصد – الحق- حمد – حمص – حمود – حوراني.
(خ): خطيب.
(د): الدبس – دحدوح – درباغ – دعاس – ديبه – ديعاف (ريعاف).
(ر): رادوك – ربح – ربيع – ردسق – رزق – ركين – رمضان – ريبال.
(ز): زبيب – زريق – زعتران – زعور(زيعور) – زعيتربان – زغيب – زيبار- زيد – زين الدين.
(س): سادور- ساعي – سالم – سامور – سراوي – السرح – سروع- سريع – سعاده – سعد – سعد الدين – سعدى – سعدى يوسف – سعيد – سكر – سلمان – سليم- سمرود – سمّور- سوار – سويد – سويدان – سيد أحمد – سيف – سيف الدين.
(ش): شاش – شاطر (ساطر) – شرف الدين – شرفان – شري – شريف – شعبان – شعت – شعيب – شقير – شكر – شمس – شهاب الدين – شوك.
(ص): صباح – صدقه – صروح – صغير – صفوان – صيّاح.
(ض): ضاوي.
(ط): طعمه – طويل.
(ع): العاصي – عباس – عبدالحسن – عبد الحسين – عبدالعال – عبدالعزيز – عبدين – عاشوري – عبدالله – عبد الحق – عبلا – عبيد – عتيق – عثمان – عجول – عرادي – عراوي – عزالدين – عصفور – عطيه – علاء الدين – علم – علي – عليط – عليق – عمار – عنتر – عوض.
(غ): غانم – غراوي – غليظ – غنام.
(ف): فاضل – فرج – فرح – فضه – الفقيه – فوّاز.
(ق): قاسم – قرقم – قرقماز- قصاص – قمر- قنيب – قوبر.
(ك): كرام (كرم) – كرايلوس – كساب – كمال الدين – كمون – كوبر- كوين.
(ل): لقمن (لقمان).
(م): محسن – محمد – مرص – مرعي – مرو – مصادي – مصري – مصطفى – مصلح (المصلح) – مضاوي – مطراح – المعلم – المعمر – مكاري – مكنا – مكي – منعم – منوه (منوء) – مهيبا – موسى (موسا) – مولوي – ميسا.
(ن): نبعه – نجار – نعمه.
(هـ): هادي – هاشم – الهق.
(ي): يوسف – يونس.

ملحق رقم 2 -مزارع الناحية كما وردت في الدفتر طابو تحريريرقم 686.

المزارع التابعة لقرية قعقعه،هي: منصوره، ورفليه (رمليه)، وسعنون، وسوحلي، ومعدون، وبالوسه وقف محمد محمود دويداري)؛ وسدكا، ويحمر تبنين، ولوسه (وقف محمد محمود دويداري- عام).

للنباطية التحتا، هي: دير العيس، وخريبه، وهرسه، وكفرنين، وكفرجور
لدير كير (دير الزهراني): علويه (وقف محمد هوشقدم)، وبرصه، وصوراته، ومطروا.
لكفرتبنيت: شحاعيه، ونعصه، ووادي رزقوم، وبرسيه.
لكفررمان: معصرة وبستان الزيتون وقف محمد هوشقدم(عام).
للجرمق: عدقون،وحديف، وماديه، وعيشيه .
للخيام: جبلى، وبرج دردانه، وسكادر، ودوير(وقف ناصرالدين محمد هوشقدم- عام).
لجبل برميه (برسيه): ابو قمحه، وخربة فارس، ومطرانيه، وكفرسيم، وسنيد، ورحمانيه، وكفرشلن(كفرسلن)، وورديه، وعزوز، ومروج، ومركبه، وصولاد.
للكفور: يانوح.
ليحمور: عرقوب.
لبلاط: برعوس (برغوس) (وقف ناصرالدين محمد هوشقدم- عام).
لوادي الريحان: ديديه (ديدم)، وأبو كلان، ولويزه.
لنميريه: وادي سقدم
لحبشيد (جبشيت): طلوسيه.
للدلب: نعصة الكمون.
لكفرزبدين: عين زبين.
لمرجعيون: ابو وسعى
لحبوش: قصرنب (قصرنبه).
لمترين: دير عجلون.
لدمشقيه (دمسقيه): دراعيه، وحبوش، ودميان التحتا والفوقا (وقف محمد هوشقدم).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى