النساء وحيدات يواجهن أعباء الحرب داخل المنازل

تعتبر أعباء الأعمال الرعائيّة والمنزليّة، من أبرز التحدّيات التي تواجه النساء خلال الحروب، إذ تزداد مسؤوليّاتهنّ في إدارة المنزل ورعاية الأطفال والمسنّين، بالإضافة إلى التعامل مع الضغوط النفسيّة والاجتماعيّة الناتجة عن النزوح.
ويُعزّز التقسيم الجندريّ هذه الأعباء، إذ تُعتبر الأعمال المنزليّة من مسؤوليّات النساء بينما يُعفى الرجال من هذه المهام، ممّا يزيد من الضغوط النفسيّة والجسديّة عليهن.
ضغوط تحت الخطر
تتحمّل النساء المحاصرات في مناطق القصف، مثل البقاع، ضغوطًا مضاعفة نتيجة ويلات الحرب. فإلى جانب الخوف المستمرّ من القصف المتواصل، يواجهن تحدّيات إضافيّة مرتبطة بأعمالهنّ المنزليّة اليوميّة التي تتزايد يومًا تلو يوم. تتفاقم هذه المسؤوليّات بفعل مخلّفات القصف من روائح البارود والغبار الناتج عن تدمير المنازل.
وتجد هؤلاء النساء أنفسهنّ في مواجهة مستمرّة مع التوتّر والقلق النفسيّ، في ظلّ ظروف تجعل الحياة اليوميّة أكثر صعوبة وتعقيدًا.
تخبر سهام (62 سنة، من مدينة بعلبك)، “مناطق نت” أنّه “مع اشتداد الحرب، ازدادت الأعمال المنزليّة؛ فكلّ يوم نمسح الغبار الذي يتراكم بفعل القصف، وبيتنا يغرق في الغبار والروائح، ويتكدّس الغسيل”. هذا ونخشى النزول إلى السوق لجلب الضروريّات، بينما المؤونة على وشك النفاد. لم تعد أدوات التنظيف واللوازم النسائيّة متوافرة”.
وتضيف: “مع ازدياد الخوف، ازداد الإقبال على الطعام، فالرجال بلا عمل، يجلسون في البيوت، يأكلون ويشربون. أمّا من الناحية الجسديّة، فالتعب ينهكنا، ولا ننام إلّا بعد تناول حبّة “لاريف” أو مسكّن يساعدنا على النوم، بينما التلفاز لا يعرض سوى أخبار الحرب. نفسيّاتنا محطّمة، تمامًا كما تحطّمت البيوت، وهناك دمار في دواخلنا يشبه الدمار الخارجيّ”.

وعلى رغم إنهاك النفس، تشير سهام إلى أنّه “علينا أن نواصل العمل، تحضير الطعام، وتوفير احتياجات البيت. هذا الإرهاق ينعكس على أجسادنا المتعبة. ننزل إلى السوق بخوف ونعود بخوف، وغالبًا ما تكون المتاجر مغلقة”.
إرهاق يفوق طاقة الاحتمال
وتعبّر رلى، 34 سنة، عن معاناتها وغضبها من الحال الراهنة فتقول لـ “مناطق نت”: “نحاول النوم في أماكن آمنة بعيدة من الطريق، ممّا يضطرنا إلى نقل أغراض النوم من مكان إلى آخر باستمرار. وبما أنّنا 20 شخصًا في المنزل، تزداد أعباء غسل الصحون والطبخ والغسل والمسح بشكل دائم، والتنظيف المستمرّ لدورات المياه. الأطفال كذلك يعانون من الضغط، ويبقون مرضى؛ فمن التهابات الحنجرة إلى نزلات البرد، ولا نستطيع مواكبة حالات الإسهال والقيء”.
وتجد رلى نفسها تضغط بشدة على الأطفال في الليل، “لم أعد أحتمل أيّ صوت، واليوم على سبيل المثال، بعد أن قضيت الليل وأنا أبدّل الشراشف وأنظّف بسبب الأطفال، تمنّيت أن نُقصف كي نتخلص من هذا العناء“.
رلى: أجد نفسي أضغط بشدة على الأطفال. في الليل، لم أعد أحتمل أي صوت، واليوم على سبيل المثال، بعد أن قضيت الليل وأنا أغيّر الشراشف وأنظف بسبب الأطفال، تمنيت أن يتم قصفنا، لنتخلص من هذا العناء.
النزوح ومراكمة المسؤوليّات
أمّا بالنسبة إلى النساء النازحات من بيوتهنّ، سواء إلى مراكز الإيواء أو إلى أماكن مستأجرة أو حتّى إلى منازل أقاربهن، فإنّ الأمر يصبح أكثر تعقيدًا. فهنّ يواجهن تحدّيات جديدة تفوق قدرتهنّ على التحمّل، إذ يُطلب إليهنّ الاستمرار في أداء ما يُعرف بـ “واجباتهنّ الرعائيّة” دون مراعاة لحالاتهنّ النفسيّة والجسديّة، التي تأثّرت بشدّة جرّاء ويلات الحرب والنزوح.
تتطلّب الظروف الجديدة منهنّ تكيّفًا سريعًا مع الحياة في بيئات غير مألوفة، حيث تتفاقم الضغوط اليوميّة. فهنّ مضطرّات للتعامل مع الأعباء المنزليّة، ورعاية الأطفال، وتلبية احتياجات الأسرة، في حين يعانين من مشاعر الفقد والقلق.
تقول ندى (30 سنة، نازحة إلى عكار) لـ “مناطق نت”: “ازدادت أعباء العمل منذ توسّع الحرب، نحن ستة أفراد، من بينهم بناتي الصغيرات، استأجرنا جميعًا غرفة واحدة، نأكل ونشرب وننام فيها. العمل لا يتوقّف، الغرفة تحتاج إلى تنظيف دائم، أمّا الغسيل فنقوم به يدويًّا، لكنّه لا ينظف جيدًا لعدم وجود غسّالة. نعاني أيضًا من نقص المياه، واهتمامي ببناتي لم يعد كما كان في السابق على الإطلاق”.
نستحمّ كلّ خمسة أيّام
وتضيف: “على سبيل المثال، أكون مضغوطة ومتوتّرة بسبب أخبار الحرب، فتطلب إحداهنّ اللعب وتبدأ بالحركة، فأصرخ في وجهها. ثمّ هناك مسألة الاستحمام؛ لا نستطيع الاستحمام إلّا مرّة كلّ خمسة أيّام. الكهرباء لا تأتي إلا نادرًا، وعندما يأتي التيّار نسخّن الماء، لكنّه يكفي شخصين فقط، ومن يستيقظ باكرًا يدخل الحمّام أوّلًا ليتمكّن من الاستحمام قبل أن تنفد المياه الساخنة”. أمّا بالنسبة إلى الملابس، تضيف: “فليس لدينا كثير منها، لأنّنا لم نحضر شيئًا معنا، إذ تعرّضت البناية التي نقطن قربها إلى تهديد الإخلاء فهربنا بسرعة”.
كذلك تسرد مريم ( 36 سنة نازحة إلى منطقة عاليه) قصّة نزوحها لـ “مناطق نت” فتقول: “نزحنا إلى بيت خالة زوجي، حيث تعيش مع زوجها فقط، وهي إمرأة منظّمة جدًّا. نحن حوالي ثلاثين شخصًا في البيت نفسه. لا أملك غرفة خاصّة أو أيّ قدر من الخصوصيّة، ولا أستطيع حتّى الجلوس، فإما أن أكون مع الأطفال أو منشغلة في العمل”.
آلام الروح والجسد
وتضيف: “أشعر بعدم الراحة أثناء النوم، إضافة إلى القلق، وهذا يؤثّر في عملي خلال النهار، إذ أشعر بآلام في جسدي طوال الوقت. الاهتمام بالأطفال أصبح شبه معدوم، لأنّهم يقضون معظم الوقت مع الأطفال الآخرين، وثمّة 90 في المئة من الوقت يكونون منشغلين بالتابلت أو الهاتف. أمّا الغسيل، فمسموح لنا في وقت تحدّده صاحبة البيت، ولا يُسمح لنا بالغسيل كلّ يوم”.

إنّ أكثر ما يُرهق مريم “هو أنّ الرجال لا يقومون بأيّ شيء. صحيح أنّهم لا يجيدون الطهي، لكنّ تنظيف الحمّامات، وتنظيف البيت، وغسل الأطباق ليست مهامًا صعبة، بإمكانهم القيام بها. نحن تسع نساء، نقضي اليوم بأكمله في غسل الأطباق ومسح الأرضيّات، والقيام بالأعمال المنزليّة، بينما هم منشغلون بالتدخين والأراجيل، وطلبات القهوة والشاي. حقًّا، لا نستطيع إنجاز كلّ شيء، ومع ذلك، نبقى عرضة للانتقاد واللوم بأنّنا مقصّرات”.
أمّا علا، (41 سنة، نازحة) فتقول لـ “مناطق نت”: “نزحنا وسكنّا في بيت واحد يجمع أربع عائلات. ليس لدينا مشكلة مع الغسيل بسبب وجود غسّالة، لكنّ عددنا كبير، نضطرّ أحيانًا إلى الغسيل يدويًّا. بعض الأشخاص لا يشاركون في التنظيف، ممّا يزيد العبء على الآخرين، فتعمل بعض النساء أكثر من غيرهنّ ونبقى واقفات طوال اليوم”.
مريم: نحن تسع نساء تقريبًا، نقضي اليوم بأكمله في غسل الأطباق، ومسح الأرضيات، والقيام بالأعمال المنزلية، بينما هم منشغلون بالتدخين والأراجيل، وطلبات القهوة والشاي.
وتضيف علا: “أمّا بالنسبة إلى الطعام، فلا يمكن لكلّ عائلة أن تطبخ بمفردها، بل نضطرّ إلى إعداد كمّيّات كبيرة معًا. إنّ أسلوب التعامل بين الناس يزيد من الضغوط إلى جانب أعباء النزوح والحرب. لو كنّا نزحنا بمفردنا لكانت الأمور أسهل”.
وتشكو علا من أنّ “كثرة الأشخاص، تسبّب في ازدياد التوسيخ في البيت والحمّامات، ونضطرّ إلى التنظيف المستمرّ لتفادي الأمراض. من لحظة استيقاظنا ونحن نعمل، سواء في البيت أو الطعام أو الغسيل. أمّا في نهاية اليوم الطويل، فأشعر بآلام في يديّ وقدميّ وظهري. كان الأمر متعبًا في بيتي أيضًا، لكنّه الآن أشدّ بكثير”.
وتشير إلى أنّ “التعب النفسيّ هو الأصعب، فبالنا مشغول، تركنا بيوتنا، ولا نعرف إن كانت ستبقى أو إن كنّا سنظل أحياء”.
ربّما ستنتهي الحرب قريبًا، فتعود النساء إلى حياتهنّ الطبيعيّة، إلّا أنّ هذه العودة لن تعفيهنّ من سلطة الأنظمة الذكوريّة التي تستغلّ قوّة عملهنّ تحت مسمّيات متعدّدة، مثل “الواجب”، “الفطرة”، و”الحبّ الأموميّ” حتّى في أحلك الأوقات.