الهجرة من لبنان تطرق باب البقاع.. وحلم تحقيقها دونه عقبات
بين وطنٍ عشقوه حتى الثمالة بالرغم من كل ما يقاسوه ويعانون فيه من حرمان، وبين الهجرة من لبنان وبلاد اغتراب بحثاً عن حياة كريمة لا عن أموال، يرزح الشباب البقاعي. الشباب الذي أضاع الكثير من عمره في حب الوطن والأخير أدار لهم ظهره، الوطن الذي لطالما عاشوا على هامشه كالغرباء. الوطن الذي تمسكوا ولا زالوا يتمسكون بأرضه حتى وهم يلفظون الرمق الأخير.
في ظلّ ظروف ليست “صعبة” فكلمة صعبة غير صالحة لوصف الواقع، هي ظروف خانقة قاتلة ومميتة. ربما بات خيار الهجرة هو الحلّ الوحيد إذا توفر أمام الشباب البقاعي للهروب من واقع مأساوي في هذا الوطن. لا سيما في ظل تآكل المداخيل تآكلاً كاملاً. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل استسلم الشباب البقاعي لخيار الهجرة؟ هل بدأ يفكر بها جدياً، وهل تتوفر له الظروف والفرص لذلك؟
في استطلاع رأي سريع لعينة من الشباب البقاعي الذي يحاول عبثاً أن يتعايش مع الواقع تباينت الآراء. بعضهم يعضّ على جرحه مكابراً على وجعه، غير مستعد مهما تكالبت عليه الحياة والظروف أن يترك أرضه. وبعضهم الآخر مستعدٌ لأن يترك الوطن اليوم قبل الغد، هرباً من الذل الذي يعيشه في كل لحظة. ولكن النتيجة واحدة، “الظروف لا تسمح”.
الهجرة من لبنان بين الواقع والحلم
يؤكد الشاب باسل طوني مطر من بلدة القاع أنه مستعدٌ للسفر إذا ما سنحت له الفرصة لذلك. وأن ما يمنعه هو الوضع المادي ومصاريف السفر معتبراً أن العيش في هذا البلد عموماً وفي البقاع خصوصاً بات مستحيلاً. الأوضاع صعبة جداً وتأمين لقمة العيش بات مغمّساً بالذل والإهانة. الهجرة من لبنان اليوم هي الحل الوحيد لتأسيس حياة كريمة في المستقبل، لافتاً إلى أن العودة والاستثمار في لبنان لاحقاً ممكنة إذا توفرت الظروف لذلك.
تعتبر سلام بو حمدان من بلدة رياق والمجازة في علوم الصحة الحيوية، أنه في ظل الرواتب الحالية التي فقدت قيمتها بشكل مريع وظروف العمل في لبنان، من الطبيعي والمنطقي جداً التفكير في الهجرة. وذلك بحثاً عن عمل يتكافئ مع المستوى العلمي لإبن البقاع، لاسيما إلى البلدان التي تقدم الحوافز لأصحاب الكفاءات والقدرات.
البطالة المرتفعة وشح فرص العمل والرواتب المنخفضة، كلها أسباب تجعل الهجرة من لبنان الحل الوحيد. لكن بالرغم من ذلك يبقى حلم الهجرة بعيد المنال، والسبب دونه عوائق كثيرة منها تأمين البدل المادي للسفر وهو بالعملة الخضراء التي يفتقدها معظم الشباب البقاعي. بالإضافة إلى ذلك هناك مسألة اكتساب اللغة والتمكن منها، وهذا ما يشكّل عائقاً إضافياً، حيث لا يوجد في البقاع مراكز لتعليم اللغات، وإن وُجدت فتكلفتها مرتفعة وخارج قدرة الشباب.
تضيف بو حمدان أن الهجرة البقاعية في هذا الوقت بالذات قد تكون لها منفعة للمنطقة ولها منحىً إيجابياً جداً، والسبب في ذلك أنها توفّر رؤوس أموال للاستثمار في البقاع. لأن أي مشروع استثماري كمصنع مثلاً من شأنه أن يوفر الكثير من فرص العمل للشباب، مما ينعكس إيجاباً على اقتصاد المنطقة. لكن في المقابل تشكّل هجرة أصحاب الكفاءات خسارة للبلد وللمنطقة حيث الحاجة لهم الآن ملحة أكثر من أي وقت مضى.
تمسك بالأرض والحفاظ على العادات
تتحدث دعاء السبلاني المجازة في إدارة الأعمال وهي من بلدة فلاوي، أن الكثير من العوائق تقف أمام هجرة الشباب البقاعي. أبرزها تمسّك هؤلاء بأرضهم، وهم مستعدون للموت جوعاً على أن يتخلوا عنها أو بيعها. بالإضافة إلى المحافظة على العادات والتقاليد والالتزام تجاه الأسرة. كل ذلك يحول دون الهجرة من لبنان للشباب، لاسيما المرأة، التي لا تسمح لها العقلية الذكورية المسيطرة بالسفر. فضلاً عن تحجيم دورها ومنعها من بناء نفسها، وهذا يؤدي حكماً إلى رفضها أي فرصة عمل خارج البلد. فمن غير المقبول أن تسافر وأن تسكن بمفردها…
تضيف السبلاني أن كل ما سبق ذكره ليس العائق الوحيد، وبالإضافة إليه فإن فرص العمل في الخارج للأسف تأخذ منحىً طائفياً، فهناك العديد من الدول الأميركية والخليجية تضع فيتو على طائفة معينة أو مذهب ما. وحتى إن حصلوا على فرصة عمل فإنهم لا يستطيعون الحصول على إقامة أو تأشيرة وهذا مجحف لاسيما بحق أهالي منطقة البقاع.
وتروي السبلاني أن الجنوب والعديد من المناطق اللبنانية استفادوا من الهجرة من لبنان التي حصلت إبان الحرب الأهلية أو الحروب مع إسرائيل، حيث فتحت لهم أبواب الهجرة إلى العديد من دول العالم. أما البقاعي فلم تتوفر له هذه الفرص، فربّ ضارة نافعة.
غياب الدولة
يقول حسين خزعل العامل في التعليم المهني من بلدة صبوبا، أنه لا يحبذ فكرة الهجرة في أي وقت. فلا يمكن ترك الأهل والعائلة والأولاد دون سند في هذه الظروف، المسؤولية تجاههم تحول دون الهجرة لاسيما في ظل غياب الدولة التي تحمي المواطنين. فلو أن الدولة تؤمن لكبار السن أدنى الحاجات ربما كان بإمكان الشاب البقاعي أن يشعر بأمان وطمأنينة عليهم ويهاجر.
ولكنه في الوقت نفسه لا ينكر فائدة الهجرة في الوقت الحالي لاسيما لجهة تأمين رؤوس أموال وفتح باب الاستثمار في المنطقة بحيث يأتي الشباب المغترب بأفكار ومشاريع جديدة.
تتحدث ثروت نزهة المجازة في الأدب الإنكليزي والعاملة في مجال التعليم من بلدة النبي عثمان، أنه لا إمكانية للسفر في الوقت الحالي على الرغم من فائدتها الآن في مساعدة الشباب على تأمين مستقبلهم. كما تضيف “للأسف الفكرة المغلوطة عن البقاعيين تجعل بعض الدول ترفض استقبالهم مما يشكل عائقاً حقيقياً أمام هجرتهم”.
الهجرة من لبنان حاجة ملحة
تعرب زينة مصطفى المجازة في العلوم التمريضية والعاملة في هذا المجال عن رغبتها في الهجرة من لبنان الآن أكثر من أي وقت مضى، معتبرة لو أن الفرصة متاحة “ما كنت لأفكر مرتين”، لكنها تعزو السبب إلى العوائق المادية فإجراءات السفر مكلفة وبعض الدول تشترط وجود حسابات مصرفية بمبالغ كبيرة، والعوائق العائلية لأن رغم الأفق المسدود في البلد الا أننا نفضل الأهل والمحيط والحفاظ على العائلة وعدم تشتيتها.
تضيف مصطفى أن الوطن وبالتحديد البقاع وأهله بأمس الحاجة في الوقت الحالي لهجرة أبنائه، لأن أي تحويلات من الخارج حالياً بالعملة الصعبة من شأنها أن تساعد العائلات. كما وتحدث حركة اقتصادية ومالية في المنطقة.
ريان صلح المجازة في الإعلام والصحافة والعاملة في مجال آخر، تلفت إلى إنها في الوقت الحالي تحاول تقديم طلب هجرة. ولكن حتى الآن لم ننل موافقة، لا زلنا ننتظر “ناطرين الفرج”.. فالشاب البقاعي اليوم بحاجة للسفر اكتر من أي وقت مضى.
وتلفت صلح إلى أن البقاع لم يأخذ فرصته لجهة الهجرة من لبنان. فالجنوب ساعده الخطر الإسرائيلي، والشمال الخط البحري مفتوح، أما البقاع كالذي يعيش في سجن مع الكثير من صعوبات العيش. وهي تؤكد أنه لو تسنى للشباب البقاعي فرص عمل في الخارج فإن صورة البقاع ستتغير. وتعزو صلح السبب إلى أن توفر الأموال يؤدي إلى انتعاش الحالة الاقتصادية، ومساعدة الشباب على التأسيس لحياتهم المقبلة والاستقرار. كما قد يكون لها تأثير إيجابي لجهة الحد من الفلتان الأمني في المنطقة.
الهجرة بين الجنوبيين والبقاعيين
يعتبر عباس دبوس المجاز في مجال المعلوماتية أنه في حال استمرت الأوضاع الاقتصادية على ما هي عليه، تصبح الهجرة من لبنان هي المفر. ولكن حتى لو لجأ الشباب في البقاع إلى هذا الحال فإن الكثير من الصعوبات ستعترضهم سواء لجهة الأوراق والمستندات المطلوبة، أو لجهة التكلفة المادية والتأمين. وهذه كلها أمور يقف أمامها البقاعي عاجزاً، لافتاً أن الهجرة اليوم من شأنها أن توفر للمنطقة مردوداً اقتصادياً يساهم في انمائها وبناء مشاريع اقتصادية فيها.
يعتبر علي دندش المجاز في المحاسبة من بلدة زبود، أن الهجرة باتت أمراً واقعاً في ظل ما نعيشه من ذل، رافضاً توصيف الحالة التي نحن قيها بالحصار الاقتصادي كما يقول البعض. بات من واجب الشاب البقاعي الهجرة لتأسيس حياة مختلفة حتى لو اضطر إلى ترك أهله. وذلك لأنه أيضاً من الصعب البقاء معهم ورؤيتهم يعانون في الحصول على طعامهم وأدويتهم، فالهجرة هنا من أجلهم وصالحهم.
منذ زمن والشباب البقاعي يعاني من عوائق كثيرة بالنسبة للهجرة. وقد كان في السابق آخر من يفكر فيها، لأن غياب الدولة الكلي عن البقاع كان يولد لدينا إحساساً أننا لا نستطيع التأقلم في دولة أخرى.
يقول دندش “أثناء الحرب مع إسرائيل وفي الوقت الذي فتحت فيه أبواب الهجرة للجنوبين، وقف ابن البقاع للدفاع عن أرضه ووطنه ولم يفكر بالهجرة”.
يضيف دندش أن الاغتراب شكّل على الدوام عاملاً مهماً للبلد. هناك العديد من المؤسسات والجمعيات في الجنوب ترتكز وتقوم على أموال المغتربين في أفريقيا. وهناك العديد من المشاريع الإنتاجية التي تأسست من أموال الاغتراب الجنوبي في الخارج. وكذلك الأمر بالنسبة للشمال وطرابلس. مضيفًا أننا اليوم بأمس الحاجة إلى الهجرة من لبنان. فاليوم البلد بحاجة إلى تدفق العملة الصعبة، سواء بالنسبة للمعيشة أو للاقتصاد. واليوم أصبحت ال ٥٠٠ دولار كأجر في الخارج لها قيمتها داخل لبنان عكس الفترة السابقة.
الانتماء الطائفي عائق أمام الهجرة
يقول خالد حويجي المجاز مراجعة وخبرة في المحاسبة من بلدة العين، إن الهجرة باتت الحل في ظل ضآلة فرص العمل. ولكنها غير متوفرة للشاب البقاعي والسبب أو العائق الأبرز هو انتمائه الطائفي والمناطقي. ولأنه للأسف تصنف بعلبك – الهرمل للاجرام فقط وليس للإنماء.
حال الشباب البقاعي حال الشاعر حين قال:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة
وأهلي إن ضنوا عليّ كرام
هؤلاء الشباب في هذه الرقعة من الوطن لا زالوا يعرفون قيمة الأرض وكم هي غالية، لا زالوا متجذرين فيها كجذور اللزاب والسنديان. ألا يستحقون من الدولة القليل من الحوافز ومن متطلبات العيش ليصمدوا في وجه ما يهب عليهم من رياح الفقر والعوز والحرمان…