امتحانات دخول “اللبنانيّة” غربالٌ للتميّز أم عقبةٌ أمام الطموح؟

عند أبواب الجامعة اللبنانيّة، تتقاطع أحلام الطلّاب مع واقع امتحانات الدخول التي تمثّل ممرًّا لا مفرّ منه نحو الاختصاصات الأكّاديميّة المختلفة، فلا يكفي أن يكون الطالب ناجحًا في الامتحانات الرسميّة فقط، بل عليه اجتياز اختبارٍ تنافسي (كونكور) تتدرّج صعوبته بحسب أهمّيّة الاختصاص، فيتحدّد مصير كلّ طالب وفقًا للعلامات التي يحصل عليها.

يدخل الطلّاب إلى قاعات الامتحانات وهم يحملون أحلامهم الكبيرة، لكنّهم يفاجأون بما يعتبرونه “صعوبة الامتحانات”، وبــ “حواجز الوساطات والمحسوبيّات التي تعوق وصولهم إلى الاختصاصات التي يرغبون في دراستها”، ما يُقصي عددًا كبيرًا منهم. لكنّ بعض الأساتذة الجامعيين، يرفضون هذا الوصف ويعتبرون هذه الامتحانات معيارًا عادلًا لاختيار الأفضل.

كلّيّة الطبّ: الحلم بخطّةٍ بديلة

يًشكّل الامتحان التنافسيّ هاجسًا وعقبة أمام الطلّاب الراغبين في الدخول إلى كلّيّة الطبّ، في الجامعة اللبنانيّة – الحدث. إذ يخوض نحو 2000 طالب هذه الامتحانات، بينما تُمنح مقاعد الدراسة إلى 100 طالب فقط ممّن يحصلون على الدرجات الأعلى. أمّا من لم يحالفهم الحظّ، فيخوضون الامتحانات مرّةً أخرى بعد مرور الفصل الدراسيّ الأوّل شرط أن يحقّقوا معدّلًا مقبولًا، لكنّ هذا الأمر يُكلّفهم عناء دراسة اختصاصين اثنين.

الجامعة اللبنانية كلية الطب

عن هذه التجربة، يروي الطالب في كلّيّة العلوم مصطفى توبة (20 عامًا) لـ “مناطق نت” أنّ “التحضير لامتحان الدخول إلى كلّيّة الطبّ، استغرق منّي مراجعة ودراسة لأوقاتٍ طويلة على أمل النجاح في الدخول إلى الكلّيّة ودراسة طبّ الأسنان”. ويضيف “بعد الانتهاء من امتحان الفيزياء أصابني اليأس كسائر عدد من الطلّاب خرجوا من الامتحان قبل انتهاء الوقت وهم يبكون. وعلى الرغم من ذلك، نلت علامة 16 فاصلة في الفيزياء، وهي تعتبر علامة جيّدة”.

لكنّ مصطفى رسب في التجربة الأولى، فاضطرّ إلى دراسة اختصاص آخر هو علوم الكومبيوتر، وبدأ مرحلة جديدة من مضاعفة الدروس، للموازنة بين إكمال دراسته في هذا الاختصاص والتحضير لامتحان الدخول إلى كلّيّة الطبّ من جديد.

ويشارك الطالب أسامة السيّد قاسم، في حديثه لـ “مناطق نت”، مصطفى في رأيه، فيعتبر أنّ “امتحانات الدخول إلى كلّيّة الطبّ هي الأكثر صعوبةً، أمّا الاختصاصات الأخرى فهي أسهل بكثير”.

السنة الأولى… غربال

في أثناء التحضير لامتحان الدخول، ينطلق الطلّاب في رحلة بحث عن محاضرات قديمة للأساتذة على موقع يوتيوب، للوصول إلى أيّ معلومة تعينهم على فهم الدروس، فبعض الأساتذة يحذفون محاضراتهم عن المنصّات، فيما تكتفي الجامعة بنشر شروح محدودة عبر قناتها الرسميّة. أمام هذا الواقع، يبادر بعض الطلّاب إلى نشر فيديوهات تشرح طبيعة الامتحان، بينما يتواصل آخرون مع طلّاب كلّيّة الطبّ طالبين مساعدتهم في مراجعة الدروس.

في أثناء التحضير لامتحان الدخول، ينطلق الطلّاب في رحلة بحث عن محاضرات قديمة للأساتذة على موقع يوتيوب، للوصول إلى أيّ معلومة تعينهم على فهم الدروس، فبعض الأساتذة يحذفون محاضراتهم عن المنصّات

في المقابل، تُعتبر السنة الأولى في بعض الاختصاصات بمثابة امتحان دخول يحدّد من بعده من سينجح في الترفّع إلى السنة الثانية. يسرد أحد الطلّاب لـ “مناطق نت” تجربته في كلّيّة العلوم، ويقول إنّ “عدد من كانوا يحضرون المحاضرات في السنة الأولى وصل إلى نحو 1200 طالب. لكن مع حلول السنة الثانية، لم ينجح في الاستمرار سوى 300 إلى 400 طالب”.

أمّا الطالب حسن عطوي، فيتحدّث عن بداياته في الكلّيّة نفسها لـ “مناطق نت”، ويوضح أنّ “صعوبة الدراسة هي التي تفرز الطلّاب. وأنا أتذكّر جيّدًا حين دخل الأستاذ فجأة إلى القاعة وعرّف عن نفسه، ثمّ بدأ فورًا بشرح الدروس من دون أيّ مقدّمات”، يشكّل هذا الأمر تحدّيًا بالنسبة إلى الطلّاب.

تباين الإقبال على الجامعة اللبنانيّة

يختلف منسوب الإقبال على كلّيّات الجامعة اللبنانيّة، فتشهد مثلًا كلّيّة الآداب في طرابلس ارتفاعًا في أعداد طلّاب علم النفس، ممّا أثار حفيظة بعض الطلّاب حول معايير القبول. فيقول جورج الطالب في السنة الثالثة في هذا الاختصاص لـ “مناطق نت” إنّ “معظم الطلّاب يجتازون امتحان الدخول إلى هذا الاختصاص بسهولة، وكأنّه بات خيارًا بديلًا للراسبين في الاختصاصات الاخرى”.

ويلفت إلى “ضرورة إضافة امتحان ثقافة أو اختبارات نفسيّة، للتأكّد من سلامة الطلّاب وعدم تحوّلهم إلى ضحايا إسقاطات العلوم التي يكتسبونها خلال الدراسة، أو إقامة دورات تُعرّف بالاختصاص”.

الجامعة اللبنانية كلية الآداب

كذلك يتزايد الإقبال على اختصاص الإعلان والاتّصال التسويقيّ الذي يتطلّب اجتياز امتحاناتٍ ثقافيّة حول هذا المجال. لكنّ الطالبة في كلّيّة الإعلام وعد كريم تشير لـ “مناطق نت” إلى أنّ “الامتحانات لم تكن صعبة، بل اقتصرت على امتحانات اللغة الشبيهة بامتحانات الثانويّة الرسميّة، بينما ركّز امتحان الثقافة على التسويق”.

من جهةٍ أخرى، تراجع إقبال الطلّاب على اختصاصاتٍ أخرى مثل “الهندسة الكيميائيّة”، ما يراه بعض الأساتذة “نتيجة غياب الدعم الحكوميّ لمشاريع الطلّاب في سوق العمل”. وفي المقابل، يعكس الاتّجاه المتزايد نحو كلّيّة إدارة الأعمال، تنامي رغبة الطلّاب في تحقيق الربح السريع، مدفوعين بفرص العمل التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعيّ.

الكونكور بين اللبنانيّة والجامعات الخاصّة

يهدف امتحان الدخول إلى وصول الطلّاب الأكثر جدارةً، تمامًا كما يحدث في كلّ جامعات العالم. لذا، توضح أستاذة في الجامعة اللبنانيّة في حديث لـ “مناطق نت”، أنّه “لا يوجد امتحان دخول صعب وآخر سهل”. وتتساءل: “لماذا لا ينتقدون امتحانات الدخول إلى الجامعات الخاصّة، على الرغم من اشتراط بعضها مهارات لغويّة أجنبيّة عالية، وتُكلّف الدراسة فيها مبالغ كبيرة؟”. وتضيف “الجامعات الخاصّة تشهد تفلّتًا من ناحية إجراء امتحانات الدخول، وتُخرّج دفعات هائلة من الأطبّاء والمهندسين والصيادلة، ممّا يزيد من مستوى البطالة، ليتمّ تصدير المتخرّجين إلى الأسواق الخارجيّة”.

وترى أنّه “في ظلّ تدنّي مستوى التعليم وضرب الامتحانات الرسميّة عن قصد، يجب التشدّد في مباريات الدخول خصوصًا إلى الكلّيّات التطبيقيّة، للمحافظة على مستوى هذه الجامعة التي تستقبل طلّاب الثانويات ممّن لم يخضعوا لامتحانٍ فعليّ”. وتؤكّد أن “على الطلّاب أن يمتلكوا قدرةً عاليةً على التحليل والتفكير المنطقيّ وليس الحفظ”.

تُجسّد امتحانات الدخول إلى الجامعة اللبنانيّة مرحلة، تتداخل فيها أحلام الطلّاب مع الواقع المعاش الصعب. وعلى الرغم من صعوبة المعايير، تُشكّل هذه الامتحانات غربالًا ينفذ الطلّاب من خلاله حتّى لو كان قاسيًا في نظر كثيرين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى