بعلبك: بين الأمن والسياسة تكمن الحقيقة – طانيوس وهبي
لم يعد خافيا أن الوضع الأمني المتردي هو مشكلة تضاف إلى مسلسل المشاكل والأزمات التي تعاني منها منطقة بعلبك الهرمل على مدى عقود من الزمن.
فمن غياب السياسة الزراعية لهذه المنطقة وهي المشهورة بالزراعة. إلى غياب الإنماء المتوازن عنها والذي أنتج جيوشا من العاطلين عن العمل. إلى القمع المتوحش لأي حركة مطلبية حتى ولو سلكت الطرق السلمية. إلى غياب المقومات الضرورية للحياة ولو بحدودها الدنيا. إلى الأوضاع المعيشية المزرية التي تعاني منها عشرات الآلاف من الأسر في هذه المنطقة. والتي يصح وصفها بحق المنطقة المنكوبة.
في ظل هذه الأجواء الملبدة تأتي المعالجات الأمنية بأسلوب خارج عن المألوف القانوني لتزيد الطين بله وتضيف إلى المشهد المأساوي للمنطقة صورة مؤلمة ومحزنة وتبعث في النفوس المزيد من القلق والهواجس والخوف إلى حد الرعب.
فبدت الوقائع الميدانية للمعالجات الأمنية وكأن هناك عداوة بين المؤسسة العسكرية الممثلة بالجيش الوطني اللبناني وبين المطلوبين الملاحقين قانونيا والعائلات التي ينتمون إليها. وأخص بالذكر عائلتي ال جعفر وآل إسماعيل الكريمتين. وذلك على خلفية المداهمات التي حصلت مؤخرا واودت بحياة عدد من المطلوبين من العائلتين. رغم أن الواقع يتنافى تماما مع كل ما أثير من تفسيرات واجتهادات ارتجالية لا تزيد الوضع إلا تعقيدا وتنفخ في نيران الفتنة. ذلك أنه ليس هناك أي عائلة أو عشيرة على امتداد الأراضي اللبنانية يمكن أن تتخذ موقف المعادي للجيش. وكذلك فإن الجيش ليس له عداوة مع أي مواطن سوى بالمقدار الذي يتجاوز فيه القوانين والأنظمة المرعية. سيما وأن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة المتبقية في البلد والضامنة لأمنه واستقراره وبالتالي فإن الشعب اللبناني باجمعه يلتف حول جيشه.
إلا أن المنحى الذي اتخذته الأحداث الدموية الأخيرة بين الجيش والمطلوبين ناتج عن حقيقة لم يعد بالإمكان اغفالها وهي التدخل السافر للطبقة السياسية الفاسدة وقوى الأمر الواقع في عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية والقضائية. الامر الذي أدى إلى خلل في ميزان العدالة وتراكم مذكرات التوقيف بحق أشخاص حتى جاورزت المئات. علما بأن القانون يفرض الملاحقة من اول مذكرة توقيف ومن اول مخالفة وعند حصول اول خلل أمني.