بعلبك على خطى الجنوب خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات
لم تبقَ منطقة بعلبك الهرمل بمنأى عن التصعيد غير المسبوق الذي شهده الجنوب بدءًا من السبت الماضي، فشهدت بلداتها وقراها أيامًا سوداء بلياليها ونهاراتها وهي مستمرة حتى اليوم، إذ تعرّضت معظم القرى والبلدات في محافظة بعلبك الهرمل لغارات متواصلة، أدّت إلى سقوط ضحايا في معظم البلدات، وإلى دمار غير مسبوق في المنازل والممتلكات، وأدّت أيضًا إلى موجة نزوح كبيرة، خلت فيها البلدات من ساكنيها فانتقلوا إلى مناطق البقاع الأوسط في زحلة، ومنهم من عبر الحدود إلى سوريا، حيث شهدت المعابر بين البلدين ازدحام سير خانق.
لكل بلدة في بعلبك الهرمل حكايتها مع الجرائم المتمادية التي تنفذها الطائرات الإسرائيليّة. بلدة شعت الواقعة في البقاع الشمالي، كان لها نصيب كبير من تلك الجرائم، حيث استُهدفت بأكثر من 15 غارة في ليلة واحدة، وهي استمرت حتى ساعات الفجر، نتج عنها مجزرتان ارتكبتا بحق أهلها المدنيين. “مناطق نت” جالت في البلدة وتحدّثت إلى مختارها علي الحج حسن الذي قال: “إن ما قامت به إسرائيل في شعت عمل همجي لا إنساني تخطّى كلّ الحدود والقيم الأخلاقية والقوانين الدولية، وذلك باستهدافها لمنزل محايد في حي وادي الرعيان في بلدة شعت، حيث لا مراكز عسكرية إلى جانبه، ولا حتى منازل، ولا أي شبهة عسكرية كما تدّعي إسرائيل، إنما مبنى مؤلف من ثلاث طبقات يملكه ثلاثة أخوة من آل الحج حسن ويقيمون فيه مع زوجاتهم وأولادهم ووالدتهم”.
وبحسب الحج حسن فإنّ الوالدة كانت مريضة، وكانت قد خرجت للتوّ من المستشفى، فتجمعت العائلة للاطمئنان عليها. يضيف الحج حسن “هناك مجزرة حقيقية نتجت عن استهداف المبنى، حيث أدّت إلى استشهاد 11 شخصًا من آل الحج حسن ممن يقطنون المبنى، بينهم ثلاث نساء وثمانية أطفال تتراوح أعمارهم بين أشهر و10 سنوات، بالإضافة إلى أربعة جرحى ما زالوا في المستشفى، وهم الوالدة وأبناؤها الثلاثة منهم إصابته حرجة”.
عن المجزرة الثانية يقول المختار الحج حسن: “إنها نجمت من غارة إسرائيليّة استهدفت مبنى يضم مطحنة كشك وحبوب تعود إلى عائلة من آل فاضل، يملكها أب وابنه، وأدّت الغارة إلى استشهادهما، فضلاً عن غارة أخرى استهدفت مزرعة للمواشي تعود لأحد أبناء البلدة”.
27 شهيدًا في بوداي
في بوداي، المشهد يدمي القلب، أكثر من 27 شهيدًا سقطوا حصيلة للغارات التي استهدفت منازل في البلدة، بينهم 12 امرأة وثمانية أطفال. يقول حسن شمص أحد أبناء بوداي لـ “مناطق نت”: “البلدة استُهدفت بأكثر من ثماني غارات، الأولى استهدفت ما يعرف بالحفير الفوقا وأوقعت شهيدًا واحدًا، أما الثانية وهي الأكبر فاستهدفت مبنىً مؤلف من ثلاث طبقات، مشيّد حديثاً في وسط البلدة لجأت إليه عديد من العائلات ظنًّا منها أنّه آمن فاحتموا تحت سقفه، مما تسبب في مجزرة حقيقية ذهب ضحيتها أكثر من 20 شهيداً من آل شمص وآل مصطفى، بينهم ثمانية أطفال، أحدهم طفل رضيع”.
الغارة الثالثة، يتابع شمص: “وقعت على أطراف البلدة وذهب ضحيتها أربعة شهداء من آل مراد، بالإضافة إلى غارة سقط فيها امرأة وابنها من آل عساف”. ويضيف شمص “هذه الغارات تُضاف إلى أربع غارات استهدفت الكروم وبوداي العتيقة، والسعيدة على أطراف البلدة”.
تعرّضت معظم القرى والبلدات في محافظة بعلبك الهرمل لغارات متواصلة، أدّت إلى سقوط ضحايا في معظم البلدات، وإلى دمار غير مسبوق في المنازل والممتلكات، وأدّت أيضًا إلى موجة نزوح كبيرة
ضحايا تحت الردم
“حوالي سبعة شهداء فقط، تمّ انتشالهم من تحت الركام، أما الشهداء الباقون فهم أشلاء لم تزل تحت الأنقاض لا سيما أن العمل على انتشال الجثث كان عبارة عن مبادرات فردية خاصة لرفع الأنقاض، وقد توقفت بسبب مواصلة الغارات على المنطقة” هذا ما قاله شمص الذي ناشد الدولة “لتقوم بمهامها في رفع الردم لأن ذلك يتطلب إمكانات ومعدات غير متوافرة في البلدة”. ويستدرك قائلاً “المشهد المبكي حقاً والذي يفتت ثنايا القلب هو الآباء الذين يتواجدون طوال الوقت في مكان الغارة يبحثون عن أشلاء أطفالهم تحت الردم بمفردهم”.
مجزرة العين
لا يختلف الواقع في بلدة العين، من استهداف للمدنيين وزرع الرعب في قلوبهم عمّا جرى في بقية البلدات والقرى، فحيٌّ سكنيّ بأكمله هو الحي الشمالي استهدف من قبل طائرات القتل الإسرائيلية، وهو يكتظ بالسكّان، يضمّ نحو 50 منزلاً، تضرر منها أكثر من ثلاثين منزلاً.
أحد أبناء البلدة عباس دبوس وهو من جرحى الاعتداء قال لـ “مناطق نت”: “العدو الإسرائيليّ شنّ هجوماً همجيّاً عبر طائراته على بلدة العين، قرابة أربع غارات في يوم واحد، مستهدفاً أحياء سكنية ومنازل، ذهب ضحيتها تسعة شهداء، ثلاثة من كبار السن، وامرأة وخمسة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 13 عاماً، والضحايا هم من آل يونس ودبوس والغرباوي، قضوا في ثلاث غارات، فيما استهدفت إحدى الغارات منزلًا غير مأهول”.
مجازر بحقّ مدنيين في الهرمل
الغارات العشوائية التي شنّتها الطائرات الإسرائيليّة خلال الأيام الماضية لم تترك زاوية في البقاع الشمالي إلا وأغارت عليه، ففي قضاء الهرمل سُجّل أكثر من 25 غارة على مدار 24 ساعة أوقعت ثمانية شهداء و45 جريحاً.
يقول شاهد عيان لـ “مناطق نت”: “استهدفت طائرات العدو منزلاً لآل ناصر الدين وأوقعت العائلة شهداء، إذ استشهد الأب والأم وطفلان، واللافت أنه نجا أحد الأطفال الذي كان يلعب عند الجيران ولم يكن في المنزل”.
المجزرة بحق الهرمل طالت عائلة أخرى من آل الحج حسن، وكان ضحيتها فتى يبلغ 11 عاماً، وأوقعت أربعة جرحى.
بالإضافة إلى استهداف منزل بمراح العين أدى إلى استشهاد امرأة من آل جعفر، ومنزل في مدينة الهرمل استشهد فيه شابان.
وبحسب الشاهد العيان “فإن أكثر المنازل المستهدفة والتي تعود لآل عبد الساتر وشمص والهق كانت غير مأهولة، وإلا كان حجم المجازر بحسب الغارات مأسويًّا”.
كذلك في بعلبك، هناك عائلات بأكملها استهدفت منازلها من آل زعيتر ورعد، واستشهد أفرادها، وفي طاريا والخضر لم تتوانَ الطائرات الاسرائيلية عن قتل المدنيين في منازلهم.