بلدتا “الفاكهة” و”الزيتون” تحتضنان أكثر من 17000 نازح
منسية ومهمّشة في زمن السلم، متروكة ومغيّبة في أوقات الحرب، هذا هو قدر منطقة بعلبك الهرمل التي تنال الحصة الأقل من التغطية الإعلامية، والرعاية المعدومة من قبل مؤسسات الدولة الغائبة كليًّا عن مسرح الأحداث، في ظل الغارات الوحشية الاسرائيلية المتلاحقة، التي لم تترك مكانًا في محافظة بعلبك الهرمل إلا واستهدفته.
“الزيتون”، “جديدة الفاكهة”، “المعلّقة”، وتتبع جميعها بلدية الفاكهة في البقاع الشمالي، قرى صغيرة منسية تحوّلت فجأة إلى مراكز إيواء ضخمة للنازحين من البلدات والقرى المحيطة بها، والتي تتعرّض لأعنف الغارات الوحشية الإسرائيلية، نتج عنها دمار هائل في القرى والبلدات، وأدّت إلى سقوط عشرات الضحايا بين المدنيين العزّل.
المفارقة في هذه القرى الصغيرة أنها فتحت منازلها وقلوب أهلها للنازحين، فامتلأت جميعها قبل أن يتم افتتاح مراكز إيواء في المدارس والأماكن العامة، وتشارك الأهالي مع النازحين منازلهم، واحتضنوهم في مشهد إنساني مؤثّر.
معظم النازحين إلى بلدة الفاكهة (الكبرى) هم من جيران البلدات المحيطة، تربطهم علاقات جوار عمرها مئات السنين، هم ليسوا غرباء عنهم، معظمهم من بعلبك، اللبوة، حربتا، النبي عثمان، العين، زبود، البجاجة، جبولة، البزالية والهرمل، وهؤلاء غادروا بلداتهم بعد أن تعرّضت لغارات إسرائيلية وحشية ولمرات متتالية.
بيوت البلدة…
بادر أهالي الفاكهة الكبرى إلى فتح بيوتهم قبل أن تعلن الدولة اللبنانية بوقت طويل عن فتح مراكز إيواء. يتحدث الأستاذ أحمد مسعود خليل، من فعاليات البلدة والمدير السابق لمتوسطة الزيتون الرسمية إلى “مناطق نت” فيقول: “هناك ما يقارب 7000 إلى 8000 نازح في بلدة الزيتون، وهذه الأرقام ترتفع ليلاً، بعد أن يعود قسم كبير ممن تفقدوا منازلهم خلال فترة النهار، أو من عمله.
أما في بلدة الفاكهة القديمة، فأيضًا هناك بين 5000 و6000 نازح، وهي جغرافياً أقل مساحةً من حيّ الزيتون، وفي المعلّقة حوالي ألفي نازح، وفي جديدة نحو 3000 نازح، أي يصل العدد الإجمالي إلى 17000 نازح في الفاكهة الكبرى أو كما يحبّ أن يسميهم أحمد خليل 17000 ضيفاً، فهم من الأهل والأصدقاء. مشدداً على أن استقبال النازحين كان عفوياً من دون النظر إلى مذاهبهم وانتماءاتهم الطائفية.
ويلفت أحمد خليل إلى أن كلّ منزل من المنازل يضمّ ما بين ستة أفراد إلى 35 فرداً.
في بلدة الفاكهة القديمة، هناك بين 5000 و6000 نازح، وهي جغرافياً أقل مساحةً من حيّ الزيتون، وفي المعلّقة حوالي ألفي نازح، وفي جديدة نحو 3000 نازح.
كثافة ولّدت أزمة…
هذه الكثافة التي فرضت نفسها على بلدة الفاكهة بسبب الاعتداءات الاسرائيلية ولّدت أزمة ذات أبعاد مختلفة، هي بالدرجة الأولى أزمة اقتصادية، فقد أفرغت المحال التجارية من المواد الغذائية، بالإضافة إلى أزمة مياه وكهرباء، حتّى أن السيولة المالية بين أيدي الناس بدأت تنضب. يقول أحمد خليل أن حوالي 75 في المئة يسكنون في منازل البلدة، ونحو 25 في المئة استأجروا بيوتاً داخل البلدة.
مراكز إيواء….
بعد أن امتلأت المنازل ولم تعد هناك قدرة على استيعاب مزيد من النازحين، فُتحت في البلدة عدة مراكز إيواء (أربعة مراكز)، وفي هذا الإطار يعدّد خليل أرقام النازحين في مراكز الإيواء فيقول إنّ “ثانوية الفاكهة استوعبت 460 نازحاً، ومدرسة الزيتون الرسمية 100 نازح، ومدرسة الفاكهة الرسمية 110 نازحين، ومدرسة جديدة الرسمية 100 نازح”.
إضافة لذلك بادرت بعض المدارس الخاصة إلى فتح أبوابها أمام النازحين، منها مدرسة “القيروان” التي استقبلت حوالي 120 نازحاً، ومدرسة الزيتونة أيضاً قرابة 120 نازحاً، إلى بعض الشاليهات في منطقة جْدَيدة والنهر التي امتلأت هي الأخرى بالنازحين، وفق خليل.
غياب كلي
تغيب الدولة اللبنانية كليًّا عن تقديم أي مساعدة أو مستلزمات إلى مراكز الإيواء التي فتحتها؛ وفي هذا الإطار يقول خليل: “إنّ المدارس والثانويات استنجدت بأهالي البلدة الذين أمّنوا لللنازحين بعض الحرامات وفرش الاسفنج”. داعياً اللجان التي تشكلت من الوزارات إلى أن تعاين واقع النازحين في هذه القرى في البيوت ومراكز الإيواء وتؤمن المساعدات لهم.
بدوره يفيد مدير ثانوية الفاكهة الرسمية الأستاذ محمد خليل بأن الثانوية تضم حوالي 460 نازحاً من مختلف أنحاء البقاع، ويوضح لـ “مناطق نت” أن “القدرة الاستيعابية للمدرسة لا تتجاوز ال 500 نازح، إذ أنها تضم أربعين غرفةً يتم إيواء ثلاث إلى أربع عائلات على كل منها، أي ما يقارب 12 شخصاً في كل غرفة.
ويضيف خليل حول تأمين المستلزمات للنازحين أنّ قليلاً منها تمّ تأمينه عبر الجمعيات، وبعضها من أهالي البلدة (مختارين وكشافة) لافتاً إلى أنه تمّ تشكيل لجنة من قبل الدولة باتت على علم بما يلزم مركز الايواء من حرامات وفرش لا سيما والشتاء مُقبل، ومواد تنظيف، ومواد غذائية، ولكن حتى الآن و٦لى الرغم من الوضع الصعب لم يتم تأمين أي شيء .
ويناشد خليل الدولة أن تبادر إلى تقديم المساعدة كي يستطيع النازحون الصمود في هذه المراكز وسط غياب كلّي لأدنى المستلزمات.