حوادث السير تشرّع طريق بعلبك الهرمل على الموت والخسائر الجسيمة

لم يكن محمود شمص، مراقب الأحراج في ملاك وزارة الزراعة الذي قضى قبل أيّام في حادث سير في منطقة بعلبك، الأوّل في تعداد ضحايا حوادث السير في تلك المنطقة، وعلى ما يبدو لن يكون الأخير. شمص ما كان وحده في ذلك الحادث المفجع، بل كان رفقة موظّفين في دائرة التنمية الريفيّة في مصلحة زراعة بعلبك- الهرمل، أصيبا معه في أثناء عودتهم من دورة تدريبيّة حينما وقع الحادث، بين منطقة الجماليّة- مقنة، وهما حارسا الأحراج مصطفى علّوه وحسين مرتضى.

قبل ذلك، ومنذ نحو شهر، وقع حادث سير عند مفترق بلدة شعت، بين شاحنة وجرّار زراعيّ أودى بحياة أحد الأشخاص من آل صوّان. وفي تشرين الثاني/ نوڤمبر الماضي قضى آمر مركز أمن عام القاع الحدوديّ الرائد روجيه جريج على الطريق الدوليّة الذي يربط البقاع بحمص السوريّة. وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أيضًا وقع حادث سير على الطريق الدوليّة في محلّة دورس في منتصف الليل بين أربع سيارات، أودى بحياة شخصين، وإصابة تسعة أشخاص آخرين بجروح.

“طريق الموت”

“إنّه طريق الموت”. هكذا يسمّونه أبناء منطقة بعلبك، وهو يصلح لأن يكون اسم فيلم سينمائيّ أو عنوان آخر “أكشن” للتشويق، لكنّ الحقيقة المؤلمة أنّه صار اسمًا للطريق الدوليّة التي تمتدّ من رياق حتّى بلدة القاع على الحدود اللبنانيّة السوريّة، ويبلغ طولها نحو 75 كيلومترًا. لم يُطلق على الطريق تلك التسمية عبثًا، بل لأنّ الموت يتربّص بالعابرين عند مفترقاتها، سواء في سيّاراتهم أو على أقدامهم، بسبب حوادث السير المتكرّرة، حيث اصطلح على تسمية تلك المفترقات أخيرًا “النقاط السوداء”.

مفترق بلدة شعت

أسباب كثيرة لحوادث السير والموت الناتج عنها، منها افتقاد الطرقات العامّة والأتوسترادات إلى الحدّ الأدنى من معايير السلامة العامّة المروريّة، ومنها عدم الصيانة والإرشادات ولافتات التحذير، ومنها السرعة الجنونيّة وعدم التقيّد بالقانون، ومنها استسهال المخالفات وعدم خضوع الآليّات بمختلف أنواعها للمعاينة الميكانيكيّة، وكثير من الأسباب غيرها، لكن العيوب الكثيرة التي تعتري الطريق المؤدّية إلى الداخل السوريّ، يجب التوقّف عندها لما فيها من ثغرات عديدة تؤدّي إلى تفاقم حوادث السير وسقوط ضحايا.

مفترقات النقاط السوداء

تنتشر نقاط كثيرة على طول الأوتوستراد الدوليّ، الذي يبدأ من محافظة البقاع، وامتدادًا إلى محافظة بعلبك الهرمل، هي عبارة عن مفترقات طرق، منها فرعي ومنها مداخل تفضي إلى بلدات، لكنّها في الحقيقة وبسبب حوادث السير فيها وحولها تحوّلت إلى “نقاط سوداء”.

هذه النقاط وبحسب مفرزة سير بعلبك لـ”مناطق نت” تبدأ من تقاطع مفرق سرعين المسلك الشرقيّ، تقاطع النبي شيت مفرق البساتين، مفرق النبي شيت ضهور العيرون، مستديرة الحلّانيّة، تقاطع بريتال، مفرق ومستديرة مجدلون، تقاطع مستشفى دار الأمل الجامعيّ، مفرق عدوس، مفرق طريق بوداي الجديد، مفرق إيعات، محلّة الكيّال مقابل حسينيّة آل دياب (عدد الفتحات ثلاث وهي غير قانونيّة)، محلّة الكيّال مقابل محطة وسام جعفر، مفرق مقنة، مفرق الكنيسة، مفرق النبي عثمان، مفرق رأس بعلبك، وهذه المفترقات على طول الطريق الدوليّة وخصوصًا الفرعية من الجهتين الشرقيّة والغربيّة، هي نقاط خطرة، تسبّب حوادث السير، وذلك بسبب قرب المنازل من الطريق نتيجة التعدّيات العمرانيّة، الأمر الذي يشكّل مخاطر مؤكّدة.

تنتشر نقاط كثيرة على طول الأوتوستراد الدوليّ، الذي يبدأ من محافظة البقاع، وامتدادًا إلى محافظة بعلبك الهرمل، هي عبارة عن مفترقات طرق، لكنّها في الحقيقة وبسبب حوادث السير تحوّلت إلى “نقاط سوداء”

عن أبرز ما أصبح يُطلق عليه “النقاط السوداء” يقول مدير الأكّاديميّة اللبنانيّة الدوليّة للسلامة المروريّة الأستاذ كامل إبراهيم لـ”مناطق نت” إنّه “إضافة إلى النقاط السابقة المذكورة، هناك مفرق شعت، منعطف الجمّالية، ساحة اللبوة – مفرق عرسال، محلّة اللبوة مقابل ثكنة الجيش، القاع- السهلات منطقة برية، محلّة الزيتون”.

تقاطع “دار الامل”

يعتبر تقاطع مستشفى دار الأمل الجامعيّ، الأخطر على الإطلاق، بحيث سجّل وبحسب إحصائيّات مفرزة سير بعلبك خلال السنوات الثلاث الماضية، الرقم الأكبر وهو 23 حادثًا نتج عنها 16 جريحًا ومصابًا، تليه كل من محلّة الكيّال ومستديرة مجدلون ومفرق النبي شيت- ضهور العيرون، حيث سجّلت كلّ واحدة من هذه المفترقات نحو 14 حادثًا خلال السنوات الثلاث الأخيرة، سقط بنتيجتها ما بين 7 و16 جريحًا.

أسباب متشعّبة

أسباب عديدة تقف وراء حوادث السير على هذه المفترقات، منها وبحسب مفرزة سير بعلبك وجود أبنية تعيق الرؤية لدى السائق، ومنها طرق غير مكشوفة للسائقين، ومنها طرقات ضيّقة وبعض المطبّات الخطرة، ومنها غياب الإنارة على الطرقات وغياب الإشارات التوجيهيّة. ومنها أيضًا غياب جسور المشاة، وعدم وجود مستديرات. أمّا المطلوب فيقضي بوضع مطبّات في أماكن محدّدة وإزالة أخرى، توسعة الطريق في بعض الأماكن واستحداث أرصفة، إنارة الطريق، إنشاء حواجز وسطيّة، إقفال الفتحات غير القانونيّة.

مفترق مستشفى دار الأمل

مع الوقت شكّلت تلك الأماكن نقاطًا سوداء تتكرّر فيها حوادث السير بشكل دائم، مع الإشارة إلى أنّ الجهات المعنيّة قامت أخيرًا باستحداث مطبّات على طول الطريق الدوليّة حيث يلزم وضعها، الأمر الذي ساعد في تخفيف نسبة تلك الحوادث.

إحصائيّات وأرقام تقديريّة

حسب بعض الإحصائيات التي يقدّمها إبراهيم، على مدار ستّ سنوات، وتحديدًا من سنة 2016 إلى 2022، فإنّ محافظة بعلبك الهرمل سجّلت 1072 حادث اصطدام، نتج عنها سقوط 279 قتيلًا و1395 جريحًا.

ويضيف ابراهيم: “إنّ نسب ضحايا حوادث السير في المحافظة تتوزّع وفق الآتي: حوادث مشاة 22,80 بالمئة، جرحى وقتلى 43,01 بالمئة. حوادث السائقين 61,65 بالمئة جرحى، و37,99 بالمئة قتلى. حوادث درّاجات ناريّة 15,63 بالمئة جرحى و19 بالمئة قتلى.

بدورها تقول مفرزة سير بعلبك في إحصائيّاتها، إنّ حوادث السير على الأتوستراد الدوليّ فقط بلغت في العام 2021 نحو 70 حادثًا، وفي 2022 بلغت 49 حادثًا، وفي 2023 بلغت 63 حادثًا.

وبحسب مفرزة سير بعلبك، فإنّ نسبة الوفيّات نتيجة حوادث السير على الطريق الدوليّة تتفاوت بين عام وآخر حيث تتراوح بين 7و 10 أشخاص سنويًّا.

ختامًا لا يمكن حصر أسباب حوادث السير على الطريق الدوليّة بالطريق وعيوبها فقط، وافتقارها للمواصفات، ثمّة أسباب لا تقلّ فداحة عمّا يعتري الطريق من شوائب، وهي تلك المتعلّقة بالقيادة وسلوكيّاتها، والتي بدورها تعكس ثقافة الالتزام بالقانون وبالحيّز العام، ومنها احترام قوانين السير والالتزام بالسرعة وعدم القيادة عكس السير، والتزام المشاة بقطع الطريق عبر الجسور (في حال وجدت)، وهذا غالبًا لا يحصل على الطريق الدوليّة فيودي بحياة كثيرين لا ذنب لهم.

مفترق البزالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى