راشيا: آثار كثيرة وسياحة قليلة

زياد العسل

بالرغم من أن اسمها ارتبط بحكاية الاستقلال إلا أن الكثير من الناس في لبنان  لم يزوروا راشيا ولم يعرفوها إلا من خلال تلك الحكاية، فبقي اسمها مقيّداً بذلك الحدث الذي يقول بانتصار لبنان على المستعمر الفرنسي، ويؤرخ لحقبة جديدة من تاريخ لبنان. قد تكون الحكاية أنصفت راشيا من ناحية لكنها أهملتها من نواحي أخرى فبقي تاريخها وآثارها وتراثها الغني نسياً منسياً لم تلتفت إليه الدولة اللبنانية.

بعيداً عن حكاية الاستقلال هناك جانب مضيء لراشيا لا يقل أهمية عن تلك الحكاية، فالمدينة تتمتّع بموقع يكاد يكون الأهم في هذه المنطقة من الشرق، ألا وهي منطقة بلاد الشام وتحديداً مثلث لبنان وسوريا وفلسطين التي لعبت فيه راشيا دوراً كبيراً على المستوى الإجتماعي والإقتصادي في التاريخ الحديث.

لتسليط الضوء على موقع راشيا وتاريخها الغني تحدث الأمين العام للبيوتات الثفافية اللبنانية ورئيس جمعية محترف الفن التشكيلي في راشيا شوقي دلال لـ «مناطق نت» فقال: «الكثير من العملات القديمة تم اكتشافها في منطقة تدعى الفاقعة وهي تعود للعديد من الحضارات المتعاقبة» وهذا برأي دلال يدل على أن هذه المنطقة كانت ناشطة تجارياً بشكل كبير. يضيف دلال: «كانت هذه المنطقة إهراءات لفراعنة مصر حيث كانت تأتي البضائع من البحر المتوسط وتتجه إلى هنا، حيث كان يلعب وجود جبل حرمون وثلوجه وطقسه البارد دوراً مساعداً  في حفظ البضائع».

يتابع دلال: «نحن كجمعية محترف الفن التشكيلي في راشيا كنا حريصين منذ البداية على المحافظة على آثار هذه المدينة بوصفها صورة لثقافة أبناء هذه المنطقة، لذلك بادرنا إلى إطلاق مشروع لترميم العمارات التقليدية في راشيا والاهتمام بها، وذلك من خلال المشروع الوطني للحفاظ على العمارة التراثية في لبنان، وهو يؤدي عملياً إلى صون الثروة التراثية الثقافية بدءاً بترميم سوق راشيا الأثري وقلعة راشيا وذلك بالتعاون مع السيدة ليلى الصلح مروراً بالمعارض التي يتم تنظيمها بسوق راشيا ودعوة الناس لزيارتها وصولاً للأنشطة الدورية التي تهدف إلى تسليط الضوء على راشيا كنموذج تاريخي حيدت الدولة نفسها عنه وأهماته بشكل كبير.

يتابع دلال: «كل هذه المشاريع أثمرت وأدت إلى نتائج إيجابية جيدة وضعت راشيا على الخريطة السياحية اللبنانية والعالمية، وهو ما أكده لنا وفد من الملكية الثقافية الإيطالية، الذي قال إن الأنشطة التي نقوم بها وصل صداها الى أوروبا».

أنا راض عن دورنا يقول دلال ويتابع: «ما زال أمامنا الكثير لإيصال الصورة الحقيقية لهذه المنطقة».

من جهته أكد رئيس بلدية راشيا السابق زياد آغا العريان لـ «مناطق.نت» أن هذه المنطقة الغنية بتاريخها وأبنائها غنية أيضاً بآثارها، والدليل على ذلك وجود أكثر من مكان في مدينة راشيا يوجد فيه آثار من العهد الروماني، سواء في منطقة البيادر أو في جبل حرمون وغيرها. وتابع العريان: «في الفترة التي كنت فيها رئيسا للمجلس البلدي في راشيا كان هاجسي منذ اللحظة الأولى الحفاظ على السوق الأثري وقلعة الإستقلال لما يمثلانه من أهمية في الثقافة السياحية اللبنانية». وتحدث العريان عن الأطماع الإسرائيلية بآثار راشيا إبان فترة الاحتلال فقال: «ليس غريباً أطماع العدو الإسرائيلي في نهب آثارنا وما حدث في بلدتي عين حرشة وكامد اللوز دليل ساطع على ذلك».

ولدى سؤالنا عن دور وزارة الثقافة في الحفاظ على آثار راشيا أجاب العريان ساخراً: «الوزارة غائبة ولا علاقة لها بما يحدث هنا أو غير هنا. المطلوب اليوم الكشف عن الآثار في راشيا، لأن الكشف عنها هو كشف لوجوه جديدة من تاريخنا المضيء». وختم قائلاً: «يجب أن نعمل لكشف الصورة الحقيقة لراشيا. فراشيا هي نموذج  وطني يحاكي الإختلاف والتنوع والجمال».

التاريخ الأثري لمنطقة راشيا غني ومتنوع، يزيده غنىً وتنوع وجود جبل حرمون الذي يمتد تاريخه الى أكثر من 4000 سنة… هذا ما قاله الدكتور منير مهنا وهو أستاذ علم الإجتماع في الجامعة اللبنانية لـ مناطق نت وأضاف: «هذا الجبل الذي أعرِّفه بالأرشيف الأيكولوجي الكامل لمنطقة يتجاوز تاريخها لبنان ويمتد الى المشرق العربي». من هنا يقول مهنا أن ثمة صراع حول هوية هذا الجبل مع العدو الإسرائيلي، وخلال فترة الاحتلال بين أعوام 1982 و1985 حاول الاحتلال الاسرائلي السطو على مجموعة من الأماكن الأثرية، ومن أبرزها منطقة في بلدة عين عطا تسمى “تلة الشكارة” وهي تلة أثرية كان يوجد عليها معبد قديم حيث تم التنقيب فيها ونهبها بالكامل». يتابع مهنا: «تلة الشكارة تعود إلى إله الريح «إيشكور»، وفي الجهة المقابلة لعين عطا في أعالي مزرعة السماح (جب فرح)، يوجد منطقة أثرية تم التنقيب فيها، وعندما نقل الاحتلال ما وجده فيها، أقفل الطرقات لمدة ثلاثة أيام وكانت الشاحنات تنقل الآثار عبر طريق راشيا حاصبيا إلى متاحف إسرائيل». ويختم مهنا قائلاً : كل ذلك يندرج ضمن الصراع الحضاري مع اليهود عبر تزييف هويتنا الحقيقية، وهذا هدف دائم لهم وهو يبدأ بالآثار لأن الآثار هي الدليل القطعي على كل الحقائق التاريخية».

آثار راشيا وتراثها الغني شأنها شأن العديد من الأماكن الأثرية والتاريخية في لبنان مهمل ولم يُكشف النقاب عنها، وهي كانت ولا تزال عرضة للأطماع، لكن تبقى المبادرات الفردية وبالرغم من إمكانياتها المتواضعة علامة فارقة في عملية حفظ تراثنا الثمين الذي لم تدرك الدولة حتى الآن ولا القيمين عليها قيمته وأهميته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى