ريميال نعمة:المغترب ليس أموالا إنما حكاية وبرنامجي هو الأفضل
زهير دبس
بين الصحافة الميدانية وأقسام السياسة والاقتصاد والفن والأزياء والمجتمع تنقلت ريميال نعمة.. ومن المكتوب والمسموع إلى المرئي حيث حطت رحالها في الاغتراب… تتنقل ريميال بين انتشارٍ وآخر، وبينهما “إسكال” تحكي فيه قصص المهاجرين ليتحولوا معها إلى “لبنان بالدني”. تقدّم ريميال من خلال برنامجها الاغترابي على محطة “الأو تي في” مقاربة مختلفة لموضوع الاغتراب، تبتعد فيه عن الصورة النمطية السائدة عن الانتشار اللبناني بوصفه أموالاً وصوراً براقة، تدخل في عمقه بوصفه نجاحات وإخفاقات.. نوادر ومآسي..
“مناطق نت” التقت نعمة وسألتها: ماذا يعني أن تكوني إعلامية متخصصة في الشأن الاغترابي؟ تقول الاعلامية ريميال نعمة معدّة برنامج «إسكال» لبنان بالدني: «بدايتي في مجال الصحافة والاعلام لم تكن «إغترابية» لكنني جنحت إلى عالم الاغتراب منذ حوالى العشر سنوات. ويعني هذا أن تكون ملماً تماماً بالتجارب الاغترابية وحكاياها.. أن تكون شغوفاً بقضايا الناس التي تعيش في الخارج وبقصصهم، وهذا يتطلّب أن تمارس حرفية عالية في مقاربة تلك الحكايا التي يعيش أصحابها عالماً مغايراً عن الذي يعيشه المقيمون في وطنهم. فهناك لبنان آخر ينتشر خلف البحار، بتداعياته ونجاحاته وبمشاكله وصعوباته وأيضاً بصيغة عيشه الفريدة من نوعها».
تضيف نعمة: «لكن هذا اللبنان ليس واحداً في العالم فهو يختلف باختلاف المكان، وبقربه أو بعده جغرافياً عن الوطن الأم». التخصُّص بالشأن الاغترابي لا يعني أن لا يلمّ الاعلامي بقضايا أخرى، فأنا تقول نعمة أتيت إلى الاعلام الاغترابي من تجربة غنية واسعة أسهمت في تعزيز تجربتي في العمل الاغترابي وهذه التجربة تنوعت ما بين العمل الاذاعي والصحافة الورقية والمجلات والتلفزيون، وطاولت مجالات عديدة من الفن والسياسة إلى الثقافة والقضايا الأخرى، ومن خلال تلك التجارب استطعت تكوين مساحة خاصة بي.
عن الأحب إلى قلبها وأين تجد نفسها والسبب في اختيارها الاعلام الاغترابي للعمل فيه تقول نعمة «إنه تعويض عن خيبة أمل كبيرة من لبنان المقيم بسياساته الطائفية والمذهبية التي لم أجد لي مكاناً فيها، وهذا الاختيار لم يأتِ عن طريق الصدفة بل بقناعة فقد اتخذت قراراً بالهجرة قبل الدخول في معترك العمل الاغترابي، وهنا وجدت نفسي أكثر.. لبنان هنا يشبهني أكثر.. مبدع خلّاق ينسجم مع كل المجتمعات التي يعيش فيها.. اللبناني هنا مواطن صالح يشكل نموذجاً لي سواء من خلال طريقة تفكيره أو من خلال نمط حياته وطريقة عيشه».
الاغتراب صورة مكبّرة عن الوطن بتداعياته، لكن اللبناني في المغترب يلتزم بالقوانين ويحترمها، وهذا ينطبق على الأجيال المغتربة كافة التي رغم ذلك لكل منها مشاكله وحيثياته. وبالرغم من أن الأجيال اللبنانية التي وُلدت في المغتربات إندماجها تلقائي في المجتمعات التي تعيش فيها إلا أنها تعاني من جدلية الهوية. وهذا الجيل يحب لبنان ويبقى الأكثر دفئا في قلوبه.. ربما لأن صورة جميلة عن بلده ترتسم في مخيلته أو ربما الحكايا المتواترة التي تزيد الوطن الأم تألقاً».
اللبنانيون ليسوا واحداً في العالم تقول نعمة وتضيف: «فهم في ديترويت ليسوا أنفسهم في أستراليا أو في سلطنة عُمان أو أي مكان آخر، لكن الذي يجمعهم أنهم بناؤون، معمّرون وناجحون وهم الأكثر تأقلماً واندماجاً بين الجاليات في المجتمعات التي يعيشون فيها».
هناك صورة نمطية زُرعت في الذاكرة الجمعية للبنانيين عن الاغتراب، وهذه الصورة تعني أن الاغتراب مرادف للمال، والمغترب هو عبارة عن أوراق نقدية. وفي هذا الإطار تقول نعمة «إن السلطة السياسية وبعض الإعلام هو المسؤول عن صناعة تلك الصورة المجتزأة والمشوّهة عن الاغتراب. فالانتقائية في تناول الموضوع الاغترابي عند بعض هذا الاعلام واختزاله في أشخاص متمولين لأسباب تجارية بحتة أفقد الموضوع الاغترابي الكثير من مضامينه، وهو ما أبتعد عنه تماماً في برنامجي الذي يقارب الموضوع من زاوية مختلفة. فأنا أسلّط الضوء على حكايات الهجرة وعلى مآسيها فهي من صنعت الناس في الكثير من الحكايا». تضيف ريميال: «برنامجي ليس حكراً على أصحاب الرساميل والأموال، وهؤلاء لا يختصرون حكايا الاغتراب.. برنامجي مضمونه الأساسي «إنساني» وهذا العنوان الذي أعمل وفقه قاله لي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي يتابع برنامجي عندما زرته في القصر الجمهوري».
بين البرامج الاغترابية التي تُعرض في العديد من المحطات التلفزيونية تقول نعمة: «البعد التجاري هو مسألة مشروعة لدى المحطات التي تعرض تلك البرامج وهذا حقها، لكني اخترت الأقل «تجارياً» من بينها، ووجدت رغبة عارمة لدى إدارة محطة الأو تي في لإنتاج برنامجي للأسباب التي ذكرتها، وهذا كان بالنسبة للإدارة حلماً تحقّق، وهذا فخرٌ لي بتحقيق هذا الحلم وفق أعلى المعايير».
في حلقة ديترويت تحدثت عما تعرّض له اللبنانيون بعد ١١ أيلول وعن القطاع التعليمي وعن إشكالية الهوية والانتماء وعما يطلبه المغتربون من وطنهم الأم». تتابع نعمة: «في برنامجي فقرات غير موجودة في البرامج الأخرى منها «كيف صرت هون» و«كيف صرت هيك» وهذه الفقرة تروي كيف غيّرت الحرب في لبنان أقدار الناس ورمتهم على أرصفة الغربة.. الاغتراب ليس أموالاً فقط بل هو معاناة أيضاً. وفي إحدى الحلقات أستطيع القول إنها كانت من دموع.. هي التي تحدثت عما حصل مع هؤلاء».
ماذا بقي من لبنان لدى أبنائه المغتربين؟ تجيب نعمة: «أقول بكل صراحة، إنه بالرغم من وجود مساحة للبنان في قلب كل لبناني، لكن هذه المساحة لم تكفِ لعودتهم إليه ليعيشوا فيه. وهو تحوّل إلى «وطن» الاجازات يمضونها في ربوعه ليس أكثر. لبنان لم يستطع أن يتحوّل إلى وطن نهائي لأبنائه، بقي قاصراً عن ذلك الشعار بسبب نظامه الطائفي والسياسي وانعدام الخدمات فيه.. فاللبنانيون في الخارج يطمحون لأن يشبه وطنهم الأم الأوطان التي يعيشون فيها، وطن علماني يسود فيه القانون».
لبنان ليس وطن.. إنه أسلوب عيش، لكن هذا لا يمنع أن يتمتع أبناؤه المغتربون بمنسوب عالٍ من المواطنة وهذا ما تلمسه عند لقائهم في مغترباتهم، حيث تشعر أيضاً أنهم يشكلون قيمة مضافة في المجتمعات التي حلّوا فيها.
عن الأمكنة التي تركت أثراً مميزاً لديها تقول ريميال: «لكل مكان خصوصيته، ولكل بلد من الـ ١٦ الذين زرتهم هناك حكايا تختلف عن غيرها وجميعهم تركوا أثراً في داخلي».
بموضوعية تقول ريميال إن برنامجها هو الأول و«ضرب» الرقم القياسي بين المرامج المشابهة، إن كان على الشاشة أم على «اليوتيوب» حيث يسجّل عشرات آلاف المشاهدة ويتابعه المغتربون بشغف.
بين المكتوب والمسموع والمرئي حيث تنقلت ريميال بينهم وعن الأحب إليها تقول إن المرئي هو الأهم لكنه مُتعب كثيراً. وعن إعدادها لبرنامجها ووضعها في الأو تي في تقول ريميال: «في «الأو تي في» أعامل كأميرة بين عائلتي وأهلي، وبرنامجي لا يخضع لإملاءات بل لنقاش حقيقي أبدي فيه وجهة نظري بكل حرية». عن فريق العمل تقول «أنا نصف فريق العمل (تضحك) وتتابع: «فريقنا متواضع لكنه منتج بفعالية». وعما إذا كان برنامجها الاغترابي له بطاقة مرور ذهبية في وزارة الخارجية كون التلفزيون يتبع الفريق السياسي ذاته تقول: «ليس لنا أي خصوصية ويتم التعامل معنا إسوة بجميع وسائل الإعلام، لكن البرنامج يفرض نفسه من خلال حرفيته ومن خلال». ووجهت نعمة تحية إلى الوزير جبران باسيل الديناميكي الذي يولي الانتشار اللبناني اهتماماً مميزاً.