زراعة الزعفران بقاعاً.. نجاح في الانتاج وصعوبة في التصريف
قبل العام ألفين لم يكن يصدق أحد أن زراعة الزعفران يمكن أن تجد لها موطئ زرع في لبنان. النبتة التي تمتزج ألوانها بين البنفسجي والزهري مخترقة بجمالها جدار القلب، هي نبتة توحي بزارعة الأمل وحب الحياة. المشهد الجميل يلاقي طيب الطعم، فيشكلان سيمفونية يوحي بها الإسم الذي عندما يحضر يحضر معه التاريخ والحوض الشرقي للمتوسط حيث الموطن والزرع والإنتاج. هذه النبتة التي شقت طريقها في الأراضي اللبنانية بدءًا من العام 2000 وكانت محطتها الأولى بلدة القاع في البقاع الشمالي على الحدود اللبنانية السورية، بدأت مسيرتها بـ 250 بصيلة لتنتهي بملايين البصيلات اليوم.
الزعفران الذي كان من الزراعات المطروحة كبدائل عن زراعة الحشيشة بدأ زراعتها خليل وهبه منذ العام 2000، وكانت تجربة فريدة من نوعها، حيث اكتفى وهبه حينها بزراعة مساحة مترين مربعين، لتبدأ بالتطور عاماً بعد عام وتزداد المساحة تدريجياً لتصل في العام الماضي إلى 8000 متر أي حوالي 8 دنمات.
يوسف وهبه، الذي انتقلت الزراعة إليه من خلال والده خليل تحدث لـ “مناطق نت” من أنه قام بزيادة المساحة المزروعة إلى 11000 مترًا، موضحاً أن زراعة الزعفران هي زراعة خريفية تُزرع في أيلول وتعتمد على مياه الأمطار وتزهر ويحين قطافها في تشرين.
التصريف مشكلة المشاكل
حاله حال كل الزراعات في البقاع، فإن تصريف الإنتاج شكّل التحدي الأكبر لزراعة الزعفران. وفي هذا الصدد يقول وهبه إنه في بداية المشروع كان التسويق في غاية الصعوبة، لا سيما وأن الزعفران المستورد كان يسجل أسعارًا أقل من الزعفران اللبناني، بالإضافة إلى أن هذا الأخير كان لا يزال غير معروفاً من قبل اللبنانيين، وكانوا لا يصدقون وجود زعفران في لبنان. مضيفاً أنهم كانوا يتهمونه بأنه يستورد الزعفران من إيران ويبيعه على أنه لبناني.
عدا عن مشاكل تصريف الانتاج، كان للأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان الأثر البالغ على زراعة الزعفران. إذ ما أن بدأت الزراعة بالانتشار والناس بدأت بالتعرف على الانتاج اللبناني، حتى بدأ تحدٍ جديد تمثّل بغلاء الأسعار. وفي هذا الإطار يقول وهبه “التحديات اليوم تكمن في غلاء أسعار الزعفران”، متمنياً أن يعود السعر كما كان عليه سابقاً ليصبح بمتناول الجميع لأن ذلك من شأنه أن يحقق أرباحاً للمزارعين من جهة، ويتوفر للناس الذين يرغبون في تجربته من جهة أخرى.
غلاء الأسعار انعكس بحسب وهبه على الطلب الذي انخفض إلى مستويات قياسية قاربت التسعين في المئة، فالذي كان يطلب 10 غرامات، أصبح اليوم عندما يعرف السعر يكتفي بغرام واحد.
عن الأسواق التي يتم فيها تصريف إنتاج الزعفران اللبناني يقول وهبه “يتم تصريف الإنتاج في الوقت الحالي محلياً، لا سيما بعد إقفال الأسواق العالمية وغلاء الدولار والكورونا، وبالتالي توقف استيراد الزعفران من إيران والخارج. ولفت وهبه إلى أنه خلال الأزمة الأخيرة قامت العديد من المحال والمؤسسات التجارية التي تعمل حصرياً في مجال المونة وكل المنتوجات اللبنانية، بعرض الزعفران الذي ننتجه نحن في بلدة القاع، بالإضافة إلى العديد من المطاعم.
الإنتاج
يُعتبر الزعفران من المنتوجات الباهظة الثمن كونه كان لفترة ليست بعيدة يتم استيراده من الخارج. اليوم أصبحت الزراعة موجودة في لبنان بشكل عام وفي البقاع بشكل خاص، وبات بإمكان اللبناني الحصول على الزعفران اللبناني الذي يُباع غرامه بحوالي 3 دولارات أي ما يساوي اليوم 80 ألفاً. وقد طال الغلاء أيضاً الزعفران فقد كان في السابق يُباع الغرام الواحد منه بحدود 10 إلى 15 دولاراً أي حوالى الـ 25 ألفاً.
دقيقٌ هو العمل لإنتاج الزعفران حيث يتم قطفه وتنقية الشعيرات الحمراء التي بداخلها وفصلها عن الزهرة ومن ثم تجفيفها، وهي تحتاج إلى أيدٍ عاملة، يقول وهبه أن كل دونم يحتاج إلى 10 عمال من أجل القطاف، والعامل يبلغ أجره اليومي خمسون ألفاً، أما بالنسبة للتعشيب فيضيف وهبه أنه في فترة الصيف، وبينما تكون البصيلة تحت التراب على عمق 10 إلى 15 سم يتم حرق العشب، وفي بداية الخريف يتم تعشيبها في حال نما العشب من جديد، وهو لا ينمو إلا فيما نذر.
تشجيع لزراعة الزعفران
بعد سنوات على البدء بزراعتها، لم تعد زراعة الزعفران تقتصر على بلدة القاع، بل امتدت إلى مشاريع كبيرة في العديد من المناطق، في الهرمل وحزين والفاعور ومشاريع صغيرة في مناطق مختلفة من البقاع. ويعود الفضل في ذلك لوهبه الذي عمل على تشجيع المزارعين وكل من يرغب بزراعته، من خلال بيعه البصيلات بأسعار مخفّضة ورمزية مع العلم أن أسعار البصيلات باهظة الثمن ولكن لتشجيعهم على أمل أن يُوفّق مزارع من هؤلاء المزارعين بفتح أسواق في الخارج، أو إنشاء تعاونية لمزارعي الزعفران.
يتأسف وهبه من أن بعض المزارعين الذين كان يبيعهم بصيلات الزعفران بأسعار مخفضة ورمزية لتشجيعهم، استغلوا ذلك ولجأوا لبيعها بأسعار مرتفعة، لذلك أصبح يبيعها مؤخراً كما أسعار السوق، وبالتالي حرموا جزءاً من المزارعين من الاستفادة.
زراعة الزعفران في تطور مستمر وعدد المزارعين كذلك. تحديات كثيرة تعترض تطور الزراعة أبرزها استيعاب السوق اللبناني لحجم الانتاج، وأيضاً إيجاد أسواق جديدة في حال فاض الإنتاج عن ذلك. لكن يبقى التحدي الأكبر هو حضانة الوزارة المعنية لزراعة الزعفران وهل ستقوم بالدور المنوط بها في تشجيع المزارعين أم سيذهب تعب وهبه وغيره هباءً منثوراً؟!