زعاطيطي: لبنان لن يتصحّر والسدود لسرقة المال العام ومشاكل المياه من فساد الإدارة

زهير دبس

 

باكراً أقفلت السماء أبوابها أمام الأمطار هذا العام حيث سجلت نسبة المتساقطات أرقاماً متدنية جداً بقيت بعيدة عن المعدل السنوي المطلوب، مما ينذر بأزمة مياه قاسية سنشهدها هذا الصيف، لا زالت معالجتها بعيدة عن أذهان المسؤولين المنشغلين في الانتخابات التي غطى غبارها على كل ما عداه من مشاكل تطاول حياة الناس. وعلى طريقته في مقاربة الأمور المعيشية والبيئية انفرد النائب جنبلاط بتسليط الضوء على المشكلة القائمة حيث قال في تغريدة له على التويتر «الى انه يبدو اننا سنواجه ايام جفاف قاسية وغير مسبوقة، موضحا «أنهم يريدون استئجار بواخر تحلية مياه مثل البوارج الكهربائية التركية، ويقال انه نفس الوكيل “ض ن ب او DONB corporation”، وبالمناسبة العداد ماشي».

والسؤال الأبرز الذي يُطرح في موضوع مشكلة المياه؟ وهو هل بزيادة المتساقطات من الأمطار تُحل المشكلة؟ الجواب يُحال إلى السنوات المطرية السابقة والجيدة التي وبالرغم من تدفق خيراتها إلا أنها لم تستطع أن تُبدّل في الواقع المزري الذي يدفع المواطن كلفته سنوياً من خلال دفعه فاتورتي مياه إضافة للفواتير المزدوجة الأخرى، فيما مياه الأمطار والأنهر تذهب سدى من دون الاستفادة منها سواء من خلال التجميع أم من خلال مجاري الأنهر خصوصاً الليطاني الذي تلوّثت مياهه ولم تعد صالحة حتى للري.

«مناطق نت» سلطت الضوء على هذا الملف الحيوي وحاورت الاختصاصي والخبير في علوم المياه الجوفية، الدكتور سمير زعاطيطي الذي تساءل قائلاً « حتى لو كانت نسبة الامطار جيدة  هذا العام،  هل يمكنها حل مشكلة المياه! التحدث عن الموضوع من خلفية علمية يختلف كلياً عن غير ذلك، وبناءً عليه لا تقاس السنة المطرية وحدها دون السنوات السابقة ويُبنى عليها المؤشرات، بل على مدى سنين طويلة. وفي هذا الإطار فإن الدراسة التي قامت بها الجامعة الأميركية في بيروت والتي تمتلك مرصداً للأمطار منذ 130 سنة وأجرت الدراسة على الـ ٥٥ سنة الفائتة، تُفيد أن هذه السنة الشحيحة هي سنة طبيعية ضمن الترتيب، وهي عادية مرَّ مثلها الكثير».

عن موضوع التصحر الذي يزحف إلى لبنان ويطالعنا به الكثير من الخبراء يقول د. زعاطيطي «أيضاً فلنتكلم علم، في لبنان لا يوجد تصحر، فالتصحر هو رمال تدخل على المدن، لكن في لبنان أين هي الصحراء». يتابع د. زعاطيطي «أحيل هذا الأمر إلى الدكتور وجدي نجم وهوعميد سابق لكلية الهندسة في الجامعة اليسوعية  والذي قال في محاضرة ألقاها في نقابة المهندسين فرع ضبية،  بحضور خبراء اتراك، فرنسيين ويونانيين «لقد قمت بدراسة المناخ في لبنان واعتمدت فيها على أمرين: الحرارة والأمطار لـ ٥٥ سنة ماضية ودرست التغيّرات المناخية التي بيّنت أن  الامطار لا زالت ضمن معدلها العام، فهناك سنوات مطرية شحيحة وسنوات جيدة ولا يوجد تبدُّلاً جذرياً في ذلك والدليل على أن شتاء الـ ٢٠١٢ تخطى المعدل العام بنصف ضعف بينما الـ ٢٠١٤ كان شحيحاً جداً».

عن الحلول لمشكلة المياه يقول د. زعاطيطي إن السدود ليست الحل الأمثل لمشكلة المياه في لبنان، فطبيعته الجبلية الصخرية لا تصلح لبناء تلك السدود التي أثبتت التجارب فشلها وكلّفت الخزينة ملايين الدولارات». والحل كما يقول زعاطيطي هو في استخراج المياه الجوفية المتجددة سنوياً وموجودة في باطن الجغرافيا اللبنانية وهي أقل كلفة مادية وأكثر استدامة من السدود التي تُعتبر مياهها سطحية وعُرضة للتبخر والتلوُّث وباباً للسرقة والنهب. وتحدث زعاطيطي عن مشكلة خطيرة أصابت نبع جعيتا الذي يمول 70 إلى 80 % من مناطق بيروت الكبرى فقال إن تلوثاً جرثومياً قوياً أصاب نبع صغير قرب نبع جعيتا يدعى القشقوش لفترة ١٥ يوماً. على أثر ذلك كلف مجلس الانماء الاعمار ووزارة الطاقة ومصلحة مياه بيروت وجبل لبنان شركة المانية BGR تعنى بالمياه الجوفية، لدراسة حالته لأن الأمر خطير ويعني أن كل بيروت الكبرى تصبح من دون مياه. بقيت الشركة ثلاث سنوات تدرس وضع نبع جعيتا وأصدرت نتائج مهمة جداً وتوصيات لمصلحة مياه بيروت وجبل لبنان.

أهم هذه التوصيات والقرارات للشركة هي أن نبع جعيتا هو عبارة عن مياه تخرج من الصخر الى الخارج،  لكن في بعض الأحيان هذه المياه الخارجة تعود الى الداخل، والسبب في ذلك أن المجرى الذي تخرج منه المياه ليس محصوراً جيداً والمطلوب تسليك هذا المجرى كي لا تعود المياه الى الداخل، وهذا أمر سهل وبسيط ويساهم في تنظيف المجرى.

التوصية الأخرى التي رفعتها الشركة الألمانية وتساهم في تخفيف أزمة المياه عن العاصمة هو النفق الواصل بين نبع جعيتا ومعمل ضبية، والذي يبدّد أكثر من ثلاثين في المئة من المياه تذهب هدراً في قلب النفق وهو قديم. التوصية الثالثة كانت باقامة نفق أكبر يمكنه إيصال من ٧ إلى ٨ متر مكعب بالثانية لمعمل ضبية، بدل النفق القديم الحالي الذي يعطي فقط ٣،١ متر مكعب بالثانية. إضافة لذلك تعتبر قدرة معمل ضبية محدودة لجهة معالجة كمية المياه التي تصله، فهو يحتاج لامكانيات ومعدات حتى يطور عمله، ويستطيع معالجة كميات أكبر من المياه خصوصاً في فصلي الربيع والشتاء من أجل أن تصل هذه الكميات إلى الناس.

أيضاً اقترحت الشركة إقامة سد بسعة ٩ مليون متر مكعب في منطقة قريبة من جعيتا أرضها مناسبة جيولوجياً ، يكون بمثابة خزان احتياط مائي لاستعماله في آخر فصل الصيف. يضيف د. زعاطيطي «الألمان أوصوا أيضاً بعدم إقامة «سد جنة» لأن جعيتا يتغذى من نهر ابراهيم، الأمر الذي سيؤثر على تغذية جعيتا، لكن بكل أسف فإن اقتراحات الشركة الألمانية التي بقيت تدرس حل مشكلة المياه لبيروت مدة ثلاث سنوات وكلفت الدولة اللبنانية مبالغ مائية رُفضت ولم يُؤخذ بها والسبب هو في السياسة المائية التي تعتمد السدود وأثبتت فشلها حتى الآن في الوصول إلى حلول لمشكلة المياه التي يعاني منها اللبنانيون.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى