سكّة الحرّاث علي شعيتو تُقلّب الأرض الطيّبة رغم ظروف الحرب
يؤثر المزارعون في مناطق الأرياف، لا سيّما في المنطقة الحدوديّة من جنوب لبنان، فلاحة حقولهم على الفدّان، أيّ على سكّة تجرّها بقرتان أو دواب أخرى، وخصوصاً في الحقول التي لا تصل إليها آلات الحراثة الحديثة. بيد أنّ حرفة الفلاحة هذه تراجعت حتّى كادت تصبح نادرة مع تطوّر التكنولوجيا والاعتماد على الجرّارات الزراعيّة في حرث الأراضي والحقول، إذ إنّ عائلات كثيرة لمّا تزل تعتاش من هذا القطاع.
لم يغادر الحرّاث والمزارع علي حسين شعيتو، ابن بلدة الطّيري، والبالغ من العمر سبعة وخمسين عامًا، حرفته في حراثة الأرض على السكّة القديمة، التي يجرّها حصان اقتناه لهذه الغاية، “نظرًا لعدم إمكانيّة اقتناء زوج من البقر للقيام بهذه المهمّة التي تكاد لا تغطّي تكاليفها” يقول شعيتو؛ مع العلم أنّ الأحصنة والبغال هي الأخرى باتت من الدوابّ النادرة التي كانت تعجّ بها القرى قديمًا.
أمضى شعيتو أكثر من عشر سنوات يحرث الأرض، ويعمل فيها، ويقلّب ترابها ويرويها “بدمه”. لكن، في فترة التصعيد الإسرائيليّ على المناطق الجنوبيّة الحدوديّة، التي امتدّت أكثر من شهر ونصف الشهر تراجعت كثيرًا حرفة شعيتو.
ويؤكّد “أنّ الوضع المستجدّ أثّر بشكل كبير على الموسم”. وفي حديث لـ”مناطق نت”، يشير إلى أنّه يقوم عادة بحراثة حقول القرية والقرى المجاورة بواسطة السكّة والحصان، “إلّا أنّ عملي اليوم يقتصر على الحقول القريبة، وهذا نادر، خصوصًا أنّ معظم الحقول التي تحتاج للحراثة مفتوحة، ما يزيد الخطر على المتواجد في نطاقها”.
تصادف في هذه الأوقات من السنة، مواعيد الفلاحة الخريفيّة، التي تجري عادة مع بدء موسم المطر، وتساعد هذه الفلاحة في زيادة مقدرة التربة على تخزين كمّيّات كبيرة من مياه الأمطار في فصليّ الخريف والشتاء، للاستفادة منها في موسم الجفاف. وهي تؤمّن في الوقت عينه اختلاط الأسمدة العضويّة والكيميائيّة البطيئة الذوبان بالتربة. إلّا أنّ واقع الحال، جعل كلّ هذه الأعمال في حال توقّف قسريّ، فـ”النملة” مراقبة وعرضة للخطر في هذه الأيام، فكيف بمن يفلح الأرض ليبقى صامدًا فيها.
فضلًا عن شغل الحراثة، يقتني شعيتو قطيع ماشية يعتاش من خيراته. لكنّ الواقع الأمنيّ، “فرض عليّ حصره بجوار المنزل، خوفًا من الذهاب لرعيه في نقاط بعيدة، ما يزيد من احتمال إصابتي أو إصابة القطيع بأيّ أذىً، وهذا ليس احتمالًا بعيدًا”.
لقد أثّر الوضع القائم في زيادة التكاليف المفروضة على تغذية المواشي، وبدلًا من رعيها لعشب البراري المنتشر في الحقول المترامية، توجّب على أصحابها تغذيتها بالعلف فقط، وقد أضحت أسعاره مرتفعة جدًّا.
ربّما يكون كلّ هذا مقبولًا أمام الاحتمال الأصعب، وهو تصعيد الوضع الأمني أكثر فأكثر ليضفي قلقًا فوق قلق المزارعين ومربّي الماشية في المناطق الحدوديّة: كيف سينجون بمصادر رزقهم وسبب صمودهم، وربّما حياتهم من الكارثة الأعظم؟
تقول فيروز في مسرحيّة “جبال الصوّان”: “فرح معاولكن بالأرض، بشّرهن بهدم ابراجهن”. ولكي تبقى معاول مزارعي وفلّاحي الجنوب تضرب في أراضي هذه القرى الحدوديّة ليتفتّق الخير والثمر، ثمّة جهة يجب أن تمسّد لهم جراحهم وتعوّض عليهم خسائرهم، حينها سيبّشر الجميع بهدم أبراج تخاف من عبث دجاجة هنا، وراعٍ يسرح مع قطيعه هناك، وبقرة ترعى باطمئنان من عشب أراضيها. فمن سيبادر ويمدّ اليد سريعًا؟ سؤال تبقى إجابته رهن الأيّام المقبلة.