“سنابل” الرشيديّة فسحة ضوء للمسنّات والمسنّين
يسلك موسى الحاج موسى، أزقّة مخيّم الرشيديّة للّاجئين الفلسطينيّين، متوجّهًا من منزله، إلى “مركز سنابل لخدمة المسنّين”. موسى الذي تقاعد من العمل في وكالة الأونروا، قسم الخدمات، يقصد هذا المركز منذ أكثر من ثماني سنوات، لتجزية الوقت وقتل الفراغ والإستئناس بأصدقائه من جهة، وتناول وجبة طعام الغداء اليوميّة، التي يقدّمها المركز مجّانًا، إلى أكثر من ثلاثين مسنًّا، يحضرون مثله إلى مركز سنابل لرعاية المسنّين.
ومركز سنابل، الملاصق لمستشفى الهلال الأحمر الفلسطينيّ، في وسط مخيّم الرشيديّة، الواقع على شاطئ محميّة صور الطبيعيّة، لم يتعدَّ عمره عقدًا واحدًا من الزمن، إذ تأسّس من قلب حاجة المسنّين من أبناء الرشيديّة إلى حضن دافئ، في أكبر مخيّم فلسطينيّ في منطقة صور، وأقرب مخيّم جغرافيًّا، إلى فلسطين، التي تنزف دماء أبنائها في غزّة والضفّة، في مواجهة المحتلّ.
“سنابل” الرشيديّة الأهمّ في لبنان
يمثّل سنابل، بقعة ضوء ومساحة آمنة، فهو فريد من نوعه، في كلّ المخيّمات الرسميّة، التي يزيد عددها على 14 مخيّمًا، على كامل الأراضي اللبنانيّة، وهو واحد من المراكز القليلة جدًّا في لبنان عمومًا، نظرًا لطبيعة الخدمات التي يقدّمها، والتي ترقى إلى مستويات اجتماعيّة متقدّمة، تحاكي متطلّبات فئة المسنّين، وتتعدّاها إلى تعليم المسنّات على الأشغال اليدويّة وسواها من خدمات للأطفال، ذوي الاحتياجات الخاصّة.
أنشئ المركز المذكور بعد حصوله على أعلى نسبة تصويت من ضمن عدد من المشاريع المقترحة لتحسين مخيّم الرشيديّة، من قبل لجنة تحسين المخيّم، المشكّلة من اللجان الشعبيّة والأهليّة والمجتمع المحلّيّ، بدعم من البنك الألمانيّ للتنمية، ويتواجد ضمن منشأة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين، الأونروا.
توقّف التمويل الألمانيّ لهذا المشروع، بعد خمس سنوات من إطلاقه، لكنّ القيّمين عليه، بذلوا كلّ ما بوسعهم لاستمراره وتطويره، ليطاول فئات أخرى، مثل مرضى غسل الكلى، إذ يتكفّل المركز بنقلهم إلى مستشفى الهمشريّ في منطقة الميّة وميّة، شرقيّ مدينة صيدا. ويعمد المركز كذلك إلى تقديم نشرة يوميّة، يبثّها عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، لا سيّما “فايسبوك”، ويعرض للخدمات المقدّمة بشكل مفصّل وشفّاف.
الحلم الذي تحقّق
يصف مدير مركز سنابل أحمد فهد “أبو الذهب” عمليّة إنجاز هذا المشروع بالحلم، الذي طالما راود الكثيرين من أبناء المخيّم والناشطين فيه. ويقول لـ “مناطق نت”: “إنّ المركز يشكّل واحة ومتنفّسًا لمئات المسنّين من أبناء مخيّم الرشيديّة، إذ يقطنه أكثر من عشرين ألف لاجئ، وهو يلبّي احتياجات مهمّة، تبدأ بتأمين ملاذ آمن للمسنّات والمسنّين والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصّة، إلى جانب تقديمات نقديّة متواضعة إلى كثير من الحالات الاجتماعيّة والإنسانيّة المتعفّفة”.
ويشير فهد، إلى “وجود فريق من العاملين في المركز، يتولّى قسم منه، توصيل 122 وجبة غداء لمسنّين إلى منازلهم، بواسطة سيّارة “توك توك”، التي تتولّى كذلك نقل مسنّين من بيوتهم إلى المركز، ثمّ إعادتهم، بعد تناولهم وجبة الغداء وشرب الشاي والقهوة، وممارسة ألعاب مختلفة ومنها ورق اللعب “الشدّة” والزهر”، مشيرًا إلى “أنّ استمراريّة هذا المشروع الحيويّ، تقوم على كاهل الخيّرين من مغتربين ومقيمين من أبناء المخيّم وغيرهم من خارجه، سواء كانت تقديمات ماليّة أو عينيّة”.
وبحسب فهد يتولّى المركز “تأمين مستلزمات طبّيّة، عبارة عن فرشات مياه، وكراسٍ مدولبة وأجهزة تنفّس وأدوية للأمراض المزمنة للفئة المستهدفة من المشروع، وزيارات يوميّة للمسنّين في منازلهم، لإجراء فحوصات السكّريّ والضغط ونسبة الأوكسيجين وسحب عيّنات من الدم، وزيارات مماثلة للدعم النفسيّ”، واعدًا بإطلاق برنامج خاصّ لشهر رمضان، “يقوم المركز في خلاله بتقديم 250 وجبة إفطار يوميّة” .
إلى جانب هذه الخدمات، يفرد المركز حيّزًا خاصًّا للمسنّات، اللواتي يحضرن يومين في الأسبوع، لتعلّم مهارات، لا سيّما الأشغال اليدويّة، التي تتناسب مع قدراتهنّ، كذلك تخصيص برنامج للطبخ التراثيّ الفلسطينيّ واللبنانيّ والسوريّ، كون المسنّات، يحملن الجنسيّات الثلاث، وتخصيص أوقات للرحلات الخارجيّة.
البال في غزّة وفلسطين
تتولّى وفاء العريض، منذ بدايات إنشاء مركز سنابل لخدمة المسنّين، تعليم المسنّات الأشغال اليدويّة، التي تتناسب مع أعمارهنّ ومهاراتهنّ. تقول: “إنّ المركز هو بيتي الثاني، حيث أشعر بأهمّيّة ما أقدّمه من تعليم للمسنّات، اللواتي يحضرن بكلّ اندفاع ومواضبة، وإنجاز أشغالهنّ المختلفة” .
يفرد المركز حيّزًا خاصًّا للمسنّات، اللواتي يحضرن يومين في الأسبوع، لتعلّم مهارات، لا سيّما الأشغال اليدويّة، التي تتناسب مع قدراتهنّ، كذلك تخصيص برنامج للطبخ التراثيّ الفلسطينيّ واللبنانيّ والسوريّ.
وتؤكّد العريض لـ “مناطق نت” أنّ الأشغال المنفّذة “ترتبط بالمناسبات الوطنيّة والرمضانيّة، حيث يتمّ إنجاز سلال للحلويات”، مضيفة: “للأسف، إنّ الوضع هذا العام قاسٍ جدًّا، نتيجة ما يحدث على أرض فلسطين، لا سيّما في غزّة، من مجازر وعمليّات قتل وتدمير لكلّ نواحي الحياة، على يد العدو الإسرائيليّ المغتصب أرضنا” .
يبدأ المسنّون بالتوافد، إلى المركز، منذ الساعة العاشرة صباحًا، حيث يبدأ نهارهم، باحتساء الشاي والقهوة العربيّة، وتبادل أطراف الحديث في ما بينهم، لا سيّما حول ما يدور في وطنهم الأمّ، فلسطين .
بعد زواج أولاده الستّة، أصبح محمّد حمد وحيدًا في منزله إلى جانب زوجته. يأتي حمد، الذي تتحدّر عائلته من قرية فارة في قضاء صفد في فلسطين المحتلّة، على كرسيّ مدولب إلى المركز، ويمضي بداخله ساعات طويلة، إلى جانب آخرين، يعانون من نكبات الدهر، التي حلّت بهم .
يقول حمد: “أواضب على زيارة المركز، الذي يقدّم لنا خدمات مختلفة ومنها وجبة غداء، منذ أكثر من ثماني سنوات، حتّى أضحى المركز بيتنا الثاني”. ويتابع: “في هذه الأيّام، بالنا مشغول دائمًا على أهلنا في غزّة”، وهو الشعور والقلق عينهما عند زميله علي حسن عوض، لجهة ما يحصل في غزّة .
نموذج بيان يوميّ لـ”سنابل”
في نهاية الأسبوع العمليّ 2024. تمّ:
إقامة غداء خيريّ عن روح المرحوم الحاج سليمان خالد العقلة (أبو خالد).
نقل مرضى غسل الكلى إلى مستشفى الهمشريّ.
تقديم وجبات غداء لروّاد المركز من المسنّين.
توزيع 122 وجبة خارجيّة على مسنّين في بيوتهم.
زيارة 50 شخصًا من المسنّين والمسنّات لقياس مستوى الضغط والعلامات الحياتيّة.
تقديم 3 كراسٍ مدولبة و”ويكر”، من فاعلي الخير.
تعبئة قوارير غاز لغرض أشغال المطبخ، وشراء مواد تنظيف.