“شغل دياتي”… المرأة البقاعية في مواجهة الضائقة
خروج المرأة البقاعية على قواعد الجندرية، لم يعد خطابا لفظيا يتكرّم به خطيب ذكوري، أو حديث هامشي في الندوات والجلسات يُهمس به، كما لم يعد محاكاة للمرأة في المدينة، هناك تحوّل في النشاطات النسوية في المنطقة، ينتقل بالمرأة البقاعية من مرحلة التمكين إلى اكتساب الحقوق وتطوير موقعها ذاتيا وبالاعتماد على نفسها.
لا يعني هذا أن عملية التحول قد اكتملت، فهذه رحلتها طويلة وشاقة، لكن اتجاهات هذا التحول قد ارتسمت، من خلال مأسسة نشاطات المرأة البقاعية، وتحديد أهدافها، وإطلاق مبادرات خاصة بها، ليس لتحسين ظروفها وحسب، وإنما أيضا للإسهام في معالجة مشاكل مجتمعها وأزماته.
واللافت هو تمدد النشاطات النسوية إلى الريف البعلبكي من دون العبور بالمدينة. ففي الأرياف عادة، تضاعف العادات والتقاليد ونمط العيش من التمييز الاجتماعي بين المرأة والرجل لمصلحة الأخير. وأحيانا تسمح هذه العادات والتقاليد بالقفز عن حقوق للمرأة تقرها القوانين والأنظمة، ويتم السكوت عنها لأسباب تتصل بضعف أجهزة إنفاذ القانون في تطبيقها أو نتيجة عجز المرأة ماديا وثقافيا واجتماعيا.
مأسسة النشاطات النسوية
في العام 2018، اختارت الاستاذ الجامعية علوم عودة عنوانا جريئا لنشاط نسوي هو “حق أرث”، منعا لتغييب هذا الحق باسم العادات والتقاليد، فكانت البداية بالمجاهرة به عبر صفحات التواصل الإجتماعي كصوت عال ليصل إلى كل فئات المجتمع وطبقاته وتنوعاته الفكرية والثقافية بحسب ما قالت .
وتقول عودة عن حملتها هذه بأنها “إتسمت بالجرأة والقوة لاقت ردود أفعال متناقضة إلى حد كبير بين مؤيد ومعارض ومحايد وذلك تبعا”للعقلية والتربية والمصلحة لكل من وصله الصوت” .
واضافت انه وبعد ان “إختمرت الفكرة في أذهان المستهدفين بعنوان”حق أرث”، ترجمت بإطار قانوني والحصول على الرخصة القانونية مسبوقاً هذا بعملية تشبيك وتعارف مع الكثير من الجمعيات والناشطين والناشطات الإجتماعيين (ات) في هذا الإطار”.
لم تتوقف جمعية “حق أرث”، عند هذا النشاط فقط. بعد استفحال الضائقة الاقتصادية في البلد، اخذت على عاتقها التخفيف من حدة الضائقة على نساء المنطقة، وتقول عودة “قمنا بنشر التوعية والتوجيه عبر وسائل التواصل الإجتماعي لنؤسس لاحقا”صفحة بعنوان”شغل دياتي” هدفها تشجيع المرأة على العمل والإنتاج من خلال تصنيع المواد الغذائية والتموينية حيث إستطعنا بمدة وجيزة إستقطاب العديد من النساء وترجمة الهدف عمليا”.
وعن نتائج هذه المبادرة تقول “إستطاعت صفحة “شفل دياتي“أن تحقق إنجازات عدة إن من ناحية التواصل مع العشرات من النساء اللواتي رغبنا بالعمل مع “الجمعية”، او من ناحية قوة حركة الزبائن لشراء المنتجات الغذائية . ولقد توسع إطار المشاركة النسائية إلى العديد من القرى والبلدات البقاعية ك: الخضر، قصرنبا، تمنين، بدنايل بريتال وغيرها وذلك بعد أشهر قليلة من تأسيس الصفحة والحركة الدؤوبة لرئيسة الجمعية التي لا تتولى ، بمفردها جميع مسؤوليات الجمعية وأعمالها.
وعن النشاطات التي قامت بها الجمعية ولا تزال تقول الدكتورة عودة : لقد إستطعنا ، خلال سنة، ان نعرض صناعات النساء اللاتي شاركن بالعمل ، وان نبيع ،بأكثر من سبعين مليون ليرة لبنانية ، مونة بيتية وأشغالا” يدوية” حيث إستفادت اكثر من ستين سيدة من هذا المبلغ”.
وتحرص عودة على متابعة توضيب وحفظ انواع المونة البيتة من القطف وصولا”إلى التعبئة ” مرورا بالتصنيع والإعداد، لأن “السلامة الصحية وحماية المنتج من الفساد والتلف اولوية لدينا لأننا نهدف إلى الجودة والنوعية لتكون منتجاتنا إسما”على مسمى؛ مونة بيتية.”.
اما عن انواع المونة الغذائية التي يتم تصنيعها فهي: الكشك، المربيات ، المخللات، الحمص، الذرة، الزبيب، اللوز ، الجوز، المكدوس، ورق العنب وغيرها.
وقالت “حاليا نعمل على إعداد وتدريب عدد من النساء على كيفية التصنيع الغذائي من خلال دورات تدريبية تقدمها “جمعية الدراسات والتدريب” في بلدة بدنايل ، وذلك من أجل تأهيل أكبر عدد ممكن من السيدات في هذا المجال بغية إتاحة الفرصة امامهن للمشاركة في الإنتاج الإقتصادي على صعيد أسرهن”.
وتضيف “وبما أن هذا الفصل هو فصل المونة وتوافر المواد الغذائية الخاصة بذلك فإن فرص البيع من الإنتاج النسائي متاحة ، لذلك نحث النساء على زيادة الإنتاج مع الحرص على السرعة لكن ضمن المحافظة على شروط الجودة والتميز، حيث أصبح لدينا زبائن من مختلف المناطق اللبنانية، وهم يأتون إلينا للشراء بعد ان خضعت منتجاتنا لتجربتهم ونالت أعجابهم..”
وأشارت عودة إلى حركة بيع المنتجات الغذائية آخذة بالتصاعد.”فالطلبات يومية، وهذا مصدر يبشر بالخير وبنجاح هدفنا…” كما لفتت إلى صناعات أخرى تقوم بها بعض نسوة المنطقة كالحرف اليدوية”ونحن نتولى عرضها وبيعها لتكون منتجا جديدا يضاف إلى الحركة الإقتصادية للمرأة البقاعية ما يساعدها على بلوغ استقلاليتها الاقتصادية”.
عوائق أمام “النسوية البقاعية”
تسعى عودة إلى التواصل مع جمعيات محلية وخارجية من أجل تمويل مشاريع إنتاجية أخرى ” تكون المرأة البقاعية فيها هي العنصر الأساس لتوسيع دائرة خياراتها الإنتاجية، وإعطائها مساحة كافية للعب دورها الإقتصادي .”لدينا خطط
وأفكار كثيرة تنقصها تأمين الإمكانات المالية ، وكلها تصب في صلب دور المرأة وبالتالي تكون في خدمة الأسرة وتوفير حيز واسع لها لرفع المستوى الحياتي للمجتمع”.
وعن الصعوبات التي تصادف نشاطات جمعيتها، تقول عودة “جمعيتنا حتى الآن تعاني من الإفتقار إلى المركز ومستلزماته وإحتياجاته. وكل ما نقوم به من أعمال في منزلي ، وذلك نظرا لعدم توفر الدعم المادي والمالي. لكننا مصممون على عدم اليأس، ونعمل بخطى ثابتة ضمن إمكاناتنا على أمل ان نحقق أهدافنا ونثبت وجودنا الدائم.”
وختمت بالقول: “إن هدفنا هو توسيع نطاق عمل الجمعية ليشمل المنطقة بكاملها سيما وان المرأة البقاعية الام او التي لا عمل لديها قادرة على العمل، ولديها مهارات متعددة وهي بحاجة إلى دعم وتوفير فرص الإنتاج لها ، يمكنها أن تضاعف من حضورها في ميدان العطاء…”.