صيّادو الأوزاعي يدفعون ثمن ردميّات ركام الضاحية

قام الصيّاد في ميناء الأوزاعي إبراهيم ياسين الخميس الماضي بـ “غطسة صيد على البارودة” كما كان يفعل عادة، فانطلق بمركبه ليصل إلى النقطة التي اعتاد الاصطياد فيها على بُعد تسعة كيلومترات من الشاطئ حيث يبلغ عمق المياه فيها نحو 45 مترًا، إلّا أنّه لم يتمكّن هذه المرّة من الصيد بسبب “حال مياه البحر المليئة بالغبار والأوساخ الناجمة من رمي مخلّفات الحرب والعدوان في الـ “كوستا براڤا”.

يؤكّد ياسين، في حديثه لـ “مناطق نت”، أنّ “رمي مخلّفات الحرب بدأ منذ نحو ثلاثة أسابيع، وحال البحر تتغيّر وفقًا للتيّارات المائيّة التي تحرّك الأوساخ فيه، وفي بعض الأحيان لا أتمكّن من رؤية حتّى أصبعي تحت الماء”.

توسعة مطمر كوستا براڤا

حال بحر الأوزاعي المتغيّر يأتي بعد الإجراء الذي اتّخذه مجلس الوزراء، في السابع من كانون الأول (ديسمبر) الماضي، بالموافقة على تكليف مجلس الإنماء والإعمار توسعة مطمر الغدير (كوستا براڤا) واستيعاب الردم الناتج عن الحرب والمتأتّي من ضاحية بيروت الجنوبيّة بشكل كبير.

مراكب صيد راسية في ميناء الأوزاعي المخصص للصيادين

يشكو ياسين من الحال التي وصل إليها صيّادو ميناء الأوزاعي الذي يضمّ نحو 150 مركبًا من بينهم 80 ترسو بشكل دائم، ويعمل على المركب الواحد من صيّادين اثنين إلى ثلاثة صيّادين. ويُشير إلى أنّ البحر القريب “في الوقت الحالي، لا سمك فيه، هو مفقود في المدى الذي نخرج إليه بشكل غير مسبوق، والرزق عم بيكون كتير قليل”، مضيفًا أنّ “المردود الماليّ لرحلة الصيد لا تتجاوز كلف مصاريف المازوت التي ننفقها في الرحلة”.

ويلفت ياسين إلى عدم وجود أيّ تواصل من قبل المسؤولين مع الصيّادين. ويرفض مقارنة الوضع الحالي من أعمال ردم مخلّفات الحرب، بما حصل في حرب العام 2006 إذ “إنّنا لم نتضرّر مثلما يحصل الآن، ففي حينه لم يلقوا الردم مباشرة في البحر وإنّما قاموا بإنشاء سدّ بحريّ (سنسول) ألقوا المخلفات في داخله”.

معاناة صيّادي ميناء الأوزاعي

من جانبه، يعتبر الصيّاد في الميناء نفسه، بسّام أوزعور، في حديث لـ “مناطق نت”، أنّ “تأثير ما يحدث اليوم من رمي مخلّفات الحرب الملوّثة في كوستا براڤا سيظهر على المدى الطويل، إذ إن كلّ ذلك سيؤدّي إلى تلويث محيطه”.

ويلفت أوزعور إلى أنّ “المساحة الباقية في مكبّ كوستا براڤا باتت صغيرة، وهذا ما سيدفعهم إلى توسعته باتّجاه البحر لاستيعاب الكمّيّات الإضافيّة”. ويرفض أوزعور مطالبة المسؤولين بأيّ شيء إذ “لا نفع من ذلك ولدينا سوابق في هذا الموضوع، ففي السابق رفض أحد مسؤولي المنطقة مكبّ النفايات رفضًا مطلقًا في حين جرى إنشاؤه على رغم هذا الرفض”.

ويلفت إلى أنّ “الصيّادين ممّن يعتمدون الصيد بالشبك، وعددهم كبير، يتكبّدون خسائر جرّاء تمزّق الشباك أو تلفها بسبب سحبها للنفايات عندما يكون التيّار البحريّ قويًّا، وهذا ما يؤدّي إلى إعاقة الصيد إذ تمتلئ الشباك بالنفايات التي تدخل إليها”.

حال أوزعور ليست أفضل من حال زميله الصيّاد حسين ياسين، بل إنّ معاناته أكبر كونه يعتمد الغطس والصيد بالبارودة. يلفت ياسين في حديثه لـ “مناطق نت” إلى “أنّهم عندما بدأوا برمي مخلّفات الحرب باتت المياه أكثر اتّساخًا ممّا يصعّب عملنا”، مضيفًا أنّ “كلّ ما يشهده البحر في هذه النقطة من موادّ سامّة وأوساخ أدّى إلى تضاؤل كمّيّة الأسماك”.

الصيّاد حسين ياسين: عندما بدأوا برمي مخلّفات الحرب باتت المياه أكثر اتّساخًا ممّا يصعّب عملنا”، مضيفًا أنّ “كلّ ما يشهده البحر في هذه النقطة من موادّ سامّة وأوساخ أدّى إلى تضاؤل كمّيّة الأسماك

ويجزم ياسين أنّ أكثر ما ألحق الضرر بصيّادي الأوزاعي هو “مكبّ النفايات وليس ردم مخلّفات الحرب، فمكبّ النفايات ينتج عنه انتقال النفايات إلى البحر وما يحمله ذلك من تأثيرات سلبيّة”. ويؤكّد غياب المسؤولين الذين “ما بيطّلعوا فينا” مستذكرًا ما حدث قبل أربع سنوات حينما أدّى تراكم الرمال في الميناء إلى تعطّل عمل الصيّادين لنحو ثلاثة أشهر “وعندما سحبوا هذه الرمال وباعوها لم يقم أحد بالتعويض علينا”.

سياسة حكوميّة خاطئة

من ناحيتها، ترفض النائب نجاة عون صليبا، في حديث لـ “مناطق نت”، الواقع الحاليّ إذ “لا ينبغي أن ينطلق تفكيرنا بمخلّفات الحرب على اعتبارها شيئًا يجب التخلّص منه بسرعة، بل يجب اعتباره موادّ أوّليّة يمكننا إعادة استخدامها”، مشيرةً إلى أنّ “أهمّيّة ذلك تكمن في أنّنا سنحتاج إلى بحص وباطون وغيرها من الموادّ، وبدلًا من أن نقوم بطحن الجبال عبر الكسّارات، يجب الاستفادة من مخلّفات الحرب واستخدام هذه الموادّ في هذا الجانب من خلال إعادة تدويرها وإنتاج حجارة أو بحص أو تعبيد الطرقات فيها”.

وتؤكّد صليبا أنّ “عدم الذهاب إلى هذا الخيار يعود إلى رغبة السلطة في إنجاز العمل بأسرع وقت وتحقيق الربح المادّيّ من دون الاكتراث إلى تأثيره على جميع المواطنين”، مضيفةً أنّ “مسؤولي الدولة متواطئون ولديهم أسهم بشركات الترابة والكسّارات وهذا ما يفسّر اتّخاذهم هذا الخيار”.

وتُذكّر صليبا بقرار مجلس الوزراء بعد انتهاء الحرب القاضي بـ “التمديد لعمل الكسّارات عامين، مع الإشارة إلى أنّ معامل الترابة والكسّارات لم تدفع أيّ مبلغ من المتوجّبات البيئيّة التي ينصّ عليها القانون والتي بلغت نحو ملياريّ دولار”.

الدمار في الضاحية

وتلفت صليبا إلى أنّ “ركام الحرب لا يتمّ فرزه ممّا سيضاعف من تأثيره على الحياة البحريّة وسيأثر سلبًا في الثروة السمكيّة، خصوصًا أنّ هذا الركام يحتوي على أدوات كهربائيّة وطاقة شمسيّة وبطّاريّات وغيرها من المخلّفات، وكلّ ذلك من شأنه أن ينعكس على نشاط الصيّاديين”.

تعهّد دولي بمراعاة الشروط البيئيّة

وتوضح صليبا أنّها سبق أن قدّمت إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي كتابًا مفصّلًا بالأضرار التي ستنجم عن ردم مخلّفات الحرب في البحر، والخطوات والقرارات التي يجب اتّخاذها، ومنها تخفيض الجمرك على استيراد الإسمنت وإعادة التدوير وخلق فرص عمل لفرز هذه النفايات ووضع ملحق بيئيّ بدفتر الشروط، ولكنّها لم تتلقَ أي ردّ.

بالإضافة إلى ذلك، توجّهت صليبا بهذا الكتاب إلى جميع الجهات المانحة الأجنبيّة ومن بينها البنك الدوليّ وطلبت إليهم عدم تمويل أيّ مشروع لا يراعي الشروط البيئيّة، وتلقّت وعدًا منهم بتحقيق ذلك.

أمّا عن مصادر الأموال التي تستخدمها الحكومة في رفع الركام، فتؤكّد صليبا أنّهم “يستخدمون مبلغًا قدره تسعة ملايين دولار من أموال الخزينة، إذ إنّ استخدام هذا المبلغ يحرّرهم من أيّ قيود بيئيّة أو غيرها من الجهات المانحة، ولا أعلم إن كان هذا المبلغ كافٍ لرفع كلّ الركام”. وتختم مشيرة إلى العوادم التي لا يمكن معالجتها، “والتي تؤكد الدراسات أنّه ينبغي طحنها واستخدامها لسدّ فجوات الأراضي التي خلّفتها الكسّارات في الجبال”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى