طلّاب الهندسة في الجامعة اللبنانية يحيون إرث شمسطار المعماريّ

في زحمة الحرب وتداعياتها الكارثيّة على البلد بشكل عام وعلى الأطراف بشكل خاص، ثمّة مشاريع هي بمثابة بارقة أمل، من أنّ هناك متّسعًا لمّا يزل قائمًا للمبادرات الإيجابيّة التي تشكّل علامة مضيئة في ظلام هذا البلد الذي يعيش أسوأ أيّامه.

لعلّ البرنامج الذي يقوم به فريق بحثيّ في قسم الهندسة المعماريّة في الجامعة اللبنانيّة، برئاسة المشرف على البرنامج الدكتور محمّد حبيب صادق واحدًا من تلك العلامات المضيئة، إذ يحاول انتزاع ما تبقّى من إرث قرى بعلبك المعماريّ من فم الإهمال قبل أن يلتهمه ويصبح في خبر كان.

تحت عنوان “الجامعة ومجتمعها”، أعدّ فريقٌ جامعيّ قوامه عديدٌ من الطّلاب والأساتذة من الفرعيْن الأوّل والرابع، في قسم الهندسة في الجامعة اللبنانيّة، دراسةً ميدانيّةً لتحديد المواقع والأماكن والمعالم والمنازل التاريخيّة والتراثيّة في بلدة شمسطار غربيّ بعلبك، بهدف ترميمها والمحافظة عليها، وذلك من خلال توقيع برتوكول للمشروع مع بلديّة شمسطار.

صورة عامة لشمسطار
طلّاب في الميدان

تأّلّف الفريق من المشرف، منسّق الطلاّب والتدريب المهنيّ الدكتور عاطف مشيمش ومديرة البرنامج المعماريّة ميساء زعيتر ومائتي طالبٍ وطالبةٍ من الجامعة اللبنانيّة. المشروع الذي جاء من البرنامج الشامل “الجامعة ومجتمعها” يهدف إلى تأمين ميدانٍ بحثيّ علميّ لطلاب الهندسة المعماريّة في الجامعة اللبنانيّة ليستطيع الطلاّب من خلاله التعاون مع قضايا الواقع والإطّلاع والعمل على معطياتٍ حقيقيّةٍ قائمةٍ، وذلك بالتشارك مع السلطة المحلّيّة من خلال برامجها التنمويّة، إلى جانب تأمين قاعدة بياناتٍ عَبر البعد الاجتماعيّ للجامعة اللبنانيّة في هذا البرنامج والدور الرياديّ للطلبة في فهم الواقع والتعاون معه.

كما أنّ هذا البرنامج إلى جانب قيمته العلميّة والمهنيّة والأكّاديميّة يمثّل فرصةً لإجماع طلبة لبنان على تراثهم كمرجعيّة مشترَكة يساهمون بتوثيقه وإعادة تأهيله.

أهداف البروتوكول

أمّا أهداف البروتوكول فهي:

– توثيق ودراسة المعالم التراثيّة والطبيعيّة وتحديد أولويّات التدخّل.
– تقديم الدراسات المعماريّة النموذجيّة لتأهيل نماذج من العمارة المحلّيّة والتاريخيّة.
– دارسة وتوثيق النسيج العمرانيّ المحلّيّ والتقليديّ وتقديم الاقتراحات للتأهيل الحضري.
– تأسيس قاعدة بياناتٍ تقنيّةٍ لإعادة إنتاج موادّ بناءٍ محلّيّةٍ بيئيّةٍ من خلال مختبر تجريبٍ.

لماذا اختيار شمسطار؟

وبما أنّ بلدة شمسطار البقاعيّة “تعدّ واحدةً من أهمّ وأكبر البلدات في قضاء بعلبك الهرمل كان لها الأولويّة في هذا البرنامج لتكون في برنامج “الجامعة ومجتمعها” حيث تتوافر فيها عناصر المشروع وأهدافه” كما يقول المشرف على المشروع الدكتور حبيب صادق لـ”مناطق نت”.

المشروع الذي جاء من البرنامج الشامل “الجامعة ومجتمعها” يهدف إلى تأمين ميدانٍ بحثيّ علميّ لطلاب الهندسة المعماريّة ليستطيع الطلاّب من خلاله التعاون مع قضايا الواقع والإطّلاع والعمل على معطياتٍ حقيقيّةٍ قائمةٍ

ويضيف:” إنّ فكرة إدراج شمسطار على لائحة البرنامج جاء عن طريق الصدفة حيث قمت بترميم منزل أحد الأصدقاء التراثيّ في البلدة والذي يعود تاريخ بنائه لأكثر من مائة سنةٍ، وذلك وفقًا للعمل الفنيّ التحديثيّ مع المحافظة على الطابع التاريخيّ فيه، فجاء نموذجاَ في الترميم ليطّلع عليه بعض المهتمّين ورئيس بلديّة شمسطار الذي طلب إليّ ان نُطلق مشروع تحديد المواقع والبيوت التاريخيّة والتراثيّة وترميمها وفق نمطِ تاريخيّ حضريّ”.

يتابع صادق: “ثمّ إنّني وجدت أنّ لشمسطار تاريخها المتنّوع وموقعها الجغرافيّ الاستراتيجيّ كأبرز بلدات منطقة بعلبك الهرمل سكّانيًّا وتراثيًّا وفيها من المعالم التاريخيّة ما يستحقّ دراسته والإضاءة عليه مع وجوب المحافظة على كلّ معلمِ أو موقعِ له ارتباطٌ بالتاريخ والتراث”.

مراحل تنفيذ البرنامج

أما عن مراحل تنفيذ البرنامج في شمسطار فيشير صادق إلى “أنّنا بدأنا، أوّلًا، بتحديد العمارة المحلّيّة وعملنا على توثيقها من خلال تقسيم الأدوار بحسب التحضيرات وآليات العمل، حيث توزّعنا عل مجموعاتٍ ضمن هيكليّةٍ من الطلّاب بمختلف سنوات دراستهم، وذلك بالتنسيق المستمرّ مع بلديّة البلدة، وقد أنجزنا النقاط التالية: تحديد 36 وحدةً سكنيةً ضمن نسيج البلدة القديم لتوثيق الأنماط والتقنيّات المعماريّة المحلّيّة”.

يستكمل صادق: “بعدها عملنا على رفع 24 وحدةً سكنيّةً ذات نمط تراثيّ محلّيّ وترتيب المعطيات الخاصّة بكلّ بيتٍ، من أجل قراءتها وتحليلها لاستنتاج الأنماط المعماريّة المرتبطة بالتصميم وتقنيّة البناء وموادّه لفتح أفقٍ أوسع حول دراسةٍ تطال البعد الاجتماعيّ للعمارة المحلّيّة في البلدة”.

ووفق صادق “فقد تمكّن فريق العمل من استنتاج أربعة أنماطٍ معماريّةٍ في قراءة أوّليّة جرت ضمن ورشة عمل لنهار ٍكاملٍ، وذلك بحضور عميد الكلّيّة والأساتذة المشرفين على البرنامج”.

أمّا عن المشاريع النموذجيّة “فقد جرى تحديد ستّ مواقع تاريخيّةٍ في وسط البلدة وفي أطرافها، وقد استطعنا حتّى الآن التدخّل على موقع عين ماءٍ تسمّى “عين حمدة” لابتكار حيّزٍ عامٍّ يحاكي التراث وخصوصيّة المكان بروح حداثيّة”.

المرحلة الأولى من ترميم “عين حمدة” في شمسطار
خطوات البرنامج اللاحقة

وعن الخطوات اللاحقة لاستكمال عمل البرنامج في شمسطار يؤكّد صادق “أنّ هناك معالم تاريخيّةً كـ”مغارة حمزة” و”المعاصر” سيجري التدخّل في طبيعتهما في مرحلةٍ مقبلة وذلك ريثما تتوافر الإمكانيّات المادّيّة واللوجستيّة، ما يتطلّب وقتًا ودراسةً لآليات وعناصر التنفيذ”.

ويختم صادق بأنّ “البرنامج يأتي في سياقٍ ومسارٍ طويليْن، وهدفه المحافظة على التاريخيّ والتراثيّ والطبيعيّ من معالم البلدة مع التحديث دون المساس بالجوهر من أجل توظيفه في خدمة مستقبل شمسطار السياحيّ والاقتصادي”.

أمّا رئيس بلدية شمسطار الحاج سهيل الحاج حسن فيقول لـ”مناطق نت”: “نحن رحّبنا بفكرة برنامج “الجامعة ومجتمعها” بعد أن لمسنا أهمّيّته في تأهيل أحد البيوت الأثريّة القديمة في البلدة، حيث جاء معبّرًا عن اهتمامه بالصناعة القديمة والمحافظة على التراث والمعالم الطبيعيّة الناطقة بالجمال والروعة”.

“مغارة حمزة” من ضمن المواقع الأثرية التي لحظها المشروع

ويضيف “لذلك وقّعنا بروتوكولًا هادفًا مع البرنامج لتحقيق هدف إظهار تاريخيّة البلدة على أن نكون بذلك شركاء متعاونين للوصول إلى ما يخدم مستقبل شمسطار على الصعد جميعها”.

وحول إنجازات البروتوكول حتّى اليوم، يشير الحاج حسن إلى “أنّ ما أنجز قليل قياسًا للمطلوب، فنحن نسعى للأكثر، ولقد استطعنا، في مدّة زمنيّة، رصد المواقع وقراءتها وهي جميعها تستحقّ الاهتمام والمتابعة، ومن أبرز ما أنجزناه هو معلم “عين حمدة” حيث أعدنا ترميمه مع إضافاتٍ حداثيّةٍ من روح التراث عليه وأصبحنا على مشارف النهايات”.

معوّقات استكمال المشروع

يؤكّد رئيس بلديّة شمسطار “أنّ مشروع البرنامج كبير ويحتاج إلى تمويلٍ ودعمٍ مادّيّ يفوق قدرة البلديّة التي تعاني من شُحّ ماليّ، وعدم القدرة على تنفيذ أدنى الخدمات في البلدة منذ الأزمة الاقتصاديّة الأخيرة، لذلك فإنّ الموضوع المادّيّ الضروريّ هو العائق الأوّل ومن دونه لا نستطيع السير في ما رسمناه”.

ويشير إلى “أنّنا سنتواصل مع جهاتٍ محلّيّةٍ ودوليّةٍ كجمعيّاتٍ ومؤسّساتٍ من أجل توفير التمويل اللازم لأنّ ما بدأناه يجب ألّا يتوقف عند مرحلةٍ محدّدةٍ، كونه مشروعًا مهمًّا يعني البلدة ومجتمعها، وماضيها ومستقبلها”.

ويختم مشدّدًا على وجوب المبادرة الشخصيّة من قبل القادرين على تقديم الدعم الماليّ من أبناء البلدة “لأنّ المشروع هو مشروع بلديٍّ محلّيٍّ وبالتالي هو مشروع وطنيٍّ يخصّ الوطن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى