عباس بشروش.. من التعليم المهني إلى الحقل وزراعة البطاطا
على وقع أصوات القذائف المتأتي من القرى الحدودية، وهدير الـ MK الذي يكاد لا يغادر سماء الجنوب، يجول إبن بلدة حبوش القريبة من النبطية عبّاس بشروش في حقله المزروع بالبطاطا، حاصداً الموسم بعد ثلاثة أشهر من زراعته. أما كيف انتقل الأستاذ بشروش من صفوف التدريس في المهنيّة إلى الحقل، فلذلك أمران الأول حبه للزراعة والثاني الأزمة الاقتصادية والإنهيار المالي اللذان عصفا بكل شيء ومنها رواتب الموظفين خصوصاً في القطاع العام، والتي تحوّلت بفعل الانهيار إلى أوراق نقدية بلا قيمة وبلا قدرة على سداد الحد الأدنى من متطلبات المعيشة. وهذا ما دفع بالأستاذ في التعليم المهني عباس بشروش إلى التوجه للزراعة وذلك لمواجهة أعباء الحياة، فبدأ مشروعه في مسقط رأسه حبّوش الجنوبيّة.
تنتشر زراعة البطاطا في البقاع والهرمل وعكّار وثمّة زراعات محدودة بين سهليّ الخيام والوزّاني (مرجعيون)، هكذا هي الزراعة في لبنان موزّعة بحسب المناطق والمناخ، فكلّ بلدة أو مجموعة قرى وأحيانًا كلّ قضاء أو محافظة يشتهر أو تشتهر بنوع محدّد من الزراعات، بيد أنّ بشروش أصرّ على أنّ البطاطا التي كانت تزرع يومًا ما، في سهل الميذنة (كفررمان- النبطية) لا بدّ من أن تستعيد مجدها وتنجح، فنجح هو وكذلك هي.
من أستاذ في التعليم المهني يدرّس المحاضرات المقرونة بالنظريّات والدلائل على طلّابه، إلى مزارع يحوّل كلّ ما لديه إلى يقين عمليّ، مستخدمًا العلم إلى جانب المعول، ليحصد تجربة يمكن أن تكون الأمل الوحيد المتبقّي في السعي إلى الوصول نحو اكتفاء ذاتيّ، في هذا الزمن الصعب.
من تجربة إلى مشروع هادف
منذ خمس سنوات، وتحديدًا في العام 2019، بدأ عبّاس بشروش بمشروع زراعة البطاطا في بلدته حبوش، “حيث كانت المساحة المزروعة صغيرة لا تتجاوز مائتي متر مربّع والبذار نحو أربعين كيلوغرامًا فقط. إلا أنّ الإنتاج الوفير ونجاح التجربة، جعلتني أضاعف المساحات التي أزرعها” يقول الأستاذ المزارع.
بشروش مدرّس حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال. وبسبب الأزمة الاقتصاديّة أوّلًا، وحبّ التجربة وشغفه بالزراعة الموروثة عن والده ثانيًا، “قرّرت المضيّ قدمًا في مشروعي غير المألوف في المنطقة. فمن يزرع البطاطا في الجنوب غالبًا ما يكون من أجل إشباع هوايته أو للإنتاج الشخصيّ، إلّا أنّ تجربتي كانت مختلفة، إذ أسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلّيّة. وكما هو معلوم، فإنّ زراعة البطاطا في لبنان تتركّز في البقاع والهرمل وعكّار بشكل أساس”.
بشروش مدرّس حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال. وبسبب الأزمة الاقتصاديّة أوّلًا، وحبّ التجربة وشغفه بالزراعة الموروثة عن والده ثانيًا، قرّر المضيّ قدمًا في مشروعه غير المألوف في المنطقة. فمن يزرع البطاطا في الجنوب غالبًا ما يكون من أجل إشباع هوايته أو للإنتاج الشخصيّ.
تطوّرت التجربة سريعًا، فأقدم هذا المزارع الجنوبيّ على زراعة أكثر من ألفيّ متر مربّع (دونمين) بنحو 400 كيلوغرام من البذار (البطاطا)، في سنوات قليلة. في حديثه لـ “مناطق نت”، يشير بشروش إلى “أنّني كنت في البداية أبحث عن زراعة بديلة، كون الزراعات الجنوبيّة محدودة ولا تتطوّر أو تزيد، إن كان على الصعيد الإنتاجيّ أو في ما يخصّ الأسعار، فاخترت البطاطا كونها من الزراعات الغذائية المطلوبة بإلحاح من الناس كافّة”.
في مشواره الزراعي، اكتسب خبرة كبيرة في مجال زراعة البطاطا، “لا سيّما بعد التواصل مع المزارعين والاطّلاع على البحوث الزراعيّة. بالإضافة إلى ذلك اعتمدت تقنيّات تتماشى مع الواقع الجنوبيّ، وخصوصًا بالنسبة للمياه، فاخترت الريّ بالتنقيط تماشيًا مع شحّ المياه في المنطقة. أمّا بالنسبة للتسميد، فاستخدمتُ السماد العضويّ، تخفيفًا للتكاليف واعتمادًا على موادّ صديقة للبيئة” بحسب بشروش.
إنتاج مشجّع لسوق متعطّشة
كان إنتاج المشروع مفاجئًا لبشروش، ما دفعه إلى زيادة المساحات المزروعة والكمّيّات. وقد استطاع أن يصرّف إنتاجه بكامله في الأسواق الجنوبيّة. وها أنّه يعمل اليوم على تحسين جودة إنتاجه، وزرع أنواع مختلفة من البطاطا التي تلبّي حاجات ورغبات جميع المستهلكين، “ذلك كلّه في سبيل الوصول إلى الإكتفاء الذاتيّ للسوق الجنوبيّة أوّلًا واللبنانيّة ثانيًا” يقول.
ويضيف: “أرغب في تشجيع مزارعي الجنوب على زراعة البطاطا بانواعها البلديّة والأجنبيّة كافّة، والسعي إلى تأليف تجمّع أو رابطة أو أيّ جمعيّة زراعيّة تعنى بشؤون زراعة وإنتاج وتسويق البطاطا، ودعم المزارعين على مختلف فئاتهم”.
يثبت بشروش من خلال تجربته، “أنّ التجربة وحدها هي المعيار الذي يفرّق بين النجاح والفشل، فالأحكام المسبقة التي يتّخذها البعض لم تفعل شيئًا سوى أنّها أغلقت أبوابًا كثيرة أمام الإنتاج المحلّيّ وجعلت السوق اللبنانيّة تغرق بالمنتجات المستوردة التي لا تخضع للرقابة والمراقبة، ما جعل الإنهيار الحلّ الوحيد أمام الأزمات التي عصفت بالبلاد”.
نحو تجارب جديدة ناجعة
لم يكتفِ بشروش بزراعة البطاطا، ويؤكّد أنّه يعمل على زراعة حقل من الثوم، “عدا عن زراعات أخرى نفذتها في السنوات السابقة، وأبرزها البطّيخ والبصل والملوخيّة والقمح الذي حوّلته إلى فريك بلدي مئة بالمئة، إضافة إلى عدّة أنواع أخرى من الخضار المطلوبة والتي يرغبها المواطن اللبناني كونها طبيعية ولا يدخلها أيّة أسمدة كيميائية”.
ويلفت إلى أنّ “استخدام العلم والثقافة والخبرات إلى جانب العمل والزراعة من الطبيعيّ أن يطوّر التجارب وهذا ما لمسته من خلال تجربتي الخاصّة، إذ كان إنتاج البطاطا ناجحًا جدّاً والثمار لا تشوبها شائبة، إذ إنّ حبّات البطاطا تخرج من التربة برّاقة كالذهب، وقد لاحظت أنّ الصور التي أعرضها على صفحتي الخاصّة “فايسبوك” كانت تأتي بالزبائن من كلّ حدب وصوب”.
في حقبات ماضية، وجّهت الدولة اللبنانيّة المزارعين الجنوبيّين نحو زراعة وحيدة لا تغني ولا تسمن، هي زراعة التبغ التي منحوها أكثر أيام أعمارهم ولم يحصدوا إلّا الجوع والقهر والذلّ ومصادرة أتعابهم، حتى انتفضوا في العام 1973، فأطلقت عليهم النار على باب “الريجي” بين حبّوش وكفرّرمان وسقط الشهيدان حسن حايك من كفرتبنيت ونعيم درويش من حبّوش، ناهيك عن عشرات الجرحى.
اليوم، عاد الجنوبيّون إلى اختيار أرضهم وحقولهم بديلاً عن الوظيفة التي لن تسدّ رواتبها جوعًا أو تعلّم أبناءهم في مدرسة أو جامعة، وفي ظل ما يعانيه الجنوبيّون من اعتداءات إسرائيليّة متواصلة وتكاد لا تنقطع، هل ستدعم الدولة زراعاتهم وتجاربهم وتسدّ عنهم مضاربة المستورد وتعوّض عليهم خسائرهم جرّاء القصف الإسرائيلي واعتداءاته لكي يصمدوا أكثر ويواجهوا بالزراعة والبناء والعلم والمدرسة والجامعة؟