فدوى عبيد ترحل وحيدة في أميركا عن 83 عاماً و400 أغنية

الفنانة الأصيلة توصي بلّف نعشها بالعلم اللبناني وبأرشيفها لأبنة نصري شمس الدين

ملفوف نعشها بالعلم اللبناني بناء لوصيتها، شيعت المطربة اللبنانية العربية (الأميركية) فدوى عبيد إلى مثواها الأخير، في إحدى مقابر ميشيغن الإسلامية صباح الأحد بتاريخ 16 كانون الثاني/ يناير 2022، عن 83 عاماً، وخلف النعش سار حشد من الأصدقاء والأقارب من الجالية اللبنانية، حيث ووريت إلى جانب قبري والديها يوسف (جوزيف) عبيد وسيّدة الهندي.
ظنّ كثيرون أن فنانة الزمن الجميل في لبنان فدوى عبيد قد رحلت منذ عقدين بعد إصابتها بمرض السرطان، بيد أن صاحبة “شبّ حليوة وأفندي” اختارت منفاها حيث ولدت، وحيث منزل والديها في ولاية ميشيغن الأميركية، بعدما تسبب السرطان باستئصال حيّز كبير من معدتها وقدّر الأطباء في حينه أنها لن تعيش أكثر من ستة أشهر، لكنها صمدت بإرادتها والتزامها الحميّة والغذاء الصّحي ومقاومتها، ما جعلها تعيش ثلاثة وثمانين عاماً، “إلى أن وقعت ليل يوم الاثنين بتاريخ العاشر من كانون الثاني/ يناير الجاري في وسط الدار، ولم نكتشف الأمر إلا بعد ظهر اليوم التالي، حينما قامت صديقة مشتركة بتفقدّها، فوَجدتْها على الأرض غائبة عن الوعي، وتم نقلها إلى المستشفى وتبيّن أن السقطة تسببت لها بنزيف حاد في الرأس، وهذا ما أدى إلى وفاتها بعد يومين.
تقول لـ “مناطق نت” صديقتها ألمازة شمس الدين صُبح ابنة الفنان نصري شمس الدين، معربة عن حزنها الشديد لرحيل “هذه الفنان المثقفة المتعلّمة الجميلة الرقيقة كالنسمة، وهي حتى في نعشها كانت تبدو كالأميرات أو كالملائكة”.
وتحكي شمس الدين عن معاناة صديقتها فدوى عبيد طويلاً من السرطان “مذ كان عمرها أربعين سنة، وبعدها منذ عشرين سنة تقريباً استأصل الأطباء معدتها وقالوا أنها لن تعيش أكثر من ستة أشهر. لكنها صمدت وبقيت ذاكرتها وقّادة وقد حكت لي سيرة حياتها الحافلة بالنجاحات بين لبنان ومصر والسعودية ومختلف الدول العربية ناهيك عن الولايات المتحدة الأميركية”.
بداية فنية مبكرة
كانت فدوى عبيد في الثانية من عمرها حينما عاد والداها (كان والدها موظفاً في الجيش الأميركي) بوحيدتهما إلى مسقط رأس العائلة في زحلة المعلّقة، وتعلمت عند الراهبات الأنطونيات حتى الثانية عشرة من عمرها وهناك بدأت تظهر على مسرح المدرسة كصاحبة موهبة وصوت جميل وهي في عمر صغير، تستند بذلك إلى تشجيع والدتها سيّدة الهندي ورعايتها.
بعدها عادت العائلة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وفي المرحلة الثانوية عادت الطالبة فدوى تتردد إلى بيروت لتتسجل في الجامعة الأميركية (AUB) ثم عادت إلى الجامعات الأميركية لتحصل على الماجستير في علم النفس، فضلاً عن اتقانها 6 لغات عالمية.
في الولايات المتحدة الأميركية بدأت موهبة الصبية اللبنانية الأصل تظهر على مسارح الجامعات مغنية بصوتها الملائكي لدعم الطلاب ولدعم النشاطات اللبنانية والعربية، بعدما توطدت علاقتها بالجالية الرهبانية المارونية هناك وغيرها من الجاليات اللبنانية، وقد سجلت أولى أغنياتها هناك وهي في الرابعة عشر من عمرها. وقد عرف عنها نشاطها الرياضي المميز منها السباحة وركوب الخيل واليوغا، وقد انتسبت في بيروت إلى نادي الفروسية.
مع العمالقة
تعلمت العزف على البيانو والعود، ودرست الموسيقى على يد كبار الفنانين ومنهم رياض السنباطي الذي تعرفت إليه في العام 1965، بعدما قصدت مصر هي ووالدتها، ومنه تعلمت “أصول المغنى” وارتبطت معه بصداقة حميمة واحترام متبادل وقد لحن لها 12 أغنية، ووصف الموسيقار السنباطي صوتها بالخاشع (أدت له: لبيك يا ربي) وأنّه مناسب مئة في المئة للإبتهالات والتواشيح الدينية، “ففيه الشجن والحنان وفائض عاطفي مؤثر”. إلى السنباطي وفريد الأطرش لحّن لها في مصر محمد الموجي وسيد مكاوي وغيرهما وكانت على صداقة مع محمد عبد الوهاب وأم كلثوم.
أما في لبنان الذي ظلت تتردد إليه حتى مطلع التسعينيات وكانت تقطن في شقتها في بناية يعقوبيان على المنارة (قبل احتلال الشقة)، فقد لحن لها فليمون وهبي وحليم الرومي وملحم بركات ووليد غلمية وتوفيق الباشا وزكي ناصيف والرحابنة فضلاً عن الملحن محمد محسن الذي لحن لها العديد من الأغنيات إلى جانب أغنيات مسلسل “عليا وعصام” الذي تولّت بطولته إلى جانب الفنان الراحل محمود سعيد. وتراوحت أغنياتها المسجلة كـ”بروفا” والمذاعة بين 350 و400 أغنية ناهيك عن الابتهالات الدينية والرمضانية.
في أميركا لطالما استرجعت أيام نجاحاتها في لبنان ومنها مع الفنان وليد غلمية الذي غنت له العديد من الألحان بينها: “جيبي إن كان فيكي تجيبي”، كما لعبت دور البطولة في مسرحيته الغنائية “يا ليل” على مسرح جبيل، شعر جورج جرداق، وألحان وليد غلمية، بمشاركة جوزيف عازار، ودريد لحام.
مسيرة فنية حافلة
في القاهرة، التقت بالموسيقار فريد الأطرش الذي أثنى على موهبتها ولحن لها: “مالو الحلو مالو” و”يا بلادي يا بلادي”. والتقت مرات عدة بالموسيقار محمد عبد الوهاب، وأدت أمامه أغنية جفنه علم الغزل وأعجب بها كثيراً. وكانت لها لقاءات عديدة مع كبار آخرين نصحوها بالتواجد لفترة طويلة في مصر إذا ما أرادت أن تأخذ ما تريد من ألحان الأساتذة الكبار، لكنها لم تستطع البقاء بعدما أسرّت إلى مقربين عن حصول تصرفات معها لم ترتح لها أبداً، وفضّلت البقاء بعيداً عن الأجواء الفنية، وحتى عن الارتباط العاطفي، لكنها لم تعلن يوماً اعتزالها، بل تراجعها واهتمامها بصحتها بعدما أنهكها السرطان.
مع الممثل الراحل محمود سعيد

أغنيات كثيرة عرفت لها في بيروت منها: “شب حليوة وأفندي”، “نهاية حب”، “حبيبي إنت”، “عيوني هالعيون”، “على وين ما تروح يا هوا”، “لا تكابر”، “راح إمبارح وطل اليوم”، “حبك يا حبيبي قدر” و”عالعوامي يا عوام”. سجلت لتلفزيون لبنان سهرات غنائية تحت عنوان “من ليالينا” مع نصري شمس الدين وجوزيف عازار وفيلمون وهبي و”فرقة الأنوار”. وفي سنة 1985 سجلت في لبنان مجموعة كبيرة من الأغنيات المشتركة مع المطرب وديع الصافي لصالح الإذاعة اللبنانية والإذاعة السعودية ومنها دويتو “لو كنت أدري”.

وظلت تقصد الأردن والكويت وليبيا والعديد من الدول العربية وسافرت عدة مرات إلى أثنيا لتسجيل أغنياتها وهناك التقت أكثر من مرة بصديقها الحميم نصري شمس الدين، الذي كانت تزور بيت عائلته في جون وفي بيروت وتستمع إلى مشورته في العديد من الألحان والمشاريع. وواظبت على حفلاتها وتسجيل أغنياتها في الولايات المتحدة، وقدمت العديد من النشاطات الداعمة لمؤسسات إنسانية وبيئية واجتماعية.
لفوني بعلم بلادي عندما موت
عزلة ورحيل
تزوجت في سن متقدمة من المهندس في شركة فورد، وأستاذ مادة الفيزياء في الجامعات الأميركية، الفلسطيني طاهر منصور (2005)، ليهتم بها ويرعاها بعدما علم بمرضها، بيد أنه أصيب بالسرطان وتوفي منذ نحو خمس سنوات.

أوصت بأرشيفها المتنوع إلى أبنة نصري شمس الدين ألمازة، التي داومت في السنوات الأخيرة على إعادة تسجيل أرشيفها ونقله من الكاسيتات وأشرطة “ريل” والأسطوانات إلى النظام الرقمي “ديجيتال”، وتأهيله وتنقيته، فضلاً عن نسخ صورها ومقابلاتها الصحفية والصوتية في بيروت والدول العربية كافة، وتنظيم الفيديوهات للعديد من أغنياتها.

وعن رحيلها كتبت ألمازة على صفحة نصري شمس الدين (الرسمية):

“تحية تقدير ووفاء للمطربة الكبيرة الصديقة المتواضعة الخجولة صاحبة الصوت الرخم الشفاف السيدة المثقفة المهذبة الست فدوى عبيد رحمها الله بواسع رحمته
يا ساكن الليل خلّي الليل يصفالي – ياما نجومو إجو وغابو عا موالي ..
وخلص الموال ورحلت كما عاشت بصمت وتواضع وسلام وايمان ..
رح نشتقلك يا حبيبة الروح يا ست فدوى والعلم اللبناني كما تمنيتي رافقك الى الجنة بإذن الله”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى