لاجئون سوريّون يواجهون الإخلاء القسري بقيادة محافظ الشمال
يعيش أحمد، العامل السوريّ في مهنة توصيل الطلبات “الديليفري” والقاطن في بلدة دوما البترونيّة، قلق التهجير القسريّ الذي قد يتعرّض له في ظلّ تصاعد الحملة الأمنيّة التي يقودها محافظ الشمال رمزي نهرا ضدّ اللاجئين السوريّين. فالمحافظ الحريص على تنفيذ القانون، باعتباره قاضٍ سابق، قرّر تنفيذ إخلاءات قسريّة دون العودة إلى أيّ قرار قضائيّ أو خطّة حكوميّة متكاملة لمعالجة أزمة اللاجئين بدلًا من نقلها من مكان إلى آخر.
هكذا، أصدر نهرا، الإثنين الماضي، قرارًا طلب فيه المؤازرة الأمنيّة من المدير الإقليميّ لأمن الدولة في الشمال، يقضي بإجلاء العمّال الأجانب “المخالفين” ممّن لا يملكون إقامات شرعيّة من المساكن والمحال التجاريّة من 10 بلدات بترونيّة هي: كفرحلدا، دير بلّلا، كفور العربي، دوما، حردين، بشعلة، محمرش، نيحا، راشانا وراشكيدا؛ وذلك في مهلة أقصاها 15 يومًا. ولم تكد تمرّ 24 ساعة على هذا القرار حتّى تبعه نهرا بثلاثة قرارت أخرى طلب فيها من المدير الإقليميّ لأمن الدولة في الشمال إخلاء السوريّين غير الشرعيّين في مهلة خمسة أيام في بلدات برسا وكفرعقا وبصرما في قضاء الكورة.
بلديات تلتزم وأخرى تستغرب
أثار اختيار هذه البلدات شكوكًا حول أهداف هذه الحملة، فرآها بعض المتابعين تهدف إلى نقل السوريّين من بلدات ذات غالبيّة مسيحيّة إلى بلدات ذات غالبيّة مسلمة. في المقابل، ينفي رئيس بلديّة كفرعقا، الياس جرجي ساسين، في حديث لـ”مناطق نت”، بأن يكون الدافع وراء هذه الحملة سياسيًّا، مؤكدًا “أنّ البلدية غير محسوبة على فريق التيّار الوطنيّ الحرّ”، كذلك يرفض اعتبار هذا التوجّه جاء بناءً على قرار طائفي.
أيضًا ينفي ساسين وجود سبب مُعيّن لاتّخاذ هذا القرار في هذا التوقيت إذ إنّ “هذا الإجراء نابع من الحرص على تطبيق القانون اللبنانيّ في ما يتعلّق بوجود غير شرعيّ”. لكن أزمة اللجوء تعود إلى أكثر من عشر سنوات على الأقل، فما المُستجد في ذلك؟ يُجيب ساسين: “صحيح، إلّا أنّ الدولة اللبنانيّة ممثّلة بالحكومة ووزارة الداخليّة والمحافظ اتّخذت هذا القرار والسلطات المعنيّة أبلغتنا به، ونحن بدورنا اتّخذنا هذا القرار للحدّ من الوجود غير الشرعيّ، لأنّه يُسبب مشاكل كثيرة”.
أصدر نهرا، الإثنين الماضي، قرارًا طلب فيه المؤازرة الأمنيّة من المدير الإقليميّ لأمن الدولة في الشمال، يقضي بإجلاء العمّال الأجانب “المخالفين” ممّن لا يملكون إقامات شرعيّة من المساكن والمحال التجاريّة من 10 بلدات بترونيّة
ووفقًا لساسين، فإنّ هذه المشاكل تتمثّل في “استخدام الكهرباء والمياه بطريقة غير شرعيّة ومن دون وجه حقّ، فضلًا عن مشاكل اجتماعيّة متمثّلة بسرقات وتصرّفات شاذّة وغيرها من الأمور”. ويوافق ساسين على أنّ هذه الإجراءات قد تكون بمثابة “حلّ للمشكلة في مكان وخلقها في مكان آخر”. مضيفًا: “يبقى الحلّ الأمثل هو قيام الدولة اللبنانيّة بوضع خطّة شاملة لهذا الملف، فنحن كبلديّة لا يمكننا التدخّل بأكثر من نطاقنا الجغرافيّ”.
قرار يبلبل البلديّات
في العادة تنفّذ إجراءات الإخلاء القسريّ من خلال تبليغ الشرطة البلديّة للسوريّين المقيمين بطريقة غير شرعيّة بوجوب الإخلاء خلال مهلة زمنيّة محدّدة، ثم يُصار بعدها إلى إخلاء من تبقّى بشكل قسريّ إذ يجبر على ترك المنزل بالقوّة.
لا يتوافق حديث ساسيين مع جاره رئيس بلديّة محمرش، شوقي يوسف عطيّه، الذي أبدى استغرابه لـ”مناطق نت” من هذا القرار قائلًا: “يقتصر عدد السوريّين في بلدتنا على ستّ عائلات فقط متواجدة منذ 15 عامًا على الأقلّ ولا يوجد بينهم من هو مخالف”، موضحًا أنّه “سبق أن وجّه كتابًا للجهات والأجهزة المعنيّة أبلغهم فيه بعدم وجود سوريّين غير شرعيّين في البلدة”.
يتابع عطيّه: “عليهم الذهاب إلى شكّا التي فيها ثلاثة آلاف سوريّ والبترون التي تحوي 2500 سوريّ وغيرها من البلدات”. ويؤكّد أن “تنفيذ هذه القرارات ضعيف، إذ أظهرت التجربة أنّ تطبيقها كان يتمّ بطريقة غير مفهومة إذ نُفّذ الإخلاء القسريّ بحقّ عدد مُعيّن، فيما تمّ التغاضي عن عدد آخر من السوريّين المحظوظين”.
ويتساءل عطية عن جدوى هذه الخطوة التي تقضي بنقل السوريّين من منطقة وترحيلهم إلى منطقة أخرى “إذ يتمّ نقلهم من البترون إلى جبيل، ومن ثم من جبيل إلى طرابلس وهكذا؟”.
فليغادروا فوراً
لم تقتصر حملة ترحيل السوريّين عن بعض البلدات الشماليّة على المحافظ فحسب، بل انضمّ إليه النائب أديب عبد المسيح الذي ربط في تغريدة عبر منصة “إكس” بين الحرب الإسرائيليّة على لبنان والوجود السوريّ بطريقة تهكّميّة، طالبًا من السفارة السوريّة دعوة مواطنيها إلى المغادرة فورًا إسوة بمعظم السفارات. وفي حزيران الماضي، انتشر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعيّ يُظهر اعتداء وصف “بالوحشيّ” لمرافق عبد المسيح على عامل سوريّ في بلدة كفرصارون، قضاء الكورة، بعد خلاف بينهما على موقف سيّارة.
المفوّضيّة تنبّه لخطر الإخلاء الجماعيّ
وفي اتصال أجرته “مناطق نت” مع مفوّضيّة اللاجئين السوريّين في لبنان أشارت إلى أنّ خطر عمليّات الإخلاء الجماعيّ ازداد، بما يتماشى مع تصاعد الإجراءات الإداريّة التي تستهدف السوريّين. فخلال الربع الأوّل من العام 2024، واصلت عديد من البلديات في مختلف المناطق تنفيذ نهج تقييديّ للغاية في ما يتعلّق بوجود اللاجئين السوريّين. وتمّ تسجيل أكثر من 100 إجراء إداريّ بحقّ السوريّين في الربع الأوّل من العام 2024. وتشمل هذه القيود الحركة والمداهمات وفرض ضرائب جديدة ونقاط تفتيش ومتطلّبات تسجيل صارمة، وقيود تتعلّق بالإيجار وغيرها.
كما أحصت المفوّضيّة 138 حادثة تتعلّق بعمليّات الإخلاء الجماعيّ في الفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) 2024. وتوصف عمليّات الإخلاء الجماعي بأنّها تلك الحالات التي تأثّرت فيها خمس أسر أو أكثر بالتهديد عينه بالإخلاء. من بين هذه الحالات، هناك 91 إشعارًا بالإخلاء (أثّر على ما يُقدّر ب 22,917 فردًا) جرت معظمها في الشمال والبقاع، و53 حالة إخلاء فعليّة (أثرت على 4,473 فردًا)، مع ملاحظة زيادة كبيرة بين أشهر نيسان (أبريل) وأيّار (مايو) وحزيران (يونيو).
وبحسب التقديرات الرسميّة الصادرة عن الحكومة اللبنانيّة، فهناك نحو 1.5 مليون لاجئ سوريّ في لبنان، وهذا أيضًا رقم معتمد من المنظّمات الوطنيّة والدوليّة. ولغاية شهر حزيران 2024، هناك 774697 لاجئًا مسجّلًا لدى المفوضيّة، علمًا أنّ المفوضيّة كانت توقّفت عن تسجيل اللاجئين السوريّين في لبنان في العام 2015 تبعًا لقرار الحكومة اللبنانيّة بتعليق التسجيل.
كذلك تؤكّد المفوّضيّة أنّها تُتابع اللاجئين المعرّضين لخطر الإخلاء أو المتضرّرين منه، وتعمل بنشاط كي تخفّف من تأثير التدابير التقييديّة والإخلاء عليهم. وهذا يشمل تقييم الاحتياجات الملحّة للمتضرّرين و”كيف يمكننا تقديم الدعم وفقًا لاحتياجاتهم”.
حملة مقلقة وعشوائيّة
في السياق، يوضح مدير المركز اللبنانيّ لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، في حديث لـ”مناطق نت”، أنّه “من غير المعروف على أيّ أساس قانونيّ تتمّ هذه الإجراءات، وفي كلّ مرة نُحاول التواصل مع وزارة الداخليّة في هذا المجال تتهرّب من الإجابة”.
ويؤكّد أنّه “في غالب الأحيان تتذرّع الأجهزة الأمنيّة إمّا بأحداث أمنيّة أو بعدم وجود أوراق ثبوتيّة”. مع الإشارة إلى أنّ السواد الأعظم من النازحين السوريّين في لبنان لا يملكون أوراقًا ثبوتيّة لأسباب مختلفة، وفي مقدّمتها أنّ “الدولة اللبنانيّة تتّبع إجراءات معقّدة جدًّا لإعطاء هذه الأوراق، فأيّ لاجئ أو مقيم سوريّ يحتاج إلى عمليّة معقّدة وطويلة للحصول على إقامة أو تجديدها”، وفقًا للأسمر.
ويؤكّد الأسمر “أنّ الحملة التي نشهدها في الوقت الحالي يمكن توصيفها بأنهّا مقلقة وعشوائيّة”، مضيفًا أنّ “هذا الإخلاء يتمّ من خلال نقل السوريّين من بلدة إلى بلدة أخرى، وهذا ما يُبيّن أن الهدف الفعليّ هو فقط الدعاية ومحاولة تحويل الموضوع إلى طائفيّ، أيّ السماح للاجئين بالسكن في مناطق طائفيّة معيّنة ومنعهم من مناطق طائفيّة أخرى”.
تؤكّد المفوّضيّة أنّها تُتابع اللاجئين المعرّضين لخطر الإخلاء أو المتضرّرين منه، وتعمل بنشاط كي تخفّف من تأثير التدابير التقييديّة والإخلاء عليهم. وهذا يشمل تقييم الاحتياجات الملحّة للمتضرّرين
ويوضح الأسمر أنّه “في معظم الأحيان التي يتمّ فيها إخلاء قسريّ يكون بناءً على طلب المحافظ أو البلديّة، ولا سيّما محافظ الشمال رمزي نهرا الذي يخلط بين موقعه كمحافظ وموقعه كناشط سياسيّ”. كذلك يُشير إلى أنّ “قضيّة اللاجئين السوريّين تُستخدم كغطاء لفشل الدولة، فالدولة عندما تريد أن تُظهر أنّها تقوم بشيء تتّجه نحو اللاجئين السوريّين”.
تحميل اللاجئين مشاكل البلد
يتوافق ما قاله الأسمر مع ما يؤكّده محامي حقوق الإنسان، محمد صبلوح، إذ عبّر لـ”مناطق نت” عن قلقه من هذه القرارات “فبعض الأحزاب التي تُثير ملفّ اللاجئين، لديها حساباتها ومخاوفها، ولا سيّما على صعيد التغيير الديمغرافيّ، فيستغلّون كلّ ما يحدث في البلاد من أجل تحميلها للاجئين”. كذلك يلفت إلى أنّه “من الطبيعيّ أن نتفهّم هذه المخاوف، ولكن نختلف على آليّة مواجهتهم لهذه المشكلة، اذ يواجهون الأزمة بعنصريّة شرسة، فيما يجب علاجها تحت عنوان الحفاظ على كرامة الإنسان وعدم إذلاله”.
ووفقًا لصبلوح فإنّ “هذه الحملة منظّمة وليست عشوائيّة، ولكن التجاوب معها يتمّ بشكل أساس من قبل البلديّات المحسوبة على فريق سياسيّ مُعين”.
تلاعب الخطاب التحريضيّ
في أيار الماضي، وتحديدًا قبل انعقاد مؤتمر بروكسل لـ”دعم مستقبل سوريّا والمنطقة”، ارتفع الخطاب المناهض لوجود السوريّين في لبنان “إلّا أن هذه الهجمة على اللاجئين اختفت، وذلك لأنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حاول ابتزاز المجتمع الدوليّ على أبواب المؤتمر من أجل الحصول على المساعدات”، بحسب صبلوح.
ويتوقّع أن “تُعاد هذه الحملة العنصريّة قبل مدّة وجيزة من انعقاد المؤتمر العام القادم”، موضحًا أنّ “الحملة الإعلاميّة المناهضة للسوريّين تراجعت، ولكنّ الحملة الأمنيّة استشرست ومن المحتمل أن تستمرّ بشكل تصاعديّ، ولكنّ ما يعطّلها قليلًا هو الوضع الأمنيّ السائد في البلاد”.
وفي الإطار عينه، يوضح الأسمر أنّ “الحملة الأخيرة التي شهدناها منذ عدّة أشهر ضدّ السوريّين كانت بسبب محاولة لبنان ابتزاز المجموعة الدوليّة والدول الأوروبيّة خصوصًا لجهة تحصيل مساعدات أكثر في اجتماع بروكسل، مع الإشارة إلى أنّ لبنان يحصل على مساعدات هي أقلّ ممّا يستحقّ”. وهذا ما يفسّر تراجع الخطاب التحريضيّ ضدّ اللاجئين بعد انتهاء مؤتمر بروكسل.
الإخلاء القسري انتهاك للقانون
من الناحية القانونيّة، ثمّة شبه إجماع على أنّ أيّ عمليّة إخلاء تحتاج إلى قرار قضائيّ وليس إلى قرار بلديّ، في حين يتمّ التحايل على القانون “من خلال الادّعاء بعدم أهليّة الأماكن التي يقطنها السوريّون فضلًا عن حجج أخرى”، وفقًا للأسمر الذي يؤكّد أن “الأجهزة الأمنيّة لا تستند إلى الأطر القانونيّة في هذا المجال”.
هذا ما يؤكّده صبلوح الذي يُشير إلى أنّ “المواطن اللبناني يحتاج إلى أربع سنوات على الأقلّ من أجل أن يتمكّن من انتزاع قرار قضائيّ بإخلاء منزله من المُستأجر، كذلك يحتاج إلى عام إضافيّ من أجل تنفيذ الإخلاء”.
من هنا يستغرب صبلوح “المنطق الذي يسمح بإمهال السوريّين بضعة أيام فقط من أجل إخلاء المنزل بعد أن يكونوا قد دفعوا بدل إيجاره عدّة أشهر سلفًا. هذا على الصعيد المحلّيّ”، أمّا على صعيد القانون الدوليّ، فيجزم صبلوح “أنّ هذه القرارات مخالفة لكلّ الاتّفاقات الدوليّة.”
يستذكر صبلوح قيام بلديّة أميون بترحيل 50 سوريًّا من البلدة في وقت سابق، بحجّة عدم امتلاكهم أوراق إقامة “وعند التدقيق في الأسباب تبيّن أنّ ضباطًا رفيع المستوى في أحد الاجهزة الأمنيّة انزعج من شكل المخيّم القريب من منزله، فضغط على البلدية من أجل فكّ المخيّم وترحيل أهله”، وفقًا لصبلوح. وفي مثال آخر، يلفت صبلوح إلى قيام بلديّة البدّاوي، في وقت سابق، بإخلاء بعض السوريّين نظرًا إلى “قرب رئيس البلديّة من المحافظ رمزي نهرا، وهذا ما يفسّر تصرّف بعض البلديات”.