لا..لم تغيّر “الثورة” الإيرانية وجه التاريخ!
مناطق نت
“العالم كلّه يعرفها، تلك الصورة المحفورة في الذاكرة الانسانية المعاصرة. الإمام الخميني يهبط درج البوينغ 747 التي حطّت للتوّ في مطار طهران، آتياً من بلدة نوفل لوشاتو الفرنسية، محطّته الأخيرة في منفاه القسري الذي دام 15 عاماً. كان ذلك قبل 40 عاماً. إنّها اللحظة التي ستغيّر ليس فقط وجه إيران، الرازحة آنذاك تحت نير نظام استبدادي، في قبضة الشاه الذي جوّع شعبه، وسلّم مقدّرات بلاده لأميركا، وتآمر مع «إسرائيل»… بل لن نبالغ إذا قلنا إنّها لحظة غيّرت وجه التاريخ!”.
هذا ما كتبه بيار أبي صعب في جريدة “الأخبار” اليوم، تحت عنوان “وجهك يا غرب مات” من ضمن ملف “40 عاما على الثورة الإيرانية: شعبُ إيرانَ يكتبُ فاتحةَ الممكنات”.
المبالغات هي من طقوس المناسبات عندنا عربا وشرقيين من ايام عكاظ والمتنبي، ولو جمعنا ما قيل في مناسبات موتانا وولاداتنا وحروبنا وثوراتنا ومشاريعنا لكان درب التبانة والكون كلّه بكواكبه ومجراته مدينا لنا، ولولانا لانقرض أهل الأرض واندثروا، أو استمروا على نسخة الخلق الأولى يقطنون في المغاور ويخرجون عراة إلا ما يستر عوراتهم حاملين فؤوسهم لتحصيل طعامهم وما يسدّ جوعهم.
لم يقل لنا الكاتب في مقالته، ما الذي غيّرته هذه “الثورة” على مدى 40 عاماً، لن نخوض في التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي أحدثتها هذه “الثورة”، بالوقت الذي أظهر الإيرانيون في الفترة الأخيرة تبرمهم منها وتحديها ورفضهم الامتثال لها وإبداء اسفهم على ما قبل هذه “الثورة”.
لكن نسأل ما هو التاريخ الذي غيّرت هذه “الثورة” وجهه؟ فهل هي التي قادته من العصر الصناعي إلى العصر التكنولوجي؟ هل هي وراء مراكمة أسباب الراحة لأجيال هذا العصر، وأغدقت عليهم تحسين وسائل الاتصال وزادت في معدلات أعمارهم، أم هي التي أنقذت ملايين البشر من الجوع كما في الصين والهند، أم هي عسكّرت دولا وأمما للوقوف بوجه عبث الإنسان بموارد الأرض والتلاعب بقوانينها وتخريب دورات مناخها، أم هي مهمومة بموت ألوف المهاجرين بحثا عن القوت فاستضافتهم عوضا أن يموتوا في البحار والمحيطات، أم سخّرت جزءا من خيراتها للتصدي للأمراض والأوبئة التي تفتك بعيش الملايين من البشر وتنكّد حياتهم، أو ساعدت في تهدئة التوترات والاختلافات المتصاعدة لأسباب بحت داخلية في المجتمعات الواحدة المجاورة لها.
وجه الغرب لم يمت كما يحاول كاتب “الأخبار”، إنما الغرب شاخ، ولم تكن شيخوخته من صنع إيران، إنما من سنّة الأكوان، فالأفكار والبرامج والقيم شأنها شأن البشر، تدرج وتشب وتشيخ وتموت، فالغرب لم ينهار أو يتقلص أمام القيم التي صدرتها “الثورة” الإيرانية، أو الحلول التي صاغتها لمشاكل البشرية، فالتاريخ اليوم، إذا لم نقل ما زال مربوطا برسن الغرب، فهو وحش هائم على وجهه، ومن أعراض شروده، ظهور البوتينية لترد هذا التاريخ إلى زرائب القرون الوسطى.