ما قبل الدولار الجمركي ليس كما بعده.. سوق السيارات في الجنوب يلفظ أنفاسه
ما هو ثابت، أن سوق السيارات الجديدة والمستعملة المستوردتين، قد وصل إلى أقصى درجات التراجع. وتكاد تبلغ أكثر من ثمانين في المئة على مستوى الجنوب. ومن المتوقع أن يصل إلى ما هو أسوأ مع رفع سعر الدولار الجمركي، فتصبح كلفة الجمرك المتوسط للسيارات السياحية مئة وعشرين مليون ليرة بدلاً من سبعة ملايين وخمسماية ألف ليرة، في حال تم اعتماد الدولار الجمركي على أساس عشرين ألف ليرة للدولار الواحد.
فواقع سوق السيارات، الذي شهد “فورة” فوق العادة خلال العقود الثلاثة الماضية، وخاصة السيارات المستعملة المستوردة من أوروبا (المانيا، بلجيكا) التي ملأت المرافىء اللبنانية وأكثرها مرفأ صور، مرتبط بشكل مباشر بالأزمة الاقتصادية وانهيار العملة اللبنانية مقابل الدولار، وذوبان رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص، الذي كان يستهلك نسبة لا يستهان بها من السيارات المستوردة وحتى الجديدة، جراء توفر قروض السيارات في المصارف والقدرة على التسديد.
صالات خالية من الزبائن
معارض السيارات الجديدة في الجنوب ولا سيما اليابانية، معظم صالاتها خالية من السيارات بعدما كانت إلى سنتين ماضيتين تتكدس فيها السيارات المعروضة للبيع. ويأتي غالبية الزبائن من المغتربين لشرائها وقلة من أبناء المنطقة الميسورين، نظرًا إلى ارتفاع أسعارها، وكانت تصل مبيعاتها في بعض صالات العرض في صور، إلى خمسماية سيارة سنويًا قبل العام 2019 لكنها لم تتعد العام 2021 عشرين سيارة، الامر نفسه بالنسبة لمعارض السيارات المستوردة من أوروبا المنتشرة بكثافة، فانخفض معدل بيع السيارات في احد المعارض من 350 سيارة ما قبل الـ 2019 إلى 37 سيارة في العام 2021، وهذا ما انعكس على النشاط التجاري في المرافيء اللبنانية، التي يسجل فيها تدنيًا متواصلا في استيراد السيارات السياحية عبرها وازدياد استيراد سيارات النقل الصغيرة “رابيد” الأقل سعرًا والأقل بدلاً جمركيًا، حيث لا يتعدى قيمة البدل الجمركي المليون ونصف المليون ليرة على أساس السعر الرسمي للدولار (1500 ليرة).
بعض صالات عرض السيارات في صور، كانت تصل مبيعاتها إلى خمسماية سيارة سنويًا قبل العام 2019 لكنها في العام 2021 لم تتعد العشرين سيارة
وفيما يتعلق بحركة سوق السيارات المحلية المسجلة، فإنها تحافظ على نشاطها نسبيًا، حيث يسجل حركة تبديل للسيارات، وتحسين بعض المقتدرين الذين يقبضون رواتبهم بالدولار الاميركي، نوعية سياراتهم واستبدالها بأخرى رباعية الدفع، وأسعار هذه السيارات الرائجة بين ألفين وثمانية آلاف دولار.
حركة البواخر إلى تراجع كبير
يؤكد رئيس مصلحة استثمار مرفأ صور والمدير التنفيذي علي خليفة لـ “مناطق نت” بأن حركة البواخر المحملة بالسيارات إلى مرفأ صور وهو أحد أهم المرافيء اللبنانية شهدت تراجعًا واضحًا. وهذا ما يبينه جدول حركة البواخر السنوية وأعداد السيارات، فقد دخل إلى مرفأ صور العام 2018 عشرة بواخر محملة بـ 3262 سيارة مختلفة، بينما دخل العام 2019 تسعة بواخر محملة بـ 2393 سيارة، وأربعة بواخر في العام 2020 محملة بـ 731 سيارة وسبعة بواخر في العام 2021 على متنها 2012 سيارة، مؤكدًا أن رفع سعر الدولار الجمركي سينعكس أيضًا سلبًا على الاستيراد، في ظل تدني القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصًا ذوي الدخل المحدود.
يلفت أحد العاملين في صالة لبيع السيارات الجديدة في الجنوب “فضل عدم ذكر اسمه” أن الصالة شبه خالية من السيارات حاليًا، ليس بسبب الأوضاع الاقتصادية والتحضير لرفع سعر الدولار الجمركي، إنما نتيجة عدم تزويد صالة الوكيل بالسيارات من الوكلاء الحصريين، الذين بدورهم لا يوجد لديهم السيارات الكافية، جراء التأخير في إنتاج السيارات بسبب جائحة كورونا في أوروبا وآسيا.
زبائن الصالات الجديدة هم من المغتربين بنسبة تتعدى التسعين في المئة
وعما إذا كان السبب إخفاء السيارات مؤقتًا، مع اقتراب موعد رفع سعر الدولار الجمركي قال “لا أعتقد أن هذا الأمر دقيقًا. رغم الكلام الكثير عنه، مشيرًا إلى أن زبائن الصالات الجديدة هم من المغتربين بنسبة تتعدى التسعين في المئة، ودائمًا يطلبون سيارات غير متوفرة حاليًا، وهذه الفئة لم تتأثر بانهيار سعر الليرة ولا تكترث كثيرًا لرفع قيمة الدولار الجمركي، لأن انتاجهم ومدخراتهم بالدولار الأميركي، لافتًا إلى أن سبعين في المئة من السيارات الفارهة التي تأتي إلى لبنان تباع في الجنوب واسعارها تبدأ بالخمسين ألف دولار.
أيام العز ولّت
يقول قاسم حمود “صاحب احد معارض السيارات المستوردة في صور ” إن أيام عز سوق السيارات المستوردة وغيرها قد ذهبت، ومثالًا على ذلك فأنني كنت أبيع في السنة بمعدل وسطي يتجاوز الثلاثماية سيارة من أحجام وانواع مختلفة، وفي العام 2021 لم تصل إلى الأربعين سيارة.
يضيف حمود لـ “مناطق نت” “أن الزبائن الذين يواصلون شراء السيارات الحديثة نسبيًا، هم من المغتربين حصرًا. وفئة قليلة من التجار الذين زاد ثراءهم في الآونة الاخيرة، بينما كان الزبائن قبل النصف الثاني من العام 2019 من فئة الموظفين في السلك العسكري والإدارات الرسمية والقطاعات الخاصة، الذين كانوا يشترون السيارات بالتقسيط من خلال القروض المصرفية، بعدما تحسنت أحوالهم عقب سلسلة الرتب والرواتب.