مخيّم النّبطيّة.. الشتات الّذي حوّلته اسرائيل إلى مقابر جماعيّة
تستحضر مجريات الأحداث في فلسطين، وانتفاضة المقاومة وأهل غزّة وأبناء فلسطين على جلّادهم المحتلّ الإسرائيليّ، مسيرة طويلة من القهر والقتل والتهجير والذلّ التي مارسها بحقّهم من دون أن يرفّ لقادته أو لرعاته من الدول العظمى أدنى جفن أو ضمير.
ولم يكتفِ بتشريدهم من أرضهم وانتزاع أملاكهم، بل طاردهم إلى أماكن اللجوء والنزوح، وراح يمعن في تجمّعاتهم ومخيّماتهم تدميراً وقصفاً ومذابح جماعيّة، على نحو ما جرى في صبرا وشاتيلا في أعقاب الاجتياح الإسرائيليّ لبيروت في العام 1982، بما يشبه تلك المجازر التي ارتكبها تباعاً في فلسطين بغية تهجير أهلها وانتزاعهم من بيوتهم ومن ديارهم وأرضهم.
بعد احتلال الصهاينة فلسطين في العام 1948، ونشوء دولة الاحتلال الإسرائيليّ، نزح العديد من أبناء الشعب الفلسطينيّ إلى لبنان، وتحديداً إلى مناطق الجنوب، على أمل ألّا تطول فترة إقامتهم، كما وعدهم الزعماء والحكّام العرب، حتّى أنّ البعض منهم حمل مفاتيح بيته لأنّ “العودة قريبة”.
لكنّ فترة الإنتظار كانت طويلة جدّاً، والحكومات العربيّة لم تحرّر فلسطين. ما دفع بالفلسطينيّين إلى تشكيل تجمّعات، ثمّ مخيّمات خاصّة بهم، مدعومة بناءً ونفقات علاج وتعليماً من وكالة “الإنروا” الخاصّة باللاجئين الفلسطينيّين.
فكان نصيب سكّان منطقة الحولة، أو “عرب الغوارنة” ممّن تهجّروا بداية إلى قرى قضاء مرجعيون، أن ينتقلوا لاحقاً إلى مدينة النبطية، حيث استقرّوا بين العامين 1950 و1953، أوّلاً في مخيّم متواضع صغير، في قطعة أرض (مكان المدرسة المهنيّة الفنّيّة العالية حاليّاً) وذلك تمهيداً لإنشاء مخيّم خاص بهم على قطعة أرض استأجرتها وكالة الأونروا (_**UNRWA**_) لمدّة 99 عاماً، غربيّ النبطية على طريق بلدة الكفور، من مالكها (الراحل) أحمد عبد الهادي الصبّاغ الرئيس الأسبق لبلديّة النبطية.
المخيّم الجديد ومدرسة “الجاعونة”
بعد الانتهاء من تشييده في مطلع العام 1956، انتقل اللاجئون إلى المخيّم الجديد، على أثر قرار من الحكومة اللبنانيّة يمنع إقامة الفلسطينيّين جنوبيّ نهر الليطانيّ. كانت سقوف منازله من “الأترنيت” و”الزينكو”، باستثناء قلّة قليلة كانت من “الباطون” (الإسمنت) منها مدرسة مؤلّفة من قسمين وطبقتين للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، عرفت بمدرسة “الجاعونة” وتعاقب على إدارتها كلّ من الأساتذة محمد الحاج، جورج حدّاد ويوسف أبو نعاج.
يقع مخيّم النبطيّة على تلّة مرتفعة من الشمال منحدرة ببطء نحو الجنوب، تبلغ مساحتها 13.455 متراً مربّعاً. كان ينتشر على مجموعة من عقارات النبطيّة الواقعة على حدودها الجغرافية الغربيّة، تحوطها من الغرب قرية الكفور ومن الجنوب قرية زبدين (جارتا النبطية) من الشمال طريق النبطية الكفور، ومن الشرق حي البياض في النبطية.
يبعد مسافة نحو ثلاثة كيلومترات عن وسط النبطيّة، كانت غالبية سكّانه من منطقة الحولة في فلسطين، وأحصي فيه نحو 5 آلاف نسمة كسكّان مقيمين، هم أصلاً من شمال فلسطين المحتلّة، وتحديداً من جوار سهل الحولة وبلدات: الخالصة، الناعمة، هونين، صلحا، قَدَس، المكالمة، سُحماتا، صفد، عين الزيتون، الزويّة، الزُّوق التحتاني والزُّوق الفوقاني، اللزازة والقيطيّة وبعض العائلات المسيحيّة من آل حداد (أصلهم من دير ميماس– مرجعيون).
من عائلات أبناء الخالصة في المخيّم: العريسي، مرزوق، صالح، عوض، الشمندي، الدوالي، بك، أبو رحيلي، العلي، حمادي، الخطيب، أبو خروب، العثمان.
من عائلات أبناء صلحا: المعنقي، قرنبش، الحاج، عون، مصطفى، شهاب، طالب، شبلي وحمود. إضافة إلى عائلات أخرى.
اشتغل الرجال من أبناء المخيّم في النبطية ومحيطها بأعمال البناء والخدمات العامّة وبعض التجارة والحِرف، وعملت النساء في زراعة التبغ وقطافه وشكّه وتوضيبه في ورش آل الصبّاح وجابر وغيرها. وقد بنت الإنروا عند مدخل المخيّم عيادة طبّيّة، وقاعة رياضيّة، ومشغل خياطة، ومركزاً لتوزيع المساعدات، ومكتباً خاصّاً بمدير المخيّم عبد الغني أبو نعاج.
اشتغل الرجال من أبناء المخيّم في النبطية ومحيطها بأعمال البناء والخدمات العامّة وبعض التجارة والحِرف، وعملت النساء في زراعة التبغ وقطافه وشكّه وتوضيبه.
تدمير “إسرائيلي” ممنهج للمخيّم
جرى تدمير المخيّم بالكامل في العام 1974 من قبل الطائرات الحربيّة الإسرائيلية بعدما كان قد تعرّض للقصف بالطيران والمدفعيّة الاسرائيليّة الثقيلة عدّة مرات. وكان المخيّم ومنذ العام 1969 وإلى حين تدميره مركزاً للقيادة العسكريّة للمقاومة الفلسطينيّة. ومنطلقاً للعمل الفدائي الفلسطينيّ.
كان البارز تعرّض المخيّم لغارات الطائرات “الإسرائيلية” في العام 1970، في أثناء عقد الرئيس الفلسطينيّ (الراحل) ياسر عرفات اجتماعاً لقيادة حركة فتح “قوّات العاصفة” في مقرّها في المخيّم. ثمّ توالت الغارات في عاميّ 1972-1973، ما ألحق ضرراً ودماراً جزئيّاً في مبانيه، إلى أن كان العام 1974، حيث دمّرته غارات الطائرات الحربيّة الإسرائيليّة، ومنذ ذاك الحين لم يُسمح بإعادة بنائه.
هو واحد من المخيّمات الفلسطينيّة الثلاثة التي لم يعد لها من وجود فعليّ في لبنان (النبطية، تلّ الزعتر وجسر الباشا)، من أصل خمسة عشر مخيّماً كانت تعترف بها “الأونروا”. بعد تدميره في العام 1974 تفرّق سكّانه في القرى المحيطة بالنبطيّة وانتقل آخرون إلى صيدا وشحيم ووصل بعضهم إلى البقاع ومخيّم البدّاوي في شمال لبنان.
توزعوا شرقاً وتحديداً في مناطق: بيروت، مخيّم تل الزعتر (قبل تدميره لاحقاً)، مخيّم البدّاويّ في الشمال، شحيم في إقليم الخروب، صيدا ومخيّم عين الحلوة. بتفرّقهم القسريّ دفع أبناء مخيّم النبطية مجدّداً ضريبة التهجير والترحال التي بدأت في العام 1948 وتباعاً في السنوات اللاحقة، وصولاً إلى الأحداث الأمنيّة والحروب التي شهدتها المناطق اللبنانيّة.
عانى سكّان مخيّم النبطية كثيراً من التهجير الجديد، واضطروا إلى النزوح والانتقال في هجرة متنقلة مرات ومرات بحثاً عن استقرار أكثر أمناً. وهذا الأمر دفع بالقسم الأكبر من شبابهم إلى الهجرة والغربة نحو ألمانيا والدنمارك والسويد، يحملون معهم صورة الوطن الحلم، والكوفيّة الفلسطينيّة التي شكّلت رمزاً من رموز النضال الفلسطينيّ.
وبعضهم انتقل إلى دول الخليج العربيّ بعدما وجد فرصة للعمل والإقامة هناك. واستعاد عددٌ منهم الجنسيّة اللبنانيّة (من أبناء القرى اللبنانيّة السبع التي كانت تتبع دولة لبنان الكبير قبل ضمّها بالاحتلال إلى فلسطين) في العام 1994، وقد حطّ بهم الترحال الداخلي في مدينة صيدا، قبل انتقال بعضهم إلى مناطق أخرى.
مدرسة الجاعونة والأساتذة الأوائل
يقول موسى محمود نمر من قرية الناعمة المحتلّة بين صلحا وهونين والخالصة، المولود في مخيّم النبطية سنة 1960، وقد درس المرحلتين الابدائية والمتوسطة في مدرسة المخيّم، مدرسة الجاعونة: “أتذكر جيّداً بيوت المخيّم، كانت جميعها من طبقة واحدة تتوزّع على مربّعات خاصّة بتجمعات القرى المهجّرة، جدرانها من أحجار الباطون وسقوفها من “الزينك” و”الأترنيت”، فقط مبنى المدرسة الذي كان يتبع لها بناءٌ يُعرف بمبنى الصناعيّة (مهنيّة خاصّة)، والمطعم، كانت سقوفها من الإسمنت”.
ويضيف نمر في حديث إلى “مناطق نت”: “قبل التحاقي بمدرسة الجاعونة في المرحلة الابتدائيّة، كانت هناك روضات، جرى إلغاؤها تخفيفاً من التكلفة التي كانت تتولّاها وكالة الأونروا المموّلة من دول مانحة. كانت المدرسة من قسمين، وكل قسم من طبقتين اثنتين، لتعليم المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، حتى البروفيه. كان مبنى المدرسة محايداً عن البيوت المأهولة في المخيّم، على تلّة هي الأقرب إلى النبطية. انطلقت المدرسة بين 1957 و1958 وتولّى إدارتها أولاً المربّي محمّد الحاج، ثمّ تولّى إدارتها المربّي جورج حدّاد حتى سنة 1969- 1970 ثمّ المربّي يوسف أبو النعاج الذي لم يزل حيّاً”.
ويتابع:”ومن أبرز المدرّسين فيها: لوريس حدّاد شقيقة المدير جورج، الشيخ محمود الجشّي، الشقيقان منير وأمين الجشّي، خليل فريج (يقيم في الخليج حاليّاً)، علي خليل (يقيم في صيدا)، محمود طالب (يقيم في زوطر الشرقيّة)، طاهر حسين، موسى عيّاد (يقيم في الشعيتيّة)، محمود المختار العلي (أستاذ جامعيّ)، صلاح حمد (خارج لبنان)، أبو نزار عبد رجا (في أميركا)، علي رحيّل (الخليج)، محمد الحاج (الخليج) وشحادة مرزوق (توفي في حادث سير بين تركيّا وألمانيا) والراحلة وديعة الغفري من النبطية. ولاحقاً كان من متخرّجي هذه المدرسة العشرات من الأطبّاء والأكاديميّين”.
المخيّم والعمل الفدائيّ والحزبيّ
لم يكن تلامذة مدرسة الجاعونة يفرّقون بين أساتذتهم من فلسطينيّين ولبنانيّين سوى باللهجة المحكيّة. لم يكن اهالي المخيّم يتعاطون السياسة باستثناء قلّة من قدامى البعثيّين ممّن شكلوا في ما بعد نواة لتنظيم الصاعقة في أواخر العام 1968، وكان أوّل تنظيم مسلّح يدخل إلى المخيّم.
ثمّ دخلت إليه مجموعة من فتح بقيادة “أبو النعمان” الذي قام بتحرّكات اعتبرتها السلطات اللبنانيّة استفزازيّة، ما أدّى إلى اشتباك مع الجيش اللبنانيّ الذي هاجم المخيّم بهدف وضع حد لتصرفات المسلّحين الفلسطينيّين ممّن أتوا من خارج المخيّم.
لم يكن أهالي المخيّم يتعاطون السياسة باستثناء قلّة من قدامى البعثيّين ممّن شكلوا في ما بعد نواة لتنظيم الصاعقة في أواخر العام 1968، وكان أوّل تنظيم مسلّح يدخل إلى المخيّم.
كان ذلك بتاريخ 20 تشرين الثاني سنة 1969، وسقط على اثره عدد من القتلى والجرحى من أبناء المخيّم. وتدخلت الفاعليّات السياسيّة والاجتماعيّة والدينيّة، وعلى رأسها إمام النبطيّة في حينه، (الراحل) الشيخ جعفر صادق حيث عادت الأوضاع إلى هدوئها.
على إثر هذه الحادثة ظهر إلى العلن العمل العسكريّ الفلسطينيّ، وافتتحت العديد من المنظّمات مكاتب لها، واخذت تقوم بتدريبات عسكريّة بالإضافة إلى إجراء دورات تدريبيّة لعناصر الأحزاب اللبنانيّة، وأصبح المخيّم نقطة ارتكاز لوجستيّة للمقاتلين في العرقوب، خصوصاً بعد أحداث الأردنّ وطرد المنظّمات الفلسطينيّة في أيلول سنة 1970. (بعد هذا التاريخ أخذت تنطلق من المخيّمات مجموعات للقيام بعمليّات فدائيّة على الحدود مع فلسطين المحتلّة).
تحوّل مبنى “الصناعيّة” في المخيّم إلى مركز القوى الفلسطينيّة الحزبيّة والسياسيّة سنة 1968، التي تمركزت فيه وتوزّعت غرفه وجعلته منطلقاً للعمل الفدائيّ على نحو “الصاعقة” و”الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين” و”الجبهة الديموقراطيّة” وحركة فتح وغيرها. “وصار العديد من أبناء النبطية والجوار يتردّدون على المخيّم للتدرّب على السلاح والعمل الفدائيّ والمشاركة في المقاومة والنضال” يقول نمر.
ملاجئ هشّة تحولت مقابر جماعيّة
في أعقاب الاشتباك بين الجيش اللبنانيّ والمسلّحين الفلسطينيّين في مخيّم النبطية، بادرت الأونروا إلى بناء مجموعة من الملاجئ، لكي يحتمي الأهالي فيها إذا ما تعرضوا لأيّ هجوم أو اعتداء. ولكن من أسف شديد، وبدلاً من أن تحمي هذه الملاجئ سكّان المخيّم، تحولت إلى مقابر جماعية في أثناء الغارات الإسرائيليّة الوحشيّة عليه، بالطيران الحربي، ودفنت عائلات بأكملها تحت أنقاض الملاجئ، منها عائلة “أبو غالب”.
في أعقاب الاشتباك بين الجيش اللبنانيّ والمسلّحين الفلسطينيّين في مخيّم النبطية، بادرت الأونروا إلى بناء مجموعة من الملاجئ، لكنها تحولت إلى مقابر جماعية في أثناء الغارات الإسرائيليّة الوحشيّة عليه.
وكان سكّان المخيّم قد استبدلوا أسطح منازلهم من “التنك” و”التوتيا” بسطوح اسمنتيّة، بعدما غادر مخفر الدرك اللبنانّي مقرّه في المخيّم، بعد تنامي العمل الفدائيّ المسلّح، واستفادة سكّان المخيّمات الفلسطينيّة، والقوى المختلفة من اتفاقيّة القاهرة.
النزوح الجديد من الشتات إلى الشتات
كان تاريخ 28 شباط العام 1972 بداية التدمير المنهجي للمخيّم، بواسطة إغارة الطيران الحربي الإسرائيليّ المعادي على سكّانه الآمنين، ثم توالت الغارات حتى تاريخ 14 أيّار العام 1974 حيث شنّ الطيران غارات تدميريّة أتت عليه بالكامل، وأتت كذلك على مبنى مدرسة الجاعونة التي تعرّضت لأضرار جسيمة في غارات 1970 و1972، حتّى كان تدميرها الكلّي سنة 1974 مع مبنى “الصناعيّة”.
بعدها اضطرّ سكّان المخيّم إلى النزوح نحو النبطية وكفررمان والجوار “في أعقاب كلّ عدوان على المخيّم، وخصوصاً بعد الغارات الهمجيّة المدمّرة كان سكّان المخيّم يلجأون إلى النبطية، كانت بيوت المدينة تقدّم مجاناً للنازحين من هول القصف والدمار.
لكن كان لا بدّ من التفكير بإقامة دائمة، فصار سكّان المخيّم يستأجرون في النبطية وكفررمان والنبطية الفوقا وكفرتبنيت والعديد من بلدات الجوار، إلى أن أتى لاحقاً مرسوم العام 1994 الذي أعاد لأهالي القرى السبع (أو الـ27 كما نعتبرها) الجنسيّة اللبنانيّة، حيث تجنّس أوّلاً نحو 50 ألفاً من أهالي هذه البلدات، ثمّ وصل عدد المجنّسين أو مستعيدي الجنسيّة إلى نحو ثمانين ألفاً” يقول نمر.
اضطرّ سكّان المخيّم إلى النزوح نحو النبطية وكفررمان والجوار، إلى أن أتى لاحقاً مرسوم العام 1994 الذي أعاد لأهالي القرى السبع الجنسيّة اللبنانيّة.
بعد التهجير الكلّي للمخيم، استأجرت الأونروا مبنى يعود إلى بشير المقدّم بين زبدين والنبطية، وأدار المدرسة المربّي يوسف أبو النعاج الذي بقي فيها إلى مطلع الثمانينيّات، حيث تراجع كثيراً عدد التلامذة فيها، فأقفلت. وفي النبطية، قلّصت الإنروا تقديماتها من الخدمات الدائمة إلى الخدمات الطارئة، فإلى حدود فتح عيادة طبيّة فقط في النبطية. ثم صارت تفتح مرتين أو أقلّ في الأسبوع الواحد.
بيان الأونروا سنة 1970
نشرت الأونروا على موقعها، العديد من الأخبار السابقة، منها خبر كانت قد وزّعته في العام 1970، تحت عنوان غارات اسرائيلية على مخيم النبطية، مفاده: “س 1970، أدّت غارات جوّيّة إسرائيليّة إلى تدمير مخيّم النبطية للاجئين الفلسطينيّين في لبنان، إلى جانب ثلاثة مخيمات أخرى.
وفي مخيّم النبطية لوحده، أصابت الغارات الجويةّ 80 بالمائة من المساكن التي شيّدتها الأونروا بالقوالب الخرسانيّة، والتي كان يقيم فيها أكثر من 3,000 لاجئ فلسطينيّ. وسارعت الوكالة على الفور إلى توفير البطانيّات والمؤن الغذائيّة للاجئين، كما باشرت بتنفيذ برنامج طارئ للتغذية ووحدة طبية متنقلة”.
في مخيّم النبطية لوحده، أصابت الغارات الجويةّ 80 بالمائة من المساكن التي شيّدتها الأونروا بالقوالب الخرسانيّة، والتي كان يقيم فيها أكثر من 3,000 لاجئ فلسطينيّ
ثمّة عوامل عديدة، حالت دون إعادة بناء مخيّم النبطية وعودة سكّانه إليه، هو المستأجرُ لمدة 99 عاماً، يقول موسى نمر: “بعد استئجار الإنروا الأرض من الراحل أحمد عبد الهادي الصبّاغ لصالح بناء المخيّم، اشترطت أن تكون للسكّان فقط وليس للتنظيمات الفلسطينيّة، وهذا ما تحوّل لاحقاً إلى عامل أخذ وردّ. ثمّ كان الاجتياح الإسرائيليّ في العام 1982 الذي ضغط باتّجاه منع إعادة بناء المخيّم حتّى لا يكون قريباً من الحدود اللبنانيّة مع فلسطين المحتلّة، وهذ ما نقله المدير العام للإنروا، في حينه، المدعو ميلز”.
ويتابع نمر:” ثم قُدّمت عرائض من بلديّة النبطية وتجمّع “نبطانيّ” مدعوماً من أهالي الكفور وزبدين تتضمّن رفضاً لإعادة بناء المخيّم في النبطية. ولعب التهجير الذي جعل العائلات النازحة من مخيّم النبطية تستأجر أو تستملك بيوتاً في أماكن لجوئها واستقرارها في الإقامة أو العمل أو التعليم دوراً غير مشجّع في إعادة بناء المخيّم، ناهيك عن تخوّف أبناء المخيّم الأصلييّن من الحركات المتشدّدة التي باتت تتّخذ من المخيّمات الفلسطينيّة مقرّاً لانطلاقها أو تحركاتها”.
الحنين إلى النبطية.. وقبور السابقين
ثمّة حنين ما زال يدفع بالعديد من أبناء المخيّم إلى زيارة النبطية مع أبنائهم المولودين في الخارج، كلّما سنحت لهم الظروف، “عندما يأتون من دول الاغتراب، أو يحنّون إلى أسواق النبطية و”السفيحة” وشواء اللحم وغيرها، ناهيك عن أن العشرات من أبناء المخيّم الراحلين مدفونون في جبّانة النبطيّة.
ويختم نمر: “لقد أخبرني جدّي أبو شهاب حمد دحويش أنّ وفداً من أبناء المخيّم زار مرّة إمام النبطية الراحل الشيخ جعفر صادق وطلب إليه تأمين قطعة أرض لتكون مقبرة للموتى من أبناء المخيّم، فردّ بأنّ النبطية لا تحتمل وجود مدفنين للمسلمين أو أن يتفرق المسلمون في الموت، فهذه جبّانة النبطية لنا ولكم، ونعامل أمواتكم بمثل أمواتنا”.