موجة إنفلونزا غريبة تجتاح بعلبك تصيب الأطفال وكبار السنّ
في مطلع كلّ شتاء، وتبدّل درجات الحرارة وتغيّر الطقس، يتعرّض معظم المواطنين اللبنانيّين، ومنهم أبناء البقاع الأوسط إلى موجة من الأنفلونزا إذ تحدث بشكل اعتياديّ في مثل هذا الموسم من كلّ عام، إلّا أنّها كانت مختلفة هذه المرّة عن سابقاتها بأنواعها وأعراضها وقوّتها ونسبة الذين أصيبوا بها.
فعديد المصابين بالأنفلونزا في المنطقة يتزايدون بشكل مضطرد يومًا بعد يوم، وعيادات الأطباء يزورها المرضى بأعداد كبيرة نسبيًّا، فضلًا عن الصيدلّيات التي تستقبل العشرات لتلقّي الأمصال والأدوية، ناهيك عن المستشفيات التي يدخلها عدد لا بأس به من المصابين على مدار اليوم.
تعدّدت التشخيصات والأسماء الطبّيّة لمرض الأنفلونزا المنتشر بنسبة متفوّقة في المنطقة، فمنهم من يرجّح أنّه ڤيروس كورونا، ولكنّه بنسخة أخفّ وطأة من كورنا الأولى، ويرمز إليه بـN1H1 . ومنهم من يذهب إلى أنّه من مشتقّات الأنفلونزا العاديّة؛ في حين رأى بعض آخر أنّه ڤيروس جديد بأعراض متشابهة، مختلفة قليلًا في ما بينها.
يكاد لا يخلو بيت من بيوت المنطقة من وجود إصابة أو أكثر، بما أطلقوا عليه تسمية “كريب قوي”، ولاحظوا أن “كريب” هذه السنة أقوى وأصعب من أي سنة مرّت، من ناحية استغراق مدة الشفاء منه طويلاً، وتأثيره الكبير على حركتهم وأعمالهم اليوميّة، إذ اضطر غالبيتهم إلى ملازمة الفراش، بسبب شدّة الأعراض والأوجاع، أيامًا عديدةً، فيما يلحّ السؤال على الدوام: هل عادت كورونا مرةً أخرى؟
الأمر ليس مزحة
للوقوف على حقيقة موجة “الكريب” التي تجتاح المنطقة، وأسبابها وكيفيّة التعامل معها، التقت “مناطق نت” طبيب الصحّة العامّة عبد الإمام شحيتلي فرأى “أنّ موجة “الكريب” التي تتعرّض لها غالبيّة سكّان البقاع الأوسط ومنطقة غربي بعلبك خصوصًا، هذا الموسم، تختلف عمّا كانت عليه في السنوات الماضية لجهة الأعداد المصابة وتنوّع الأعراض ومدّة الشفاء”.
وقال: “إنّنا أمام فيروس من نوع جديد أقوى من “الكريب” العاديّ، حيث إنّ العلاج المنزليّ، أحيانًا، لا يكون كافيًا للشفاء، وغالبًا ما تستدعي بعض الحالات دخول المشافي بسبب أعراض كثيرة منها: الإصابة بالتهابات في الرئتين أو التهابات في الدمّ، خصوصًا لدى كبار السنّ والأطفال” .
وأكّد أنّه يستقبل في عيادته الخاصّة والمركز الصحيّ الذي يعمل فيه، يوميًّا، بين 15 و20 حالة مصابة بالفيروس. “وهذا رقم كبير ولا يستهان به في منطقة جغرافيّة محدّدة، ويجب التوقّف عنده، لأنّه مؤشّر لأكثر من “كريب” عاديّ، لا سيّما وأن مجتمعنا غير واع صحّيًّا، كما وأنّ الأوضاع المادّيّة الضاغطة تلعب دورًا كبيرًا في تأخير زيارة المريض الطبيب في بداية أعراضه، ممّا يفاقم المشكلة أكثر”.
الطبيب عبد الإمام شحيتلي: إنّنا أمام فيروس من نوع جديد أقوى من “الكريب” العاديّ، حيث إنّ العلاج المنزليّ، أحيانًا، لا يكون كافيًا للشفاء، وغالبًا ما تستدعي بعض الحالات دخول المشافي.
وأخيرًا يعتقد شحيتلي أن هذه الموجة التي تعمّ المنطقة لا تزال تحت خطّ الخطر “ولكن في المقابل من الضروريّ والواجب التعامل معها بجدّيّة ومسؤوليّة وعدم الاستهتار بها، لأن الأمر ليس مزحة، ففيه سلامة الناس.”
“فيروس الصفعة”
من جهته يقول الطبيب الدكتور علي الأشهب (طبيب أطفال) لـ”مناطق نت”: “إنّ فيروس الأنفلونزا يصيب الناس عادةً في فصل الشتاء، ولكنّه أتى هذه السنة قويًّا نوعًا ما عن السابق، بحيث تطوّر وتفرّع إلى أكثر من نوع؛ منه الـ B ومنه الـ E وأنواع أخرى تختلف من شخص إلى آخر”.
وعن أعراض المرض وتأثيراته على الجسم يقول: “إنّ أعراض الفيروس تبدأ بأوجاع في الرأس والمفاصل وسعال، وقد يترافق ذلك مع حمّى وإسهال وتقيّؤ، بحسب طبيعة كلّ جسم، أيّ أنّه يشبه بأعراضه فيروس كورونا من النوع الأوّل N1H1 لكنّه أقلّ خطورة”. ويتابع: “إن أعراضًا جديدةً مضافةً إلى الأولى لاحظنا وجودها عند بعض المرضى، وهي حدوث إحمرار في الوجه بما يشبه الصفعة، لذلك راح بعضهم يطلق عليه تسمية “فيروس الصفعة” وهو ما يُعبّر عنه طبّيًّا بفيروس “بارفو B19”.
عن كيفية التعامل مع هذا الفيروس يقول الطبيب الأشهب: “نبدأ، أوّلًا بالانتظار 48 ساعةً قبل البدء بالعلاج، لأنّ كثيرًا ما يرتاح المريض خلال هذه المدّة، والأفضل أن يكون الشفاء ذاتيًّا من دون دواء. أمّا بعد بقاء الأعراض إلى ما بعد المدة المسموح بها، خصوصًا مع ترافقها بحمّى، فحينها نبدأ بالمضادّات الحيويّة على ألّا نزيد على ذلك، طالما أنّ المريض يتعالج منزليًّا. وفي حال تطوّر الأمر إلى أكثر من ذلك، فلا بدّ من دخول المستشفى”.
ويؤكّد أنّ نسبة أعداد المصابين بالفيروس الجديد في المنطقة ليست بسيطة وليست بالسهلة “فنحو سبعة بالمئة من المصابين بالفيروس الجديد يدخلون المشافي لتلقّي العلاج بسبب سوء حالتهم الصحّيّة، وغالبيّة المصابين هم من فئة الأطفال والمسنّين والحوامل، كون هؤلاء لا يتمتّعون بالمناعة الكافية لمحاربة المرض.”
مواجهة المرض وإرشادات
يرى الدكتور الأشهب أنّ خطة التعامل مع فيروس الانفلونزا المعتمدة، حاليًا، “تترواح بين استشفاء ذاتيّ منزليّ وآخر في المشافي، لكنّ هذه الخطة تُبقي جميع الأشخاص عرضةً للإصابة بالمرض في أيّ وقت ولا تبعده او تتجنّبه”. لكنّه يلحّ على “الخطّة الوقائيّة غير المفعّلة في مناطقنا ومجتمعاتنا، وحتّى على مستوى البلد ككلّ”.
تعتمد هذه الخطة على وجوب تلقّي اللقاحات الخاصّة بالفيروس خلال شهريّ آب/ أغسطس وأيلول/سبتمبر أي قبل بداية فصليّ الخريف والشتاء، حيث أنّ الأنفلونزا تنشط فيهما، وبذلك نوفّر على أجسامنا مرضًا ودواءً”.
“إنّ أكثر ما ينقصنا في مجتمعاتنا، وهو تلقائيّ في الدول الغربيّة، هو الإدراك بكيفيّة التعامل مع أيّ عرض أو مرض صحّيّ يواجهنا في حياتنا” يقول الأشهب ويدعو الجميع “من أطبّاء وهيئات صحّيّة وجمعيّات أهليّة وبلديّات وغيرها إلى تحمّل المسؤوليّة الكاملة في تقديم التوعيّة والإرشادات الصحّيّة الخاصّة بالمواطن؛ فهذا من شأنه ان ينعكس إيجابًا على صحّة وسلامة الأفراد وبالتالي على بناء مجتمع صحّيّ سليم.”