نساء حوامل في مهب النزوح معاناة متفاقمة وظروف صعبة

لا تُعدّ أو تُحصى المشاكل الناجمة من النزوح وتداعياته الكارثية على مختلف الصعد، وقد شكل نهار الإثنين الـ 23 من أيلول (سبتمبر) الماضي بدء توسّع رقعة الحرب نموذجًا صارخًا بعد احتجاز عشرات آلاف المواطنين في سياراتهم لساعات طويلة، قبل أن تبدأ رحلة المعاناة التي كبرت ككرة ثلج ولا تزال مستمرة حتى الآن.

في أثناء الازدحام الخانق وتوقّف حركة المرور كليًّا لساعات طويلة، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مناشدات بأن هناك امرأة “حامل” بحاجة للوصول إلى المستشفى كي تضع مولودها. ناشد زوجها من يستطيع المساعدة قائلًا “مرتي إجاها الطلق ونحن علقانين بالسيارة، بطلب من أي شخص لديه دراجة نارية بالتوجه إلينا ونقل زوجتي إلى المستشفى بأسرع وقت”.

ما جرى ذلك النهار من حالات طارئة مشابهة، وهي كثيرة، تثبت أن خطة الطوارئ التي حُكي عنها طويلًا، ليست سوى حبر على ورق، وأن الناس متروكة لقدرها، فالدولة في ذلك النهار لم تستطع حتى فتح الطرقات وتنظيم السير الذي امتد عشرات الكيلومترات، وهو عكس عجزًا مخيفًا وغيابًا لأبسط إجراءات الطوارئ.

الرحلة الأصعب، قلق وخوف من المجهول

مع كل غارة وصوت عنيف كنت أعتقد أنني فقدت جنيني”. هذا ما ترويه عبير وهي نازحة من الجنوب وحامل في شهرها السابع لـ “مناطق نت”. تتابع: “بعد 11 شهرًا من الحرب المتواصلة على غزة ولبنان لم أشعر بالخوف كما نهار الإثنين. كنت نائمة في فراشي التي أشتراها لي زوجي لأنني أعاني من وجعٍ دائمٍ في أسفل ظهري. استيقظت على حربٍ مندلعةٍ في كل الجنوب، ولم يبقَ لي سوى خيار الهرب إلى منطقة أكثر أماناً من مكان تواجدي”.

عبير: مع كل غارة وصوت عنيف كنت أعتقد أنني فقدت جنيني. بعد أحد عشر شهرًا من الحرب المتواصلة على غزة ولبنان لم أشعر بالخوف كما نهار الإثنين. كنت نائمة، استيقظت على حربٍ مندلعةٍ في كل الجنوب

تضيف عبير: “خلال توجهنا إلى صيدا، بدأت أشعر بالقلق والتوتر الشديدين نظراً إلى توقف السير بشكلٍ كاملٍ، ازدادت الحال سوءاً بعد القصف الذي طاول الطرقات المليئة بالناس الهاربين. في لحظةٍ شعرت أنني أفقد الأمل وأنني غير قادرة على إكمال الطريق وأنني سأموت في هذه اللحظة أنا وابنتي التي لم ترَ شيئاً من الحياة بعد”.

تردف عبير: “قلت لزوجي والدموع تنهمر من عيوني: إذا بموت حاول أن تُبقي ابنتنا على قيد الحياة وحاول أن توفّر لها حياةً أكثر أمناً من حياتنا”. بعد نحو سبع ساعات في السيارة نفدت منّا المياه، لكن كان هناك بعض الشبان والشابات أحضروا لنا زجاجة مياه ومحارم. كل هذا وما زلنا في الجنوب، إذ لا مؤشرات تدلّ على أننا سنصل إلى بيروت”.

تكمل عبير بحسرة: “والآن، إلى أين؟ لا مأوى لنا ولا سقف نشعر تحته أننا بأمان، ولكن مقارنةً بوضع بقية المناطق، هنا أفضل مكان. توجهنا إلى شارع الحمرا، الذي كان بدأ يمتلئ بالنازحين. أناسٌ تفترش الأرصفة، أولادٌ في الشوارع، فوضى وضياع، بتنا متروكين لمصيرنا”.

مواطنون يواجهون مصيرهم

عن دور الدولة ووزارة الصحة تجيب عبير “أيّ دولة وأي وزارات؟ منذ ذلك الوقت أنام وزوجي في موقفٍ للسيارات في الليل، وفي النهار نتنقّل قدر المستطاع بسبب وضعي بين طرقات شارع الحمرا. فأنا بحاجة إلى فرشة وإلى أدوية وفيتامينات و مهدّئات وغيرها”.

حاول زوج عبير استئجار منزل يلجأون إليه، لكن بدل الإيجارات كان خارج قدرتهم. تقول عبير: “في كل مرة كنا نتواصل فيها مع صاحب شقةٍ للإيجار، نُصدم بالأرقام الخيالية التي نسمعها، مع شروط بدفعات مسبقة، وفي بعض الأحيان كنا نلجأ إلى سماسرة، ما يعني أنه علينا أن ندفع عمولة لهم. مصاريفٌ لا يمكن تحمّلها في حين أن زوجي خسر عمله في الجنوب وليس لدينا أي مدخول”.

غياب الحد الأدنى من التجهيزات في مراكز الإيواء يزيد من معاناة النساء الحوامل

توجّهت عبير إلى أحد مراكز الإيواء لحظة الإعلان عن فتحها أمام النازحين. تقول: “توجّهت إلى أكثر من مدرسة لأكتشف أن الوضع أسوأ مما هو عليه في الخارج، أماكن مغلقة مكتظّة بالناس، هنا أعداد هائلة في الغرفة نفسها التي تفتقد إلى التهوئة، إشكالات عديدة بين النازحين على المساعدات من مواد غذائية وفرش”.

“فضّلت البقاء في الخارج، في الهواء الطلق، كي أتجنّب الفيروسات المتنقلة بسبب ازدحام المراكز. لم أكترث إلى صحتي، بل إلى صحة جنيني، سأفعل كل شيء كي أبقى على قيد الحياة وأراها، أريد أن أعدها بحياةٍ طبيعية، طفولة سليمة ومستقبلٍ أفضل” تختم عبير.

من قلب المعاناة

حال ياسمين لا يختلف كثيراً، هي نازحة من بلدة كفردونين الجنوبية وحامل في الشهر الثامن. تقول لـ “مناطق نت”: “يوم الإثنين الـ 23 من أيلول اضطررنا إلى الخروج من بلدتنا، زوجي وابني وأنا ومولودي الذي أنتظره وأنا لا أعرف ما إذا سأبقى على قيد الحياة إلى حين موعد الولادة. فنحن إن لم نمت من القصف، سنبقى معرّضين للخطر بسبب سوء حال مراكز الإيواء”.

تتابع ياسمين: “لجأت إلى مدرسة في الدكوانة بعد أن أمضينا النهار بأكمله على الطريق نبحث عن مكانٍ للنجاة، في ظل قصف عنيف تعرّضنا له، سواء في بلدتنا أو على الطريق في أثناء هروبنا. كانت الطريق بمثابة جحيمٍ حقيقي، ولم أكن أعرف إذا كنت قادرة على الصمود أم لا.

ياسمين: لجأت إلى مدرسة في الدكوانة بعد أن أمضينا النهار بأكمله على الطريق نبحث عن مكانٍ للنجاة في ظل قصف عنيف تعرّضنا له سواء في بلدتنا أو على الطريق أثناء هروبنا. كانت الطريق بمثابة جحيمٍ حقيقي.

تضيف ياسمين: “الدولة غائبة تماماً ولا تقوم بدورها، وكأننا لا نحمل الهوية اللبنانية ولا ندفع الضرائب، نقوم بواجباتنا على أكمل وجه، فهكذا نُعامل في نهاية المطاف عندما نكون محتاجين؟ لدينا نقص في جميع المواد والمستلزمات الطبية. فأنا بحاجة إلى فيتامينات ومكمّلات غذائية وحالياً أعاني من فطريات جلدية. أيضاً أنا بحاجة إلى طبيب\ة نسائي\ة من جديد، فالطبيبة التي كنت أتابع معها بقيت في الجنوب، وبحاجة لاحقاً إلى حليب وسرير صغيرٍ. كل هذا يفوق قدرتنا المادية بسبب خسارة مصدر رزقنا في الجنوب. فنحن بحاجة ماسة إلى تغطية الكلفات”.

تختم ياسمين: “هناك بعض المساعدات التي تصل إلى المركز ولكن هي مبادرات فرديّة فقط، لا حلّ جدّي في الأفق لهذه الكارثة ولا يمكن الاستمرار على هذا الشكل”.

بوادر أمل في ظلّ الحرب

تشير مسؤولة برنامج تمكين المرأة والصحة الجنسية والإنجابية في مؤسسة عامل لمى عجروش لـ “مناطق نت” إلى أنّه “منذ الأيام الأولى للحرب تتواجد فرق ميدانية للإستجابة إلى حالات الناس من خلال خطة طوارئ جاهزة”.

أمّا في ما يتعلّق بالتقديمات الصحية، تقول عجروش: “من خلال العيادات المتنقّلة، نقوم بجولاتٍ على مراكز الإيواء لتقديم الخدمات الطبية الأساسية وتأمين الأدوية، ويقوم أيضاً فريق من المعالجين النفسيين بتقديم المساعدة اللازمة”.

تتابع: “خدمة الصحة الإنجابية هي أساسية بالنسبة للمؤسسة، تقوم بها من خلال قابلات قانونيات في العيادات المتنقّلة، ومن خلال شبكة مراكز الرعاية الصحية الأولية، بحسب لائحة وزارة الصحة ونطاقها الجغرافي وقربها من مركز الإيواء، فهناك خدمات لا يمكن تقديمها عبر العيادات المتنقلة، لذلك بعض الحالات تحتاج إلى مركز رعاية صحية”.

حول ذلك تشرح عجروش: “من خلال فريق العمل والقابلات القانونيات والأطباء النسائيين، يتم تقديم خدمة المعاينة الطبّية، خدمة المشورة للمرأة الحامل، ووصف مجموعة من الأدوية من قِبل القابلة القانونية بحسب النقابة، بالإضافة إلى تأمين الفيتامينات والمكملات الغذائية وكل ما تحتاجه المرأة الحامل لضمان فترة حمل آمنة والتحضر لولادة آمنة”.

وتشير عجروش “إلى أن المؤسسة تؤمن أيضاً المعاينات الطبية والفحوص، بالإضافة إلى التصوير بالموجات فوق الصوتية (Echography) وهذه الخدمة موجودة أيضاً في العيادات المتنقلة التي تجول على مراكز الإيواء للكشف على المرأة الحامل والتأكد من سلامتها وسلامة الجنين، مع التحضير للولادة، علماً أنّه لحد الآن من غير المسموح قانونياً القيام بعملية الولادة خارج القطاع الاستشفائي، لكن المؤسسة تتولى ذلكبالتعاون مع الجهات الضامنة وبالتنسيق مع وزارة الصحة”.

تختم حديثها بأنّه من المهم الإشارة في حال عجزت المؤسسة عن تقديم خدمةٍ معيّنة، تسعى تلك الأخيرة دوماً إلى الإحالة من خلال شبكة الشركاء الفاعلين في قطاع الصحة، بسبب شحّ الموارد ودقّة توفيرها أحياناً. أخيراً تم تفعيل خدمة الخط الساخن بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والتنمية (UNFPA)، وكاريتاس (Caritas) للاستجابة إلى الحالات المستعجلة، أي الولادات المرتقبة، بالإضافة إلى لوائح للجهات الضامنة. نحرص على تأمين ولادة آمنة وسليمة لجميع النساء الحوامل في ظلّ الأزمة الراهنة.

الجدير ذكره أن مؤسسة عامل لديها 40 مركزاً تتوزّع على عدّة مناطق لبنانية بالإضافة إلى 12 عيادة متنقّلة ووحدات تعليم وحماية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

زر الذهاب إلى الأعلى