نكبة حوادث السّير جنوبًا.. وأيلول يتصدّر القوائم

كان شهر أيلول (2023) المنصرم، حافلاً بحوادث السير، على طرقات الجنوب، لا سيما على اوتوستراد صيدا- صور، الذي يبلغ طوله نحو 35 كيلومتراً، (بعد الانتهاء من تنفيذه) موقعة أكثر من عشر ضحايا، جلهم من الشبّان، في عمر الورود، إضافة إلى عشرات الجرحى والخسائر المادّيّة الكبيرة، فيما تصدَّر الشهر ذاته، أكبر عدد من الضحايا في عموم لبنان، منذ سبع سنوات، إذ بلغ 41 ضحيّة، بينما بلغ عدد الضحايا الإجمالي في خلال العام الجاري 295.

لا يوجد سبب واحد، لسقوط ضحايا حوادث السير بالجملة، على طرقات وأوتوسترادات لبنان، لكن ما يجمعها عنوان أساسي، هو السلامة المروريّة المفقودة إلى حدّ كبير، خصوصاً في السنوات الأخيرة، في ظلّ تدنّي أعمال صيانة وتأهيل الأوتوسترادات (على وجه الخصوص)، التي تشهد عادة سرعة وفوضى وحركة كبيرة للدرّاجات الناريّة. فأوتوستراد صيدا- صور، الممتدّ من آخر بلدة الغازيّة لجهة صيدا، وحتى برج رحال (صور)، حيث توقّفت الأعمال في تلك المنطقة باتّجاه صور منذ نحو أربع سنوات، شهد في أيلول المنصرم حوادث سير دامية في أكثر من محلّة ونقطة، لا سيّما في منطقة عدلون- انصاريّة، على مقربة من “مقام النبي ساري”، إذ سقط قتيلان سوريّان بحادث مروّع، كانا مع آخرين على دراجات نارّية.

سبقه حادث كبير على الأوتوستراد عينه في بلدة الغازيّة، راح ضحيّته زوجان لبنانيّان هما أحمد علي خزعل وزوجته منى قاسم من بلدة انصاريّه (نجت طفلتهما بأعجوبة)، إضافة إلى الشاب حسين واصف نعمة من بلدة حبوش الذي قضى دهساً بسيّارة الزوجين القتيلين. ثمّ وبعد أسبوع، قضت الصبيّة ميّ أحمد بيطار من النبطية قرب “مقام النبي ساري”، على أوتوستراد صيدا- صور.

فعلى طول هذا الأوتوستراد، الذي بدأ به العمل، قبل اكثر من خمسة وعشرين عامًا، وعمل على تنفيذ القسم الأكبر منه تجمّع شركتي قاسيون (السوريّة) والاتّحاد للهندسة والمقاولات اللبنانيّة، وكان من المقرّر أن تنتهي الأعمال فيه في العام 2003، تغيب عنه بالدرجة الأولى الإنارة منذ فترة طويلة، وإشارات السير، وتكثر فيه الحفر والتعرّجات والإنخسافات، التي تتمدّد يوماً بعد يوم، بفعل (تعذّر) الصيانات المطلوبة والضروريّة، من جانب وزارة الأشغال العامّة، المسؤولة عن الطرقات العموميّة.

يكثر الحديث العام، عن وجود خلل في إنشاء الأوتوستراد (عيوب بنيويّة) بعد تكرار الحوادث عليه. هذا الكلام لا يوافق عليه أكثر من مهندس مشرف ومنفّذ. أمّا عن كثرة الحوادث بالقرب من منطقة “مقام النبي ساري”، فيعزيه البعض (اجتهاداً) إلى “لعنة النبي ساري”، الذي تحوّل مقامه إلى مزار دينيّ كبير، وذلك على خلفيّة اقتطاع جزء من العقار المُنشأ عليه المزار لصالح الطريق (الاوتوستراد).

من ضحايا حوادث السير في الآونة الأخيرة أحمد خزعل ومنى قاسم (نجت طفلتهما بأعجوبة)
“يازا”… خطر ظاهرة الدرّاجات الناريّة

يصف المحامي زياد عقل، مؤسّس جمعيّة “يازا” (YASA) المتابعة للسلامة المروريّة، الوضع على طرقات لبنان بالكارثيّ، ويقول لـ “مناطق نت”: “للأسف، لا يوجد في لبنان دقّة حول أرقام الضحايا، وهذا الأمر بحدّ ذاته مشكلة بالنسبة إلى السلامة المروريّة. الحوادث تزداد بشكل فظيع ومتواصل، في ظلّ غياب شامل لتطبيق القانون. ووزارة الداخليّة والبلديّات وقوى الأمن الداخليّ لديهما دور كبير وأساس في ردع المخالفين، لكن!”.

ويتابع عقل: “إنّ المواطن اللبنانيّ، أو النازح السوريّ، أو أيّ ضيف على الأراضي اللبنانيّة، يجب عليهم الإلتزام بقانون السير اللبنانيّ. والمؤسف أن هذا الشيء لا يحصل إطلاقاً. نحن في اليازا انذرنا مراراً وتكراراً من ظاهرة الدرّاجات الناريّة التي تجتاح البلد، وبالتالي ليس لدينا خيارٌ سوى بتطبيق صارم للقانون على جميع مستخدمي الطرقات، وبخاصّة الدرّاجات الناريّة. إنّ قانون السير يجب أن يطبّق على اللبنانيّين وغير اللبنانيّين، كما يطبّق في سوريا وغيرها من البلد العربيّة والغربيّة، حيث كلّ بلد يطبّق قانون السير على جميع السائقين على طرقاته وأراضيه”.

مؤسّس جمعيّة “يازا” (YASA) المحامي زياد عقل

ويقول عقل: “هناك جهد لصيانة الطرقات، نتمنى أن يُفعّل أكثر. وبالتأكيد هناك مشاكل في الطرقات، تسبّب الحوادث المميتة، بيد أنّ المشكلة الأكبر، هي مشكلة سلوكيّة مستخدمي الطرق، وخصوصاً عند سائقي الدرّاجات الناريّة في ظلّ غياب شبه كامل لتطبيق القانون”. مشدّداً على دور الإعلام ” في الإضاءة على هذه المشاكل. ويفترض كذلك أن نبذل جميعنا جهوداً في هذا الخصوص، والكفّ عن تقاذف المسؤوليّات”.

ويضيف عقل إلى “مناطق نت”: “إنّ البلديّات تحمّل وزارة الأشغال المسؤوليّة، وكذلك وزارة الأشغال تحمّل وزارة الداخليّة ومجلس الإنماء والإعمار المسؤوليّة، لذلك يجب ألّا تضيع المسؤوليّة وعلى كلّ هذه الجهات والمرجعيّات القيام بعمل مشترك وجدّي للحدّ من تفاقم الأمر وسقوط الضحايا بشكل يوميّ تقريباً”..

ويؤكّد وجود “مشاكل إنشائيّة في الأوتوسترادات بكلّ لبنان، لكنّ المشكلة الكبيرة، تتمثّل بغياب ثقافة الصيانة، بينما الأوتوسترادات جميعها بحاجة إلى صيانة مستمرّة، والصيانة عادة لا تكون فيها إفادة على الطريقة اللبنانيّة، فيتهرّب المتعهّدون من مشاريع الصيانة”.

عقل: هناك مشاكل في الطرقات، تسبّب الحوادث المميتة، بيد أنّ المشكلة الأكبر، هي مشكلة سلوكيّة مستخدمي الطرق، وخصوصاً عند سائقي الدرّاجات الناريّة في ظلّ غياب شبه كامل لتطبيق القانون.

عشرون ألف ضحيّة في عشرين عامًا

أنهى المقدّم في قوى الأمن الداخلي ميشال مطران، خدماته في قوى الأمن قبل أيام معدودات، بعدما أمضى القسم الأكبر منها في قطعات خاصّة بالسلامة المروريّة، وتمّ توقيفه في إبان خدمته في “السلك” أكثر من مرة، على خلفيّة نشر “بّوستات” حول الخلل في معالجة مشكلة تفاقم حوادث السير.

أعلن مطران- بعد قبول إستقالته- عن تأسيس “المرصد اللبنانيّ للسلامة المروريّة”، لدىJUSTICIA وترؤّسه لهذا المركز. ويقول: لـ “مناطق نت”: “إنّ المركز، سيعمل على تحسين التشريعات المتعلّقة بالسلامة المروريّة، والضغط على المعنيّين، وفي الوقت نفسه تقديم بدائل علميّة ومنطقيّة قابلة للتحقيق، بحسب إمكانات لبنان”.

ويقول في بيان كان قد نشره في أعقاب الإعلان عن نشوء “المرصد”: “إنّ أوّل ما يجب عليّ فعله هو تسديد دينكم جميعاً، وشكركم يوم كنتم إلى جانبي وجانب زوجتي وعائلتي في أوقات الشدّة. قضيّتي هي قضية أولادكم وقضيّة ٢٠ ألف ضحيّة ماتوا على الطرقات منذ التحاقي بالوظيفة العامّة في العام 2003 ولم يحصل أيّ منهم على تعويض أو حتّى مواساة”.

المقدّم ميشال مطران

ويضيف: “هي أيضاً قضيّة 240 ألف جريح في المدة عينها، لملموا جراحهم مع جراح البلد، وتمّ إيهامهم أنّ سبب الحادث هو خطأهم فقط؛ وإنّها أيضاً قضيّة إدارات فاشلة Failed Administrations  ومفلسة بالمعنى الشامل للإفلاس، ويمكن لأيّ مدقّق أن يجد في ميزانيّاتها مليارات الدولارات صُرفت على شبكة طرق تصنّف اليوم بـ “الأكثر إماتة” في العالم”.

ويختم مطران: “إنّ السلامة المروريّة هي قصّة حياة بالنسبة لي، فقد دخلت قوى الأمن الداخلي بهدف تمتينها، وسُجنت لأكثر من مرّة، وتقدّمت بإستقالتي بهدف تعزيزها، حينما أُقفلت بوجهي كلّ السبل إليها من الداخل الوظيفيّ. إنّني سعيد بعودتي مواطناً مدنيّاً، مواطناً فقط، بلا لقب، بالرغم من حبّي لما يجب أن تمثّله البزّة العسكرية من قِيم وعنفوان وشرف. إنّنا لن نتنازل عن السلامة المروريّة كحقّ من حقوق الإنسان”.

مطران: إنّها قضيّة إدارات فاشلة ومفلسة، ويمكن لأيّ مدقّق أن يجد في ميزانيّاتها مليارات الدولارات صُرفت على شبكة طرق تصنّف اليوم بـ “الأكثر إماتة” في العالم.

“حُولٌ صمّموا الأوتوستراد”

يستغرب رئيس بلدية اللوبية (الزهراني- صيدا)، رئيس اتّحاد بلديّات الزهراني علي مطر “تسليط الضوء على أوتوستراد الزهراني فقط في موضوع حوادث السير. إنّ الحوادث ليست مختصرة ومحصورة على هذا الأوتوستراد الذي يحمل اسم الأمام المغيّب السيّد موسى الصدر، فالحوادث تحصل في كلّ لبنان، وكذلك على أوتوستراد الزهراني- النبطيّة أيضاً، والأسباب عديدة”.

ويضيف لـ “مناطق نت”: “كلّ طرقات لبنان، منذ أربع سنوات، أصبحت بلا صيانة، نتيجة انهيار العملة وعجز الوزارة المعنيّة عن التلزيم، وتهرّب المتعهّدين، خشية عدم قبض أموالهم. هناك بعض الثغرات على اوتوستراد صور- الزهراني في محلّة جسر البيساريّة، حيث كان يوجد انخساف منذ نحو سبع سنوات، تمّت معالجته في حينه، لكن هذا الإنخساف ظهر من جديد، وبالتالي يُفترض معالجته. كما أنّ هناك بعض الحفر موجودة قبل مفترق البيساريّة، تمّت معالجتها أخيراً. إلى وجود طبقة من الإسفلت متصدّعة قبل مقام النبي ساري (عدلون) إضافة إلى وجود آثار حرق الإطارات وانخسافات مختلفة”.

رئيس اتّحاد بلديّات الزهراني علي مطر

ويشير مطر إلى أنّ “بعض الفتحات على الأوتوستراد لا تراعي السلامة العامّة، لأنّ الدولة في أثناء التنفيذ لم تأخذ بعين الإعتبار شروط السلامة، ووافقت على إنشاء فتحات ومخارج على القرى والبلدات، وهنا تكمن المشكلة في تصميم الأوتوستراد، المتعهد التزم بشروط الدولة، وهذه مشكلة كبيرة تعاني منها البلدات، مثل عدلون والبيساريّة”. لافتاً إلى “أنّ الذين صمّموا الأوتوستراد عندهم حَوَل، وعلى وزارة الأشغال تسوية هذا الموضوع. لقد وضع الإتّحاد مُخطّطاً لتصحيح الوضع، لذلك نطلب إلى المواطنين التزام السلامة المروريّة، وتخفيف السرعة، وعدم القيادة بعكس السير، والتحدّث بالهاتف وغيرها”. مؤكّداً ضرورة كبح مخالفات الدراجات الناريّة.

وتحدّث مطر عن أنّ “إتّحاد بلديات الزهراني كان يقوم منذ العام 2010 بصيانة الأوتوستراد ضمن إمكاناته المادّيّة واللوجستيّة، واستمرّ بذلك حتّى انهيار العملة اللبنانيّة”. ويشير إلى “أنّ للبلدات الموجودة على جانبي الاوتوستراد، حقّهم بوجود مخارج تراعي السلامة العامّة، والانتقال السليم نحو كلّ بلدة. وعلى الوزارة الموافقة على اعتماد هذه الفتحات للاستفادة من هذا الأوتوستراد”. مشدّداً على ضرورة تركيب “جوانات” لجسر الداوديّة، و”نأمل أن تفي وزارة الأشغال بتعهّداتها لمعالجة هذه القضية”.

جدول بعدد ضحايا حوادث السير في شهر أيلول خلال السنوات السبع الماضية:

33 ضحيّة أيلول 2017
33 ضحيّة أيلول 2018
40 ضحيّة أيلول 2019
40 ضحيّة أيلول 2020
31 ضحيّة أيلول 2021
24 ضحيّة أيلول 2022
41 ضحيّة أيلول 2023

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى