وحش البرد يقترب بقاعًا ومراكز الإيواء بلا تدفئة
بعد مرور أكثر من شهر على بدء توسّع دائرة الحرب والتي طالت مناطق كثيرة في لبنان، وأدّت إلى ارتفاع أعداد النازحين بشكل كبير، بدأت المآسي تتكشَّف أكثر فأكثر، وتتمثّل بالاحتياجات الضروريّة والطارئة للناس، لا سيَّما أنّنا أصبحنا في شهر الخريف والذي يُنذر بوصول وحش البرد على أبواب الشتاء، فالمدارس التي تحوّلت إلى مراكز إيواء تحتاج إلى كُلّ شيء كي تصبح أماكن ملائمة للإقامة الموقّتة والطارئة وصالحة للعيش.
بالإضافة إلى صعوبة تأمين حاجيّات الغِذَاء، النظافة، الطبابة، ومُقَوِّمات البقاء الحياتيَّة، فإنَّ مواجهة البرد القارس وتأمين موادّ التدفئَة، يُعتبر التحدّي الأكبر وأولويّة ضاغطة تتقدّم على سواها، إذ هناك استحالة للإقامة في مراكز الإيواء من دون تأمين ذلك وإلّا فالناس ستتجمّد من البرد.
المدارس غير مُجَهَّزة
عشرة آلاف نازح لبنانيّ، 4500 سوريّ، عشرات الفلسطينيّين النازحين من مخيّم الجليل في بعلبك، وفدوا جميعهم إلى عرسال، البلدة البقاعيّة ذات الطقس القارس شتاءً، والتي ترتفع عن سطح البحر 1400 متر. هذا الأمر لم يعتاد عليه النازحون الذين توافدوا من مناطق أقلّ برودة، وهم بدوا في الأيام القليلة ومع انخفاض درجات الحرارة وأوائل موجات البرد، مربكين خائفين، يطالبون الدولة الإسراع في تأمين موادّ التدفئة.
المدرسة الرسميَّة الأولى تحتضن 234 شخصًا موزّعين على 54 عائلة، موقعها الجغرافيّ بارد جدًّا كما يشرح مديرها الأستاذ حسَّان الحجيري إذ يقول لـ “مناطق نت”: “موقع المدرسة هو ضمن المنطقة الأكثر برودة في بلدتنا، نحن متأقلمون مع مناخنا، وعلى الرغم من ذلك نعاني هنا في المدرسة، فكيف لمن لم يعش هكذا ظروف مناخيّة قاسية من قبل، وأقصد الأخوة الضيوف الذين لا تتعرّض الأماكن التي يقطنوها إلى تساقط الثلوج، كما هو الحال عندنا، وبالتالي هم غير معتادين على برودة طقسنا، وهذه مشكلة كبيرة للأسف”.
حول المشاكل والصعوبات القائمة يلفت الحجيري إلى “أنّ غياب مادّة المازوت يشكّل عبئًا كبيرًا علينا بالتأكيد، لكنّ المشكلة الكبرى هي أنّ غرف المدرسة بلا أيِّ فَرْش “سجَّاد أو موكيت” يمتصّ البرودة ويرفع درجات الحرارة، فالنازحون يضعون فرش الإسفنج الآن على البلاط أثناء النوم، الأمر الذي يزيد من عامل البرودة، ويُسَبّب الأمراض للصغار والكبار، وهذا ما سيُدخلنا في مشكلة كبرى إذا لم يتمّ تداركها، وقد يتَسبَّب بالوفاة جرّاء الصقيع لا سمح الله”.
عن الاحتياجات والمستلزمات الضروريَّة التي تحتاجُها المدرسة كي يَتِمّ تجنيب الناس عواقب البرد، يقول الحجيري: ” الدولة مطالبة سريعًا بإرسال الموكيت والسجّاد لوضعه في الغرف، تأمين ألواح إسفنج وأغطية سميكة تناسب مناخنا، تأمين ثياب شتويَّة للناس، تجهيز الخَزَّانات ودورات المياه بالمعَدَّات الّلازمة لمنع تَجَمُد المياه شتاءً، تأمين الأدوية الضروريَّة في مراكز الإيواء، وقبل كلّ ذلك تأمين المازوت وأدوات التدفئة”.
“لا نملك ترف الوقت والانتظار، هذه الأمور يجب بَتها خلال أيّام قليلة، اليوم قبل الغد”، يختم الحجيري محذّرًا.
برد قارس لم نختبره
موجة البرد الفجائيّة التي ضربت مناطق البقاع الشماليّ، جعلت النازحين يَتَخَوَّفون ممّا هو آتٍ، مع غياب أيّ أفق واضح للحلّ ووقف إطلاق النار.
مدير المدرسة الرسمية الأولى الأستاذ حسان الحجيري: الدولة مطالبة سريعًا بإرسال الموكيت والسجّاد لوضعه في الغرف، تأمين ألواح إسفنج وأغطية سميكة تناسب مناخنا، تأمين ثياب شتويَّة للناس، تجهيز الخَزَّانات ودورات المياه بالمعَدَّات الّلازمة وغيرها
محمود العِسْ أحد النازحين مع عائلته إلى معهد عرسال الفنّيّ يقول لـ “مناطق نت”: “ما حصل خلال اليومين الماضيين مخيف جدًّا، بل مرعب، كيف سَتَحْتَمل الناس هذا الطقس البارد؟ هم غير معتادين عليه، يقطنون مناطق أكثر دفئًا، سمعنا بكاء الأطفال ليلًا، أحدهم يصرخ: “رح موت من البرد، تْجَمَدْت” حاولنا مع الإدارة مشكورة إحضار “حرامات وبطّانيّات” لكن هذا ليس حلًا، المطلوب تَدَخُّل الدَّولة جدّيًّا، وما تقوم به حاليًّا معيب، لا يمكن رمي الناس لقدرها في مراكز الإيواء، نحن هنا 79 عائلة 313 شخصًا، مطلوب أن تتحمّل الدّولة مسؤوليّتها تجاهنا، مشكورة الجمعيّات بالتأكيد، تعمل فوق طاقتها، لكن هذه مسؤوليّة الدّولة وعملها قبل غيرها”.
حول الاحتياجات الضروريَّة حاليًّا يقول العِسْ: “مثل كلّ المراكز يحتاج المعهد هنا إلى كلّ وسائل التدفئة: سجَّاد، حرامات، فرش اسفنج، الخ.. لكن هنا في المعهد مساحة الصفوف أكبر من باقي المدارس، بحاجة لمدفأتين، فواحدة مستحيل أن تكفي تدفئة العوائل كإقامة وسكن، خصوصًا في الليل”.
السوريّون معاناة مكرَّرة
إضافة إلى نزوح اللبنانيّين من أماكن القصف إلى عرسال، نزح أيضًا اللاجئون السوريّون من الأماكن ذاتها نحو عرسال أيضًا، فقد نزح منهم 950 عائلة إلى البلدة منذ توسّع دائرة الحرب، حيث تمَّ توزيعهم بين مخيّمات اللجوء السوريّة وثلاثة مدارس صغيرة، جميعها تفتقد إلى أدنى مقوّمات العيش.
يقول هادي عمَّار منسّق فريق “نرسم بسمة” الشبابيّ السوريّ لـ “مناطق نت”: “القادمون إلى هنا هم أهلنا جميعًا، لذلك فور وصولهم بدأنا العمل بسرعة على تجهيز خِيَم لهم، معظمها بهدف الإيواء، لكنّ الصعوبة بدأت الآن، إذ إنّ الخِيَم غير مُجَهَّزة للسكن خصوصًا في الشتاء، لا عوازل ولا شوادر ولا مدافئ، الناس ستموت من البرد هنا إذا لم تتحرّك مفوّضيَّة الأمم والجمعيّات الإغاثيَّة لإنقاذ الناس”. يتابع عمَّار “نعمل قدر استطاعتنا لكنّنا أفراد، لذلك نناشد ونستصرخ الضمير العالميّ وإنسانيّة المنظمَّات أن يبادروا إلى مدّ يد العون للنازحين، سوريّين ولبنانيّين، فالبرد والجوع والتشرّد والعوز، لا تعرف هويَّة ولا جنسيَّة”.
يحمل المقبل من الأيام معاناة جديدة تُضاف إلى المعاناة التي يعيشها النازحون أصلًا، وتتمثّل ببرودة الطقس وهو ما يشكّل تحدّيًا حقيقيًّا وجب على المعنيّين معالجته بأسرع وقت، فالناس التي لجأت هربًا من نار الحرب، من المعيب أن تقضي من الصقيع والبرد.