أهلًا بكم على طريق الرعب والتشليح والمخدّرات.. ليلة سعيدة

على “أفضليّة المرور” يسقط قتيل على طريق المطار. لا مشكلة لدى المتفلّتين، ديوك الأحياء والشوارع، من اللحاق بسيّارة مسافة طويلة وانتظار زحمة السير للترجّل والتوجّه نحو السائق ومحاولة خلع باب السيّارة وضرب زجاجها وتحطيمه، للانتقام من السائق الذي لم يرتكب أيّ خطأ، سوى مروره من أمام سيارة فيها شابّان شعرا بالغضب من حركة كهذه.

هذه ليست رواية من محض خيالنا الواسع في لبنان، والقادر على تخيّل كلّ أنواع الكوابيس، بل هي قصّة حقيقيّة حصلت مع أحد الشبّان نهاية الأسبوع الماضي على طريق المطار، فلولا الصدفة وتمكّنه من الوصول إلى مكان يعرف فيه مجموعة من الشبان، لكان قد تعرّض على طريق المطار، الذي يعدّ واجهة لبنان أمام كلّ مسافر يحطّ في مطار بيروت الدوليّ، إلى أبشع أنواع التعنيف من دون حسيب أو رقيب.

طريق وأساليب “الرعب والتشليح”

أهلًا وسهلًا بكم على طريق مطار بيروت الدوليّ؛ الرجاء اربطوا أحزمتكم بمقاعدكم جيّدًا وأغلقوا نوافذ عرباتكم، ولا توقفوها إلى جانب الطريق القديم وعند جزء من الجديد، خصوصًا في فترة الليل، والتزموا بهذه الإرشادات: تجنّبوا سلوك الطريق في خلال الليل، احذروا التوقّف، امتنعوا عن استخدام الدرّاجات النارية.

إنّها أبرز إرشادات السلامة العامّة لعابري طريق “الرعب والتشليح”، لكنّ حسين. لم يلتزم، فسُرق منه مبلغ يزيد على ألف دولار أمريكيّ، كان يحمله لشراء لوازم صنعته عند الفجر. يروي حسين لـ”مناطق نت”: “إنّ سيّارة توقّفت إلى جانبي، فيها شابّان راحا يستفسران عن كيفيّة الوصول إلى أحد الأمكنة، وفجأة، تحوّل السؤال إلى تهديد بالسلاح، ثم القيام بعمليّة تشليحي ما في جيبي”.

كثيرة هي عمليّات السرقة والتشليح على تلك الطريق ليلًا، ولم يحرّك أحد ساكنًا، لا الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة التي تشكو قلة الحيلة والدوريّات، ولا شرطة اتّحاد بلديّات الضاحية، ولا أحزاب المنطقة، بالرغم من أنّ الفاعلين غير مجهولي الهويّة، ويعرفهم أبناء تلك المنطقة بشكل جيّد.

تعرّض أحد الشبّان (يرفض الكشف عن اسمه) منذ أسبوعين تقريبًا، إلى تشليحه درّاجته الناريّة، فهو بحسب الرواية التي يقصّهّا لـ”مناطق نت”: “كنت أسهر في أحد المقاهي على طريق المطار وغادرتُ عند الساعة العاشرة والنصف تقريبًا متوجّهًا إلى منزلي في محلّة المشرّفيّة، لكنّ ثلاثة شبّان على متن درّاجتين ناريّتين كان لهم رأي مختلف، إذ أشاروا لي بالتوقّف إلى جانب الطريق، بواسطة التهديد بالسلاح، ثمّ ترجّل شاب وأخذ مكانه على درّاجتي الناريّة، بعدها غادر الثلاثة ودراجتي، وتركوني في وسط الشارع”.

طبعًا لم يحاول الشاب الدفاع عن نفسه، لأنّ قصص “المشلِّحين” والأذيّة لا تنتهي، “إذ لا مشكلة لدى هؤلاء، الذين يقعون في معظم الأحيان تحت تأثير المخدّرات، أن يطعنوا بالسكاكين والآلات الحادّة، أو يُطلقوا الرصاص لأجل عمليّة سرقة تافهة” يضيف الشاب ويردف: “حياة الناس رخيصة كتير هون”.

كثيرة هي عمليّات السرقة والتشليح على تلك الطريق ليلًا، ولم يحرّك أحد ساكنًا، لا الأجهزة الأمنيّة اللبنانيّة التي تشكو قلة الحيلة والدوريّات، ولا شرطة اتّحاد بلديّات الضاحية، ولا أحزاب المنطقة، بالرغم من أنّ الفاعلين غير مجهولي الهويّة.

ضحايا السلب والمخدّرات

ثمّة مركزيّة جغرافيّة على طريق المطار، فهي بحسب مصادر أمنيّة متابعة، نقطة لقاء وتواصل بين تجّار المخدّرات من جهة، وبين التجّار والزبائن من جهة ثانية، ولهذا التوصيف شواهد كثيرة حول عمليّات كانت تجري هناك، ولم تنتهِ على خير، كالعمليّة التي سقط ضحيّتها أحد الشبّان منذ مدّة بعد اشتباكات كادت تودي كذلك بحياة أحد المارّة.

فقبل منتصف ليلة السبت بتاريخ 16 كانون الأول/ ديسمبر 2023، حصلت جريمة قتل على طريق المطار في بيروت، قرب مفترق ​مخيّم برج البراجنة​، راح ضحيّتها علي م. وجريحان آخران هما حسين ح. ومحسن ح. وكان الخبر الأوّلي الذي انتشر، بروايتين مختلفتين على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ينصّ في إحداها على أنّ الضحيّة والجرحى تعرّضوا قبل منتصف الليل لمحاولة سلب​ بقوّة السلاح، وتخلّل العمليّة إطلاق نار من المعتدين. أمّا الرواية الثانية فنصّت على أنّ الضحيّة والجرحى، تعرّضوا لإطلاق نار كثيف على مفترق المخيّم في أثناء قيامهم بعمليّة سلب بقوّة السلاح.

بحسب المصادر، فإن ّطريق المطار باتت مسرحًا لمختلف الجنسيّات التي تسكن في تلك المنطقة لممارسة عمليّات البيع والشراء والسلب، والجديد أخيرًا هو اختفاء التجّار، في داخل المخيّمات وخارجها، وتسليم مهمّة “الدليفري” إلى شباب بعضهم من النازحين السوريّين.

بحسب المصادر، فإن ّطريق المطار باتت مسرحًا لمختلف الجنسيّات التي تسكن في تلك المنطقة لممارسة عمليّات البيع والشراء والسلب، والجديد أخيرًا هو اختفاء التجّار، في داخل المخيّمات وخارجها، وتسليم مهمّة “الدليفري” إلى شباب بعضهم النازحين السوريّين.

تكشف المصادر أنّ مروّجي المخدّرات والناقلين له أصبحوا بنسبة كبيرة للغاية من النازحين السوريّين الذين يجري استغلالهم، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره على النحو الآتي: إنّ وجود عدد كبير من النازحين العاطلين عن العمل أو الراغبين في العمل السريع والمربح واستعدادهم للعب هذا الدور، سهّل عمليّة التعاقد معهم بحيث لا تكون خلفهم عشائر وعوائل، وتكمن كذلك سهولة التخلّي عنهم بحال تمّ اعتقالهم أو توقيفهم أو ضربهم أو أكثر من ذلك، ويعزّز ذلك عدم علم هؤلاء المروّجين بأسماء التجّار الحقيقيّة وهويّاتهم وأماكن تواجدهم.

الكلّ يعلم ولكن؟!

وتُشير المصادر إلى أنّ كثرًا من المروّجين ممّن أوقفوا في منطقة طريق المطار وغيرها من المناطق، هم من النازحين السوريّين الذين لا يعرفون اسم مشغّلهم حتّى، فهم يقبلون بالعمل مقابل بدل شهريّ يصل إلى ألف دولار أميركيّ، ويدركون أنّ توقيفهم في حال حصوله لن يستمرّ طويلًا بسبب كلّ الأزمات التي يعاني منها البلد والتي ضربت بشكل كبير القطاع القضائيّ والأمنيّ.

قد لا يكون جديدًا ما نكتبه عن واقع الحال في تلك المنطقة، “فالكلّ يعلم”، يقول مصدر بلديّ معني في تلك البقعة، مشيرًا عبر “مناطق نت” إلى “أنّ الواقع صعبٌ، والمعالجات أصعب، ولا يجوز تحميل البلديّات فوق طاقتها، وهي التي تسعى قدر إمكاناتها إلى أن تضبط المشهد العام”.

ويضيف المصدر: “في حال الرخاء الاقتصاديّ كانت المنطقة تعاني من الفوضى والعقليّات القديمة، والبناء من دون تراخيص، والتجارة غير المشروعة، والتهرّب من القوننة وغيرها، فكيف يمكن تخيّل الواقع بظلّ ترهّل وتفكّك الدولة وارتفاع نسب البطالة، وفي ظل الواقع الاقتصاديّ المزريّ الذي نعيشه؟”.

يؤكّد المصدر أنّ معالجة الخلل هو من مسؤوليّة الدولة عبر السياسات العامّة أوّلًا، والسياسات الأمنيّة ثانيًا، ومن مسؤوليّة البلديّات والأحزاب والعائلات أيضًا، وبالتالي فإنّ الحلول بعيدة وصعبة وغير متاحة، ويبقى الأفضل حاليًا “أن نبعد عن الشر وأن نغنّي له”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى