إكمال سيف الدين عين الكاميرا الحاضرة في المحافل الثقافيّة
من شمال لبنان إلى جنوبه تجول بكاميرتها وعدستها التي تلتقط الكتّاب والفنّانين عن بعدٍ دقيق، توثّق من خلال حواراتها الارتجاليّة لمرحلة ثقافيّة بكلّ تحوّلاتها، ممتدّة من العام 2014 حتّى اليوم. تجدها صباحًا في معرض فنّان تشكيليّ، تتفحّص اللوحات على الجدران وتحاور بلسان لطيف صانعها، بشهادة الكاميرا. ثمّ تعثر عليها ليلًا في إحدى الأمسيات الشعريّة، تجلس وراء كاميرتها الثابتة وتستمتع بالاستماع إلى الشعراء واحدًا تلو الآخر، وتختتم الأمسية بحوارها مع كلّ شاعر على حدة.
هي إكمال سيف الدين، صاحبة الوجه الّذي لا يغيب، الثابت الوحيد في كلّ المحافل الثقافيّة، تتبدّل الوجوه والأماكن والقصائد والكتب والمعارض، وتبقى كاميرتها بأثرها في إحدى زوايا تلك الأمكنة، توثّق للمبدعين بلا أدنى مقابل، سوى إرضاء الشغف.
حبرٌ ولون
هي ناشطة ثقافيّة، كما تحبّ أن تصف نفسها وما تقدّمه في الوسط الثقافيّ في لبنان، لأنّ “هذا ما وجدته الأنسب لما أقوم به في الساحة الثقافيّة. عندي صفحة باسم “حبر ولون” أنشر فيها كلّ ما أصوّره من مناسبات وأنشطة ثقافيّة”، تقول إكمال في حديث لـ”مناطق نت”.
وُلدت سيف الدين من رحم بيروت، حاملةً الجنسيّة السوريّة، لكن بيروت ظلّت في ذاكرتها، تلك المدينة التي احتضنت كلّ ذكريات عمرها. “عشت في سوريّا زمن الحرب، درست في معهد الفنون الجميلة اختصاص التدبير المنزليّ النسويّ، وفي لبنان عشت عشر سنوات”.
بدأَت إكمال رحلتها في مواكبة الأحداث الثقافيّة من خلال التصوير في العام 2014، تصوّر فيديوهات قصيرة أو مقابلات مرتجَلة مع شعراء وكتّاب وفنّانين ورسّامين.
تقول: “سابقًا كنت أحضر كمشاهدة فقط، إمّا في معرض الكتاب في بيروت، وإمّا متابعةً الأنشطة المختلفة التي يقوم بها الكتّاب والفنّانون، ولكّنني لم أؤرشف أو أوثّق، بل اقتصر عملي على الحضور والمشاهدة كسائر الناس والمهتمّين”.
بدايات في “ليل وحكي”
وتتابع إكمال: “كانت بداية نشاطي عبر دعوة من صديق شاعر، وهو الشاعر علي الحسينيّ، لحضور أمسية شعريّة في منتدى “ليل وحكي” ومن بعدها توالت الدعوات وأحببت الأجواء وسماع الشعر مباشرةً من أفواه الشعراء، وكان له وقع كالسحر الجميل، حرّك شغفي للتصوير”.
إكمال سيف الدين: كانت بداية نشاطي عبر دعوة من صديق شاعر، وهو الشاعر علي الحسينيّ، لحضور أمسية شعريّة في منتدى “ليل وحكي” ومن بعدها توالت الدعوات وأحببت الأجواء وسماع الشعر مباشرةً من أفواه الشعراء
لم تختر إكمال هذا الطريق أو هذه “المهنة” إذا صحّ تسميتها كذلك، بل تركَت الأمور للصدفة المحض ومن دون تخطيط، “ربّما لأنّني أحببت هذا الوسط ووجدت نفسي أنتمي إليه على رغم أنّني لست شاعرة ولا إعلاميّة ولا أديبة ،ولكنّني قارئة ومتابعة”.
الحضور والعفويّة
وتضيف: ” وجدت نفسي في المنتديات بين شعراء وأدباء وفنّانين، ما منحني سعادة كبيرة، وبالمقابل أحاول إسعادهم عبر تصويرهم من دون تخطيط لأيّ مشروع أو هدف شخصيّ. تتّسم حواراتي أيضًا بالعفويّة من خلال تواجدي في معرض الكتاب أو في حفل توقيع أو مهرجان، وأيضًا من خلال رحلتي مع الشاعرة ميراي شحادة، فكان الكتاب المُوقَّع يفرض الكاتب أو الشاعر”.
بحواراتها العفويّة والسريعة استطاعت إكمال أرشفة مراحل كاملة من الأنشطة والمناسبات الثقافيّة اللبنانيّة، على الرغم من أنّها لا تحضّر الأسئلة قبل الحدث، “لأنّني ببساطة لا أعرف من سأحاور لكنّني طبعًا أتفحّص الكتاب ومن خلاله أستطيع البدء بالحديث، وإن كان فنّانًا تشكيليًّا فمن خلال لوحته وهكذا”.
وتتابع: “حين أحضر مهرجانًا شعريًّا ربّما أحاور أربعة أو خمسة، وفي الأنشطة الفنّيّة أو معرض الكتاب أحاور في اليوم الواحد حوالي 20 فنّانًا وأحيانًا أكثر، لذلك أسئلتي ارتجاليّة. وإنّني بصراحة أحاول في كلّ معرض عدم استثناء أيّ كاتب أو شاعر. أحاول بصدق العمل بالتساوي، فأنا أمام الكاميرا لا أفكّر إلّا أنّ واجبي تجاه الجميع يجب أن يكون متساوٍ، وأنّ أيّ تقصير غير مقصود يشعرني بالحزن”.
الكاميرا الصديقة
بلا أيّ مردود مادّيّ تخرج إكمال من كلّ محفل ثقافيّ أينما كان، راضيةً، حاملةً كاميرتها ومعدّاتها التي كانت متواضعة في بداياتها وبدأت تتطوّر مع الوقت، ولكنّها- كما تقول- تحصد محبّة تسعدها، وشعورًا بوجودها كامرأة فاعلة.
“لقد حصدت مكانة لنفسي في نفسي، ربّما كنت في اللاوعي أبحث عنه ووجدته، وهذا يكفيني. كلّ هواية أو مهنة تحبّينها تحاولين تطويرها تلقائيًّا لإعطائها حقّها ولتحصلي بالمقابل على الرضى من نفسكِ والآخرين. لذلك دائمًا أحاول، ضمن قدراتي الشخصيّة، تحسين الصوت والصورة اللّذين يشكّلان جزءًا منّي وممّا أقدّمه”.
وتتابع: “أظنّ أنّ عملي هو بمثابة أرشفة لفترة زمنيّة أنا أعيشها، أتمنّى أن تكون رصيدًا ثقافيًّا له منفعة لمن يهتمّ بمتابعة النشاطات الثقافيّة، أمّا الصعوبات التي أواجهها فأظنّ أنّها موجودة في أيّ عمل ولا بدّ منها، وإلّا فقدنا شعور الحماسة والتحدّي، وأظنّ أنّ الصعوبة الأكبر هي في المحافظة على مسيرة النشاط وتحدّي الظروف القاسية التي تحيط بنا جميعًا، بالإضافة الى البقاء على مسافة واحدة من الجميع”.
وتختم إكمال: “أنا وكاميرتي في صداقة جميلة مع كلّ الشعراء والأدباء والفنّانين، وجميعهم يقدّرون ما أقوم به وهذا أجمل حافز للاستمرار. أمّا عن الوفاق بين كلّ حدث وآخر، فهذا هو الأصعب والسبب هو في التواقيت التي أتمنّى أن تكون ضمن برنامج منظّم لأكون مع كلّ الأصدقاء”.