ناحيتا صيدا وإقليم التفّاح في القرن السادس عشر (1525 – 1569).. الإنتاج والضرائب

بعد أن نشرنا القسم الأول من الدراسة التي أعدّها د. عبدالله سعيد تحت عنوان ” دراسة ناحيتي صيدا وإقليم التفاح ديموغرافيًا وإقتصاديًا 1525-1569. وتناولنا فيه أسماء القرى وتطور السكان، ننشر اليوم القسم الثاني من الدراسة تحت العنوان نفسه، والذي يتناول الإنتاج والضرائب.

“المحرر”

كانت الإدارة الماليّة العثمانيّة، ترسل الكتبة مع المقدّرين، أيّ المخمّنين لتقدير كمّيّات إنتاج الأراضي الزراعيّة وأشجارها، من خلال احتساب متوسّط غلّة ثلاث سنوات، كمعدّلٍ للتقدير العينيّ والجباية عنها أموالاً نقديّة، تحت اسم الخراج المقطوع (الديموس)، ومقداره القسم من الربع (4/1) على حاصلات أراضي القرى والمزارع من الحبوب والقطاني، والقسم من الثلث (3/1) على الزراعات الصيفيّة كالخضار والذرة والدخن والنيلة والقنّب والكتّان وغيرها (المال الصيفيّ)، ومقدار النصف (2/1) على محصول الزيتون الرومانيّ، بالإضافة إلى خراج الأشجار المتنوّعة التي يجري تعدادها لتوضع عليها ضريبة تتراوح بين جزء من مئة من أقجة بالنسبة للعنب ( كلّ مئة جفنة أقجة واحدة)، وبين الإقجتين الاثنتين على شجرة الزيتون الرومانيّ، وأقجة واحدة على كلّ من الزيتون الإسلاميّ… ألخ.

كما أنّ الاستقرارين الأمنيّ والسياسيّ في لواء الشام منذ بداية القرن السادس عشر، حمل معه إلى قرى ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح نموّا سكّانيًا واضحًا، جلب معه، أيضًا، الازدهار الاقتصاديّ، بحيث بلغت عائدات رسوم إنتاجها الزراعيّ مع مزارعها في العام 1525، حوالي 211641 أقجة، منها ما مقداره 166404 أقجة (78.6 بالمئة) على ريع إنتاج القرى، وما قيمته 45237 أقجة (21.4 بالمئة) على ريع مزارعها.

وكان بإمكان تلك العائدات الضريبيّة للعام 1525، أن تشتري، نحو 2116.41 غرارة قمحٍ، أيّ نحو 152381.5 مدًّا، وتؤمّن بذلك الغذاء السنويّ بالقمح كمادّة أساسيّة في المجتمعات الزراعيّة، لنحو 15238 شخصًا، أيّ لنحو 5 أضعاف عدد سكّان قرى إقليم التفّاح وصيدا في تلك السنة، ما عدا مدينة صيدا. (ملاحظة: كان ثمن غرارة القمح في تلك السنة 100 أقجة، و كلّ غرارة تساوي 72 مدًّا، وكان كلّ شخصٍ في المجتمعات الزراعيّة يحتاج إلى 10 أمداد لمؤونته السنويّة).

صيدا وبحرها كما رسمهما الفنان الهولندي شارلز ويليام ميريديث ڤان دو ڤيلد (1818 – 1898) والذي زار لبنان في العام 1851 ورسم العديد من المناطق

مع العلم أنّ تلك العائدات الخراجيّة كانت فقط تشكلّ نحو القسم من ربع من قيمة ريع الإنتاج، وليس كلّ ريع الإنتاج الذي يمكن تقديره بأدناه بنحو 846564 أقجة، وبأقصاه بحوالي 1693128 أقجة. أيّ ممّا يساهم بالتغذية السنويّة بمادّة القمح كمادّة رئيسة في المجتمعات الزراعيّة لحوالي 60967 إلى 121905 أشخاص. أيّ لنحو 20-40 ضعف عدد سكّان قرى الناحيتين البالغ 3020 نسمة في إحصاء العام 1525.

أمّا في إحصاء 1552، فبلغت قيمة مجموع عائدات الخراج المقطوع ورسوم الكروم والأشجار المتنوّعة ونصف محصول الزيتون الرومانيّ ما مقداره نحو 315914 أقجة، أيّ بزيادة مقدارها حوالي 104273 أقجة (33 بالمئة) عن إحصاء 1525؛ منها: نحو 192140 أقجة (60.8 بالمئة) على إنتاج أراضي وأشجار القرى، و123774 أقجة (39.2 بالمئة) على المزارع.

وفي حين، ازدادت رسوم ريع إنتاج القرى نحو 25736 أقجة (15,5 بالمئة)، ازدادت قيمة رسوم ريع المزارع بما مقداره 78537 أقجة (173,6 بالمئة). وكان بإمكان قيمة تلك العائدات الخراجيّة والرسوم الشجريّة للعام 1552، مجتمعةً أن تشتري نحو 2430 غرارة قمح (كان ثمن الغرارة الواحدة، آنذاك 130 أقجة)، أيّ ما مقداره حوالي 174960 مدًّا، وما يؤمّن الغذاء السنويّ بالقمح لنحو 17496 شخصًا، أيّ لنحو 2,5 ضعفًا من عدد سكّان القرى لتلك السنة والبالغ حوالي 6980 نفسًا، فكيف إذا اعتمدنا القيمة الفعلية للريع الزراعيّ في تلك السنة والتي تراوحت ما بين 1263656 و2527312 أقجة، على أساس القسم من الربع أو الربع مع احتساب نصف محصول الزيتون الرومانيّ كخراجٍ مقطوع (بروجه)، فيكون بإمكان تلك القيمة النقديّة أن تشتري نحو 9720 غرارة أو 699840 مدًّا، في حال احتسبنا قيمة الخراج ربع (4/1) قيمة الغلّة، و19440 غرارة، أو 1399680 مدًّا في حال اعتمدنا قيمة الخراج والرسوم على أساس نصف ربع الغلّة (8/1 الثُمن).

وهكذا كان ريع إنتاج غلّة العام 1552، بإمكانها تأمين التغذية السنويّة بالقمح لما يتراوح بين 69984 و139968 شخصًا، أيّ لنحو 10- 20 ضعف السكّان في قرى الناحيتين لتلك السنة.

إحصاء العام 1569

وفي إحصاء العام 1569، بلغت العائدات الضريبيّة على الإنتاج الزراعيّ نحو 409538 أقجة، أيّ بزيادة مقدارها 197897 أقجة (93,5 بالمئة) عن سنة 1525، و93642 أقجة (29.6 بالمئة)، منها: ما مقداره 236678 أقجة (57.8 بالمئة) على إنتاج القرى، و172860 أقجة (42.2 بالمئة) على إنتاج المزارع. بحيث ازدادت عائدات القرى بمقدار 130274 أقجة (423 بالمئة) عن رسوم ريع أراضي وأشجار القرى للعام 1525، و111904 أقجة (23 بالمية) عن سنة 1552، وعائدات رسوم ريع إنتاج المزارع بمقدار 27623 أقجة (282 بالمئة) عن سنة 1525، وبزيادة مقدارها 49113 أقجة (28.4 بالمئة) عن إحصاء 1552.

وكانت تلك العائدات الخراجيّة والرسوم للعام 1569، تشتري نحو 2925.27 غرارة قمح، أيّ حوالي 210619.5 مدًّا من القمح (كان سعر الغرارة تلك السنة 140 أقجة)، وتؤمّن بذلك التغذية السنويّة لنحو 21062 نفرًا، أيّ لنحو 3,48 ضعف سكّان قرى إقليم التفّاح وصيدا، ما عدا المدينة، مجتمعين البالغ عددهم الإجمالي في إحصاء 1569، نحو 6055 نسمة. ولكن إذا احتسبنا القيمة الفعليّة للإنتاج التي كانت تتراوح ما بين 1638152 أقجة على رسم الربع و3276304 أقجة على رسم قسم من الربع بقيمته الأعلى 12,5 بالمئة، فتكون تلك القيمتين تؤمّنا التغذية السنويّة بالقمح لنحو 24220 نسمة إلى 48440 نسمة، أيّ لما يقارب 4 إلى 8 أضعاف مجموع سكّان تلك القرى للعام 1569.

في حين، ازدادت رسوم ريع إنتاج القرى نحو 25736 أقجة (15,5 بالمئة)، ازدادت قيمة رسوم ريع المزارع بما مقداره 78537 أقجة (173,6 بالمئة). وكان بإمكان قيمة تلك العائدات الخراجيّة والرسوم الشجريّة للعام 1552، مجتمعةً أن تشتري نحو 2430 غرارة قمح

توزيع العائدات الضريبيّة الزراعيّة على أرباب السلطة والأوقاف:

لم تكن عائدات الخراج والقسم من الربع أو الثلث كلّها من حصة السلطة العثمانيّة العليا في اسطنبول، بل كانت تتقاسمها ثلاث فئات:

أ- حصة الخاص الشاهي أو الهمايونيّ، أيّ عناصر السلطة المركزيّة الممثّلة بالسلطان وحاشيته ومساعديه، أو بنوّابه في الأقاليم والنواحي (الولاة والزعامات)، الذين كانت حصّتهم جميعًا من الخراج المقطوع على الإنتاج الزراعيّ للعام 1525، فقط حوالي 40907 أقجة (19,3 بالمئة من كامل خراج ورسوم ريع إنتاج الأرض)، ثمّ ارتفعت في إحصاء 1552، إلى حوالي 131282 أقجة (41.56 بالمئة من مجموع العائدات الخراجيّة والبالغة نحو 315914 أقجة)، وبزيادة مقدارها نحو 90375 (221 بالمئة) عن العام 1525.

أمّا في العام 1569، فلقد بلغت حصّة الخاص الشاهي من الخراج والرسوم الزراعيّة نحو 167585 أقجة، أيّ ما نسبته 41 بالمئة من مجموع العائدات الخراجيّة والقسم من الربع لتلك السنة، وبزيادة مقدارها 126678 أقجة (310 بالمئة) عن سنة 1525، و36303 أقجة (27,65 بالمئة) عن سنة 1552.

ب- حصة أرباب الأوقاف: شكّلت حصة عائدات الأوقاف للعام 1525، ما قيمته نحو 159414 أقجة (75.3 بالمئة)، من الخراج والقسم من الربع من ريع إنتاج القرى والمزارع لترتفع هذه الحصة في إحصاء 1552، إلى مقدار 184638 أقجة، وما نسبته 58.44 بالمئة من مجموع قيمة عائدات تلك السنة، لتعود وترتفع في إحصاء 1569، إلى ما مقداره نحو 214953 أقجة (52,5 بالمئة).

أمّا كيف توزّعت الحصص الوقفية؟ ففي إحصاء العام 1525، كان القسم الأكبر من نصيب القضاة من آل الفرفور (أولاد ولي الدين وشهاب الدين وبدر الدين) الذي بلغت قيمته حوالي 103157 أقجة (64,7 بالمئة) من مجمل حصص أرباب الأوقاف، حيث كان يمكن لمبلغٍ كهذا من المال أن يشتري آنذاك حوالي 1031.57 غرارة قمح، ويكفي مؤونة حوالي 7500 شخصًا في السنة. تليها حصّة وقف الحرمين الشريفين، المعفى من الأعشار، بمبلغ مقداره 19700 أقجة (12,35 بالمئة)، ووقف سيد أحمد بن عماد الدين (4000 أقجة، 2,5 بالمئة). بالإضافة إلى مجموعة من الأوقاف الصغيرة التي تقل عائداتها عن 4000 أقجة ويصل بعضها إلى 100 أقجة في السنة.

وكما في إحصاء 1525، استأثرت العام 1552، أيضًا عائلة القضاة من آل الفرفور بنسبة كبيرة من عائدات الأوقاف، بحيث بلغت قيمتها نحو74861 أقجة، وما نسبته 40,5 بالمئة من تلك العائدات، و23,64 بالمئة من مجموع عائدات الخراج والقسم من الربع لتلك السنة. ثمّ تلتها حصّة وقف الحرمين الشريفين التي بلغت نسبتها 19,36 بالمئة (35750 أقجة) من مجموع العائدات الوقفيّة و11,31 بالمئة من المجموع العام، ثمّ حصّة وقف ابراهيم آغا يكجري الشام مسؤول العسسيّة (حرّاس المدينة) (الإنكشاريّ) مع مبلغ مقداره 13360 أقجة (7.2 بالمئة) ثمّ حصّة وقف أولاد الباشا منير 10000 أقجة (5,4 بالمئة) وأوقاف صغيرة كثيرة كوقف ابن العدوي وشهاب الدين برهان الدين ووقف مدرستي كلاني وبرايك (مباركة في الشام) وجامعة جنين وبرج الخياط في صيدا، ووقف شكري بك ووقف سارة بنت ابراهيم البازي وعثمان البقاعيّ ومحمّد المصرين وأولاد عجاج وشمس البنّا.

وفي إحصاء 1569، تغيّر ترتيب الحصص الوقفيّة، بحيث برزت حصّة وقف لالا مصطفى باشا والي الشام للأعوام 1563-1568، السنويّة كأكبر حصّة نقديّة في ذلك الإحصاء، بحيث بلغت حوالي 87100 أقجة (36,3 بالمئة )، و21,27 بالمئة من مجموع العائدات الخراجيّة، وكانت قيمة حصّة الوالي لالا مصطفى باشا تشتري آنذاك نحو 622 غرارة من الحنطة، أيّ ما مقداره 44794 مدًّا، وتؤمّن بذلك المؤونة السنويّة لنحو 4479 شخصًا، أيّ لنحو 74 بالمئة من مجمل عدد سكّان قرى ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح للعام 1569.

لوحة للفنان الهولندي شارلز ويليام ميريديث ڤان دو ڤيلد (1818 – 1898)

كما بلغت حصّة وقف الحرمين الشريفين للعام نفسه حوالي 54950 أقجة (25,5 بالمئة) من عائدات الأوقاف، و13,4 بالمئة من مجموع العائدات الخراجيّة العام. وكانت قيمة حصّة وقف الحرمين الشريفين تشتري نحو 392,5 غرارة أو نحو 28260 مدًّا، وبذلك تؤمّن التغذي السنويّ لنحو 2826 شخصًا. ولكن في المقابل تراجعت حصة القضاة آل الفرفور وأولادهم من 103157 أقجة في إحصاء العام 1525، إلى 74861 أقجة (72,57 بالمئة) في إحصاء العام 1552، ثمّ إلى 39000 أقجة (37,8 بالمئة) في العام 1569، ولكنّها بقيت تشكلّ نسبة 18 بالمئة من عائدات الأوقاف لتلك السنة، و9,5 بالمئة من العائدات الخراجية العامة.

كما ظهرت أوقافٌ جديدة كوقف ابراهيم أغا يكجري أو بكنجري السابق في الشام، قائد حرّاس مدينة الشام (باش العسسيّة) 16420 أقجة… ووقف فاطمة خاتون بنت قمر الدين ووقف أولاد الدويدراني ومحمّد نمر ومحمّد مصري ووقف زعامت كاخيا محمّد… ووقف قاتباي ووقف أحمد عماد الدين، ووقف جامع جنين، ووقف المدرسة المباركيّة في الشام (بَرَايك)، ووقف شهاب الدين عماد الدين، ووقف ابن مكّي، وغيرهم من الأوقاف الصغيرة الكثيرة… مع العلم أنّ الإدارة الماليّة العثمانيّة كانت تستوفي رسوم الأعشار عن أموال الأوقاف لصالح الخاص الشاهيّ، ما عدا وقف الحرمين الشريفين الذي كان معفى من تلك الرسوم.

مخصّصات كبار الموظفين

وهكذا بما أنّ السلطنة لم يكن لديها، آنذاك، جهازٌ إداريّ ثابتٌ ووزارة ماليّة منظّمة كما في العصور المتقدّمة، لذا كانت تقتطع من عائدات رسوم القرى والمزارع مخصّصات كبار موظّفيها من مدنيّين وعسكريّين، كأوقاف لهم ولأولادهم وذرّيّاتهم تعويضًا عن خدماتهم العامّة. ولكن تلك المخصّصات الوقفيّة لم يكن لها علاقة بملكيّة الأرض لا من قريب أو من بعيد، فالأراضي كانت بيد أصاحبها ومالكيها الفعليّين أصحاب الحقوق عليها، وما للتيمارجيّ أو لصاحب الوقف إلّا حصّة محدّدة من خراج ورسوم تلك الأراضي وأشجارها. ولعلّ أهم ملاحظة يمكن تسجيلها على عائدات الأوقاف هي وقف بعض تلك العائدات على النساء، كفاطمة خاتون بنت قانصو الغوريّ وسارة بنت البازريّ وابنة الحنش وسارة بنت ابو بكر قمر الدين أو قمر فقط، وغيرهنّ…

ج- حصّة التيمار: لقد ورث العثمانيّون الإقطاع العسكريّ والوظيفيّ عن المماليك، ولكن بعد تشكيل الجيش الإنكشاريّ، أيّ الجيش الجديد بدأ يضمحلّ تدريجيًّا نظام التيمار، ولكن دون أن يختفي كلّيًّا. فلذا في حين بلغت حصّة التيمار عام 1525، من عائدات الخراج والقسم من الربع نحو 11320 أقجة (5,35 بالمئة)، أشارت وثائق الدفتر طابو رقم 430، للعام نفسه إلى أنّ التيمارجيّة كانت تُخصّص لهم في تلك الحقبة رسوم عادة دورة، الموروثة من العهد المملوكيّ، مقابل زياراتهم المتكرّرة إلى القرى والمزارع بقصد جباية الأموال الأميريّة والسهر على أمن الأهالي، وحمايتهم من غزوات البدو والنزاعات في ما بينهم.

بلغت قيمة رسوم ضريبة عادة دورة الإجماليّة لتلك السنة نحو 40700 أقجة، منها 38690 أقجة على أهالي القرى، و2010 أقجة على المزارع مع أنّها لم تكن مأهولة بالسكّان. كما سجّلت تلك الوثائق أيضًا، أنّ قرية الغازيّة تكبّدت لوحدها، كقرية إنتاجيّة مزدهرة آنذاك، تقريبًا أكثر من نصف قيمة رسم تلك الضريبة (عادة دورة) على القرى والبالغة حوالي 38690 أقجة، أيّ ما مقداره 20600 أقجة (53.45 بالمئة)، وما نسبته 62.6 بالمئة من مجموع عائدات خراجها ورسومها للعام 1525، والبالغة نحو 32900 أقجة. وهكذا تكون حصّة التيمار للعام 1525، نحو 31920 أقجة، أيّ ما نسبته 15 بالمئة من مجموع العائدات الضريبيّة لتلك السنة.

بما أنّ السلطنة لم يكن لديها، آنذاك، جهازٌ إداريّ ثابتٌ ووزارة ماليّة منظّمة كما في العصور المتقدّمة، لذا كانت تقتطع من عائدات رسوم القرى والمزارع مخصّصات كبار موظّفيها من مدنيّين وعسكريّين، كأوقاف لهم ولأولادهم وذرّيّاتهم

وفي إحصاء 1552، غابت حصّة التيمارجيّة والزعامت ليستعاض عنها بتخصيص جزء من عائدات قرية الحارة (حارا) لمير ميران وزعامت إقليم التفّاح حيث بلغت قيمة تلك الحصّة نحو 3830 أقجة. (دفتر رقم 383، ص 565- 567) ، ولكن بالرغم من غياب حصّة التيمارجيّة وتعطّل بعض مزارعهم في إحصاء 1552، بقيت وظيفة بعضهم الجبائيّة سارية المفعول بحيث سجّل كاتب صفحات دفتر 383، عبارات: على عهدة خليل ومحمّد وعلي من أرباب تيمار، أو عهدة علي جلبي وناصر الدين محمّد قطيش من أفراد تيمار، أو عهدة ابراهيم تيماري… وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.

أمّا في إحصاء سنة 1569، فتمّ أيضًا تحديد عائدات بعض القرى كجباع والغازيّة ولبعا ورومين وعنقون ومزارعها للزعامت والتيمار على صفحات خاصّة من دفتر رقم 543، ص 563-576، ولكن دون الاقتطاع من حصّة الأوقاف أو الخاص السلطانيّ أيّ أقجة. فبلغت زعامت وسام محمّد 32850 أقجة، وزعامت كاخيا محمّد 6800 أقجة، والتيمارجيّ ناصر الدين محمد 6680 أقجة. وهي رواتب سنويّة محترمة، باعتبار أنّ عائد التيمار الواحد السنويّ يجب ألّا تصل قيمة عائداته إلى 20 ألف أقجة (من 10 إلى 20 ألفًا) والزعامت إلى 100 أقجة (ما بين 20 و100 ألف).

أمّا الخاص فكان من نصيب محمّد جلبي مير ميران دار دولة حلب والبالغ قيمته نحو 84200 أقجة. لذا فليس من الضرورة أن يكون صاحب التيمار أو الزعامت من أبناء الناحية، بل كانوا عادةّ من قادة الجنود والعسسيّة وزعماء القبائل والعشائر ومن المتموّلين النافذين القادرين على التزام عائدات القرى والنواحي المتنامية اقتصاديًّا وعمرانيًّا وديموغرافيًّا.

تفصيل رسوم الحاصلات الزراعيّة والمغالق الحرفيّة والصناعيّة:

لقد اكتفى كاتب “طابو دفتري تحرير” العثمانيّ للقرن السادس عشر، على تسجيل تفاصيل أبواب رسوم الإنتاج الزراعيّ والحرفيّ (الصناعيّ) في القرى، بينما في المزارع شملها بعبارة القسم من الربع مع الخراج ومحصول نصف الزيتون الرومانيّ وحقّ المرعى في المزارع التي كان يكثر فيها هذا النوع من أشجار الزيتون، وكانت أراضيها صالحة للرعي وبخاصّة البقر تحت اسم مرعى جاموس.

1- إنتاج الحنطة: يتبيّن من وثائق الطابو دفتري تحريري، رقم 430، لإحصاء 1525، أنّ ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح كانتا، قبل دخول العثمانيّين إلى بلاد الشام، ضعيفتي الإنتاج زراعيًّا وصناعيًّا، حيث اقتصرت التسجيلات الإحصائيّة، على العموميّات الضريبيّة تحت اسم القسم من الربع لإنتاج الحبوب، دون تحديد الكمّيّة إلّا في قريتي غازيّة (20 غرارة) وحارة صيدا (25 غرارة)، ومزارع: دلبو (10 غرارات)، ومرج بير الحيّة (5 غرارات)، وعدّوس (4 غرارات)، وفي كلّ من برتا وهلاليّة فارس واشعبل (شعبل) ومجدل عرب وطوشانيّه ومليله (3 غرارات)، وفي مزرعة شعرتا غرارة واحدة. بحيث بلغ هذا القسم من الربع على إنتاج القمح للعام 1525، حوالي 86 غرارة، بثمن مقداره 8600 أقجة. ممّا يعني أن إنتاج القمح في منطقة إقليم التفّاح ومزارع صيدا كان يُقدّر آنذاك بنحو 688 غرارة على أساس نصف الربع (قسم من الربع، وليس الربع كلّه)، وإنّ هذه الكمّيّة من القمح كان بإمكانها، آنذاك، تقديم الغذاء السنويّ لحوالي 4954 شخصًا، أيّ لنحو 1,6 أضعاف سكّان قرى ناحيتي صيدا وإقليم تفّاح لتلك السنة التي كان عددهم تقريبًا نحو 3020 نسمة.

بينما بلغت في تسجيلات دفتر 383، تاريخ 1552، كمّيّة القمح كبروجه مقطوع (القسم من الربع) نحو 223,5 غرارة، أيّ بزيادة مقدارها 137,5 غرارة، أو 2,6 أضعاف عن سنة 1525، وهذا القسم من الربع كان ضريبةً عن إنتاج نحو 1788 غرارة من القمح تقريبًا، أيّ نحو 128736 مدًّا، باعتبار أنّ التسجيلات لم تلحظ إنتاج بعض القرى والمزارع وتمّت الإشارة إلى الرسوم تحت رسم القسم من الربع والخراج المقطوع دون تحديد الكمّيّة الفعليّة. وهذه الكمّيّة من إنتاج القمح للعام 1552، كان بإمكانها أن تؤمّن التغذية السنويّة بالقمح كمادة رئيسة أساسيّة لنحو 12874 شخصًا، أيّ لنحو 1,85 ضعف عدد سكّان قرى ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح لتلك السنة، والبالغ حوالي 6980 نسمة.

لقد كانت قرية الغازيّة في إحصاء 1552، في طليعة القرى المُنتجة للقمح مع 80 غرارة تليها حارا مع 33 غرارة، ثمّ عنقون مع 21 غرارة، وكفرحتّا مع عشرين غرارة، و كلّ من مجدليون وكفرفيلا مع 10 غرارات، وكفرفالوس 9 غرارات، ورومين 8 غرارات، وبنعفول 6 غرارات، وبصليّه (بصليّا) 5,5 غرارت، وكلّ من لبعا وجرنايا 5 غرارات، وكلّ من خربة اللوز ومغدوشه 4 غرارات، وزفتانين 3 غرارات.

منطقة حاصبيّا

وفي تسجيلات دفتر رقم 543، تاريخ سنة 1569، بلغت رسوم خراج القمح المحصّلة من القرى بدون المزارع نحو 242 غرراة، أيّ بزيادة مقدارها 156 غرارة عن سنة 1525، و18,5 غرارة عن سنة 1552. وهذه الكمّيّة من الرسوم كانت تُجبى على أساس القسم من الربع، ممّا يعني أنّ الإنتاج الفعليّ لناحيتي صيدا وإقليم التفّاح كان يمكن تقديره بنحو 1936 غرارة من القمح سنويّا،. وهذه الكمّيّة كان بإمكانها أن تكفي لمؤونة سنويّة حوالي 13939 شخصًا سنويًّا، أيّ لنحو 2,3 أضعاف عدد سكّان الناحيتين ما عدا صيدا في إحصاء 1569، والبالغ آنذاك نحو 6055 نسمة.

وكما في إحصاء 1552، كانت قرية الغازيّة في طليعة القرى المنتجة للقمح مع 100 غرارة، تليها الحارة (حارا) مع 50 غرارة، ثمّ كلّ من كفرحتّا وعنقون 20 غرارة، وكلّ من رومين ولبعا وكفرفيلا 10 غرارات، وكلّ من بنعفول ومغدوشة 6 غرارات، وكلّ من جرنايا وخربة اللوز 5 غرارات.

فليتخيّل كلّ منّا كيف درّسونا في كتب التاريخ المدرسيّة والعامّة، أنّ كميّات القمح التي كانت تُنتج في بلادنا لا تكفي السكّان إلّا ثلاثة أشهر في السنة! وذلك لتبرير تقاعس السلطات المحلّيّة المتعاقبة بعد العام 1569، وإحجامها عن الإهتمام بزراعة القمح، وإرهاقها الفلّاحين بالرسوم والضرائب وعمليّات البلص والسخرة دون تقديم أيّ مساعدة أو حماية لهم من الصراعات في ما بين العناصر المكوّنة لتلك السلطة المقاطعجيّة حبًّا بالسيطرة والهيمنة، والاستئثار بريع عائدات مقاطعات جباياتهم ومقاطعات جيرانهم أوّلًا، وثانيًا من جشع وطمع التيمارجيّة والولاة العثمانيّين وبخاصّة والييّ صيدا- عكّا والشام لريع المال النقديّ الذي أسّس لما نسمّيه اليوم بنظام “الريع” الممتدّة جذوره منذ ذلك الزمن البعيد.

2- إنتاج الشعير: لقد تطوّر رسم إنتاج الشعير للسنوات نفسها من 28 غرارة ، إلى 99 غرارة (3,5 ضعفًا)، أيّ بزيادة مقدارها 71 غرارة. ثمّ ارتفع في إحصاء العام 1569، إلى 119 غرارة، أيّ بمقدار 4,25 ضعفًا عن سنة 1525، و1,2 ضعفًا عن إحصاء العام 1552، وبزيادة مقدارها 91 غرارة عن العام 1525، و20 غرارة عن العام 1552. وكانت هذه الكمّيّة المفروضة كرسم على إنتاج االشعير قسمًا من الربع من الإنتاج الفعليّ الممكن تقديره للعام 1569، بنحو 952 غرارة بقيمة نقديّة مقدارها 76160 أقجة، أيّ ما يشتري نحو 544 غرارة قمح أو 39168 مدًّا، فيؤمّن التغذية السنويّة لنحو 3917 شخصًا.

3- إنتاج الحمّص: تمّت الإشارة في إحصاء 1525 (الدفتر رقم 430، ص 350)، إلى رسم مقداره غرارة بسعر 100 أقجة على إنتاج الحمّص، وذلك قبل دمجها مع المال الصيفيّ ورسوم حبوب القطاني، وبالتالي تغيب عن التسجيلات الإنتاجيّة.
4- عائدات الكروم: ارتفعت عائدات رسوم خراج كروم العنب والتين المسجلة، من 1834 أقجة (1,34 بالمئة) في إحصاء 1525، (حارة صيدا 1134 أقجة، وغازية 700 أقجة ودلبو 500 أقجة وعدوس 500 أقجة)، إلى 3200 أقجة (0,7 بالمئة)، في إحصاء 1552، ثمّ إلى 4000 أقجة (1 بالمئة تقريبًا) في إحصاء 1569.

5- المال الصيفي ومن ضمنها مقاطعة البساتين، أو رسم الزراعات الصيفيّة من خضار وذرة ودخن ونيلة وقطن وأرز إن وجد، ذلك المال الذي ارتفعت قيمته من 900 أقجة (0,42 بالمئة) من مجموع عائدات الخراج والقسم المقطوع، إلى 7406 أقجة (2,34 بالمئة)، ثمّ إلى 8120 أقجة (2 بالمئة تقريبًا).

6- الزيتون الروماني: في إحصاء 1525، لم يتمّ الإشارة إلى محصول الزيتون الروماني في أيّ قرية ومزرعة في إقليم التفّاح أو ناحية صيدا، بل اكتفى الكاتب بتسجيل قيمة خراج الزيتون في كلّ من مزرعتي ميّة وميّة (1000 أقجة) وفند مانا (100 أقجة)، دون تحديد نوعيّته: إنْ كان زيتونًا إسلاميًّا أم رومانيًّا. ولكنّه سجّل، أيضًا، رسمًا على إنتاج الزيت في قرية غازيّة بمقدار 20 قنطارًا، وبثمنٍ مقداره 7000 أقجة (1,4-1,5 أقجة كثمنٍ للرطل الواحد)، وآخر بقيمة 150 أقجة على بستان زيتون مستقلّ في قرية مجدليون، وهكذا بلغت عائدات رسوم الزيت والزيتون لتلك السنة نحو 8250 أقجة، أيّ ما نسبته 4 بالمئة تقريبًا من مجموع العائدات الضريبية.

ولكن في إحصاء 1552، أيّ بعد مرور أكثر من خمسين سنة على السيطرة العثمانيّة على بلاد الشام تّم تسجيل رسمٍ على محصول الزيتون في قرى ومزارع ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح بقيمة 71568 أقجة (22,65 بالمئة من مجموع الرسوم الزراعيّة لذلك العام)، ليرتفع هذا الرسم في إحصاء 1569، إلى 98548 أقجة (24 بالمئة)، أيّ 12 ضعفًا عن 1525، و1,37 ضعفًا عن قيمة رسم 1552.

في إحصاء 1552، أيّ بعد مرور أكثر من خمسين سنة على السيطرة العثمانيّة على بلاد الشام تّم تسجيل رسمٍ على محصول الزيتون في قرى ومزارع ناحيتي صيدا وإقليم التفّاح بقيمة 71568 أقجة

وكان هذا الرسم بمعظمه على إنتاج الزيتون الرومانّي الذي كانت الإدارة العثمانيّة تجبي قيمة نصف محصوله، بسبب غزارة إنتاجه السنويّ، وعدم المحل المتقطّع، بين سنة وأخرى، الذي يصيب الزيتون الإسلاميّ والبلدي في ذلك الحين. وهكذا شكلّ رسم الزيتون تقريبًا ما نسبته على التوالي: 81,81 بالمئة، و89,7 بالمئة، و96 بالمئة من مجموع عائدات رسوم الأشجار المتنوّعة، حتّى يمكننا القول بأنّ أراضي ناحِيَتي صيدا وإقليم التفّاح كانت قديمًا موطن الزيتون الروماني وإنتاج الزيت العالي الجودة.

من هنا شجّعت الإدارة العثمانيّة الجديدة زراعة الزيتون الروماني، فعائداته الضريبيّة السنويّة أفضل بكثير من الزيتون الإسلاميّ الذي كان رسمه السنويّ أقجة واحدة على الشجرة إن انتجت أم أمحلت.

إلى جانب الخراج المقطوع، كانت إدارة السلطنة العثمانيّة تفرض رسومًا على تربية الماعز والنحل ومراعيها ومراحات مشتاها، وعلى المغالق كمعاصر الزيت والدبس والأفران والحمّامات والطواحين ودواليب الحرير ودكاكين القصّابين. وكانت تلك الرسوم تجبى لصالح الخزينة المركزيّة تحت اسم خاص شاهي، أو لصالح الولاة في الشام وحلب كمرتبات لهم.

1- رسم الماعز والنحل: في إحصاء 1525، بلغت قيمة رسم الماعز والنحل، دون الفصل بينهما إلّا في قرية مجداليون حيث بلغ رسم النحل 175 أقجة، حوالي 4250 أقجة، ليرتفع هذا المبلغ في إحصاء 1552 إلى 14521 أقجة، تقريبًا 3,42 ضعفًا عن إحصاء 1525، وثمّ تتراجع قيمته في إحصاء 1569 إلى 9820 أقجة (2,3 ضعف رسم عام 1525، و67,6 بالمئة من رسم 1552). ومن خلال دراسة وثائق دفتري طابو 383 و543، يتبيّن أن كاتب دفتر رقم 383، أفرد بندًا خاصًّا لكلّ من رسم الماعز والنحل في معظم القرى بحيث بلغ رسم الماعز نحو 12378 أقجة، والنحل 2170 أقجة.

وهكذا يكون عدد رؤوس الماعز المسجّلة لذلك العام نحو 24756 رأسًا، والنحل نحو 2170 قفيرًا أو خليّة، على اعتبار أنّ رسم خليّة النحل الواحدة كان أقجة واحدة في السنة، بينما رسم الماعز كان أقجة واحدة على كلّ رأسين. في حين أنّ كاتب الدفتر رقم 543، لم يسجّل رسم النحل كرسم مستقلٍّ إلّا في قرية الغازيّة، حيث بلغ 200 أقجة، أيّ 200 قفيرٍ، وفي القرى الأخرى سجّل رسم النحل مع الماعز.

وكان يتبع لرسم الماعز والنحل رسم حقّ المرعى وإيجار المراحات (القشلات) كمشتى للماعز، بالإضافة إلى حقّ مرعى الجاموس وبخاصّة في مزرعتي عدوس ونجّاريّة (دفتر 543، ص 573). مع العلم أنّ كاتبي دفاتر طابو تحريريّ، أفردوا في بعض تسجيلاتهم بندًا خاصًّا لرسم حقّ المرعى (أو ملاق) أو المشتى (رسم قشلاق). وكانت قرية كفرملكا الأكثر أجرًا للقشلاق تليها حومين التحتا ثمّ مجيدل وجرجوع وكفرحتّا.

2- رسم معاصر الزيت: في إحصاء 1525، لم يُسجّل أيّ وجود لمعاصر الزيت سوى جباية السلطنة لثمن مقدار 20 قنطار زيت كرسم على إنتاج زيتون قرية غازيّة، و10 أرطال عن إنتاج بستان زيتون مستقلّ تابع لمزرعة مجدليون. بينما في إحصاء 1552، سجّل كاتب الدفتر وجود 16 معصرة لإنتاج الزيت، كان أهمّها في قرية الغازية مع 6 معاصر، أو 6 أبواب، أو 6 أحجار، تليها قريتا كفرملكا وحومين التحتا في كلّ منها معصرتان، أو بابان اثنان. ثمّ معصرة واحدة في كلّ من قرى: جباع وحومين الفوقا وكفرحتّا ومغدوشة ومجيدل وديربيل وجرنايا. واستمرّت هذه المعاصر عاملة في إحصاء 1569، كما أضيف لها معصرة في خربة اللوز ليصبح العدد 17 معصرة. (رسم المعصرة الواحدة (الباب) 60 أقجة في السنة).

3- معاصر الدبس: كما لم تشر إحصاءات سنة 1525، إلى وجود أيّة معصرة لزيت الزيتون، أيضًا لم يكن هناك أيّ معصرة لدبس العنب. لذا بلغ عددها في إحصاء 1552، 26 معصرة توزّعت على 8 معاصر في كفرحونا، و5 معاصر في جباع، و3 معاصر في المزيرعة، ومعصرتين إثنين في كلّ من عنقون وعرب صاليم وحارة (صيدا)، ومعصرة واحدة في كلّ من جرجوع ورومين وبنعفول وزفتانين؛ أمّا في إحصاء 1569، فارتفع عدد معاصر الدبس إلى 29 معصرة بعد أن ازداد عدد معاصر عنقون من معصرتين إلى 3 معاصر، كما نشأت معصرة واحدة في حومين الفوقا. وكان الرسم السنويّ على المعصرة الواحدة 12 أقجة.

4- الطواحين: كانت الطواحين تنقسم إلى طواحين بحجرٍ واحدٍ أو بحجرين اثنين، وكان رسم الحجر 30 أقجة في السنة. لذا كانت تقدّر بعدد أحجارها الإجماليّ الذي بلغ في إحصاء 1552، نحو 21 حجرًا توزّعت على القرى والمزارع كما يأتي: القرى: الغازيّة (طاحون بحجر واحد ولكن برسم 60 أقجة وليس 30)، وجباع (طاحونتان كلّ منهما بحجر واحد) ودير بيل (طاحون بحجر) وعرب صاليم (3 طواحين كلّ منها بحجر واحد) وجرجوع (طاحون بحجرين) وبصليّة (3 طواحين كلّ منها بحجر) وحارا (طاحون بحجر واحد وبرسم سنويّ 60 أقجة)، والمزارع: سحريّة (طاحون بحجر وطاحون بحجرين) وعزّه (حجر واحد)، وأوزليّة (طاحون بحجرين) وجزيرة (بحجر واحد) وبقسطا (حجر واحد مع رسم 60 أقجة). وفي إحصاء 1569، بالرغم من تسجيل مطحنة في مزرعة لويزيّه بحجرٍ واحد ومع رسم 60 أقجة، تراجع عدد أحجار المطاحن إلى 18 حجرًا، وذلك بعد خراب قرية بصليّة وتحوّلها إلى مزرعة بمطحنة واحدة بدلًا من 3 مطاحن، وخراب مطحنة دير بيل…..

5- دواليب الحرير: كما الطواحين والمعاصر، لم تلحظ دفاتر الطابو دفتري وجود دواليب الحرير التقليديّة البسيطة لحل الشرانق في ناحيتي صيدا وإقليم تفّاح إلّا من إحصاء 1552 (الدفتر رقم 383)، حيث بلغ عددها 15 دولابًا، توزّعت على قرى: كفرحونا (7 دواليب) وفي كلّ من جباع وعين قانا (3 دواليب)، وفي كلّ من كفرحتا وكفرملكا دولابٌ واحدٌ؛ أمّا في إحصاء 1569، بالرغم من تأسيس دولاب واحد في كلّ من قرية جرجوع وعرب صاليم وحومين التحتا، فقد تراجع عددها إلى 12 دولابًا، وذلك بعد توقّف 3 دواليب في قرية كفرحتا عن العمل. وكان رسم الدولاب السنويّ يتراوح بين 40 و60 أقجة.

بلدة جباع رسمها الفنان الهولندي شارلز ويليام ميريديث ڤان دو ڤيلد (1818 – 1898)

6- الحمّامات: في إحصاء 1525، تمّ تسجيل حمّام واحد في قرية كفرحونا، وكانت ضريبته السنويّة 1700 أقجة أيّ ما يشتري نحو 17 غرارة قمح ويكفي لتغذية نحو 122 شخصًا بالقمح في السنة؛ بينما في إحصاء 1552، تمّ تسحيل 3 حمّامات: واحدٌ في كلّ من جباع وغازيّة مع رسم سنويّ لكلّ منهما 1000 أقجة، وحمام ابن الفرفور العام في كفرملكا، المعفى من الرسم لأنّه كان يخصّ عائلة قضاة الناحية. أمّا في إحصاء 1569، فلقد تسجّل أيضًا وجود 3 حمامات: واحد في قرية غازية مع رسمٍ سنويّ مقداره 1200 أقجة، وحمّامين في قرية جباع خُصص ريعهما لوقف مصطفى لالا باشا العام، دون تحديد قيمة رسومهما.

إنّ أهمّيّة وجود هكذا حمّامات عامّة في قرى إقليم التفّاح في القرن السادس عشر له مغزى كبير في علم الصحّة والنظافة الشخصيّة، إذا عرفنا أنّ الإنسان الأوروبّي بقي حتّى النصف الثاني من القرن السابع عشر لا يستحمّ إلا بإذن من إشارة الطبيب…

7- المصبنة: مع تأسيس معاصر الزيت في قرية غازيّة نشأت إلى جانبها المصبنة التي بلغ رسمها السنويّ 400 أقجة، وهي قيمة مرتفعة إذا عرفنا أنّ هذا الرسم ما هو إلّا ضريبة على ريع مردود المصبنة سنويًّا، حيث كان بإمكانه شراء القمح لمؤونة نحو 21 شخصًا العام 1552، و20 شخصًا العام 1569.

8- فرن الخبّاز: في إحصاء 1525، فُرض رسم بقيمة 500 أقجة على الفرن في قرية الغازيّة دون تحديد عدد أبوابه أيّ كم فرنٍ كان موجودًا، ليتراجع هذا الرسم إلى 300 أقجة في إحصاء 1552، وإحصاء 1569، لفرنٍ من ثلاثة أبواب. بالإضافة إلى فرنٍ واحدٍ في قرية حارا (حارة صيدا) برسم مقداره 60 أقجة.

9- رسم القصّابين: لم يرد ذكرٌ لرسم القصّابين في إحصاء 1525، بينما في إحصاء 1552، و1569، تمّ وضع رسم على قصّابي قرية غازيّة فقط، بقيمة 100 أقجة في السنة، ليرتفع هذا الرسم في إحصاء 1569، إلى 200 أقجة، (مع العلم أنّ الإدارة الماليّة العثمانيّة كانت تستوفي من القصّاب أقجة واحدة عن كلّ رأسين من الغنم أو الماعز و3 أقجات عن كلّ رأس بقر). وإنْ دلّ وجود الفرن وسوق القصّابين (اللحّامين) في قرية الغازيّة، فعلى أنّ تلك البلدة كانت مشهورة بإنتاج اللحوم والخبز والمعجّنات، وبخاصّة ما يُعرف بمنقوشة اللحم بالعجين (الصفيحة) منذ زمن طويل يعود لأكثر من 500 سنة.

بعض الاستنتاجات العامّة:

كانت ناحية صيدا وإقليم التفّاح من نواحي لواء الشام القليلة التي يتواجد فيها خلال القرن السادس عشر معاصر للزيت، وبساتين الزيتون الرومانيّ الغزير الإنتاج سنويًّا، فهل ما زالت تحافظ عل زيتونها وجودة معاصر زيتها؟ أمّ أصبح ذلك من الماضي البعيد جدًّا؟

وبالرغم من أنّ السلطة العثمانيّة الماليّة، وإن كانت تقدّر حصّتها من القسم من الربع أو الثلث ونصف محصول الزيتون الرومانيّ عينًا، ولكنّها كانت تجمع عائدات الخراج والرسوم أموالاً نقديّة، وتوكلّ بعض الملتزمين بجبايتها من المالكين المنتجين عن ريع إنتاج أملاكهم وأراضيهم ومغالقهم من معاصر وطواحين ودواليب حرير وأفران، وغيرها من الدكاكين وأنواع التجارة، ممّا سمح لهؤلاء الملتزمين بتراكم الأموال والاغتناء على حساب كدح وعرق المالكين والمزارعين.

كما كانت تلك الإدارة تحترم حقّ المرأة بالتملّك والعمل التجاريّ والحرفيّ، وتسمح لها بوقف عائدات والدها الماليّة أو أموالها الخاصّة على المدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها من دور العبادة، واحترمت كذلك، بعض الوقفيّات المملوكيّة الخاصّة ولم تأتِ على تصفيتها، أو حلّها.

ويظهر من خلال دراسة تسجيلات الدفاتر الطابو التحريريّ لناحيتيّ إقليم التفّاح وصيدا أن بعض المزارع كانت بعهدة أهالي بعض قرى الشوف كعمّاطور (كرخا الفوقا) ومزرعة الكحلونيّة (كفرعبرا) وعين أوزيه/عين وزين (مجدليون) ودردريت (القريّة)، أو بعهد قورقوماز أمير موسى معن (كرخا التحتا)، أو بعهد أهالي من سحمر وشحيم ومشموشة. لذا من هنا تظهر العهدة على أنّها تعهّد شخصيّ تجاه الإدارة الماليّة العثمانيّة بجمع العائدات الضريبيّة من هذه القرية أو المزرعة وتلك لتسليمها لأمين خزينة الشام أو لمن ينوب عنه وليس كما اعتبر بعض الباحثين والمؤرّخين أنّ صاحب العهدة هو مسؤولٌ أيضًا عن أهالي تلك القرى والمزارع بالمفهوم الفيودالي الأوروبّيّ، أيّ هم بعهدته ومن رعيته. فكيف يحقّ لشخص غريب عن أهالي القرية ومالكي أراضيها وأشجارها أن يتعهّدهم بالحماية؟ وهو يرهقهم بشتّى أنواع البلص والسخرة والرسوم غير الشرعيّة والحلوان والقهوة والخضرجيّة وغيرها.

أمراء وبكوات

لقد أشارت دفاتر الطابو صراحةً إلى وجود ألقاب الإمارة والبيكويّة في المجتمعات اللبنانيّة القديمة منذ القرن السادس عشر، كالإشارة إلى الأمير قرقماز المعنيّ كمتعهّد لجباية أموال مزرعة كرخا الفوقا التي كانت بيد أهالي عمّاطور الشوف (دفتر رقم 534، ص376)، وإلى كلمة بك في قرية كفرملكا لأشخاص يحملون هذا اللقب كشهرة لهم ضمن أسماء ذكورها (حسن بك وطحموش بك وغاموش بك وسلمان بك ومحمّد بك، دفتر رقم 383، ص 421 و422) ممّا يدحض نظريّة المؤرّخ كمال الصليبيّ الذي قال في حوار مع الكاتب صقر أبو فخر: “إنّ في المقاطعات اللبنانيّة لم يكن هناك أمراء بل فقط ملتزمون من مشايخ بعض القبائل والعائلات كمرتبة إقطاعيّة غير دينيّة. (صقر أو فخر: الهرطوقيّ الحكيم، حوار مع كمال الصليبيّ، المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر، الطبعة الأولى بيروت 2022، ص 99 و136-137).

أخيرًا، إنّ المسؤوليّة الجبائيّة لبعض النافذين والمقتدرين على الالتزام، بالمال النقديّ عمليّة جمع الرسوم من الأهالي هي التي سمحت بتكوّن طبقة الرعيّين الماليّين التي ما زال أفرادها يتوارثون تراكم هذا الريع من جيل إلى جيل مع تبدّل بعض الأفراد أو العائلات، ولكن بالمبدأ نفسه استمرّ النظام الريعيّ ولم يتمّ إصلاحه من قبل النافذين بتخصيص أجزاء من مخصّصاتهم الماليّة لاستصلاح أراضٍ زراعيّة جديدة وتحسين إنتاجيّة تلك المستثمرة، أو لتخصيص جزء من تلك العائدات الريعيّة لبناء قاعدة صناعيّة حديثة للمنتوجات الزراعيّة المحلّيّة التي نمت وتطوّرت مع الزمن منذ دخول العثمانيّين وحتىّ قيام ما يُعرف بالثورة الصناعيّة الكبرى في أوروبّا التي قضت على أمل لتطور الإنتاج المحلّيّ وتصنيعه، أو لإدخال صناعة جديدة تتلاءم مع أفكار وتقاليد المجتمعات المشرقيّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى