إنتخابات زحلة – البقاع الأوسط.. معركة بلا رأس
“كل يغنّي على ليلاه”.. هو التوصيف الأدق للواقع الانتخابي في دائرة البقاع الأولى (زحلة-البقاع الأوسط). السبب في ذلك هو الضبابية التي تُغلّف المشهد، وتجعل من الصعوبة بمكان قراءة التفاصيل بدقة، حيث لا يمكن إسقاط أي مشهد من انتخابات العام 2018 والمستجد على هذه الدائرة.
لم يبقَ من مشهد الانتخابات الماضية في هذه الدائرة أي “لمحة” يمكن التعويل عليها، لا بل طرأ مستجد دقيق للغاية يتمثل في حضور مجموعات 17 تشرين بشكل ملحوظ في شارعها، إضافة إلى “فكفكة” كل التحالفات الهشة السابقة واستحالة ربطها من جديد، لهذا فإن المعضلة الكبرى لدى كل الأفرقاء تكمن في تأمين “الحاصل” لها قبل أن “تقع الفاس بالراس”.
لا شك أن مجموعات 17 تشرين ستغرف من “صحن” الجميع، ليس لأنها قدمت نفسها كـ “بديل” مقنع حتى اللحظة، سواء من ناحية البرنامج أو الخطاب الموحّد، بل لفشل البقية في الوقوف في وجه الغضب الشعبي من الحالة المزرية التي بلغتها البلاد وتراكم الأزمات، وهذا ما تعوّل عليه لإحداث خرق في المشهد الانتخابي الربيع المقبل.
“فسيفساء” انتخابية معقدة
أما الأحزاب والتيارات السياسية التقليدية فهي تحاول جاهدة أن تستنهض قواها، تنظيميًا وجماهيريًا، في سعيها لضمان “حاصل واحد” على الأقل لتبدأ بعدها في نسج تحالفاتها، كلٌ وفق منظوره لأرض الواقع، وإن كانت حتى اللحظة مبهمة نتيجة التعقيدات السياسية في “فسيفساء” المنطقة وتشابكها بطريقة معقدة ليس من السهل على أي طرف حلحلتها بيسر وسهولة.
مصدر متابع للخرائط والمعارك الانتخابية السابقة تحدّث لـ “مناطق نت” فرأى أن العقبة الأكبر تواجه “التيار الوطني الحر” لسبب واضح هو عدم قدرته على تأمين حاصل له إلا بالتحالف مع “حزب الله”، وحزب الله لن يفكّ ارتباطه المزدوج أولاً مع “حركة أمل” الواقفة في خط المواجهة مع الوطني الحر، وثانياً مع النائب السابق نقولا فتوش (5737 صوتًا تفضيليًا)، إضافة إلى خشيته من تنامي حال الامتعاض من الحضور السلبي للنائب أنور جمعة خلال فترة ولايته.
يضيف المصدر “التيار الوطني أيضاً بات من المستحيل عليه التحالف مع المستقبل، ويواجه حربًا ضروس داخل “زحلة” مع القوات اللبنانية والكتائب وأركان المدينة، وخسر النائب ميشال ضاهر والمهندس أسعد نكد، عدا عن الصراع الداخلي في أروقة التيار بين جناحي “السليمين” “عون وجريصاتي” ومن منهما سيحظى بالأولوية، مع الأفضلية لـ “جريصاتي” بسبب “كاثوليكيته” وزحلة بلا زعامة كاثوليكية وهي عاصمة الكثلكة في الشرق”.
عاصمة الكثلكة وعقدة تمثيلها
القوات اللبنانية أيضًا غير مرتاحة لوضعها بسبب تلاشي تحالفاتها الماضية، لن تكون مع الكتائب اللبنانية وهذا بات أمرًا محسومًا، وخسرت النائب “سيزار المعلوف” ومتمسكة بالنائب جورج عقيص (11393 صوتًا تفضيليًا) القادم من “السهل” حسب التعبير الشائع وليس من “رحم” مدينة زحلة، وتبحث عن مرشح “سنّي” يرفدها ببضعة آلاف من الأصوات لتأمين حاصل لمرشحها الرئيسي “عقيص” لأنه ليس من السهل عليها ايجاد “انتحاري” لهذه المهمة ليشكل رافعة لغيره.
يقول المصدر “القوات عينها على مجموعات 17 تشرين لنسج تحالف معها رغم صعوبة تقبّل الأمر، فالقوات تعتبر نفسها شريكة أساسية في حراك 17 تشرين، بينما الثورة تراها من ضمن “كلن يعني كلن”، وتريد الذهاب للانتخابات في وجه المنظومة ككل ومن ضمنها القوات، لأن أي تحالف مع أركان السلطة سيضعها في خانة المساءلة والمحاسبة من الذين أيدوا طروحاتها منذ اللحظة الأولى لولادتها”.
يتابع المصدر “عقدة التمثيل الكاثوليكي لمدينة زحلة هي الشغل الشاغل للقوات اللبنانية ولا يمكنها التغافل عن هذا الأمر، وليس بوسعها تأمين حاصلين بأصوات تفضيلية تمكن المرشحين عن المقعدين الكاثوليكيين من بلوغ الغاية المنشودة، إضافة إلى عدم قدرتها على توزيع حجم كتلتها الناخبة على مرشحين إثنين لأنها تعرض “عقيص” لخطر الاستبعاد تمامًا وهذا ما لن تقبل به على الاطلاق”.
معضلة “الحاصل”
وفي زحلة أيضاً هناك ميريام سكاف أرملة الوزير الراحل إيلي سكاف مع ما يمثله هذا الاسم في وجدان الزحليين خصوصًا والبقاعيين عمومًا، وهي إن عجزت عن تأمين حاصل واحد للائحتها في الانتخابات الماضية (6348 صوتًا تفضيليًا)، الأمر الذي يجعل منها قوة تجييرية كبيرة لأي لائحة قد تشكلها أو تتحالف معها، وهناك بعض الأسماء المستقلة من بينهم الوزير الحالي جورج بوشكجيان (1845 صوتًا تفضيليًا) ومعضلة تحالف الطاشناق مع التيار الوطني الحر.
أما تيار المستقبل فهو حتى اللحظة لم يصل بعد إلى صيغة لخوضه انتخابات المنطقة، وإن كانت قدرته التجييرية قد تلامس عتبة “حاصلين” لكنه يحتاج إلى تصوّر مختلف عما قام به في الانتخابات الماضية ليعيد صلة الوصل بينه وبين جمهوره الذي انتفض للتحالفات التي عقدها ولم يرضَ عنها وتحديدًا التحالف مع النائب “سليم عون”، وقد يسعفه كثيرًا انتهاء مفاعيل التسوية الرئاسية في لملمة شارعه والبدء بصوغ تحالفاته تحت عنوان واضح لائحة مستقبلية مع بعض الوجوه المستقلة.
إن سارت الانتخابات في دائرة زحلة – البقاع الأوسط بشكل طبيعي ستكون معضلة “الحاصل” هي العقبة الكبرى التي ستواجه الجميع بسبب صعوبة ولادة تحالفات كبيرة (الحاصل المتوقع 14000)، وكل الماكينات الانتخابية تعد العدة لهذا الأمر، فهو بنظرها المرتكز الأول الذي ستخوض عليه المعركة، من هنا يمكن وصف انتخابات المنطقة بـ “انتخابات بلا رأس”.