ناخبو القرى السورية… فتور سنياً وحماسة خجولة شيعياً

أكثر من ١١ قرية لبنانية تقع في الداخل السوري لكن سكانها لبنانيون وهي: زيتا، مطربا، حاويك، السماقيات، المصرية، الجنطلية، الحمّام، الديابية، بلوزة، النزارية، ربلة وجزء من العقربية. هذه القرى التي تعتبر جزءاً من الداخل السوري حيث العلاقات التجارية والخدمات والتواصل وغيرها، عبثت بها الحرب السورية وشرّدت أبناءها الذين توزّع قسم منهم على قرى الهرمل وبعلبك وقسماً آخر عاد إلى قراه، بعدما استتبت الأمور هناك.

مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، وبدء العدّ العكسي لإجرائه في الخامس عشر من أيار، تبدو المعركة شرسة بين اللوائح التي توزّعت بين أحزاب السلطة والمجتمع المدني. جميعهم يعدّون العدة، والكلمة الفصل ستكون للناخبين في مراكز الاقتراع الذين حتى الآن لا يبدون أي حماسة للمشاركة.

تتحضر بعلبك-الهرمل بستة لوائح تتنافس فيما بينها من أجل تأمين الحاصل الانتخابي، ومن ضمنها قرى الداخل السوري التي تتمتع بخصوصية وحيثية معينة. فهؤلاء اللبنانيون الذين يعيشون في سوريا ولا زالوا يستفيدون من خدماتها المتنوعة، في الوقت الذي تحرمهم منها دولتهم اللبنانية، كيف سيشاركون في العملية الانتخابية؟ وهل لديهم حماسة للمشاركة فيها؟ والسؤال يذهب إلى أبعد من ذلك، هل يشعر هؤلاء بالانتماء للبنان؟

تنوع طائفي ومذهبي

تتميز هذه القرى بغناها وتنوعها الطائفي والمذهبي، حيث يتوزّع نسيجها المجتمعي بين المسلمين الشيعة والسنة والمسيحيين الموارنة والكاثوليك والعلويين. يعيشون سوياً كنيسة قرب جامع، وقرى جانب قرى، حيث يتمركز الشيعة في زيتا، مطربا، السماقيات، الديابية، حاويك، بلوزة، والجنطلية، والسنة في المصرية، النزارية، الحمام، والمسيحيون في ربلة.

انتخابياً، جولة على هذه القرى تكشف عن وجود ٨٠٠٠ ناخب شيعي، وحوالي ١٦٠٠ ناخب سني، وما يقارب ٤٠٠ ناخب مسيحياً بين موارنة وروم كاثوليك، جميعهم يقترعون في قضاء الهرمل باستثناء الكاثوليك وآل أبو جبل من الناخبين السنة يقترعون في زحلة.

من بلدة ربلة

يتوزع ناخبو هذه القرى الحدودية في قضاء الهرمل، ففي الشواغير يقترع حوالي ٧١٣ ناخباً سنياً، وحوالي ١٧٤ من المسيحيين الموارنة، وفي حي الحارة حوالي ١٣٢ من السنة، و١٣ موازنة، وفي حوش السيد علي ١٢٠ سنة وحوالي ٥٠ موارنة، وفي وادي العس حوالي ١٤ ناخباً سنياً، وفي مزرعة بيت الطشم ٣٩ سنة، وفي القصر حوالي ٣٦٥ سنة، ٨٧ من العلويين. أما الناخبون الشيعة ويبلغ عددهم حوالي ٨٠٠٠ فيتوزعون على مختلف قرى وبلدات قضاء الهرمل.

تضم هذه القرى عائلات مختلفة، ففي زيتا يستقر آل الزين وآل رحال والهق وغْراب، وفي مطربا آل قطايا وحمادة، وفي بلوزة وحاويك آل زعيتر والنمر، وفي السماقيات آل صقر وآل نون، وفي ربلة آل الأحمر، وفي النزارية والحمام والمصرية وجوسيه آل عامر، مطر، المصري، الأطرش، أمون، كلثوم وهؤلاء تهجروا من قراهم إثر الحرب السورية، حيث نزحت بعض العائلات إلى قضاء الهرمل، وبعضها كآل عامر ومطر إلى مشاريع القاع، والأطرش وأمون إلى عرسال وسعدنايل. بعضهم عاد إلى قراه لا سيما أولئك الذي تهجروا إلى قضاء الهرمل، فيما لا يزال البعض ضمن الأراضي اللبنانية في مشاريع القاع وعرسال.

كتلة انتخابية وازنة

لهؤلاء الناخبين في هذه القرى كلمتهم حيث انهم في الانتخابات البلدية كان لهم حضور لافت، ففي كل من بلديتي القصر والشواغير لهم أعضاء من الشيعة والسنة والموارنة وهم فاعلون في العمل البلدي.

أما بالنسبة للانتخابات النيابية سنة ٢٠١٨ فقد سجل ناخبو هذه القرى الحدودية أرقاماً مهمة حيث اقترع أكثر من ٧٥ ٪ منهم، حتى أولئك الذين لم يعودوا إلى قراهم ويقيمون في عرسال ومشاريع القاع شاركوا في الاستحقاق الانتخابي، حيث اقترع في قلم الشواغير حوالي ٤٠٠ ناخب من أصل ٧١٣ رجحوا الكفة لصالح لائحة القوات اللبنانية خارقين المعتاد نتيجة خلفية المنطقة السياسية الموالية لحركة امل وحزب الله.

للناخبين في قرى الداخل السوري كلمتهم حيث انهم في الانتخابات البلدية كان لهم حضوراً لافتاً، ففي كل من بلديتي القصر والشواغير لهم أعضاء من الشيعة والسنة والموارنة وهم فاعلون في العمل البلدي.

هذه القرى قدّمت نموذجاً يُحتذى في انتخابات العام ٢٠١٨، عكس التنوع الفكري والسياسي الذي تتمتّع به تلك المنطقة، حيث أن الناخبين فيها والمنتمين لمختلف الطوائف اللبنانية توجهوا للتصويت في قرى قضاء الهرمل على اختلاف خياراتهم السياسية دون أية مشاكل تذكر، واللافت أن الطوائف في هذه المنطقة متنوعة الخيارات السياسية، فقد انقسم كل من السنة والموارنة في الإدلاء بأصواتهم لصالح لائحتي القوات اللبنانية وأمل وحزب الله.

حماسة انتخابية مفقودة

هذا العام ومع الاستحقاق الانتخابي الذي يقترب الأمر مختلف، حيث فقدان الحماسة لدى البعض هو الغالب لا سيما في الوسط السنّي ولكلٍ أسبابه في هذا المجال.

يقول رامز عامر وهو من بلدة النزارية ويسكن اليوم مشاريع القاع لـ “مناطق نت”: “خرجنا من النزارية هرباً نتيجة اشتداد المعارك والحرب خوفاً على عيالنا، وعندما هدأت الحرب لم نعد لأن بيوتنا تهدمت وأصبحت بحاجة إلى تأهيل، ونحن غير قادرين على إصلاحها”. ويؤكد عامر أنه على الرغم من هويته اللبنانية إنه عاطفياً يشعر بالانتماء إلى سوريا. ”هناك ولدنا وترعرعنا، وهناك أرضنا ورزقنا وبيوتنا، هناك الدولة السورية وفّرت لنا كل الحاجات والخدمات، أما في لبنان لا نملك شيء، في الوقت الذي لم تميز الدولة السورية بيننا وبين مواطنيها، في لبنان لم يتعرف علينا أحد، في سوريا كان أولادنا يتعلمون، في لبنان غير قادرين على تعليم أولادنا”. مشيراً إلى أن الانتخابات اللبنانية لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد وغير مستعد لاستقبال أي مرشح، و”لن نشارك في الاقتراع”.

يضيف عامر أن البعض ممن تهجروا عادوا إلى النزارية بعد نهاية الحرب، وتسلّموا أرضهم من الجيش السوري وحزب الله، عادوا يمارسون حياتهم الطبيعية هناك.

الطريق بين الفاضلية والعقربية

بدورها غانية عامر وهي أيضًا من النزارية وتعيش في مشاريع القاع تؤكد لـ “مناطق نت” أنه لا أحد يستحق أن نقوم بانتخابه، حسب الأداء السابق، لأن أحداً لم يهتم بنا، تهجرنا من سوريا إلى منطقة المشاريع، وبالرغم من أننا لبنانيين، إلا أننا في دولتنا نعيش في خيم، لا بيوت عندنا، لم توفر لنا الدولة أدنى المتطلبات، حتى بطاقة الشؤون لم يؤمنوها لنا. واليوم ومع تزامن الاستحقاق الانتخابي مع الغلاء دون أن يحرّك أحد ساكناً، فهذا يحتم علينا عدم الاقتراع لأحد.

تتأسف عامر للمعاناة الكبيرة التي يعيشونها فتقول “نحن ممنوعون من قبل بلدية القاع من بناء منازل، نذوق الامرّين فالعيش في لبنان من دون رعاية الدولة صعب، والعودة إلى النزارية وترك أعمالنا ومشاريعنا التي أسسناها أصعب”.

غانية عامر: نحن ممنوعون من قبل بلدية القاع من بناء منازل، نذوق الامرّين فالعيش في لبنان من دون رعاية الدولة صعب، والعودة إلى النزارية وترك أعمالنا ومشاريعنا التي أسسناها أصعب
طرقات مليئة بصور المرشحين

غياب الحماسة في الوسط السني في قرى الداخل السوري تقابله حماسة في الأوساط الشيعية التي تبدو أكبر. يشبّه أبو محمد نون من بلدة السماقيات لـ “مناطق نت” أجواء الانتخابات في القرى الحدودية، بتلك التي ستحصل داخل الأراضي اللبنانية. مشيراً إلى أن الناس تتخصر لهذا اليوم، حيث شوارع وطرقات زيتا ومطربا وحاويك والسماقيات مليئة بصور المرشحين كعادتها.

يؤكد أبو محمد أنه هو وعائلته سيشاركون في الانتخابات، مضيفاً “جميع الناس ستشارك في الاقتراع، في رقبتنا دين لحزب الله وحركة أمل علينا أن نسدده، فهو الذي حمانا في الحرب السورية وهو الذي قدم شهداء لأجل هذه المنطقة وأهلها، وهو الذي يقدم خدمات للمنطقة في ظل غياب الدولة اللبنانية، أقله يفرض علينا واجبنا الوفاء لتضحياته من خلال المشاركة بصوتنا في الانتخابات.

وحول الانتقال وكلفته من سوريا إلى لبنان والتي لا يستطيع اليوم المواطن أن يتكبدها يقول أبو محمد لا نعاني من هذه المشكلة فمن يستطيع يذهب بوسائل النقل الخاصة، ومن لا يستطيع يؤمن له الحزب النقليات كما باقي الأحزاب التي تؤمن النقل لناخبيها وأهالي مناطقها.

حال لبنانيو قرى الداخل السوري لا يختلف كثيراً عن حال لبنانيو الداخل اللبناني، تجمعهما الهوية ويفرقهما الانقسام. بين لقمة الخبز وصندوقة الاقتراع، يبدو حتى الآن أن الطريق بينهما مقطوعة. البعض لا يستطيع أن يفكر سوى بلقمة العيش وهو يتضوّر جوعاً. لا يكترث للانتخابات ولا بأي شكل من الأشكال، والبعض الآخر هو ليس بوضع أفضل، لكنه يعضّ على جرحه ويمضي ببعض الحماسة تكاد لا تخلو من الأمل، لعل اقتراعه يثمر شيئاً؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى