ارتفاع أجور العمالة السورية بقاعًا.. الأسباب والتحديات

عاملان أثّرا بشكل كبير على سوق العمل بقاعًا خلال الأشهر القليلة الماضية، الأوّل الحرب الإسرائيليّة التي نتج عنها ارتفاع غير مسبوق في نسب البطالة، وذلك نتيجة توقّف الدورة الاقتصاديّة، والثاني سقوط النظام في سوريّا والذي أدّى إلى مغادرة آلاف السوريّين إلى بلادهم، وأدّى إلى ارتفاع الأجور في مختلف القطاعات، حيث تشكّل العمالة السوريّة المحرّك الأساس في قطاعات عدّة أهمها القطاع الزراعيّ.

 ارتفاع أجرة العمّال السوريّين

ما كان قبل الحرب الإسرائيليّة وسقوط النظام في سوريّا لجهة أجور اليد العاملة السوريّة لم يبقَ مثلما كان بعدها، فالزيادة على الأجور تضاعف، منها ما له علاقة بانخفاض أعداد العاملين، ومنها ما يتّصل بالغلاء المعيشيّ الحاصل في مختلف نواحي الحياة، وهذا ما حسّن من وضع العامل السوريّ، الذي أصبح يُفاضل في أجرته بين فرص عمل عديدة ومتوافرة، يختار منها الأنسب له.

وعلى الرغم من ذلك، لم يشكّل الارتفاع في الأجور اعتراضًا من أرباب العمل، وهو ما يعكس الحاجة الضروريّة للعمالة السوريّة، والتي يفرضها تجنّب اللبنانيّين العمل في قطاعات عدّة أصبحت اليد العاملة فيها تتشكّل بمعظمها من العمالة الأجنبيّة وتحديدًا السوريّة.

لم يشكّل الارتفاع في الأجور اعتراضًا من أرباب العمل، وهو ما يعكس الحاجة الضروريّة للعمالة السوريّة، والتي يفرضها تجنّب اللبنانيّين العمل في قطاعات عدّة

“مناطق نت” التي جالت في بعض مناطق غرب بعلبك واستطلعت آراء عددٍ من العمال السوريّين وأصحاب المصالح عادت بالشهادات الآتية:

تقول عزيزة وهي عاملة سوريّة تعمل في قطف المحاصيل الزراعيّة في الخيم البلاستيكيّة إنّ أجرتها في الساعة كانت 100 ألف ليرةٍ لبنانيّةٍ قبل الحرب وكانت تعمل من ثماني إلى 10 ساعاتٍ في اليوم، أيّ ما يقارب 10 دولاراتٍ يوميًّا، “وبما أنّ أختي تعمل معي بالأجرة نفسها فكنّا نجني 20 دولارًا يوميًّا تكفينا كمصروفٍ والحمدلله..”

تتابع لـ ِ”مناطق نت”: “أمّا بعد الحرب أيّ بعد توقّف أكثر من شهرين عدنا إلى العمل ولكن بأجر جديد وهو 200 ألف ليرةٍ للساعة الواحدة، مع أننا واجهنا صعوبةً بداية الأمر من صاحب الخيم الذي نعمل معه منذ سنواتٍ في تقبّل الطلب، لكن وافق بعد أن قرّرنا تركه.”

 صاحب العمل “مش خسران”

عن سبب زيادة الأجر بعد الحرب تتساءل عزيزة: “ولِمَ لا نرفع الأجر وكلّ شيءٍ ارتفع سعره، وهل لا يحقّ لنا كغيرنا من التجّار وأصحاب المصالح؟”. وتقول إنّ صاحب العمل أيّ صاحب الخيم “مش خسران” إذا زاد أجرة الساعة لأنّ أسعار منتوجاته ارتفعت وبالتالي ارتفع ربحه لذلك لا بدّ من دفع ثمن تعب العامل دون أن يشكّل خسارة له.

ارتفاع أجور العاملات في القطاع الزراعي إلى الضعف

وترى أنّ سوء الأوضاع المعيشيّة والاقتصاديّة ليس على اللبنانيّين فحسب و”إنّما علينا نحن اللاجئين السوريّين ما أجبرنا على رفع أجرة عملنا لا سيّما ونحن نعمل بالساعة حيث نكون عُرضة للتوقّف عن العمل إمّا بسبب مرضٍ أو بطردٍ من ربّ الشغل وهذا ما ينعكس خسارةً حتميّةً علينا.”

وتختم عزيزة بالقول: “نحن لا نريد الثراء من زيادة أجرتنا إنّما نريد السترة في حياتنا. وكلّ ما نجنيه نصرفه أكلًا وشربًا وهذا أضعف الإيمان كحقّ من حقوقنا في العيش”.

أمّا خالد الذي يعمل في نجارة الباطون فيقول إنّه يعمل مع معلّم بناءٍ منذ ثلاث سنواتٍ، وصار مساعد معلّم من حيث الخبرة والتنفيذ، وكانت أجرته اليوميّة قبل الحرب 20 دولارًا، “ولكن بعد الحرب رفعنا الأسعار إلى 40 دولارًا، ليس طمعًا بصاحب العمل وإنّما وجدنا أنّ كلّ الأجور ارتفعت مقابل ارتفاع أسعار الموادّ الاستهلاكيّة اليوميّة فجاء الأمر سهلًا عند بعضهم وصعبًا على آخرين.”

“عملي صعب أستحق الأجرة”

ويؤكّد لـ ِ”مناطق نت”: “أنّ العمل في نجارة الباطون مُنهك للغاية ولا يعمل بها إلّا من له قدرة جسديّة قويّة وصبر طويل، وهذا لا يتوافر لدى كلّ العمال الذين يهربون إلى أعمالٍ أخرى أقلّ تعبًا منه، لذلك عملي صعب وأستحقّ الأجرة عليه التي تبقى قليلةً قياسًا بما أعانيه بسببه.”

ويتابع قائلًا: “إنّ أجرتي اليوميّة التي يرى معظم اللبنانيّين فيها أنّها تفوق رواتبهم ليست ثابتةً ودائمةً كامل الشهر، كون عملي خاضعًا لمدّة الورشة التي غالبًا لا تتجاوز الأسبوع أو الأسبوعين، وبالتالي لا تبلغ الرقم الذي يظنّه الناس، ونظرًا إلى طبيعة العمل الشاقّ يُصبح الأجر على مدى أيّام عاديًّا مثله مثل أجرة أيّ عاملٍ في أيّ مصلحةٍ حرّة”.

خالد: بعد الحرب رفعنا الأسعار إلى 40 دولارًا، ليس طمعًا بصاحب العمل وإنّما وجدنا أنّ كلّ الأجور ارتفعت مقابل ارتفاع أسعار الموادّ الاستهلاكيّة اليوميّة

من جهته يؤكّد عبدو، وهو عامل في مصلحة الألمينيوم، أنّ أجرته اليوميّة في عمله كانت 20 دولارًا، ثمّ ارتفعت إلى 30 دولارًا بعد الحرب مباشرةً نظرًا إلى ما طرأ من تغيّرات مادّيّةٍ واقتصاديّةٍ وعمليّةٍ منذ نحو شهرين. ويقول لِـ “مناطق نت”: “إنّ كلّ شيءٍ تغيّر وارتفع سعره ولسنا نحن السبب في ذلك، وحرام أن يحمّلنا أحد مسؤوليّة ازدياد سعر الأجرة اليوميّة لأنّنا كسوانا من اللبنانيّين سواسية في كلّ شيءٍ.”

أجرتنا في معيشتنا

ويشير عبدو إلى أنّ ما يتقاضاه يوميًّا من عمله لن يجعله من الأثرياء “وذلك لأسبابٍ مختلفةٍ منها أنّه يوميّ، أيّ ليس على مدى أيّام الشهر. وأنّه غير مقيّدٍ بوقتٍ محدّدٍ إذ قد يمتدّ عمله إلى عشر ساعاتٍ من النهار أحيانًا، بالإضافة إلى دفع بدل إيجار المنزل الذي يبلغ 150 دولارًا شهريًّا، أيّ أنّ أجرتنا بمعيشتنا ومصاريفنا الشهريّة.”

ويختم أنّ أجرته اليوميّة في عمله ليست أكثر من العامل اللبنانيّ الذي تصل إلى 50 دولارًا باليوم إذا كان “نصف” معلّم “يعني نحن لا نضارب على أحدٍ ولا نعمل مكان أحدٍ، فالمصالح والمهن موجودة أمام الجميع وليست حكرًا على السوريّين الذين لا يفرضون أنفسهم على أيّ مصلحةٍ أو مهنة.”

أرباب العمل

كيف ينظر أصحاب المصالح والمهن الحرّة إلى الارتفاع في أجرة العمال السوريّين بعد الحرب، وكيف يعلّلونها؟

يقول محمّد الحسينيّ (صاحب محلّ للألمينيوم) إنّ عمله “يحتاج إلى عمّال لديهم الرغبة في تعلّم المهنة كي أستطيع أن أعتمد عليهم في الوُرش لأنّ مهنتي ليست مساعدةً يدويّةً فحسب، إنّما تتطلّب حسًّا مهنيًّا من العامل حتّى يُنجز أيّ خطوةٍ في العمل، وهذا أكثر ما نجده لدى العامل السوريّ الراغب بالتعلّم كونه يريد العيش دون النظر إلى طبيعة المهنة ونوعها” ويتابع لِـ “مناطق نت”: “في حين أنّ العمّال اللبنانيّين قليلًا منهم من يريد أن يتعلّم مهنةً لها مستقبل جيد له.

بعد الحرب وسقوط النظام ازدياد الطلب على العمالة السورية
الحاجة للعامل السوريّ

ويضيف الحسينيّ أنّ إحجام اللبنانيّين عن العمل في المصالح التي تحتاج إلى صبرٍ وقناعةٍ للنجاح في المستقبل يدفعنا إلى التفتيش عن العامل السوريّ الذي يرضى بأيّ عملٍ لأنّ هدفه تأمين حياته وحياة عائلته بغضّ النظر عن نوعيّة العمل وصعوبته. من هنا تبرز الحاجة الضروريّة إلى العامل السوريّ لتسيير أعمالنا.

ويرى أنّ “رفع أجرة العامل السوريّ بعد الحرب قد تكون مبرّرة “فما نمرّ به نحن من أزماتٍ تشمله هو أيضًا، لا سيّما وأنّه يعيش في مجتمعاتنا بكلّ تفاصيلها وصار منّا وفينا بكلّ شيءٍ”. ويدعو “الشباب اللبنانيّ العاطل من العمل إلى الانخراط في تعلّم المهن المنتجة بدل الجلوس في المنزل والتنمّر على الآخرين.”

أمّا علي شحادي (صاحب مشروع خيم زراعيّة) فيشير لـ “مناطق نت” إلى أنّ مشروعه يحتاج إلى 10 عمّالٍ يوميًّا، يعملون في القطف والتعشيب والتوضيب، وعملهم على الساعة وليس على اليوميّة “حيث كانت أجرة العامل 100 ألف ليرةٍ قبل الحرب التي أجبرتنا على التوقّف عن العمل لنحو شهرين ونصف الشهر. وحين عدنا إلى عملنا لم نجد من يعمل بالتسعيرة السابقة، والكلّ طلب الـ 200 ألف ليرة للساعة الواحدة فما كان منّا إلّا أن وافقنا على ذلك”.

‌اللبنانيّ لا يعمل عمل السوريّ

ويقول إنّ عمله في الزراعة تعمل فيه النساء أكثر من الرجال، والشابّة أو المرأة السوريّة لا تخجل من أيّ عملٍ، وهي التي تعتمد عليها العائلة في معظم المصاريف اليوميّة. حتّى إنّ النساء السوريّات يتسابقن على العمل في الزراعة. بينما اللبنانيّات يخجلن من أعمال كهذه لا بل من كلّ الأعمال في المهن أو المصالح الحرّة، وينظرن إلى من يعمل فيها نظرةً دونيّةً.

ويضيف “فإذا كان اللبنانيّ أو اللبنانيّة لا يعملان عمل السوريّين ويحتجّان على عملهما أو على قيمة أجرتهما فها هو مشروعي موجود، وأنا مستعدّ لاستقبالهما متى أرادا وبأيّ أجرة يريدان”. ويختم شحادي حديثه مؤكّدًا “أنّ العامل السوريّ لم يأخذ شيئًا من أمام العامل اللبنانيّ، بل إنّ العامل اللبنانيّ هو من تخلّى عن دوره وعمله وطريقة عيشه طوعًا بسبب تكبّره وبلادته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى