الاستحقاق البلدي اختبار يسبق الانتخابات النيابيّة

على مسافة شهرين من تاريخ الاستحقاق البلديّ والاختياريّ المزمع إجراؤه في منتصف أيّار (مايو) المقبل، وعلى الرغم من أنّ المهلة الزمنيّة لهذا الاستحقاق أصبحت قريبة نسبيًّا، فإنّ الصورة لإتمام العمليّة التي طال انتظارها بعد تأجيلها مرّتين، لم تتّضح بعد. وفي الوقت الذي أعلن فيه وزير الداخليّة أحمد الحجّار، أنّ الانتخابات البلديّة والاختياريّة سوف تُجرى على أربع دورات متتاليّة تمتدّ بين الرابع من أيار و الـ 25 منه، فإنّ الدخول في موسم الانتخابات بشكل جدّي ينتظر دعوة الوزير الهيئات الناخبة والتي تتضمّن تحديد مهل الترشح والعودة عنها وغيرها من الأمور.
ووفقًا للقانون فإنّ هذه الدعوة ينبغي أن تصدر قبل 30 أو60 يومًا من تاريخ إجراء الانتخابات، أيّ أنّ التاريخ الأخير لتلك الدعوة هو الرابع من نيسان (أبريل) المقبل كأقصى حد.
يبلغ عدد البلديّات في لبنان 1064 بلديّة، من ضمنها 24 بلديّة استحدثت بعد العام 2016. لكن بعد ذلك التاريخ، بلغ عدد البلديّات المنحلّة 125 بلديّة. هذا ويتفاوت وضع البلديّات من حيث انتظام عملها وتدبير شؤونها، ففي حين تُعتبر 250 بلديّة تسيّر أمورها بحسب الإمكانات وبشكل متفاوت، فإنّ 640 بلدية تعتبر مشلولة بسبب خلافات واستقالات بين أعضائها.
امكانيّة تأجيل موعد الانتخابات
وعلى الرغم من تشديد الحجّار على إجراء الانتخابات في موعدها إلّا أنّ كثر من المراقبين يشكّكون في إمكانيّة إنجاز الاستحقاق بتاريخه المحدّد، نظرًا إلى التحدّيات الكبيرة التي تواجهه، ويأتي في مقدّمها تداعيات الحرب التي ضاعفت الأعباء الملقاة على عاتق البلديّات المنهكة أصلًا بفعل الأزمة الاقتصاديّة، ومنها كما بات مؤكّدًا إجراء الانتخابات في نحو 35 بلدة وقرية جنوبيّة مدمّرة كلّيًّا جرّاء العدوان الإسرائيليّ، إذ يدور النقاش حول إجرائها داخل هذه البلدات أو في بلدات أخرى لأسباب لوجستيّة.

وفي هذا الاطار، يُشير المدير العام السابق للبلديّات، خليل الحجل، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “أطرافًا سياسيّة وحزبيّة ورؤساء بلديّات يخشون إجراء هذا الاستحقاق”. ويلفت إلى أنّه “درجت العادة أن تُجرى الانتخابات البلديّة بعد النيابيّة حيثُ تكون جميع الأطراف قد رتّبت أوضاعها وظهر لها الخيط الأبيض من الخيط الأسود، بما يتيح تحديد أفضل السُبل ورسم الخطط الملائمة لها في التعاطي مع هذا الاستحقاق على قاعدة تحقيق أكبر قدر من الأرباح أو الحدّ من الخسائر إلى أبعد حدود”.
ويؤكّد أنّ “إجراء الانتخابات قبل عام كامل من الانتخابات النيابيّة سيقلب المعادلة رأسًا على عقب، وقد يغير كثيرًا في المعطيات والمعادلات والتوازنات، الأمر الذي قد ينعكس تبدّلًا كبيرًا جدًّا على الصعد الوطنيّة والسياسيّة والحزبيّة، فكيف إذا كان كلّ ذلك قد يحصل بعدما هبّت رياح التغيير مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهوريّة؟”.
عوامل متحكّمة بالانتخابات
ممّا لا شك في أنّ عوامل ومعطيات عديدة تتحكّم بالانتخابات البلديّة والاختياريّة وتلعب دورًا أساسيًّا فيها، أهمّها الحسابات العائليّة والمناطقيّة التي تترافق مع السياسيّة والحزبيّة، خصوصًا في المدن ومراكز النفوذ، والمناطق ذات الرمزيّة السياسيّة أو الحزبيّة أو الطائفيّة. أضف إلى ذلك أنّ الخدمات والمساعدات والمال السياسيّ والانتخابيّ، تلعب أدوارًا كُبرى في خيارات الناخبين في هذا الاستحقاق، الذي يشهد في كثير من الأحيان تحالفات أو خيارات تتناقض كلّيًّا مع المشهد الانتخابيّ في الاستحقاق النيابيّ.
الحجل: إجراء الانتخابات قبل عام كامل من الانتخابات النيابيّة سيقلب المعادلة رأسًا على عقب، وقد يغير كثيرًا في المعطيات والمعادلات والتوازنات
وعلى الرغم من أنّ صورة التحالفات لم تظهر بعد، إلّا أنّ معطيات عدّة برزت في ما يتعلّق بالاستحقاق البلديّ، تبقى جميعها ضمن التوقّعات، أوّلها إعلان حركة أمل وحزب الله التحالف في هذا الاستحقاق على مساحة لبنان. ومن ثمّ اختلاط الحسابات العائليّة والمناطقيّة والسياسيّة والحزبيّة في ما يتسرب عن التحالفات المرتقبة، إضافة إلى اعتبار الانتخابات البلديّة بروفا (تجربة) لما قد تكون عليه الانتخابات النيابيّة، وهو ما ينسحب على مناطق أساسيّة في طليعتها بيروت والمدن الكبرى مثل طرابلس وزحلة وجونيه وجبيل وصيدا.
تحدّي المناصفة الطائفيّة
ويمكن القول إنّ أحد التحدّيات الرئيسة التي تفرض نفسها في الانتخابات المرتقبة هو القدرة على إيصال مجلس بلديّ يؤمّن المناصفة المسيحيّة- الإسلاميّة في بلديّة بيروت حيث تحمل نتائج العاصمة أهمّيّة خاصّة عن بقيّة المناطق. وكانت تجارب الانتخابات السابقة التي أجريت منذ العام 1998 وحتّى 2016 قد نجحت في الحفاظ على هذا التوازن في العاصمة، وهو ما لم يحصل في طرابلس مثلًا.
فقانون الانتخابات البلديّة والاختياريّة لا ينصّ على أيّ توزيع مذهبيّ أو طائفيّ في المناطق المختلطة، والحفاظ على هذا التوازن لا يتحقّق إلّا بالرهان على توجّهات الناخبين وحرص الأحزاب والسياسيّين والفعاليّات الروحيّة والمدنيّة في هذه المناطق على تكريس المناصفة.
وفي هذا الإطار ومن أجل الحفاظ على هذا التوازن، يقترح الحجل “اعتماد بيروت دائرتين انتخابيّتين في الانتخابات البلديّة والاختياريّة (حيث ينتخب في كلّ منهما 12 عضوًا) على غرار تقسيم العاصمة إلى دائرتين في الانتخابات النيابيّة”، مؤكدًا أنّ “هذه الخطوة تشكّل الضمانة الوحيدة والثابتة لاستمرار المناصفة الإسلاميّة- المسيحيّة في بلديّة بيروت، وتؤمّن وحدة العاصمة وبلديّتها”.

المرأة في الإصلاح انتخابيّ
وعلى الرغم من إعداد كثير من الاقتراحات لإصلاح عمل المجالس البلديّة والاختياريّة وانتخاباتها وكذلك وضع اقتراحات متعلّقة باللامركزيّة الموسّعة، إلّا أنّها لم يُجر إقرارها لغاية الآن، وبات لبنان بحاجة ماسّة إلى تطبيق هذه التطلّعات الإصلاحيّة، وهذا ما يدفع الحجل إلى التشديد على ضرورة تطبيقها في فترة زمنيّة غير بعيدة.
وربّما يكون الإصلاح الوحيد الذي سيطبّق في هذه الانتخابات البلديّة المرتقبة هو السماح للمرأة التي تزوّجت ونقلت نفوسها إلى مسقط رأس زوجها أن تترشّح إلى عضويّة المجلس البلديّ والاختياريّ في بلدتها الأمّ أو في بلدة الزوج، وذلك بناءً على اختيارها.
ضعف الإمكانات
على الرغم من رفع الرسوم البلديّة إلى أكثر من 10 أضعاف، إلّا أنّ البلديّات ما زالت تُعاني من تراجع امكانيّاتها الماليّة بشكل كبير. وتكمن المشكلة الكبرى في تحكّم الحكومة بأموال البلديّات التي تجبى من رسوم الهاتف والمياه والكهرباء إذ تودع لدى الصندوق البلديّ المستقلّ. لذا، يقترح الحجل أن تدير البلديّات واتّحاداتها الصندوق البلديّ المستقلّ.
ويختم الحجل مشدّدًا على “ضرورة تسليط الضوء على التجارب الناجحة على مختلف الصعد بين البلديّات والسلطات المركزيّة والمنظّمات والجمعيّات ومكوّنات المجتمع المحلّيّ للاستفادة من تعاونها، وإطلاق المشاريع المشتركة أينما كان ذلك متاحًا وضروريًّا”.