التسرب النفطي في لبنان.. مبادرات شبابية ولامبالاة رسمية!
لم يكن ينقص سلسلة الأزمات في لبنان سوى التسرب النفطي على السواحل الجنوبية لكي يكتمل عقدها. وبالرغم من خطورة الحدث على المستوى البيئي إلا أن ذلك مرّ مرور الكرام ولم يلقَ اهتماماً جدياً لمعالجته من قبل المعنيين في هذا الشأن، وخصوصاً الدولة ومؤسساتها.
حكاية التسرب النفطي في لبنان الذي أدى إلى تلوث عدد من الشواطئ الجنوبية بدأت في أواخر شهر شباط الماضي بظهور كميات من مادة نفطية على شكل كتلٍ من القطران الأسود اللزج إمتدّت على طول الشواطئ الجنوبية من الناقورة إلى عدلون وصولاً لبعض شواطئ بيروت.
ولم يقتصر الأمر عند حدود تلك المناطق، إذ مع هبوب الرياح الأسبوع الماضي وارتفاع موج البحر، تدفقت كميات إضافية من النفط المتسرّب إلى أماكن أخرى في جبيل والبترون وشكا ولم تسلم عاصمة الشمال طرابلس منه.
أضرار التسرّب النفطي في لبنان تطال الشواطئ
التلوث البيئي لم تقتصر أضراره على مياه البحر فقط، بل طاولت الشواطئ الرملية والصخرية في المناطق المذكورة. بعد رصد أول بقعة من المادة النفطية الملوّثة على شاطئ محمية صور، قام فريق المسح بإبلاغ مدير محمية صور المهندس حسن حمزة بذلك، وهو أبلغ بدوره لجنة المحمية للتنسيق مع المجلس الوطني للبحوث العلمية، حيث بدأوا مناشدة المعنيين لاتخاذ الاجراءات اللازمة.
تحرك فيما بعد المركز الوطني لعلوم البحار برئاسة الدكتور ميلاد فخري لأخذ عينات عن التلوث بالتعاون مع القيمين على محمية شاطئ صور، ليتبين أن المنطقة ملوّثة بالكامل من جنوب صور وحتى شمالها.
غياب الدولة عن السمع دفع الجمعيات الأهلية إلى أن تضافر جهودها وتلجأ إلى «اليونيفيل» التي قدّمت بعض المساعدات والمعدّات والتي وفق حمزة “غير كافية وتتطلب التعاون من قبل المؤسسات الرسمية إلى جانب الأعمال التطوعية وعدم الاكتفاء بتقديم الوعود.
مبادرات تطوعية
الاهمال في معالجة التسرب النفطي في لبنان على المستوى الرسمي لم يكن كذلك بالنسبة للجمعيات الأهلية وهيئات المجتمع المدني والعديد من الناشطين البيئيين الذين حزموا أمرهم وأطلقوا العديد من الحملات والمبادرات الهادفة لرفع التلوث النفطي المتأتي من الحدود البحرية الفلسطينية.
العلماني». إضافة إلى اتحاد بلديات ساحل الزهراني، وإتحاد بلديات صور ومحميتها الطبيعية وغيرهم.
أبرز تلك الجمعيات والهيئات “حملة منتشرين”، “البيت البرقالي OCTC”،”جمعية كشافة الرسالة الإسلامية”، “النادي
العلماني”. إضافة إلى اتحاد بلديات ساحل الزهراني، وإتحاد بلديات صور ومحميتها الطبيعية وغيرهم.
استكمالا لتلك الحملات قامت جمعية “Diaries of the ocean” بمبادرة من أجل تنظيف شاطئ محمية صور من التسرب النفطي، حيث قام حسين غندور وهو أحد الناشطين في الجمعية بتنظيم حملة في 27 آذار 2021 لتنظيف الشاطئ. غندور كان قد دعا الناس للتطوع من خلال استمارة أعدّها ووزعها إلكترونياً وضمّت حوالى مئتي متطوّع من المناطق اللبنانية كافة.
بمعدات بسيطة وأدوات يدوية، بدأ المتطوعون حملتهم في عملية تنظيف الشاطئ منذ أن بدأت مادة القطران بالظهور في أواخر شهر شباط الماضي. هذا ما أكده صاحب المبادرة حسين غندور الذي قال إن “حملات تنظيف الشاطئ وإزالة التلوث عنه مستمرة لمرة أو مرتين كل أسبوع. وأشار إلى أن معظم المتطوعين في الحملة هم من فئة الشباب”.
انعدام الإمكانيات وغياب المعدات المناسبة لعملية التنظيف كانتا من العوائق التي واجهت حملات رفع التلوث عن الشاطئ، في ظل غياب أي اهتمام رسمي من قبل الجهات المعنية بذلك. وفي هذا الإطار طالب غندور المسؤولين سواء في وزارة البيئة أو لجنة إدارة الكوارث بالشفافية ومصارحة الرأي العام عن أي عمل يقومون به، معتبراً أن ذلك من حق المواطن. غندور أوضح أن بعض التبرعات وبمبالغ بسيطة وصلتهم أمّنت لهم استئجار الباصات لنقل المتطوعين وبعض الأشياء الأخرى المتعلقة بالحملة.
التسرب النفطي في لبنان..رفع التلوّث بمعدات يدوية ومجهود فردي
طريقة تنظيف الشاطئ ورفع التلوث عنه تتم وفق تعليمات وضعتها إدارة محمية صور وفق غندور الذي قال إن المتطوعين يقومون بعملهم بمجهود شخصي دافعه الحفاظ على بيئتهم وبلدهم.
العاصفة التي ضربت لبنان الأسبوع الفائت وقوة الرياح التي رافقتها زادت من صعوبة عملية التنظيف، إذ عملت على تغطية أماكن التلوث كما قالت المتطوعة فوزية جفّان التي شرحت أن عملية التنظيف تقضي بكنس الرمل لكشف الأماكن الملوثة بفعل التسرب النفطي في لبنان والتي غطتها الرياح، حيث تتم غربلتها وفصلها عن الرمل، لتنتهي أخيراً في أكياس من النايلون. لكن تلك الأكياس ومخلفات التنظيف لا يزال مصيرها مجهولًا، لذلك بادرت إدارة محمية صور إلى التواصل مع وزارة الطاقة ومع مجابل الزفت للنظر بإمكانية استخدام تلك المادة في أعمال تزفيت الطرقات، إلا أنّها حتى الآن لا تزال تُجمع على طول الشاطئ ليُترك الأمر للوزارات المعنية للنظر بكيفية التخلص منها.
المعدات الآلية والميكانيكية التي تمّ استخدامها في عملية تنظيف الشاطئ في بداية الأزمة أثبتت عدم فعاليتها، والسبب في ذلك كما يشرح المهندس حمزة أن المادة الملوِّثة قد تشرذمت وتشتّتت، فكان لا بدّ من اللجوء إلى التنظيف اليدوي الذي وإن كان يستغرق وقتًا أطول، إلا أنه يعتبر أكثر فعالية.
الاتكال على الحكومة في بلدنا لن يكون مجديًا، وهذا ما يرتب مسؤولية على عاتقنا ويدفعنا نحو التطوع للاهتمام ببلدنا، هذا ما قالته جفان التي أكدت أن جميع المتطوعين يملكون القدرة على تحمّل هكذا مسؤوليات ويثبتون ذلك يوميًا.
أسباب الحادثة
لا تزال المعطيات عن أسباب التسرب النفطي في لبنان الذي أدى إلى تلوث الشاطئ غير واضحة، حيث جرى الحديث بداية عن احتمال تسرب نفطي من سفينة في ميناء أشدود في تل أبيب، والتي مرّت في ١١ من الشهر الماضي على مسافة نحو 50 كلم قبالة ساحلها دون تحديد أي تفاصيل عنها.
إلا أن الروايات الاسرائيلية لا تزال متضاربة. وكانت محكمة حيفا قد أصدرت قرارًا بعدم تسريب أي معلومة عن التحقيق، وهذا التكتم إن دلّ على شيء فإنه يدل على أن هناك أمر غير طبيعي قد حدث.
من جهتها طالبت وزارة الخارجية اللبنانية بشخص وزيرها شربل وهبه بالتعويض عن التسرب النفطي عبر رسالة وجهها إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش، ومدير البرنامج الأممي للبيئة إنغر أندرسون لتقديم المساعدة والمؤازرة التقنية للبنان.
تداعيات الأزمة
تضم محمية صور ثلاثة أنظمة أيكولوجية، نظام مائي ورملي وزراعي. على مستوى المنطقة البحرية تمّ تكليف المركز اللبناني للغوص للتأكد من سلامة المنطقة البحرية، ليتبين أن وضع الأحياء البحرية سليم نوعًا ما، إلا أن الخطر يكمن في احتمالية سحب الأمواج لهذه المادة مجددًا من الشاطئ نحو البحر. وفي هذا السياق حذّر حمزة من أن “هذه المادة ممكن أن تتحلل وتصبح سامّة، وبالتالي تزيد الأمور صعوبة وتؤدي إلى اهتزاز نظامنا البيئي المترهل أساسًا”.
وفيما يتعلق بخطر نفوق بعض الأحياء البحرية، أشار حمزة إلى أنه “في بداية الأزمة تم رصد ستة سلاحف بحرية نافقة واحدة منهم مطلية بالنفط”. وشرح بأن ذلك يحدث عندما تكون المادة الملوثة كبيرة، لكن مع تشرذمها لقطع صغيرة يصبح التأثير السلبي لها من الناحية الكيميائية أكثر تعقيداً، عندها تنتقل إلى خياشيم الأسماك وتؤثر على عملية التنفس للسلاحف البحرية وغيرها من الأحياء. وحذّر حمزة من أن هذه المادة ممكن أن تؤثر على المراعي العشبية الموجودة في البحر وغيرها.
في بلدٍ منهارٍ يطال الفساد فيه كل الجوانب، تأتي كارثة التسرب النفطي في لبنان التي قد تستغرق عملية إصلاحها سنوات، لتزيد الأمر سوءًا. وفي حين يتخوّف الخبراء البيئيين والجمعيات الأهلية من حدوث موجة جديدة تُفاقم الأزمة، لا تزال الوزارات المعنية تغط في سبات عميق.