أين تقع “التليل”؟.. الوطن كقنبلة موقوتة!

أين تقع “التليل”؟ قبل فجر الخامس عشر من آب تاريخ وقوع التفجير في البلدة لم يكن قسم كبير من اللبنانيين قد سمع بـ التليل عكار  أو يعرف عنها شيئاً. وقبلها قسم من اللبنانيين أيضاً لم يكن قد سمع بـ “شويا” أو يعرف أين تقع. إنها مأساتنا المتنقلة التي تكشف لنا عن أسماء قرانا وبلداتنا ومواقعها لتصبع عناوين إضافية للمأساة.

بالتكافل والتضامن فخّخت المنظومة السياسية بلد بأكمله وحولته إلى قنابل موقوتة، تنفجر الواحدة تلو الأخرى. البارحة التليل وقبلها بعام المرفأ وما بينهما الكثير من القنابل التي تأخذ أشكالاً مختلفة. تارة على شكل صندوقة تين وتارة أخرى في موكب تشييع وأحياناً في ڤان للركاب وغيرها العشرات من القنابل المزروعة في أرضنا الخصبة القابلة للاشتعال.

لم تعد التليل عكار تلك البلدة المنسية التي لم نكن قد سمعنا بها أو نعرف عنها إسماً مغموراً، انضمت بالأمس إلى لائحة الأماكن الموسومة بالمآسي وما أكثرها، والتي تحمل في طياتها ذكرى موجعة. صار إسمها مرادفاً للمأساة مضافاً إليه الكثير من الوجع. صارت ذكرى جديدة سنحتفل بسنويتها الأولى بعد عام. “مرفأ” جديد أضيف إلى ذاكرتنا المخضبة بالدم.

تلاشي الدولة وذوبانها

غداً سيضاف ملف التحقيق في بلدة التليل عكار إلى غيره من عشرات ومئات ملفات التحقيق، والتي عادة ما تتوارى مع الضحايا وخلف الحرائق والانفجارات. ستعود البلدة إلى سكونها وهدوئها لكن إسمها سيتضخم ويصبح عنواناً لمأساة جديدة.

هل كان لزاماً أن تنفجر التليل لكي يبدأ الجيش بالمداهمات ويكشف عن هذا الكم الهائل من تخزين المحروقات من بنزين ومازون. وهل كان ضرورياً أن يذهب هذا الكم الكبير من الضحايا لكي يتكشّف الأمر عن هذا العدد الهائل من القنابل الموقوتة المزروعة بيننا؟ لكن يبقى السؤال الأهم، لماذا لا يُكشف عن أسماء المُخزنين والمهربين، وهم يقومون بذلك جهاراً وعلناً وفي وضح النهار!.

انفجار التليل عكار ليس نتيجة لانهيار الدولة وتداعيها، فذلك حصل منذ زمن. ما نعيشه اليوم هو الفوضى التي تلي تلاشي الدولة وذوبانها، وهو ما نشهده اليوم بأم أعيننا حيث القعر لا حدود له ولا مستقر. أيام قليلة وتنسى الناس والاعلام مجزرة التليل، لتعود وتتابع يومياتها المعتادة حيث تأمين الحد الأدنى من ضروريات الحياة هو الشغل الشاعل والعمل الشاق الذي لا ينتهي.

الانتظار بين انفجارين

نعود لننتظر “تليل” آخر لا ندري أين ومتى وكيف سينفجر. إنه الانتظار بين انفجارين. بين موتين. وبينهما رحلة البحث عن البنزين والمازوت والغاز والخبز والدواء. عن وطن يغدو كقنبلة موقوتة موصولة إلى خط زلازل وأرض براكين.

غداً الناس ستنسى التليل عكار وتعود لمتابعة أخبار تشكيل الحكومة والخلاف حول الحصص. الداخلية لمن؟ والعدل لمن؟ وتعود للتضرع إلى الله لكي تولد الحكومة التي يعرفون سلفاً أنها المافيا نفسها تعيد تدوير ذاتها من جديد. لكن الناس لم تعد تكترث لشيء. فقط تريد الخروج من الجحيم بأي شكل من الأشكال. إنه اليأس والاستسلام واللامبالاة هو ما وصلت إليه الناس، لم يعودوا يميزوا بين الجلاد والضحية. يتمسكون بالوهم طريقاً للخلاص ويتأملون أن يتم ذلك على أيدي جلاديهم.

أين تقع “التليل عكار”؟ أصبحنا جميعاً يعرف أين تقع. لكننا لا نعرف أين سيقع الإنفجار التالي، وكم سيبلغ عدد الضحايا وكيف سيقضون. نعرف أننا نعيش في قنبلة موقوتة إسمها وطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى