الحراك الثقافي في عاليه والشوف “نادي الكتاب اللبناني” نموذجًا
سيتنبّه المتابع للمشهد الثقافيّ في عاليه والشوف، أنّ الأندية الثقافيّة تحتلّ حيّزًا واسعًا من المشهد في الجبل، خصوصًا منذ بضع سنوات حيث يحفل نهاية الأسبوع بالأمسيات والمعارض والندوات والقراءات في الكتب.
من بين تلك الإضاءات، نتوقّف عند فرع “نادي الكتاب اللبنانيّ” في عاليه والشوف، كنموذج حركيّ ميدانيّ، فرض نفسه كمشروع جدّي، له جذور أثيريّة، إذ انطلق عبر تطبيق “زوم”، مع الدكتورة سلام سليم سعد، اللبنانيّة التي تعيش في الإمارات العربيّة المتّحدة.
حاجة وضرورة
منذ أيّام قليلة، أصبح لـ “نادي الكتاب اللبنانيّ” مركزًا رسميًّا في الجبل، بعد أن كانت الأنشطة موزّعة بين قاعات بلديّات ومكتبات القرى والمدن. كانت هذه الانطلاقة المتجدّدة سببًا لنتعرّف أكثر على النادي كمشروع، ودور تنمويّ ثقافيّ عامّ وخاصّ، إذ تحتلّ المرأة دورًا فاعلًا في أصل تكوين المشروع، حيث تبلور المرأة مشروعها ككيان ثقافيّ إبداعيّ مستقلّ.
نبدأ مع إرهاصات الانطلاقة كما وصّفتها رئيسة فرع الشوف وعاليه لـ “مناطق نت” الكاتبة عبير عربيد بالقول: “ما بين ثورة الـ 17 من تشرين الأوّل (أكتوبر) 2019 وجائحة كورونا، ومع نخبة من المثقّفينَ من مختلف المناطق اللبنانيّة، أسّست الدّكتورة سلام سليم سعد في آذار (مارس) 2020 نادي الكتاب اللبنانيّ وكان الهدفُ منه تشجيع المطالعة والارتقاءُ بالثّقافة إلى المستوى الّذي نبتغيه، بعيدًا من السياسة والأديان”.
تتابع عربيد “بدأنا بلقاءات متنوّعة عبر تطبيق “زوم”، فكانت مناقشات لكتب عدّة ولقاءات مع كتّاب وشعراء، وأمسيات ثقافيّة متنوّعة، وفي أيّار (مايو) 2022 اقترحتُ كعضو في الهيئة الإداريّة في النّادي تأسيس فرع لنا في منطقتيّ الشّوف وعاليه والمباشرة بالعمل الميدانيّ، فقمنا بعديد من الرحلات الثقافيّة الّتي جمعت أعضاء النّادي من هاتين المنطقتين”.
تضيف عربيد “في حزيران (يونيو) 2022 زرنا بيت المرحومة الدكتورة نازك أبو علوان عابد في المختارة، وكنّا ندرك تأثيرها الفكريّ والرّوحيّ على محيطها، وما قدّمت في هذا المجال من كتب ومقالات وندوات، وهي من تأثّرت وتشرّبت فكر المفكّر اللبنانيّ كمال جنبلاط، وكانت رسالتها في الدكتوراه عنه ونشرتها في كتاب بعنوان “شجرة الجوز” وهي التي كتبت (365 يومًا مع كمال جنبلاط)، هذا الكتاب الذي وحّدت فيه المفاهيمَ الدينيّةَ مع المفاهيمِ العقليّةِ المجرّدة” .
وتردف عربيد: “بعدها أطلقنا على هذا الفرع اسم الدّكتورة نازك أبو علوان عابد تكريمًا لفكرها الذي من واجبنا نشره، وتعبيرًا عن شكرنا لابنها المهندس مازن عابد الذي قدّم مكتبَه مركزًا للنّادي”.
عربيد: اقترحتُ كعضو في الهيئة الإداريّة في النّادي تأسيس فرع لنا في منطقتيّ الشّوف وعاليه والمباشرة بالعمل الميدانيّ، فقمنا بعديد من الرحلات الثقافيّة الّتي جمعت أعضاء النّادي من هاتين المنطقتين
النهوض بالطاقات
إنّ أولى أولويّات هذا النوع من الأندية، تقديم الفرص، وإفساح المساحات أمام الطاقات الشبابيّة، البعيدة عن بيروت كمركز انطلاق، وغالبًا ما تواجه الإبداعات القاطنة في الأطراف بالتهميش والاستبعاد. عن هذه النقطة تتحدّث ثرّيا فيّاض، المعنيّة بشؤون اللغة العربيّة في النادي لـ “مناطق نت” فتقول: “تكمن أهمّيّة هذه النّهضة في أنّ العنصر الشبابيّ هو المحرّك والهدف معًا، والتّعاون الحاصل بين القامات الثقافيّة المعروفة وبين النّادي أحدث حركة فكريّة إيجابيّة تمثّلت بشكل أساس بتعريف الطاقات الجديدة بالطاقات الإبداعيّة المخضرمة كي تغرف من خبراتها، وكذلك أوجدت واحة ينبت فيها كلّ إبداع جديد”.
هي حركة من أجل السّكون، سكون الرّوح والكلمة وسط فوضى المشاعر والآراء. تتابع فياض “عندما انخرطتُ في المشهد الثقافيّ عن طريق النّادي، استعدتُ النّسخة الأصليّة منّي. هي نسخة كنتُ قد طويتها في خزائن الذّاكرة وأهملتها وقتًا طويلًا، وعندما نفضت عنها غبار الأيّام، توهّجت من جديد. عادت الكلمات إلى الحياة وعدتُ معها لأذكّر نفسي وأردّد مع ديكارت: أنا أفكّر، إذًا أنا موجودة؛ ولأقول أيضًا: أنا أكتب، إذًا أنا موجودة؛ أنا أشارك في المشهد الثقافيّ، إذًا أنا موجودة”.
أعطى النادي حوافز لأعضاء الفريق المؤسّس والإداريّ، فثريّا فيّاض تربويّة وكان يمكنها أن تتابع مسارها في هذا المجال التعليميّ فقط، غير أنّها اليوم حاضرة في عدة مجلّات ثقافيّة، وتستعدّ لإطلاق كتابها الخاصّ في وقت قريب.
دعم القضايا النسائيّة
للمرأة مكانها ومكانتها في “نادي الكتاب اللبنانيّ”، حال وصّفتها مسؤولة الإعلام في الفرع رحاب هاني لـ “مناطق نت” فقالت: “أثناء دردشة مع الصديقات، لفتني تعليق مشترك بينهنّ ألا وهو كيف لعب النادي دورًا في تنظيم “أوقات الفراغ” الذي يعشنه، وذلك من خلال نشاطات عدّة، إن عبر مجموعات مثل “من وحي الصورة”، وإلقاء، وأمسية كتابي ولقاء مناقشة رواية الشهر”.
تتابع رحاب هاني: “كانت محطّات تضبط بتوقيت مواعيد أنشطة النادي. ومن جهة أخرى للقاءات المباشرة كندوات أو تواقيع كتب ورحلات ثقافيّة تكون المشاركة كبيرة ووجوه جديده تغني جمعتنا. وتكون وقودًا لأفكار تنمّي دور المرأة على الصعيد الثقافيّ والإضاءة على مؤهّلاتها من الإشراك في إدارة ندوات توجيهيّة، اجتماعيّة إلى اتّخاد القرار في موضوع هكذا ندوات وكسر التهميش المعتمد أو الخجل المتجذّر في طبيعتها. وغرس الإيمان بأنّ دورها يخلق مجتمعًا أكثر توازنًا”.
تختم هاني: “من هنا كانت الوجوه النسائيّة نجمات ساطعة في سماء النادي، تنذر بتوازن صحّيّ. هو أمر سيلاحظه أيّ متتبّع لأنشطة النادي، حيث البروز المتسارع لأسماء السيّدات في الجبل إن كان على مستوى الكتابة أو النقاش والإهتمام بالفنّ والأدب على أنواعه”.
عن الدكتورة نازك
في أيّ تعريف رسميّ لنادي الكتاب، في الجبل، سنقرأ “فرع الدكتورة نازك أبو علوان عابد”، وحين نتوسّع للتدقيق في شخصيّة وخصوصيّة سنكتشف أنّنا أمام قامة مؤثِّرَة، لها بصمة على مَن عرفها، أو تعرّف على إرثها بعد رحيلها. عن الدكتورة نازك، يقول نجلها المهندس مازن عابد لـ “مناطق نت”: “في مقاربة شخصيّة الوالدة لا بدّ من تجاوز العاطفة نحو عناصر الفكر الغنيّ وامتداده، وهو بالحقيقة كلٌّ لا يتجزّأ، في جوهر التوحيد، وهي المناضلة منذ شبابها في القضايا العامّة والمكافحة في مجال التعليم والوظيفة العامّة”.
هاني: من هنا كانت الوجوه النسائيّة نجمات ساطعة في سماء النادي، تنذر بتوازن صحّيّ. وهو أمر سيلاحظه أيّ متتبّع لأنشطة النادي، حيث البروز المتسارع لأسماء السيّدات في الجبل.
يتابع عابد: “أجواء الفكر والثقافة كانت تغمرنا من خلالها، نحن أبناءها، وأعود بالذاكرة إلى تلك الجلسات السخيّة، حتّى في طفولتنا، حيث التسلية كانت على سبيل المثال، عبر التحدّي في مقارعة الشعر، من قصائد مشاهير الشعراء، ممّا ترك فينا مخزونًا لا ينضب، إلى الحكايات الهادفة من واقع الحياة”.
يُذكر أنّ الدكتورة نازك عملت في وزارة الإسكان وفي مجال التعليم، ساهمت في المجتمع مساهمة فعّالة من خلال الندوات والمحاضرات، ومن أبرز مؤلّفاتها: “شجرة الجوز”، “المزار”، “صلوات في هيكل الروح”، و”من أنت يا صفاء؟”…
مشاريع كثيرة
كثيرة هي المشاريع التي يخطّط لها “نادي الكتاب اللبنانيّ”، بعضها سيأخذ شكل الوِرَش المكثَّفة التي تختصر علومًا ومعارف بساعات من قبل متخصّصين، أمّا عن أبرز أنشطة النادي التي نُظِّمَت منذ تأسيس الفرع في الشوف وعاليه، فتقول المديرة عبير عربيد لـ “مناطق نت”: “قمنا برعاية وإدارة كثير من الندوات الثقافيّة، نذكر بعضها: تكريم الشّاعر أنطوان سعادة، الشّاعرة ميراي شحادة حدّاد، الإعلاميّة منى أبو حمزة، وكتاب لقاء لميخائيل نعيمة مع قريبه الأستاذ نجيب نعيمة”.
وتضيف: “كذلك قمنا بزيارات ثقافيّة مختلفة، نذكر منها متحف جبران خليل جبران، مركز سامي مكارم الثقافيّ، مركز عبدالله غانم الثقافيّ، أيضًا قمنا برعاية وإدارة عديد من التوقيعات نذكر منها كتاب الدكتور رمزي صالحة “الشّامل” وكتاب الدّكتور كريم تقي الدّين “رحّال ومسبار”، وقمنا بدورة أساسيّات اللّغة العربيّة بالتّعاون مع منتدى شاعر الكورة الخضراء، قدّمتها الأستاذتان سارة عابد وثريّا فياض”، وختمت عربيد قائلة: “.. وها نحن بعد الحرب نلملم شتاتنا، نستعيد نشاطنا، لنبدأ عامًا جديدًا متجدّدًا، حافلًا بمزيد من الأنشطة”.