الحرب جنوبًا تشلّ قطاع تأجير السيّارات.. خسائر بأكثر من 90 بالمئة
شلّت الحرب الدائرة في مناطق عديدة من جنوب لبنان، منذ أربعة أشهر متتالية، قطاع تأجير السيّارات، بل قوّضته كثيرًا، إذ سجّل تراجعه نسبة أكثر من تسعين إلى خمسة وتسعين بالمئة، ولم تعد مكاتب التأجير تعمل كما كانت من قبل، والحال في تراجع مستمرّ، ولحقت بالعاملين فيه خسائر كبيرة، وتحديدًا صغار المؤجِّرين، أو ممّن يُطلق عليهم نعت “المتعدّين” الذين دفعتهم الأزمة الاقتصاديّة إلى العمل في هذا المجال.
القطاع انتعش في فترة الصيف، وكانت معه حركة الحجوزات “مفوّلة” أيّ شبه كاملة، جاءت الحرب و”نسفته” وأدخلته في ما يشبه “الكوما”. ينتظر “أسامة” وهو أحد العاملين في هذا القطاع في منطقة النبطية “انتهاء الحرب لتدبّ الحياة في القطاع من جديد”.
البقاء لمن يصمد
ناهزت خسائر أسامة الشهريّة ثلاثة آلاف دولار أميركيّ، فهو يتّكل في “مصلحته” على أربع سيّارات يؤجّرها صيفًا، “كانت حركة التأجير كبيرة ولم نكن نستطيع تلبية كلّ الحجوزات، خصوصًا مع عودة المغتربين الكبيرة التي أنعشت القطاع وكانت الأرباح وفيرة”. يقول أسامة لـ”مناطق نت” ثمّ يتابع بأسف: “كلّ ذلك بدّدته الحرب، ما في شي، لا حجوزات ولا من يسأل عن سيارة للإيجار، ونسجّل خسائر تلو خسائر، الكلفة التشغيليّة ترتفع، مضافة إليها الضرائب”.
يبلغ عدد مكاتب تأجير السيّارات “الرسميّة” في الجنوب نحو مئة مكتب، في حين يرتفع عدد مؤجّري السيارات “غير الرسميّين” إلى نحو عشرة في كلّ بلدة، إذ بات كلّ من يمتلك سيارتين أو ثلاث يقوم بتأجيرها. لذا تختلف الخسارة بين مكتب تأجير وآخر، أو حسب عدد السيّارات. يقول كريم شريم، وهو أحد كبار أصحاب مكاتب التأجير في منطقة النبطية: “إنّ الخسارة كبيرة جدًّا، ومن لا يقوَ على الصمود سيقفل حتمًا”.
يبلغ عدد مكاتب تأجير السيّارات “الرسميّة” في الجنوب نحو مئة مكتب، في حين يرتفع عدد مؤجّري السيارات “غير الرسميّين” إلى نحو عشرة في كلّ بلدة، إذ بات كلّ من يمتلك سيارتين أو ثلاث يقوم بتأجيرها. لذا تختلف الخسارة بين مكتب تأجير وآخر.
يملك شريم نحو خمسين سيّارة من مختلف “الموديلات” الحديثة، تتراوح أجرة السيّارة يوميًّا ما بين خمسة عشر دولارًا وستّين، “حسب الموديل”، في الموسم الأوّل من الصيف حقّق شريم “أرباحًا كبيرة، نتيجة الضغط على الاستئجار، لكن ومن وجع شديد، منذ بداية الحرب والحركة صفر” يقول شريم لـ “مناطق نت”.
وبحسب شريم “بلغت خسارتي الشهريّة جرّاء توقّف العمل جرّاء الحرب، نحو عشرين ألف دولار وربّما أكثر. لقد توقّف سوق التأجير تمامًا، وهو يعتمد على المغترب الذي يعود إلى البلاد أو يقصدها لتمضية الصيف وزيارة أهله، وكذلك على السيّاح، من أواسط موسم الصيف وحتّى رأس السنة، وقطاعنا قطاع سياحيّ بامتياز، لكنّ الحرب دمّرت هذه السياحة”. غير أنّه يأمل “أن ينتهي هذا الكابوس سريعًا كي تعود عجلة الحياة إلى القطاع”.
“نكسة العمر”
مُني قطاع التأجير بـ”نكسة العمر” وفق تأكيد غالبيّة مشغّلي هذا القطاع. لقد توقّف تمامًا في القرى الحدوديّة التي يتعرض معظمها للقصف اليوميّ، في حين تفاوتت نسبة الجمود بين مدينتي النبطية وصور بشكل لافت، وإن كانت مدينة صور قد تأثّرت أكثر من النبطية نظرًا إلى قربها من خطوط المواجهة.
من غير الواضح بعد أيّ مصير يتّجه إليه قطاع تأجير السيّارات، فيما لو طال أمد الحرب، إذ إنّه دخل في حالة جمود غير مسبوقة منذ انطلاقتها، وخسارات أصحاب المكاتب بالجملة، سجّلها تراجعه ومن ثمّ توقّفه، منذ مطلع تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 المنصرم وحتّى اليوم، وقد كان يدرّ شهريًّا ما بين ألفي دولار إلى ثمانية آلاف، وربّما أكثر على صاحب كلّ مكتب تأجير، وتتفاوت الخسارة بين شخص وآخر.
دفعت النهضة التي شهدها القطاع في السنوات الثلاث الأخيرة، ومعها الأزمة الاقتصاديّة، كثيرين من أصحاب الرساميل الصغيرة للتوجّه إلى خيار تأجير السيّارات، ولم يعد هذا القطاع حكرًا على مكاتب التأجير الرسميّة والكبيرة.
“وبات كلّ فرد قد يستطيع امتلاك سيّارتين أو أكثر يجد في تأجير السيارات هذه نوعًا من فرصة عمل جديدة وجيّدة له”؛ أمر يشير اليه محمّد محي الدين الشاب الذي ولج هذا القطاع مع بداية الأزمة الاقتصاديّة في لبنان، ويقول في حديث لـ”مناطق نت”: “لقد حقّقت أرباحًا معقولة، كنت أوفّر من ورائها كلّ متطلّبات الحياة، فأيّ سيارة تؤجّر بعشرين دولارًا، ويصل إلى ستّين دولارًا في اليوم الواحد”.
لا حجوزات للموسم الجديد
كانت الأعياد وعودة المغتربين الموسم الذهبيّ لمحمّد ولكلّ العاملين في هذا القطاع، “إذ يرتكز بشكل مباشر عليهم، ويصل تأجير السيارة شهريًّا إلى حدود ألف دولار، وهذا يعني راتبًا خياليّاً في خضمّ الأزمة الاقتصاديّة” وفق محمدّ.
كانت الأعياد وعودة المغتربين الموسم الذهبيّ لمحمّد ولكلّ العاملين في هذا القطاع، “إذ يرتكز بشكل مباشر عليهم، ويصل تأجير السيارة شهريًّا إلى حدود ألف دولار، وهذا يعني راتبًا خياليّاً في خضمّ الأزمة الاقتصاديّة” وفق محمدّ.
كل حركة ازدهار الصيف، دمّرته الحرب “حتّى إنّ الحجوزات التي كانت تبدأ في هذا الشهر، شباط/فبراير من كلّ عام تمهيدًا لفصل الصيف اختفت”، وهو مؤشّر تقدّره شيرين التي تمتلك واحدًا من أبرز مكاتب تأجير السيّارات في مدينة صور “بالخطير جدًّا”، بل تعدّه “ضربة قاسية للقطاع المتهاوي حاليًّا بسبب الحرب”.
منذ ما يقرب سبعة عشر عامًا وشيرين تعمل في مجال تأجير السيّارات، تعتاش منه مع عائلتها؛ تقول لـ”مناطق نت”: “لم يسبق أن عايشنا انكماشًا مماثلًا، لكن نعوّل على دخول وقف إطلاق النار قريبًا حيّز التنفيذ، كي تنشط الحركة من جديد ويكون الصيف واعدًا”. وإذ لا تقدّر خسائرها الفعليّة كما تقول، لكنّها تؤكّد أنّها “كبيرة وقاسية مقارنة مع إنتاجيّة الصيف، وقد تصل إلى أكثر من سبعين بالمئة”.
حسومات للنصف لم تحرّك السوق
منذ أربعة أشهر أو حتّى أكثر، تسجّل بعض مكاتب التأجير حركة “صفر تأجير”، ويذهب وسام وهو صاحب مكتب لتأجير السيّارات في القرى الحدوديّة أبعد من ذلك، إلى حدّ القول إنّ “القطاع مشلول”. نقل وسام السيّارات التي يملكها إلى منطقة النبطية خَشْيَة تعرضّها للقصف، “وعندها ستكون الخسارة كبيرة، في صميم مصدر الرزق”.
كان وسام يعتمد على مردود التأجير في معيشته، فهو صاحب أربع سيّارات تعود عليه بنحو ثلاثة آلاف دولار في كلّ شهر “هذا الدخل توقّف كلّيًّا، ولا يوجد من يسأل عن سيارة للإيجار”.
دفع هذا الجمود كثيرين من مؤجّري السيّارات إلى طرح عروضات وحسومات “لعلّها تحرّك السوق قليلًا، وصلت إلى نصف القيمة، إلى حدود 15 دولارًا أجرة السيّارة في اليوم الواحد بعدما كانت 25 دولارًا وصعودًا، حتّى إنّ هذه العروض لم تحرّك شيئًا، فالحرب عطّلت كلّ شيء” يقول وسام ويردف: “النّاس عم بتصرّخ، كنّا نؤمّن مصارفاتنا، اليوم ندفع من جيبنا بدل الإيجار والكلفة التشغيليّة، وهذا الأمر قد يدفع بكثرين إلى الإفلاس، أو إنهاء أعمالهم”.
اضطرّ وسام لبيع إحدى سيّاراته لتوفير بعض المال، “قد ألجأ إلى بيع سيّارات أخرى لو بقي الوضع على حاله”. في العادة تخفّ حركة تأجير السيارات شتاءً، “ولكنّها لم تصل يومًا إلى هذا الدرك، فالحرب والأزمة الأقتصاديّة وجمود القطاع السياحيّ، كلّها عوامل شلّت قطاع تأجير السيارات، وربّما رايحين عالمجهول، وإذا فقدنا موسم الصيف الآتي سيكون الوضع مزريًا”.
أثّرت الحرب في قطاعات حياتيّة ومعيشيّة مختلفة في المناطق الجنوبيّة وصولًا إلى المناطق اللبنانيّة الأخرى، سواء بشكل كامل، أو جزئيّ، غير أنّها عطّلت في الجنوب معظم الحياة التجاريّة والاقتصاديّة والسياحيّة، وهذا ما جعل قطاع تأجير السيّارات “ميّتًا نسبيًّا” أو في مهبّ الريح، بانتظار القادم من الأيّام و”الحلول المتوقّعة أو المترقّبة”.