الزلّوطيّة تنتصر للمرأة بخمس نساء في مجلسها البلديّ

لافت جدًّا وصول خمس سيدات إلى المجلس البلديّ في بلدة طرفيّة نائية في أقصى جنوب لبنان هي الزلّوطيّة، من أصل تسعة يشكّلون عديد أعضاء المجلس البلدي، بينما لم تستطع امرأة واحدة من الوصول إلى المجلس البلديّ في ثاني مدن لبنان هي طرابلس.
نسَب الأسعد، رنا الاسماعيل، سحر الأسعد، علا الزامل وسهى الزامل، سيّدات اختارهنّ أهالي بلدة الزلّوطيّة ليكنّ أعضاء في المجلس البلديّ الذي فاز بالتزكية، والمفارقة أن عددهنّ يشكّل أكثر من نصف عدد الأعضاء، وهي ظاهرة لافتة في غاية الأهمّيّة ليس على مستوى منطقة صور أو الجنوب، بل على مستوى لبنان.
والزلّوطيّة البلدة الصغيرة التي تبعد عن صور نحو 25 كيلومترًا، كان يقطنها قبل الحرب الأخيرة، نحو 30 عائلة بشكل دائم، من أصل حوالي 500 فرد يشكّلون عدد سكّانها الإجماليّ، ومردّ تدنّي عدد المقيمين فيها إما بسبب الاغتراب، وإمّا بسبب استقرار قسم من أبناء الزلّوطيّة في بلدات أخرى على أثر التهجير الذي تعرّضت له البلدة بسبب العدوان الإسرائيلي منذ العام 1977.
تخلو الآن الزلّوطيّة من أيّ وجود لأبنائها، الذين تهجّروا أخيرًا بشكل كلّيّ بدءًا من تاريخ اندلاع الحرب في الـسابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وأيضًا بسبب الدمار الذي أصاب البلدة وبلغت نسبته 100 في المئة، نتيجة تدمير معظم وحداتها السكنية البالغة 95 وحدة، فضلًا عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأراضي وبالمواسم الزراعية.

يُعيد رئيس بلديّة الزلّوطيّة، أحمد أبو دلّة، سبب انتخاب خمس سيدات في المجلس البلديّ إلى أنّ “عائلات البلدة مُنفتحة وبعيدة من أيّ تمييز ذكوريّ أو مجتمعيّ، وهذا لا يُلغي أنّ البلدة مُحافظة بطابعها”. يتابع لـ “مناطق نت”: “المجلس البلديّ فاز بالتزكية، بعد أن تُرك أمر تسمية الأعضاء للعائلات كي تبادر كلّ عائلة إلى تسمية مرشّحها إلى عضويّة البلديّة”.
ويؤكّد أبو دلّة أنّ “هذا العدد من الأعضاء النساء داخل المجلس البلديّ أمر إيجابي، إذ إنّ المرأة ناجحة إداريًّا ربّما أكثر من الرجل، وسيكون هناك حافز لديهنّ ليكنّ مثالًا للبلدات المحيطة بنا”. ويوضح أنّه “لم يتمّ توزيع اللجان بعد، ولكن من الطبيعيّ أن يكنّ النساء مشاركات بجميع اللجان، كلٌ بحسب اختصاصها ومعرفتها وخبرتها، والأمر عينه للأعضاء الرجال”.
تكرار التجربة
من جانبها، تُشير عضو المجلس البلديّ، نسب الأسعد، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّها “عضو في المجلس البلديّ في الزلّوطيّة للمرّة الثانية، إذ “كُنت في المجلس البلديّ السابق الذي ضم أيضًا خمس نساء”. وتلفت الأسعد إلى أنّ “البلدة كانت تتبع بلديّة يارين، لكن تمّ في العام 2016 استحداث مجلس بلديّ خاص بها”.
الأسعد: هذا العدد من النساء داخل المجلس البلديّ يُعطي البلديّة حيويّة ونشاطًا ولمسة نسائيّة تبرز خلال الاحتفالات التي تُقيمها البلديّة
وتؤكّد الأسعد أنّه “في بداية العمل البلديّ العام 2016 كان هناك نشاط لافت، عملنا خلاله على إيلاء التنمية البشريّة حيّزًا أكبر من اهتمامنا، فنظّمنا دورات لتعليم الرسم والفنون، وشاركنا كنساء في عديد من الدورات التدريبيّة، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع عدّة، منها تجهيز المبنى البلديّ، ووضع مولّدين كهربائيّين، بالإضافة إلى تركيب فلتر لتنقية المياه”. وتلفت الأسعد إلى أنّ “الظروف التي مرّت بها البلاد، ولا سيّما بعد العام 2019، أدّت إلى عرقلة هذه الاندفاعة”.
مسؤوليّة مضاعفة
وتوضح الأسعد إلى أنّ وجود “هذا العدد من النساء داخل المجلس البلديّ يُعطي البلديّة حيويّة ونشاطًا ولمسة نسائيّة تبرز خلال الاحتفالات التي تُقيمها البلديّة”. وتأسف الأسعد على أنّ “جميع هذه الإنجازات جرى تدميرها من قبل إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على الجنوب ولبنان، بعد تدمير البلدة بالكامل، وبات علينا أن نبدأ بإعادة البناء من الصفر”.
من جانبها، تلفت زميلة الأسعد في المجلس البلديّ، علا الزامل، في حديث لـ “مناطق نت”، إلى أنّ “ترشحها جاء بهدف مساعدة المواطنين وسماع مطالبهم والمساهمة في إعادة إنماء البلدة”. وتوضح الزامل، التي كانت تقطن في البلدة على مدار العام، أنّ “المهمّة والمسؤوليّة باتت أصعب ومضاعفة بعد الحرب والدمار الذي خلفته”، مشيرةً إلى أنّ “المجلس البلديّ يجتمع في الوقت الحالي في مركز اتّحاد بلديّات صور”.
وتؤكّد الزامل، وهي ربّة منزل ووالدة لطفلين، أنّها ستسعى “لتكون على قدر الثقة والمسؤوليّة التي منحت لها”. لكنها لم تقرّر بعد في أيّ لجنة بلديّة ستكون، وإنّما ستختار لجنة تناسبها.
أوضاع ومسؤوليّات صعبة
وعلى رغم الخطوة الاستثنائيّة والمميّزة التي أقدم عليها أهالي الزلّوطيّة من خلال منحهم ثقتهم لخمس سيدات من بلدتهم ليكنّ في المجلس البلديّ، يبقى السؤال: ما الذي يستطيع فعله هذا المجلس البلدي في ظلّ الدمار الذي يسود البلدة، وفي ظلّ ظروف بالغة الصعوبة تمرّ بها البلدات الجنوبيّة بمعظمها ويتمثّل جزء منها بالغارات والاعتداءات المتكرّرة، إذ يكاد لا يمرّ يوم من دون تسجيل استهداف أو قصف أو أعمال تجريف أو غيره من الخروق الدائمة لقرار وقف إطلاق النار الهشّ.
هذه الظروف إضافة إلى الواقع المزري للبلدات سيصعّب من عمل ومهام المجالس البلديّة، أيًّا كان شكلها، وسيكون عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ المشاريع والبرامج، فإمكانيّات البلدات محدودة جدًّا إن لم تكن معدومة، واحتياجاتها كبيرة جدًّا، وتحتاج إلى قدرات تفوق المجالس البلديّة ومواردها.
في هذا الإطار، يُشير أبو دلّة إلى أنّ على “الدولة الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحسين أموال الصندوق البلديّ التي تُصرف للبلديّات، إذ لا يمكن محاسبة البلديّة وفق ما كان عليه سعر الصرف قبل العام 2019″، مضيفًا أنّ “جميع أهالي البلدة مهجّرون في الوقت الحالي، لذا لا يمكن القيام بأيّ عمليّة جباية في ظلّ الظروف الصعبة والتدمير اللاحق بالبلدة”. ويُوضح أنّ “التوجّه سيكون نحو الجهات المانحة من جمعيّات مدنيّة وأهليّة أو سفارات أو دول خارجيّة أو غيرها”.
ليست منازل البلدة وحدها ما دمّره الاحتلال، بل كذلك اقتصادها وتجارتها وزراعتها، إذ يعتمد نحو 70 في المئة من أبناء الزلّوطيّة على الزراعة ولا سيّما التبغ والزيتون، بالإضافة إلى قطاع تربية المواشي الذي يعيش منه عدد لا بأس به من أبناء البلدة.
