“المطاوعة” على شاطىء صيدا.. ماذا عن بحر صور؟
مجدّدًا يهزّ “المايوه” خصر الشاطئ الصيداوي ومعه بعض الجماعات الدينية التي تلعب دور “المطاوعة” في بعض المناطق وتحديداً الجنوبية منها. تجلى ذلك بما حدث قبل أيّام على بحر صيدا مع إحدى الناشطات في المدينة “ميسا حنوني” والتي كانت رفقة زوجها. حيث أقدم رجل دين وعددٍ من الأشخاص كانوا برفقته على رشقها بعبوات المياه والرمل، وتوجيه كلمات نابية لميسا وصفتها الأخيرة بالـ “زعرنة”.
إثر الحادثة غرّد النّائب أسامة سعد على حسابه على تويتر قائلاً “إنّ صيدا كانت حريصة دائمًا على الحريات العامة والخاصة احترامًا للتنوّع الدّيني والثّقافي والإجتماعي. تلك قيم وفضائل يرفض الصيداويون المس بها أو التعدّي عليها”.
بالرغم من أهمية تغريدة النائب سعد وحيثيته الصيداوية كونه أحد ممثلي المدينة شعبيًا ونيابيًا، وبالرغم من ردود الفعل العديدة الشاجبة للحادثة، إلا أن صيدا تعيش واقعًا مغايرًا، لناحية فرض بعض الجماعات الدينية شروطها على الحيز العام في المدينة. يتجلى ذلك في المظهر السياحي الصيداوي الذي يُظهر قيودًا واضحة على المقاهي والمطاعم والأماكن العامة والتي تتمظهر المدينة من خلاله على أنها مدينة محافظة، لها حيّزها الخاص لا يمكن تجاوزه.
ضمن هذا السياق تأتي حادثة حنوني لتطرح السؤال عن معنى الحريات التي كفلها القانون، وخصوصًا في المناطق اللبنانية وتحديدًا الجنوبية منها، حيث تتكرّر هذه الحوادث من حينٍ لآخر، والتي أصبحت قضية حريات عامة وليست حادثًا عابرًا في بلد يعيش فيدرالية مقنعة، تعلو فيها قيود الجماعات على قوانين الدولة حيث تصبح مؤسساتها وعملها في حماية القانون مشلولة وهامشية.
ذيول حادثة حنوني لم تنتهِ على ما يبدو عند واقعة الطرد، بل امتدت إلى حملات وحملات مضادة، انقسمت معها المدينة إلى “مع وضد” وهذا يعبر عن الالتباس الحاصل في فهم القانون وتجاوزه، وأيضًا عدم قدرته على حماية الخاضعين له، وفي الوقت نفسه على ردع أو معاقبة المتجاوزين بحقه. وهذا ما بدى جليًا من خلال الدعوتين اللتين انتشرتا على وسائل التواصل الاجتماعي للتجمع على شاطئ المدينة، الأولى تدعو للاعتصام تضامنًا مع حنوني ورفضًا للقمع ودعمًا للحريات، حيث أرفقت الدعوة بعبارة “الدعوة للكل شو ما كنتوا لابسين”. أما الثانية فحملت عبارة ” ردًا على مؤتمر الرذيلة على شاطئ صيدا”. وأرفقت بالدعوة “لكل صيداوية وصيداوي غيور على عرضه ودينه وبلده، يحترم الآخر، ويؤمن بلبنان بلد التنوع والتعدد بالحفاظ على القيم والأخلاق”.
القضية أصبحت مسألة حريات عامة وليست حادثًا عابرًا في بلد يعيش فيدرالية مقنعة، تعلو فيها قيود الجماعات على قوانين الدولة حيث تصبح مؤسساتها وعملها في حماية القانون مشلولة وهامشية.
الواقع والقانون
لقد أعادت حادثة حنوني “التنميط” لصيدا على أنها مدينة متزمتة منغلقة على نفسها وهو ما يجافيه واقعها في الكثير من مفاصل الحياة فيها حيث شهدت المدينة الكثير من الأنشطة الثقافية في شهر رمضان الفائت، تخللها العديد من الأعمال الفنية الرائدة والجميلة، برهنت معها صيدا أنها مدينة حاضنة للفن والثقافة ولديها الكثير من هامش الحرية، وهو ما لن تستطع الحادثة التي حصلت مع حنوني إلغاؤه.
لكن وبالرغم من المخاض الذي تمرُّ به صيدا ويتجلّى من خلال الأنشطة التي تحتضنها المدينة بين الفينة والأخرى من جهة وبين القيود التي تحاول بعض الجماعات فرضها عليها، تعيش المدينة حالة من الانفصام الذاتي يحول دون تحوّلها إلى مدينة سياحية ووجهة جاذبة للسياح. فصيدا التي تضم حوالي 40 معلمًا سياحيًا وموقع وسطي جذاب، لم تستطع أن تتحوّل إلى تلك الوجهة نتيجة “التنميط” الذي لحق بالمدينة طوال سنوات طويلة. ومنعها من أن تحاكي مدن سياحية أخرى كصور وغيرها.
صيدا التي تضم حوالي 40 معلمًا سياحيًا وموقع وسطي جذاب، لم تستطع أن تتحوّل إلى تلك الوجهة نتيجة “التنميط” الذي لحق بالمدينة طوال سنوات طويلة. ومنعها من أن تحاكي مدن سياحية أخرى كصور وغيرها.
الشيخ ماهر حمود
من جهته اعتبر إمام مسجد القدس في صيدا وعضو تجمع العلماء المسلمين الشيخ ماهر حمود في حديث لـ “مناطق.نت” أنّ موضوع كشف العورات لا يحتاج إلى فتوة فهو حرام من وجهة نظر الشّريعة. ويضيف:” إذا أدّى إنكار المنكر إلى منكر أكبر لا يصحّ هذا. يجب على الإنسان أن يعلم إلى ماذا قد يؤدّي الموضوع وبين هذه وتلك الإجتهادات واسعة جدًّا”. ويختم كلامه متسائلًا: “أيّهما أفضل، أن نتحمّل أذى بعض النّاس الّذين يستغلون هذه الحوادث السّخيفة ويعظّمونها، أم الأفضل أن نسكت عن المنكر! هنا يتضارب الأمران، ولا يمكن وضع قاعدة واحدة لكلّ حالة وكلّ مدينة”.
صور.. الحملات لم تمر
يختلف المشهد السياحي في مدينة صور والتي لا تبعد كثيرًا عن صيدا. المشهد السياحي في صور متحرّر من أية قيود، وهو ما يبدو واضحًاً على شواطئ المدينة خلال فصل الصيف، ومن خلال الحانات الليلية التي تغصّ بالساهرين وسط أجواء راقصة وموسيقى صاخبة، وأيضًا المحال التي تبيع علنًا المشروبات الروحية.
التنوع على الشاطئ الصوري حيث السابحات “بالمايو” إلى جانب الفتيات المحجبات، جعل صور وجهة جاذبة للسياح من مختلف المناطق اللبنانية. يتجلّى ذلك بوضوح من خلال الازدحام الشديد الذي تشهده المدينة على مختلف شواطئها خلال فصل الصيف، وخصوصًا بما بات يُعرف بالخيم التي تنقسم بين من يقدم المشروبات الروحية وبين من يمتنع عن ذلك.
لكن وبالرغم من كل ذلك، لا تسلم صور بين الحين والآخر من حملات يقوم بها بعض علماء الدين تستهدف “فتيات المايوهات” أو المحلات التي تقدم المشروبات الروحية، إلا أن جميع تلك الحملات لم تؤدِ غاياتها المرجوة، ولم تؤثر في المشهد السياحي الصوري.
السبب في ذلك يعود إلى مجموعة عوامل أولهما التنوع الديني في المدينة، حيث “حارة المسيحية” (كما يطلقون عليها)، تضمّ العدد الأكبر من الحانات الليلية والمطاعم والمقاهي، ثانيهما، وجود اليونيفيل الذي يستدعي وجودها في المنطقة حراكًا تجاريًا وسياحيًا يأتي بالفائدة الاقتصادية على المدينة، وثالثهما الحيثية الاغترابية التي تتمتع بها صور وقضاؤها، وما تشهده من تدفق كبير للمغتربين خلال الصيف، والذي يؤدي إلى نشاط اقتصادي كبير تعيش على مردوده المدينة طوال العام.
بالإضافة إلى كل ذلك، لا يمكن فصل ما تشهده صور من حركة سياحية نشطة، دون أن يكون هناك “علامة رضا” وقبول من القوى السياسية المسيطرة على المدينة وتحديدًا حركة أمل والتي على ما يبدو هناك قرارًا منها بفتح المدينة سياحيًا على مصراعيها، وهذا ما يتجلى بوضوح من خلال النشاط السياحي الواسع الذي تشهده صور، وهو ما لا نراه في صيدا حيث “المطاوعة” تطل برأسها من وقت لآخر ومعه يعود “التنميط” إلى المدينة الذي تحاول التخلص منه لكنها لم تنجح حتى الآن.