الموسم السياحي في حاصبيا – مرجعيون يعوّل على المغتربين
في مطلع صيف العام 2008، كتبت إحدى الصحف اللبنانية في تحقيق حول الموسم الصيفي والسياحي في منطقة حاصبيا ما يأتي: “تشهد منطقة حاصبيا هذه الأيام كغيرها من المناطق السياحية في لبنان حركة ناشطة لم تعرفها منذ زمن طويل بفعل توافد الزوار من كلّ حدب وصوب للإستمتاع بجمال طبيعتها الخلابة وتنشّق هوائها العليل الذي يفوح بعبق زهر الليمون والكينا والتعرّف إلى المواقع والأماكن الأثرية فيها، والتي لا تقلّ أهميّة عن آثار صيدا وصور وجبيل، وفي مقدّمها السرايا الشهابيّة وقلعة الهباريّة وسوق الخان، وغيرها من معالم أثرية”.
لولا عطلة العيد، عيد الأضحى المبارك، لكان الواقع الحالي للحالة السياحيّة وحركة المطاعم والمتنزّهات والمقاهي في منطقة حاصبيا، لا سيما تلك التي تتربّع فوق مجرى نهر الحاصباني، من رأس النبع وحتى جسر “الشقعة” في منطقة “الخان”، ينفي تلك “الخبريّة” التي توصّف حال الواقع السياحي للمنطقة بعد نحو عامين من العدوان الإسرائيلي المدمر على لبنان (2006) ونالت منطقتا مرجعيون وحاصبيا النصيب الأكبر من هذا العدوان، ومع ذلك تهافت السيّاح وروّاد المطاعم إلى المنطقة ما شكّل دورة حياة أفادت المئات من العائلات.
في عطلة العيد، وبعد انقضاء شهر حزيران، كادت متنزّهات الحاصباني وأطراف مرجعيون تفتقد الدلالة على موسم سياحي سيعوّض ركود الأشهر التي سبقته. إذ يجد معظم أصحاب هذه المتنزهات “الحركة السياحيّة في المنطقة جدّ خجولة، وتعاني شبه انقطاع في الأيام الأربعة التي تسبق العطلة الأسبوعيّة، لذلك راهنا على يوم عيد الأضحى بعين الأمل وشهدنا توافد عدد من المغتربين وبعض العائلات الميسورة إلى المنطقة” يقول ماجد الحمرا صاحب متنزه ومنتجع “البحصاصة” عند مدخل مدينة حاصبيا.
يلفت الحمرا إلى أنّ حجوزات يوم العيد لم تصل إلى خمسين في المئة ممّا كانت عليه سابقاً، والموسم السياحيّ مضروب ليس في حاصبيا فحسب، بل على كامل الأراضي اللبنانيّة، هناك مطربون معروفون ألغوا حفلاتهم في أهم مطاعم ومنتجعات بيروت، إذ لم تتجاوز الحجوزات 150 بطاقة أو 200. نحن لن نتمكّن في الراهن من أمرنا من استقدام مطرب معروف ذي سمعة فنية جيدة، لأن الخسارة ستكون حتميّة، سنعتمد على فنّاني المنطقة أو على فنّانين من الدرجة الثالثة، ناهيك عن أنّ الناس لم تعد تقيّم جيداً الفنان الذي يمكن الاستماع إليه، من فنان الطقش والفقش”.
زبائن في خبر كان
في رأي الحمرا “أن الطبقة التي كانت تشغّلنا، في السنوات السابقة، أيّ قبل سنة 2020، هي الطبقة المتوسّطة، وجلّها من الموظّفين، هذه الطبقة غير موجودة اليوم على الإطلاق، يعني لم يعد يزورنا ضبّاط الجيش وعائلاتهم، القضاة، والموظفون في أعمال ومهن متعدّدة. أمّا أبناء المنطقة من مزارعين وحرفيين، فلا يمكن التعويل عليهم في تشغيل وتفعيل الحركة السياحيّة، فهم اليوم، من المعدومين تماماً، لذلك نحن نعوّل على المغتربين أو بعض الميسورين أو الزوّار العرب والأجانب للتعويض عن هذا الركود العظيم وتنشيط الحرجة السياحية”.
تقول تلك الصحيفة المشار إليها أعلاه، إنّ أمين الحمرا (أحد أصحاب متنزّه البحصاصة) يؤكّد “أنّ الحركة السياحيّة خلال هذا الموسم (2008) فاقت كلّ التوقّعات، والحجوزات متواصلة على مدار الأسبوع، طغت عليها مناسبات الافراح والزواج، تزامناً مع عودة كثيفة للمغتربين” ويعزو الحمرا سبب هذا الاقبال الكثيف الى التسهيلات والتقديمات التي يلاقيها زوّاره بهدف استقطابهم على الدوام.
أمّا اليوم، فيؤكّد ماجد الحمرا أنْ لا شيء ممّا كان يحصل منذ ما قبل انطلاق الثورة في 17 تشرين الأول 2019، ثمّ ما تلاه من جائحة كورونا والانهيار الاقتصادي الكبير، “يحصل اليوم في مطعمنا الذي يصنّف بين المتنزهات الأولى ليس في منطقة حاصبيا ومرجعيون فحسب، بل على مستوى لبنان. لقد أمّنت منذ مطلع الشهر الجاري، نحو 25 عاملاً، بين شيف مطبخ وخدمة صالة بانتظار انطلاق الموسم، لكن إذا عاد الوضع إلى حاله أي ما قبل عيد الأضحى، سأقوم بصرف عشرة منهم على الأقل، تجنباً للخسارة، ودعونا ننتظر إلى ما بعد العيد”.
أكثر ما يشغل بال أصحاب المؤسسات السياحيّة في حاصبيا ومرجعيون هو كيفية الحفاظ على الاستمراريّة وليس هذا الموسم الصيفيّ بحدّ ذاته، إذ تعتاش أكثر من 60 عائلة من المتنزّهات والمطاعم في حاصبيا والجوار، هذه العائلات مهدّدة بالبطالة والتوقّف عن العمل إذ بقي الوضع على حاله. “تلك المتنزهات التي كانت حجوزات الأعراس والخطوبة و”القربانة” والمناسبات تتمّ فيها قبل أشهر عديدة من موسم الصيف، أين منها نحن اليوم؟ يأتيك زبون ويطلب نرجيلة، أو استئجار طاولة ليجلس حولها هو وعائلته فيما يتلهّى الأطفال بحديقة الألعاب الموجودة لدينا، ليس أكثر” يقول الياس اللقّيس صاحب متنزه “فيلا سكريبس” Villa Scrips في إبل السقي (مرجعيون).
تعتاش أكثر من 60 عائلة من المتنزّهات والمطاعم في حاصبيا والجوار، هذه العائلات مهدّدة بالبطالة والتوقّف عن العمل إذ بقي الوضع على حاله
يعمل لدى اللقيس نحو 12 عاملاً، “جلّهم من اللبنانيّين وقلّة من العمّال السوريّين، يتلقّى الشيف – بحسب اللقيس- 400 دولار في الشهر، “بينما العامل نحو 200 دولار، أمّا الشيف المسؤولة فتتلقّى نحو ألف دولار، ناهيك عن اطعام الموظّفين الذي توزاي كلفته الراتب الشهريّ، وتكلفة مولّد الكهرباء وغيرها من المصاريف. قرّرنا إقامة سهرة غنائية ليلة عيد الأضحى، ونعوّل عليها في انطلاقة الموسم السياحيّ في المنطقة، وإلا فنحن مهدّدون بالإقفال، والعوض من ربّ العالمين”.
“الحاصباني” بلا تلوث
كانت مشكلة التلوّث ومجاري الصرف الصحّي التي تصبّ في مجرى نهر الحاصباني تشكّل مصدر قلق لدى المصطافين والزبائن في السنوات السابقة، أمّا اليوم “فيُعتبر التلوّث بدرجة صفر في المجرى، بعد إجراءات قامت بها بلديّة حاصبيا متعاونة مع أصحاب المتنزّهات، فأبعدت المصارف الصحيّة نحو آخر النهر، بعيداً عن المجرى الأساس، ما جعل تربية الأسماك التي نقدّمها طازجة للزبائن نظيفة مئة بالمئة، وكذلك إمكانية السباحة صارت متوافرة، لكنّ ذلك يحتاج إلى روّاد، كي تكتمل الفرحة” يقول الحمرا.
يؤكد الحمرا “أنّ معظم موظّفي وعمّال متنزّه ومطعم البحصاصة هم من السوريين، ويحدُث أحياناً احتياجنا في مناسبات طارئة كالعرس أو حضور مجموعة سياحيّة آتية من مكان بعيد، إلى عمّال إضافيين، نبحث “بالسراج والفتيلة” عن موظّف لبنانيّ ولا نجد، وإن وجدنا لا يقبل بمبلغ 15 دولاراً في اليوم الواحد ويُؤثِر أن يكون عاطلاً عن العمل بدل العمل بمبلغ 15 دولاراً. العمالة السّوريّة ليست أرخص من اللبنانيّة، لكن عندما نطلب السوريّ نجده ويلبّي حاجتنا. لا يمكنني التعاقد مع خمسين موظّفاً وعاملاً طوال الموسم، إن لم تكن ثمّة حجوزات مسبقة، وإلا فالخسارة واقعة لا محالة، وهي اليوم ليست بعيدة عن المتوقّع، إن لم يتحرّك الموسم السياحيّ الاصطيافيّ بعد عيد الأضحى”.
هجرة العمالة السوريّة تهدّد الحركة السياحيّة
ثمّة تهديد آخر تتعرّض له الحركة السياحيّة في منطقة حاصبيا، هي هجرة اليد العاملة السوريّة الخبيرة من لبنان في حال تراجع الموسم الصيفيّ وارتياد المغتربين إليها. وبالرغم من توافر اليد العاملة السوريّة في القطاع السياحيّ والمطاعم، إلاّ أنّ جائحة كورونا وما أتى بعدها من انهيار اقتصادي سبّب هجرة هذه اليد نحو العراق وغيرها من الدول العربيّة، لذلك يخاف أصحاب المتنزّهات والمطاعم إذا ما عانى الموسم من كساد ما، هجرة ما تبقّى من هذه اليد الخبيرة في قطاع السياحة “ولا يمكن تشغيل القطاع السياحيّ، ليس في حاصبيا وجنوب لبنان فحسب، بل على مستوى لبنان بأكمله من دون وجود اليد العاملة السوريّة” والكلام لصاحب متنزه البحصاصة، الحمرا.
حركة سياحيّة أثريّة تراثيّة
تنتشر في منطقة حاصبيا العديد من المواقع الأثريّة والتراثيّة، يعود بعضها إلى الحقبة الرومانيّة كبرج الهبّاريّة الروماني وعين حرشا (راشيا)، لكن يأتي في طليعتها السرايا الشهابيّة في وسط بلدة حاصبيا المُدرجة ضمن المواقع الأثريّة التاريخيّة في لبنان بموجب مرسوم جمهوريّ صدر في العام 1957، ثمّ جرى إدراجها على لائحة الصندوق الدولي للمواقع التراثيّة والهندسيّة العالميّة لسنتي 2005 و2006، ما يدلّ على أهمّيتها التاريخيّة والهندسيّة التي جذبت الاهتمام العالميّ.
تنتشر في منطقة حاصبيا العديد من المواقع الأثريّة والتراثيّة، يعود بعضها إلى الحقبة الرومانيّة كبرج الهبّاريّة الروماني وعين حرشا (راشيا)، لكن يأتي في طليعتها السرايا الشهابيّة في وسط بلدة حاصبيا المُدرجة ضمن المواقع الأثريّة التاريخيّة في لبنان
كانت سرايا حاصبيا الشهابية في الأصل قلعة صليبيّة، احتلّها الأمراء الشهابيّون في القرن الثاني عشر، واستخدموها مقرّاً لهم في خلال 700 سنة. وإضافة الى أهمّيتها الوطنيّة، وبفضل هندستها المعماريّة الغنيّة تعتبر مرجعاً في فنّ العمارة العربيّة والصليبيّة والمملوكيّة والعثمانيّة.
كان يجب أن تشكّل سرايا حاصبيا أهمّ مزار تاريخيّ تراثيّ يجذب السيّاح وزوّار المواقع الأثريّة في لبنان، إلى منطقة حاصبيا، ما يساهم في خلق حركة سياحيّة رديفة، تنعكس على المتنزّهات والمطاعم في المنطقة، لكنّها اليوم، في حال يرثى لها بسبب إهمال الدولة وتقصيرها في تأهيلها وترميمها على غرار الكثير من المواقع الأثريّة في لبنان، ما جعلها تفقد الكثير من معالمها حتّى أنّ بعض الأجنحة فيها باتت متداعية ومهدّدة بالإنهيار، أمّا ما جرى ترميمه من الدار فعلى نفقة أصحابها من آل شهاب وهو لم يتجاوز بعض الأجنحة المسكونة من قبل أصحاب السرايا.