انتخابات “رابطة الثانوي” تجدد شباب السلطة
لم يسلم القطاع التربوي الرسمي في لبنان من إرتدادات الأزمة التي تعصف بالبلاد، بل تعرّض للكثير من الإهتزازات وضعته في مصير أسود لا يختلف عن المصير الذي طاول كل القطاعات، فالانهيار لم يستثنِ أحدًا وضرب المرافق كلها وأسقط كل احتمالية للإنقاذ والخروج من “قعر جهنم”.
لطالما شكّل “التعليم الثانوي” المدماك الأقوى للنظام التعليمي في لبنان، لكنه يواجه اليوم جملة من الأخطار المتزايدة على مختلف الصعد، إذ أن المؤشرات السلبية التي تسيطر على هذا القطاع تضعنا أمام “كارثة تعليمية” ستكون مفاعيلها قاسية جدًا، ما لم تبادر الدولة ووزارة التربية على وضع تصوّر واضح وخطة مدروسة لمواكبة الأزمة والتحضير لما قد يحصل في حال بلوغنا “الإنهيار الشامل” .
وسط هذه السوداوية الطاغية على هذا المرفق الأساسي، تأتي انتخابات رابطة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان لترسم بعضًا من معالم المرحلة المقبلة، والسبل الواقعية لمواجهة التهديدات التي تنذر بالبقية الباقية من النظام التعليمي في لبنان، خصوصًا مع المتغيرات التي طرأت على “المزاج” العام إثر انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 .
بعيدًا عن الأجواء السياسية التي دائمًا ما تلعب الدور الرئيسي في “تفصيل” جسم الرابطة نظرًا لتمدد الأحزاب في البنية الرئيسية للجسم التعليمي الثانوي، فقد أسفرت الانتخابات التمهيدية التي جرت في الأسبوعين الأخيرين من تشرين الثاني 2021، عن بلوغ 575 مندوبًا المرحلة النهائية لخوض معركة الرابطة، وسط تجاذبات معقدة للفوز برئاستها وأعضائها الثمانية عشر.
مواقف متفاوتة
وسط أجواء حسّاسة تمر فيها البلاد أجريت انتخابات رابطة الأساتذة الثانويين الرسميين في لبنان، والتي شهدت تنافسًا شديدًا بين ثلاث لوائح، وبلغت نسبة المشاركة 87،4 في المئة (503 مندوبين من أصل 575)، فازت لائحة العمل النقابي الموحد فيها بكامل أعضائها، ولم تبتعد السياسة عن صيغة التحالفات التي على أساسها خيضت هذه الانتخابات، إذ شكّلت “العمود” الرئيسي لها لأن “الرابطة” تُمثل كل الشرائح اللبنانية، مناطقيًا وطائفيًا وسياسيًا.
الأستاذ حسن مظلوم المرشح على لائحة المستقلين قال لـ ” مناطق نت” إن فشل الهيئة الإدارية للرابطة السابقة، مرده لطغيان الرؤيا التربوية للمكاتب الحزبية على الرؤيا النقابية، وأدى ذلك إلى مسايرة قوى السلطة في الكثير من القرارات والمواقف، فأصبحت تعمل في خدمة الأحزاب السلطوية ومصالحها، وتستجيب لرغباتها أكثر مما تستجيب لرغبات الأساتذة وتطلعاتهم. ونعتبر أن رحيل الهيئة السابقة بما تمثل هو طي صفحة سوداء من العمل النقايي للأساتذة الثانويين الرسميين، وأملنا اليوم الانتخاب وليس التصويت لأن الزملاء رأوا أداء المكاتب التربوية للأحزاب وهيمنتها على أداء الرابطة، فعندما كانت الرابطة متحررة من قرارات الأحزاب كانت تحقق الكثير من الأهداف وهذا ما نعمل لأجله للمرحلة المقبلة، نحن لسنا ضد الحزبيين بل ضد تقديم مصالح الأحزاب على مصالحنا كأساتذة، وهذا ما عانيناه خلال السنوات الماضية من عمل الهيئة السابقة.
أما الأستاذ حيدر خليفة ممثل “حركة أمل” على لائحة العمل النقابي الموحد فقال: “عبارة السلطة لا تنطبق في لبنان لأنه لا يوجد لدينا حزب واحد يحكم ويدير الدفة، لدينا قوى مختلفة ومتباينة في آرائها، أما في واقعنا اليوم فالأحزاب كانت دائمًا في خدمتنا وخدمة العمل النقابي، لأنه لا يوجد أي مطلب نقابي تحقق إلا من ضمن توافق سياسي، نعم نحن نمثل أحزابنا لأنه لا يوجد في لبنان مصطلح “مستقل”، فاللائحة المنافسة ليست مستقلة بل هي تابعة لأحد الأحزاب، ولقد خضنا معارك كبيرة حتى مع أحزابنا لتأمين حقوق الأساتذة وفي ذلك شواهد كثيرة، لأننا دائما نضع مصلحة الأستاذ فوق كل اعتبار “.
لائحة التغيير النقابي
الأستاذ علي الطفيلي رئيس لائحة التغيير النقابي قال: “إنها منافسة ديموقراطية لايصال صوت الأستاذ في هيئة رابطة الأساتذة الثانويين، إذ أنه من بعد مرور سبع سنوات على تجربة وجود أحزاب السلطة في الهيئة الإدارية، لم يستطيعوا المحافظة على حقوق الأستاذ بل تم التفريط بهذه الحقوق، من هنا كانت لائحة التغيير النقابي التي تضم أكبر طيف ممكن من المعارضة النقابية وتمثل جميع المكونات الوطنية، وتضع في رأس قائمتها هدف استعادة القرار النقابي المستقل ليعود إلى دوره وفاعليته التي عرفناها قبل العام 2014، وترتكز رؤيتنا على قراءة الواقع المعيشي والصحي للأستاذ الثانوي في ظل تردي الظروف الحياتية خصوصا أننا أصبحنا من دون تغطية استشفائية حقيقية، بالاضافة إلى تحويل الرابطة إلى نقابة وتعديل قوانين الانتخابات فيها من الأكثري إلى النسبي”.
عضو الهيئة الادارية السابقة للرابطة الأستاذ أحمد المعربوني قال لـ “مناطق نت”: “نعم نحن ننتمي إلى الأحزاب ولا نخجل من هذا الامر، لكننا هنا نمثل أستاذ التعليم الثانوي فقط، وهذا ينطبق على المرشحين على اللوائح الثلاث، فكل مرشح له خلفيته السياسية او الاجتماعية وهذا أمر طبيعي في لبنان، نعم أنا موجود برابطة التعليم الثانوي منذ خمس سنوات وأقولها بصدق لم نبنِ موقفنا في أي مناسبة التزامًا بتعليمات حزبية من هنا أو هناك، مواقفنا تنبع من ضميرنا المهني ومن رؤيتنا كأساتذة ثانويين تضع مصلحة الأستاذ في رأس أولوياتها، فالحالة التي نعيشها لا تقتصر على أستاذ دون آخر أو شريحة دون أخرى، وهذا ما عملنا له في المرحلة الماضية واستطعنا تحقيق سلسلة الرتب والرواتب بالرغم من أنها ليست وفق تطلعاتنا لكنها خطوة إلى الأمام، والمهمة اليوم أمام الرابطة الجديدة لن تكون سهلة في ظل الظروف الكارثية التي نشهدها في لبنان”.
مسيرة شاقة
شكلت الرابطة على مدى سنوات من العمل الصوت الرسمي للأساتذة الثانويين، واليوم وبعد اكتمال انتخاباتها تقف على مشارف مهمّات أقرب إلى الإعجازية، فالظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد وتهاوي قيمة الرواتب جراء الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار الأميركي وانعكاس ذلك على كل مستلزمات الحياة، فالأستاذ أولًا وآخرًا هو إنسان ومواطن ولديه متطلبات أساسية كي يستطيع تأدية رسالته في بناء الانسان التي كرّس نفسه لأجلها.
الأستاذة ملوك محرز ممثلة تيار المستقبل على لائحة العمل النقابي الموحد رفضت الاتهام بالقول أننا قادمون من أحزاب السلطة، نحن جزء من هذا العمل النقابي نحمل مشروعنا لخدمة الأستاذ الثانوي، ونحن ارتضينا تصدر المشهد والتكليف بهذه المهمة الشاقة خصوصًا في هذه الظروف القاسية، ومشروعنا مبني على جملة من القوانين نريد تحصيلها لضمان حقوقنا بشكل طبيعي ضمن الأطر النقابية ومن دون اللجوء للتحركات المطلبية عند كل مفترق، وهذا يحتم علينا التواصل مع الجميع تحت قبة البرلمان، والرابطة كانت لتحصيل الحقوق لا لتمثيل السلطة.
من دون أدنى شك أن الأساتذة بشكل عام والثانويين بشكل خاص يتعرضون لمحاربة شرسة تطاول لقمة عيشهم، وفي السنتين الأخيرتين قاسوا الأمرين نتيجة جائحة الكورونا وانعكاساتها ومسألة التعليم عن بعد وما سببته لهم من إرهاق مضاعف لعدم توافر الإمكانيات لهذا العمل، من هنا فإن دور الرابطة الجديدة هو رسم خارطة طريق مختلفة تتوافق مع التبدلات الجذرية التي طرأت على لبنان من كل النواحي.
الأستاذ حيدر اسماعيل ممثل حزب الله في لائحة العمل النقابي الموحد قال: “ما نشهده اليوم من منافسة هو فقط يصب في خانة الأستاذ الثانوي ونهدف دائما إلى عمل نقابي حر وموحد، أما إتهامنا بأحزاب السلطة فالجميع في لبنان لديهم قناعات سياسية قد تدفع بالعمل النقابي إلى الفاعلية، لأن الأحزاب تساند مواقفنا ومطالبنا ولا تعرقلها، وأحزابنا وممثلينا في المجلس النيابي تدعم القضية التي نعمل لأجلها وهي قضية حقوق الأستاذ الثانوي في كل المجالات، وهذه التسميات التي تطلق علينا هي واهية وتأتي في سياق الحملة الاعلانية لا أكثر ولا أقل”.
طموحات الأساتذة
أسئلة كثيرة يجب على الرابطة العمل بوتيرة مرتفعة للوصول إلى إجابات واضحة عليها، كيف يمكن للأساتذة إيصال المفاهيم الحقيقية للإنتماء الوطني في وقت يرون حقوقهم مسلوبة وامتيازاتهم مهدورة من قبل الجهة التي يقع على عاتقها مسؤولية حمايتهم؟، كيف يمكن تعزيز دور الثانويات الرسمية إن كانت كوادرها ترزح تحت أعباء لا طاقة لهم على تحمل تبعاتها؟، وكيف يمكن تثبيت الأستاذ الثانوي الرسمي في موقعه الريادي وحمايته من “الفاقة” التي تهدد وجوده وحياته؟.
كثيرة هي المهمّات الملقاة على عاتق الرابطة الجديدة، أولها النأي بنفسها ومن تمثل عن الصراعات السياسية التي تضرب البلاد طولًا وعرضًا، ثم الشروع بتحديد الأولويات التي تتماشى مع الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والصحية التي نقاسي ويلاتها، بالإضافة إلى ضبط الإيقاع الإداري للجسم التعليمي الثانوي والاسراع بالتنسيق مع وزارة التربية لإنجاز المناقلات والتشكيلات الضرورية لوضع قطار التعليم الثانوي على سكته الصحيحة.
أيضًا أمام مجلس الرابطة الجديدة المهمة الشاقة في صون حقوق الأساتذة، فالهجرة تُشرّع أبوابها على مصراعيها أمامهم، والكثير من الأساتذة الثانويين قدموا طلبات لوزارة التربية لوضعهم في “الاستيداع” لمدة عامين للسفر إلى الخارج والعمل هناك، وهذا ما سيؤدي إلى إفراغ الجسم التعليمي الثانوي من كوادره وطاقاته، وبالتالي فقدان التعليم الثانوي القيمة الكبرى فيه المتمثلة بجسمه التعليمي.
ومن المهام الكبرى التي يجب على مجلس الرابطة الجديد الإهتمام بها ما يتعلّق بـ “تعاونية موظفي الدولة” الجهة الضامنة للأساتذة لا سيما فيما يتعلّق بالشأن الصحي، خصوصًا مع ارتفاع كلفة الطبابة والاستشفاء وكلفة الدواء، في ظل تردّي الأوضاع المالية بشكل عام، وبالتالي العمل على ضمان حقوق الأساتذة من الهدر والتوصل إلى صيغ مناسبة لهم في ظل الأزمة الخانقة التي يعانون منها.
الطريق أمام الرابطة الجديدة ليست مفروشة بالورود، بل شاقة وشاقة جدًا، وعليها أن تقرأ الواقع اللبناني بدقة بعيدًا عن الحسابات السياسية من هنا والمحسوبيات من هناك، فآلاف العائلات مهددة بمعيشتها ومستقبلها، خصوصًا بعدما أصبحت الثانوية الرسمية الملجأ الوحيد للكثير من طلبة لبنان نظرًا للارتفاع الكبير الذي طرأ على أقساط الثانويات الخاصة وباتت تفوق قدرتهم بأضعاف على الإيفاء بأعبائها.